السبت ٢ آب (أغسطس) ٢٠١٤
بيمال روي
بقلم نوزاد جعدان جعدان

ثورة مفصلية في تاريخ السينما الهندية

كشف أسرار الواقع ونظر إلى السينما على أنها مرآة تعكس الحقيقة، لم يروّج يوماً للسياحة في أفلامه أو يصنع فيلماً تحت الطلب ليستحوذ على شباك التذاكر، كشف النقاب عن الواقع والطبقية في مجتمع رسا فيه تيار السينما التجاري، مع ذلك استثمر اليأس وعصر منه الجمال، أطفأ أضواء المدينة وأشعل من وهج القمر عود ثقاب يكشف وجه المدينة الحقيقي، شأنه شأن حزن القمر تستمتع بأفلامه على الرغم من قسوة التصوير والسوداوية التي تطغى عليها.
أحدث مع أبناء جيله "غورو دت، ساتيا جيت راي، شيام بنغال، " ثورة مفصلية على القواعد المتبعة في السينما الهندية ، كما طالب بحقوق المرأة وأن يكون لها الدور الإيجابي الفعال وليس مجرد أن تكون بطلة مساندة، ، فإن كان للأدب البنغالي أديبها وشاعرها الثوري نذر الإسلام، فللسينما الهندية نمر بنغالي ثائر صور الواقع تسجيليا وبقي متمردا على حال السينما التجارية في بوليوود.

كشف أسرار الواقع ونظر إلى السينما على أنها مرآة تعكس الحقيقة، لم يروّج يوماً للسياحة في أفلامه أو يصنع فيلماً تحت الطلب ليستحوذ على شباك التذاكر، كشف النقاب عن الواقع والطبقية في مجتمع رسا فيه تيار السينما التجاري، مع ذلك استثمر اليأس وعصر منه الجمال، أطفأ أضواء المدينة وأشعل من وهج القمر عود ثقاب يكشف وجه المدينة الحقيقي، شأنه شأن حزن القمر تستمتع بأفلامه على الرغم من قسوة التصوير والسوداوية التي تطغى عليها.
أحدث مع أبناء جيله "غورو دت، ساتيا جيت راي، شيام بنغال، " ثورة مفصلية على القواعد المتبعة في السينما الهندية ، كما طالب بحقوق المرأة وأن يكون لها الدور الإيجابي الفعال وليس مجرد أن تكون بطلة مساندة، ، فإن كان للأدب البنغالي أديبها وشاعرها الثوري نذر الإسلام، فللسينما الهندية نمر بنغالي ثائر صور الواقع تسجيليا وبقي متمردا على حال السينما التجارية في بوليوود.

ينحدر بيمال روي من عائلة بنغالية عريقة، ولد عام 1909 ، و بدأ حياته الفنية بالعمل كمساعد مصور في شركة نيو ثياتر، حيث حظي بالعمل مع المخرج الكبير " “p.c.Baruaفي فيلم "Devdas "عام 1935 من بطولة عندليب الهند " كاندال لال سيجال "، كما عمل كمصور في فيلم " Mukti " عام 1937، فتعرف على سحر الكاميرا السينمائية عن قرب وأبعاد زوايا التصوير والانبهار بالإضاءة و الظلال المتبعة آنذاك.

البداية الحقيقة لسينما روي كانت عندما أخرج فيلم " hamRahi " عام 1945، والذي نال استحسان النقاد آنذاك، تتجلى في الفيلم الصور المعبرة والكاميرا التي تنقل الحالة النفسية التي تعانيها شخوص الفيلم، ناهيك عن الاعتناء التام بزوايا التصوير والإضاءة التي تحاكي الحالات الجارية.

بعد انهيار شركة نيوثياتر، هاجر روي كالكوتا وقصد بومباي - حلم السينمائيين الهنود-، في بوليوود وبين الألوان الفاقعة والبهارات السينمائية أخرج روي أول أفلامه هناك " Maa" عام 1952 لصالح شركة بومباي تولكز، عالج روي الفيلم بروح تعبيرية عالية تنمي عن قدرة بوهيمية فائقة لتجسيد ميلودراما حقيقية.

وعن رواية للأديب البنغالي سارات تشاندرا ، أخرج روي فيلم "Parneeta "، قبل أن يفتتح شركته الخاصة بالإنتاج، وينتج ويخرج أول أفلامه الذي حمل عنوان "Do bighha zameen "هذا الفيلم الذي حفر اسم روي على جدار الزمن وكتب اسمه بحروف من ذهب وخاصة أنه أوصل صوت الهند إلى مهرجان كان السينمائي حيث حصد جائزة السعفة الذهبية، كما حاز على ثناء النقاد وتربع عرش شباك التذاكر.

يتحدث الفيلم عن رحلة مزارع فقير يهاجر من قريته إلى المدينة سعياً لجمع المال وليسترجع أرضه من المرابي، فيعمل حوذياً- ما زال في الهند يستخدمون البشر لجر العربات بدلا من الدواب - وبعد إخفاقات عديدة وتشرد مرير في المدينة، يعود إلى قريته ويتفاجأ بأن الدولة أممت مزرعته معتبرة إياها أملاك دولة.

تأثر بيمال في أسلوبه السينمائي بالواقعية الإيطالية مع جرعة مكثفة من البساطة والعواطف الجياشة، حيث تتلاقى الكثير من القواسم المشتركة بين فيلمي دو بيجا زامين والفيلم الإيطالي دراجة اللص دي سيكا.

تبنى روي قصة أخرى للأديب سارات تشاندرا بعنوان " Biraj Bahu" عام 1954، قبل أن يصادف أول فشل في مشواره الفني ، عندما أخرج فيلم ديفداس بنسخته الثانية عام 1955 من بطولة النجم ديليب كومار.

حقق روي عام 1958 نجاحاً سينمائياً باهراً مع فيلم " Yahudi" لقصة للكاتب رتويك جاتاك في دراما سينمائية تغور في العوالم الفلسفية حيث الشكل الخارجي للظلال، والموسيقى المنسابة من عمق الصورة التي أبدعها الموسيقار ساليل تشودري بتهيئة بيئة إبداعية موحية ومعبرة وليعتبر من أجمل الأفلام التي وضع الموسيقى لها، كما قدمت إمبراطورة الغناء الهندية لاتا مانجيشكار أغنية " aaja re pardesi " والتي اعتبرت من أفضل عشرة أغاني في مسيرتها الخالدة.

كما أطلق في العام نفسه فيلم " Madhmati" برؤيته البصرية العالية، والتصوير الأخاذ للجبال التي يلفها الضباب، في معنى مرموز لما تتضمنه شخصية البطل الغامضة، ولعل اعتنائه العالي بالديكور وستائر القصر المهتزة مع الريح تضيف بعداً أخر للفيلم، ولتجعل المتفرج مشاركاً في الفيلم بتفاصيله المعبرة محققاً ما يسمى الفرجة السينمائية.

بعد النجاح المنقطع النظير لفيلم يهودي، طرح روي سلسلة من الأفلام الناجحة، فأطلق " Sujata" عام 1959 بطولة النجمة نوتان زوجة المطرب الهندي العملاق كيشور كومار، حيث يتحدث الفيلم عن الطبقية والعنصرية والتفرقة الجنسية بأسلوب شفاف ، كما أطلق " “ Pandini" عام 1963، والذي يتناول قصة سجينة متهمة بجريمة قتل، القصة تروي تفاصيلها الكاميرا المسلطة على وجه السجينة بارزة ملامحها البائسة و التي تفسر خفايا القضية في فلاش باك متقن، حيث الشخصية حاضرة على الدوام تستطيع سماع صوتها أو رؤية ملامح وجهها في صور تعبر عن مزاجات مختلفة مع رتم موسيقي عالٍ، وخاصة اتقان روي لزوايا الكاميرا الضبابية والرمادية وتصويره الحائط العالي في وجه السجينة، مع خلفية موسيقية لصوت حوافر الخيل وهي تسحب حبيبها إلى المجهول.

ولعل من اكثر اللقطات التي عززت المشهد الدرامي لجريمة القتل في الفيلم، حينما تقتل نوتان زوجة حبيبها يتراءى الديكور المحكم والتفاصيل الدقيقة من عدسة الكاميرا، حيث تبدو مطرقة في خلفية مشهد القتل بدمج مذهل لمطرقة المحكمة ومطرقة الجريمة، وإن عمل روي في بداية مشواره كمصور ألقى بالكثير من الظلال على عمله كمخرج، وساعده على التعبير وانتقاء العدسات المناسبة بجمالية أكبر.

المحطة الأخيرة لمشوار بيمال روي السينمائي كان مع إنتاجه لفيلم "Benazir" من إخراج أس خليل عام 1964.
توفي بيمال روي عام 1966 في بومباي، وأكمل ابنه جوبي مسيرة أبيه في الإخراج، فأخرج فيلماً قصيرا بعنوان "images"، يحمل لقطات من فيلم أخرجه بيمال روي، وكان أغلب ظنه أن بكرة الفيلم قد ضاعت، إلا أن ابنه حوّله لفيلم قصير ناجح عام 1999 تتجلى في لقطاته عبقرية روي.

أخرج بيمال روي طوال مسيرته الفنية 25 فيلماً و أنتج 15 وكتب قصة 5 أفلام، وحصد جوائز عالمية ومحلية عدة ، حيث رشح فيلما " Sujata" و " Biraaj Bahu" إلى جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان، كما حصد فيلم " do bigha zameen" على جائزة أفضل فيلم أجنبي ورشح للجائزة الكبرى في مهرجان كان ونال جائزة الفيلم فير في بوليوود – التي حصد جوائزها مرات عدة في حياته - والتي تضاهي الأوسكار هناك، بالإضافة إلى نيله شهادة تقدير من المهرجان الوطني، كما الفيلم يعد من كلاسيكيات السينما في العالم .

وصفه المخرج الهندي روتويك جاتاك بأنه سيد السينما الأول في الهند، فما زال الكثير من المخرجين المعاصرين يتأثرون به ، فتظهر روح بيمال روي وامتدادها في فيلمي ديفداس عام 2002 من بطولة شاهروخ خان وإخراج سانجاي ليلى بهانسالي، وفيلم لاجان عام 2001 من بطولة عامر خان وإخراج أشتوش جرواكير.

الأمر الساحر والذي أبقى سينما بيمال روي خالدة، أنها سينما متجددة تخوض فلسفات عميقة، تشكل مزيجاً من العدمية مع السريالية، ولعل الخوض في الأمور الفلسفية وسط تيار تجاري، يعد ثورة مفصلية وجرأة لا يخوض أتونها إلا قادة التغيير والتنويريون.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى