الثلاثاء ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم سعيد أراق

رنين الهاتف الجوال

هاهي ذي الشمس قد غابت، وها نحن نقف على مشارف اللحظة الحاسمة. نظراتك تتمادى نحو الأفق البعيد، رموشك تهتز وشفتاك ترتلان كلمات مبهمة. من فوق هذه الربوة المطلة على المدينة القديمة المتلفعة بأسوارها الحزينة، تتسارع الأحداث الأخيرة التي تسبق انهيار الصرح المزيف الذي حسبنا أنه يتسع لكل ما فينا من تعطش للمغامرة والمجازفة وعشق الحياة. يتلقفنا الصمت الموجع ويطوح بنا في مهاوي اللحظات المارقة. أشعر بأني قد قلت كل ما لدي. أسترق إليك النظرات، أرى صفحة وجهك وحمرة وجنتيك وخصلات شعرك المتدلية فوق جبينك. أشم عطرك فتلفحني كل الذكريات التي تقاسمناها، وكل اللحظات التي تآنسنا فيها بحثًا عن توحد أو تلمسًا لاكتمال. أنتظر سماع كلماتك، لكنك تبدين عالقة في عوالمك الداخلية التي لم أتمكن أبدًا من النفاد إليها أو الحلول فيها حلول اجتياح أو اختراق. يتصادى رنين هاتفك الجوال، تمتد يدك بشكل آلي إلى حقيبتك، تخرجين الهاتف بهدوئك المعتاد، تلقين نظرة شاردة على شاشته الصغيرة، وبحركات طقوسية متثاقلة تعيدين وضع الهاتف في الحقيبة، وتخرجين منها مفاتيح سيارتك، ثم تغادرين المكان متلفعة بصمتك المستعار...

**************

مشهد سوريالي

في النقطة التي يتقاطع عندها أفخم شارعين في المدينة، يستلقي شبه جسد منهك نحيل، لا تفصله عن برودة الأرض القارصة سوى قطعة رثة من الورق المقوى الذي بللت أطرافه قطرات المطر في الهزيع الأخير من الليل. على مقربة من الجسد، بموازاة مع الذراع المتصلبة، توجد كسرة من الخبز اليابس عليها آثار مرق ناشف وقميء. في غمرة النوم الغَيْبُويِيِّ الذي يتلبس الجسد، وعبر كثافة الضباب الغامق، تتراءى بعض أطراف هذا الكائن السوريالي، لكن الوجه يبدو بدون ملامح، غارقا تحت جنح الضباب الهائل، متواريا خلف فخامة الاحتجاب الشفيف. فجأة ينبعث في المشهد صوت مواء، وتنكشف عبر الضباب قطة شاردة، تتمسح لحظة بالحائط الأملس ثم ترنو نحو الجسد اللصيق بالأرض، تحتك به تلمسا لدفء جميل، تتوسد ذراعه المتصلبة من شدة البرد، تموء موءتها الحزينة، ثم تغمض عينيها وتنام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى