الثلاثاء ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم عادل عامر

الحرية البائسة

خلال الانفجار الثوري في يناير اعتمدت النخبة بشكل كامل على المهمشين والبرجوازية الصغيرة وأشباه البروليتاريا ، وهو ما دفعها للتحالف مع الأخوان المسلمين ومشجعي كرة القدم من روابط الألتراس التي لا تعرف عن السياسة والثورة أكثر من إلقاء الحجارة على قوات الأمن المركزي . ولا تمتلك سوى قدرتها على حشد العدد الكبير من الشباب المهمش والفاقد تماماً للوعي . وكان من الغريب أنها تجاهلت تماماً الطبقات الكادحة من العمال وفقراء الفلاحين سواء في العمل الثوري ضد النظام ، أو في مطالبها التي اقتصرت بشكل فعلي على الحرية ، ومع أن شعاري الخبز والعدالة الاجتماعية كانا موجودين ضمن شعارات الثورة منذ البداية فقد ظلا مطلبين غامضين للغاية وتم إهمالهما تماماً من الناحية الواقعية ، وبالتالي لم تشهد أوضاع هذه الطبقات أي تحسن على العكس من فئات البرجوازية الصغيرة والرأسمالية ، بالرغم من أن هذه الطبقات هي التي تحملت القدر الأكبر من عسف مبارك وحاشيته من رجال الأعمال . كان لجوء النخبة لفكرة المليونيات التي تقوم على التواجد الجماهيري في الشارع بكثافة للضغط على الحكومات ، ثم الاعتصام بالميادين بهدف الاثارة الإعلامية في مواجهتها وتهديدها اقتصادياً ، إشارة واضحة لعدم قناعتها بدور الطبقة العاملة أو ربما عدم رغبتها في إستعادة هذه الطبقة لتقاليدها الثورية . وخلال هذه الفترة تحرك الكثيرين بإفك واضح للحديث حول التميز الثوري المصري ، والذي أقام ثورة دون قيادة ودون أيدلوجية باعتبارها تجربة مصرية خالصة ، دون أي توضيح عن موضع تميز الشخصية المصرية عن باقي البشر في ثوراتهم ، لكن الغرض الأساسي من إثارة مثل هذه النعرة الديماجوجية لم يكن سوى السعي لتمرير مخطط التعمية على حقوق هذه الجماهير في مشروع ثوري بديل للوضع القائم . لذا فالتعلم جيداً أن الحزن وعدم الرضي والإكتئاب أًصبحوا الآن هم أوجه كمال حرية الفرد .. علي الأقل من إختارهم فقد إرتضي لنفسه أن لا يرضي بالممكن المرسوم له جبراً في هذه الحياة البائسة .. الآن فقط تعلم أن تخالف قطيع الفرحين وهُم يساقون إلي ذبحهم .. حتي وإن كان طريقك وطريقهم إلي نفس النهاية المحتمة والمكتوبة ألا وهي الذبح .. ولكنك بذلك سلبت من قاتلك ما كان يريد أن يسلبه منك .. ألا وهو الحزن وعدم الإنصياع إلي مخدراته الفكرية ... أصبح الحزن هو المعني الحقيقي للسعادة.
أعلم جيداً أن مخالفة الوهم هو أصل الحقيقة ... ضحكك في وجه ما يبكيك .. وبكائك في وجه ما يسعدك هو أعلي مراتب الحرية .. إنتزاعك لرداء سربلتك به الدنيا رغماً عنك هي الحرية ... حتي وإن نظر إليك الآخرون علي أنك عاري .. ولكنك الآن ترتدي رداء الحرية المطلقة .. حتي وأنت تعلم أنك داخل نطاق الجبر .. ولكنك حر داخل هذه القيود .. تعلم مصيرك ونهايتك المكتوبة لك قدراً .. ولكنك علي الأقل بداخلك ساخط عن هذه السيناريوهات البالية .. تعلم أن الذبح قادم لا محالة .. ولكن كن علي يقين تماماً أن إنتزاعهم لروحك لن تكون بها النهاية ... دمائك الآن أصبحت ترياق شفاء لكل ثمل وكل مترنح .. كلما إستنشق أحدهم رائحة دمائك الزكية أفاق وأدرك ..تبدأ الغشاوة في الزوال تدريجياً من علي عينيه التي لطالما كانت يعميها وهم الحياة .. ويبدأ في النظر إلي السماء بعين الحق فلا يجد إلا سقف لسجن ضيق .. طريقه المفروش بالورود .. هذه الورود التي لم تكن سوي غطاء لواقع قبيح يريدون به محو آثار دماء الأحرار .. كل قطرة دم تروي هذه الأرض تخرج نبتاً جديداً من نبات الحرية المجبر .... علي أمل أن يخرج أحدهم يوماً ما ويقولها صراحة إلي العلن ... يٌبشر بها شعب الأرض المجبور .. يقولها لهم بكل وضوح . كانت الحرية لكل الآمال المكبّلة، والأحلام المقيدة بقيود الأوهام... الحرية التي تطلق المقهورين نحو آفاق لا يعتري نهارها عتمة..‏ الحرية المصنوعة بأنقى الدماء.. المدفوعة بعشق أطهر القلوب..

ومن الواضح إن الأمر الذي جر الديمقراطية إلى هذا المستنقع هو افتقارها إلى مفهوم المساواة بصورته الواسعة فهي تؤمن المساواة بحدود ضيقة تقيدها بمفهوم المواطنة مثلاً أو بمفهوم العرق أو أية قيود أخرى تقصر الحقوق السياسية و الاقتصادية على فئة أو فئات و تحرم فئة أو فئات منه و الذي ينتج الشكل البائس منه هو اقصارها على دائرة ضيقة بالاستناد إلى مفاهيم دينية أو عرقية.

و كما هو معلوم ان الشكل الديني الذي حل في العصور الظلمة كان عبارة عن استيعاب المسيحي في الإطار الثقافي الغربي بحيث حافظ على الثقافة القديمة مؤطرة بالدين الوافد من الشرق بحيث انتج التميز القديم من خلال الفكر الديني المحرّف. و ما كان لهذا الشكل (الثيقراطي) من الأنظمة الا بعد ان تم التمازج بين الثقافة اليونانية الوثنية و المسيحية التي فقدت جوهرها الإصلاحي. و تطور هذا النظام لينتج النظام العبودي أو النظام الإقطاعي الذي صار يسلب صفة الإنسانية عن بعض أنواع البشر كالعبيد و المرأة. و لو ترك الأمر ليتطور في تسلسله الطبيعي لكان قد انتهى إلى مزيد من التردي في هذا الاتجاه و لكننا نجد فجأة ان عصر الأنوار يبدأ و تبدأ مفاهيم جديدة تظهر تناقض السائد.

و تؤمن بإزالته على أساس إحلال فكرة المساواة بين الطبقات و الذي يترتب عليه الشكل المعروف من أشكال الديمقراطية و هذه طبعاً ثورة تأثرت بالإسلام لأن البعد الأساسي الذي حاولت فرضه هو المساواة بين جميع طبقات الشعب و هذا هو الأمر الجديد الذي جاء من خارج الثقافة السائدة في أوربا آنذاك لكنه ادمج بالشكل القديم الموروث لابراز هذه المساواة و هو الشكل الديمقراطي و لهذا فأن الحرية كمفهوم برز بصورته السياسية ليساوي مفهوم (مساواة) ومفهوم (عدالة) ولينظم إلى المنظومة المتعددة الأبعاد و التي تسمى بالديمقراطية. غير ان التطورات التي وقعت في المجتمع الإسلامي أسفرت عن تغيير في المفاهيم الأصلية التي انطوى عليها الإسلام كنظام فالمجتمع الإسلامي سيطر عليه نظام تيوقراطي حاول أن يركز مفهوم الجبر و هو يعادل سلب الاختيار عن الإنسان و لكن بنسبة ذلك إلى الله و قد حاولت قوى معارضة طرح نظرية الاختيار في مقابل نظرية الجبر لأنها سيتمثل الفضاء الذي تترتب عليه الحقوق السياحية للجماعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى