الجمعة ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤
بقلم عبد الجبار الحمدي

زاوية الأوجاع...

من يسكب الاحزان في كأسي، ما عدت استطيع ان اتجرع مرارتها، الا يكفيكم مأ انا فيه!؟؟ لقد ذهب وانتهى الأمر، فما عاد هناك إبتسامات أو ضربات قلب، صفقت الايام الباب الذي كنا نروم، وعصفت نادبات الحظ صراخا في فضاء احلامي حتى صَمّت آذان الأمل... تلك هي الحقيقة التي ربما تعرفونها دون رتوشها الحقيقية... فما حدث كان عكس ما حسبتم رغم اني لا احب الرتوش لكن واقع الحال فرض علي ان احكيها لكم بعد ان مسحتها بيدي هاتين لإخفاء حقيقة ما حصل...
كما سمعتم مني او تعرفونه عني رجل استبيح زجاجة الخمر تلذذا أكثر من الفتاة التي أجالس، فشأني وعلاقتي بها قديمة، ربما مذ كنت اخدع والدي حين يغفو بعد سكره لأجرب ما يحتسيه، ينطلق بعدها بعيدا يحاكي النجوم في السماء ليلا، يقتبس من المفردات ليغرد كالعندليب آهات موجعة... كنت أحس بألمه رغم صغر سني، ادمن المعاقرة بعد ان توفيت والدتي فسكن الى آلامه ووجعه بعدما بنى في داخل باحة البيت الصغير الذي نعيش فيه زاوية الأوجاع التي ما ان يركن إليها حتى يرفع ستار من يسامرهم يُحَيي من يستمع إليه، فيردد هيامه بالمرأة التي عشقها حد التمني الموت معها... لكن يد الاقدار التي منعت قتل نفسه بعد ان أعطته ثمرة حبه، لم أكن أعرف انه كان يقصدني! لكني لم اتذكر يوما انه قد جرحني او عاقبني على ما أفعل، بل كان يفعل المستحيل لتلبية رغباتي، كثيرا ما يردد على مسامعي انت يا صغيري الرسالة البيضاء التي لم تكمل والدتك كتابتها، تركت لي اكمالها رغم جهلي بالقراءة والكتابة، فعمدت الى التعلم بأوجاعي، وحملت على نفسي الاذعان لكي اوصلك الضفة الاخرى من الحياة... تلك هي الرسالة التي سأبقى اكملها ما قُدر لي من الحياة، كانت كلمات لم أعي قيمتها الى ان فقدته وانا مدركا قيمة فقد الحبيب مصحوبا بالوجع... نعم لقد كان حبيبي وصديقي وأخي ووالدي، لم يترك الكثير من المال لكنه ترك جرحا لا ينبري ابدا، كثيرا ما كنت أراه يبكي بدموع لامستها مرة حين نادى علي وضمني الى صدره... يا الله شعرت لحظتها ان براكين وأوجاع العالم بأجمعه قد اخفاها بداخل صدره، فحرارتها وأنين الصراخ وصل الى مسامعي، لا مست حرارتها خديّ فقلت له ما بك يا أبي؟؟ تطلع الى وجهي ومرر بأصابعة الخشنة على وجهي لكنه سرعان ما قَلَبها مخافة ان يخدشه ... قبلني على جبيني طويلا ثم قال: أسمعني جيدا... ربما سأغادر في القريب العاجل، إني أشعر بأن الركب قد وصل وسأمضي معه الى الابد ...

شهقت وفزعت...!!!!

فقال بعد ان رآني مندهشا!!! ... أششششش لا عليك ستكون على ما يرام، لقد اوصيت بك الى السيدة صاحبة المنزل لتعتني بك... إنها إنسانة طيبة رحيمة..

قاطعته قائلا: خذني معك!؟ فأنا لا اريد الابتعاد عنك..

رد مجيبا: وأنا كذلك، لكني أشعر بدنو رحيلي وعليك ان تكمل الحياة لوحدك بكل ما فيها من افراح واتراح... حاول ان تجد فتاة تكن لك الحب، تغفو على صدرك وحدك بعد ان تفترش اوراق حياتها لتُدخلك الى عالمها ثم تغطيك بها... فالمرأة يا بني زهرة ندية إن عشقتها صدقا بكل ما فيها من شوك... ستعطيك ما لا يمكنك تصدقه، ستعمل الى نزع أشواكها بيديها حتى لا تجرحك بمفردة او تصرف... وحذاري من زهور المستنقعات الخضراء

لم افقه جيدا قوله ولم يطل في الحياة بعدها، أظنها كانت المرة الاخيرة بعد يومان من رحيله... بكيت كثيرا حتى أني كدت أنتهي لولا رعاية تلك السيدة...

كبرت بسرعة مع الايام حبث أنها رافقتي عنوة، تدفع بي الى أماكن كنت لا اريد ارتيادها، لكنه القدر الذي ارسل ايامه لتدخلني عالم والدي، احببت معاقرة الخمر حتى التقيت بفتاة كالزهرة، عشقنا بعضنا البعض حد الجنون، كانت سعيدة جدا، وأنا كذلك... فارتبطنا..

كثيرا ما حدثتها عن والدي وابيات الشعر التي كان يرددها، تلك التي حفظتها عن ظهر قلب... شعرت بأن الدنيا قد اعطتني وجهها الجميل..

جميعكم كنتم تشاهدوننا بل كنتم تحسدوننا أليس كذلك؟؟؟

لا أشك في ذلك.... كنت قد نسيت خبايا الايام حتى هويت في مستنقع الخيانة الذي زلت قدم من احب فيه ... جن جنوني!!! لم اصدق!!؟؟

فخرجت دون أن أنتقم لنفسي، او لمشاعري، ليس جُبناً او خوفا، لكن كيف لي أن أعرف أن زهرتي كانت تعيش في وسط مستنقع الرذيلة ذاك الذي اخبرني والدي عنه...؟؟؟

يالفلك حياتي!!! بلعت سقمي، سامحتها بعد ان بكت بدموع التماسيح، غير أن نار في جوفي تزداد، فعادت الصور المشوشة تمر امامي، تذكرت الزاوية والركن الذي كان يقبع اليه والدي وهو يستعرض فيه المشاهد بكل حذافيرها، سارعت الى وضع الرتوش لتورية ما أراه في عيونكم او ما تحاولون إسماعي... ربما لحبكم لي!؟ او ظنكم بغفلتي.. فأدركت غصته ومرارة ما شعر به ...ها انا أشرب من نفس الكأس الذي سقته نادبات الايام تلك اليه، لكنها لم تنفك تشمت بي حتى أرتني مرة ثانية من احب على فراش الخيانة فقتلتهما معا....

كان هذا ما يقصه بعد سنين من خروجه السجن حيث حكم عليه مع تخفيف الحكم كونه دفاعا عن الشرف الى من تعرف عليه حين كان يعاقر زجاجة الخمر في نفس المكان الذي اعتاد والده ان يرتاد إليه في نفس زاوية الاوجاع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى