الثلاثاء ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤

منال النجوم والصّور الشعرية الساحرة*

عبدالله دعيس

تأخذك أصابع منال النجوم، التي تشع شعرا، إلى عالم خيالي قوامه الصور الشعرية المستوحاة من بيئتها. تقودك معها حيث تريد، بكلمات قليلة مصقولة بعناية رغم بساطتها، فتبوح لك بألمها، وتحكي لك قصتها، وتجسد مشاعرها. فالشعر ضوء يتدفق من أصابعها لكنه ينبع من جرح دام في قلبها.

جرح الغزالة ينبض شعرا
وعن آل بكرتها
المدائن تستقي دمها

عند الشاعرة قدرة هائلة على بناء الصور الفنية المتحركة التي تأخذك إلى عوالم غريبة جميلة. فقصائدها مجموعة من الصور المكثفة، تكتبها وكأنها مشهد سينمائي يدور أمامك، أو ريشة رسام حاذق يمزج ألوانه ليصور الطبيعة بصورة لا تشبه الطبيعة! فيشحذ تداخل الألوان خيالك ويدفعك إلى التفكير في ما وراء تناسقها أو تخالفها.

يبوح قلبها بمشاعر فياضة بصراحة وشفافية، تختفي وراءها امرآة عاشقة، امرأة معذبة، امرأة متشائمة تندب حظها العاثر وتبوح بحبها. يتسلل الأمل أحيانا إليها لكن روح التشاؤم تئده قبل أن ينطلق.

فالحياة تمضي سريعا وتنتهي، تذبل بسرعة. وكذلك اللحظات الجميلة، لا تلبث أن تنقضي قبل أن ندرك أنها بدأت، ثم نحزن على فواتها. فنحن نمر مرّا سريعا من هذه الدنيا وكذلك تنقضي لحظات الحب والسعادة.

كان الغزال يرعى على باب بيتي
عندما فاجأتني الشمس بزوالها
وانطفأ المشهد
ورغم سرعة انقضائها، فالحياة تجربة مؤلمة.
تشعل السيجارة
تكون ممعنة في رحلتها
تجاه النهاية
وحين نولد
يولد معنا الموت

تبدو الشاعرة متشائمة، والحظ العاثر يلازمها، وقد فاتها الزمان دون أن تسعد بلحظات حياتها. تعبر عن هذا بصور متعددة، وفي قصائد كثيرة. تأمل قولها:

الغراب شريكنا في قهوة بردت

وتظهر الشاعرة صورة المرأة المكسورة المقهورة التي تحارَب في عشقها وحبها وحقها في الحياة. فهي محاصرة من المجتمع والأقارب والزمن الذي يمضي سريعا ويسلبها نضارتها، لكنه لا يسلبها قلبها.

سال عسل الأيام
سلبوني خاتمي
فرح الناس
ارتشفت دموعي

وتبدو الشاعرة متألمة قد أعياها الألم، معذبة تبث جراحاتها في كلمات مؤثرة وصور تحرك شغاف القلب. ويبدو أنها مرّت بتجارب مريرة في حياتها أعطت قصائدها بعدا وجدانيا يترك بلا شك أثرا في نفس القارئ.

أنام
وأثني أجنحة السرو على وجعي
فغزال الغابة مجروح
أضنته الرحلة

وتقول:

صخرة سيزيف ماثلة أمامي

مستحضرة الميثولوجيا اليونانية لتعبّر عن ألمها الدائم وعن عبثية الحياة.

والشاعرة عاشقة، تعلن عن حبها وعشقها بصراحة دون مواربة. ومع أنها تحاول أن تبطن أفكارها داخل صورها، إلا أنها تبوح بحبها بشكل جلي. فهي تكسر حواجز أنوثتها وتعلن بصراحة ميل المرأة الفطري للرجل. وتصرح عن تجارب حب صعبة مرت بها بانتظار فارس أحلامها الذي يبدو أنه لن يحضر:

قلبي ليس قلب عذراء
فقد سنّته أسنان تالفة
ولاكته على مهل!
يؤلمها عدم اكتراث الحبيب لها رغم اندفاعها في حبه.
أكون ألهث!
وراء زيزفونتك الخاصة
وراء صدى موسيقى الرفض لي
وعدم الاكتراث

لكنها تعترف أن الفارس الذي ترسمه في مخيلتها لا وجود له في عالم الواقع، لذلك فإنه لن يأتي:

سأعتلي صهوة الأخيلة
أرسم ملامح رجل
فلا وجود لفارس أنوثتي

وتعلن الشاعرة موقفها من الحياة، فهي ستعطي الحب دائما حتى لو ووجهت بالقسوة والنكران.

سأمطر العالم حبا
وليمطرني العالم حربا

ورغم تشاؤمها وفقدانها الأمل، إلا أنها في نهاية المطاف ترسم دعوة خجولة للتمرد وعدم الرضا بالواقع فتقول:
لا، لا ترضَ .... فالنوم هوان!!

تذهلك الشاعرة منال النجوم بقصائدها، تأخذك لتعيش في عالم مختلف، ترسم حولك هالة من الصور الجميلة، تأسرك في عالمها، ببساطة لا تستطيع أن تفلت منها.

*ديوان"أصابع من ضوء" للشاعرة الفلسطينية منال النجوم، ويقع الديوان الصادر عام 2014 عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في 104 صفحات من الحجم المتوسط، وقدّم له الشاعر سميح محسن.

عبدالله دعيس

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى