الجمعة ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤
قراءة في المجموعة القصصية

«العصا» للكاتب والنحات زهير الخراز

محمد الخريف

ليس بدعا أن يكون النحات قاصا أو أن يكون القاص نحاتا،فكلاهما ينتميان إلى عالم الفن والإبداع ويمتحان من الواقع والخيال أو هما معا مع اختلاف وسائل العمل ؛وليس بدعا أيضا أن يرتاح الإزميل لينوب عنه القلم إذا رأى العبارة لا تحتمل التجسيد والظل،ذلك ما بدا لي لما أهداني الكاتب النحات زهير الخراز مجموعته القصصية (العصا)ونحن في مدينة مشرع بلقصيري الشهر الخامس من هذه السنة 2014 نحضر تكريم واحد من كبار كتاب القصة القصيرة الراحل مبارك الدريبي وكذا نتائج مسابقة السنة التي تعنى بها كل سنة جمعية النجم الأحمر التي أشكرها على حسن الحفاوة والاستقبال والتنظيم وعلى إتاحتها لي التعرف على عدد من المبدعات والمبدعين في مجال السرد والقص خاصة المبدع عبد الحميد الغرباوي والروائي عبد القادر الدحمني صاحب رواية (أحزان حمان )الجديرة بالقراءة. ووجدتني أمام إغراء جديد على قراءاتي الفضولية لم يسبق لي أن كتبت عن المنحوتات بأنواعها مع أني أحضر معارضها التي كنت أمر عليها مرور القطار السريع حتى لا يعود سحر عبادة الأوثان والأصنام وأنا سليل هذه الأمة العربية التي عبدتها قبل الإسلام ولا تزال تعبد الأحياء منها،ولا شك أن نحاتي ذلك العهد كانوا بارعين في تقديم منتوجاتهم المجسدة لرموز كانوا يرون فيهم الصلاح مثل صنم اللات أو فيها الفساد مثل إساف ونائلة،والحديث يطول عن رمزية منحوتات جاهليتنا الغائبة الحاضرة.وأعتقد أن الفنون جميعها لم تتخلص بعد من تلك الرمزية التي تخفي جماليات كما تخفي مرارات حقيقية إما يتعمد الفنان والكاتب إخفاءها مثلا ااخوف من بعض المتابعات كما أجد في قصة (العصا )للكاتب والنحات زهير الخراز،إذ يعلم المواطن من يستفيد من الثروات السمكية في بلادنا،لذا سيترجم قصته إلى لغة النحت وكأن العبارة لم تسعفه أوأن الفكرة عنده سيان،إلا أني أحبذ لوحة الغلاف التي تلخص منحوتاتها فلسفة أصحاب العصا السلطوية.وبالمناسبة أسجل حضور زهير النحات لجانب زهير القاص في هذه المجموعة القصصية بذكر بعض مواد النحت ومجسماته مثل الحصان القصبي،الثور الإسباني،القطع الصلصالية،العصي القديمة والغليظة،الحجر والصخر،مما يشجع على قراءة ثانية في البحث عن المنحوتات أوما يمكن نحته من خلال نصوص هذه المجموعة.

تتكون المجموعة من 13 قصة تتأرجح بين الطول والتوسط والقصر،أطولها قصة العصا (التي أفرد لها الجاحظ في البيان والتبيين فصلا خاصا سماه كتاب العصا ردا على الشعوبية الذين اعتبروها مثلبا من مثالب العرب ) ولعل اختيار الكاتب زهير العصا عنوانا للمجموعة إشارة قوية ورمز لقضية يطرح تفاصيلها عبر سطور القصة قد أشرت إلى أسماكها سابقا. ذيل الكاتب كل قصة بسنة معينة لست أدري هل هي تاريخ ميلاد الحد ث أم الكتابة أم هما معا ؟ثم سؤال آخر لم جاءت تواريخ القصص غير مرتبة ترتيبا تسلسليا ؟وللعلم فالأحداث المطروحة في المجموعة واقعة بين 1988و1999. لقد أوقفتني أكثر من 13 قضية تطرحها هذه المجموعة القصصية الرائعة منها الاجتماعي والسياسي والأخلاقي والقومي كقضية فلسطين وخذلان العرب أمام الاعتداء على العراق وانتكاسة العرب وحالات نفسية وذاتية وتهريب المخدرات والمضايقة على صغار الصيادين والدعوة إلى الاهتمام بمدن الشمال من خلال قصة سيدة الأبراج. و مابقي عالقا بإعجابي الكبير روح المواطنة التي أشاعها الكاتب في قصة (حصان من قصب )ص5.وسأكون متعسفا وحارما القارئ الكريم من متعة القراءة واكتشاف كثير من الحقائق إذا استمررت في تقديم كل التيمات الواردة في المجموعة،لكن هذا لا يمنعني من الإشادة بالتوفيق الذي حالف الكاتب زهير في بناء قصصه على المكونات تعارف عليها كتاب القصة الناجحة كلغة السرد والحكي وواقعية الأحداث ووصف الشخوص والأمكنة وغالبها في هذه المجموعة شمال المغرب بحكم أن الكاتب من مواليد المنطقة،ومن عيونها التي كانت تشيع كل يوم أفواجا من المتسللين إلى الموت عبر قوارب الموت كما في قصة (رحلة )ص43 أو الذين عادوا بالخيبة والندم من الضفة الأخرى كما في قصة (حصان من قصب )ص5 هذه القصة التي أقترحها على وزارة التربية الوطنية لتدرجها ضمن الكتاب المدرسي وذلك لاشتمالها على قيم نبيلة متنوعة الدلالات قدمها الكاتب بلغة قصصية جميلة تكتنفها رمزية سرعان ما يتلاشى غموضها كلما عبر القارئ سطورها الممتعة.وإذا سمحتم أقدم نموذجين مختصرين من هذه القصة من خلال الحوار بين الأخوين بعد أن عاد الأكبر من المهجر،يقول مذكرا الأصغر بالهدية التي بعثها إياه:أخبرني...أما زلت محتفظا بالثور الأسود ؟ ــ نعم..نعم...انتظر سوف أحضره في الحال
يقول الكاتب على لسان الأخ الأصغر:فمرقت إلى غرفتي مثل سهم طائش،كانت بوابة غرفتي سافرة بلا باب ولا ستار،وكان لا بد من حاجز ليلجم سرعتي،فكان الجدار،فالتصقت به ثم انتشلته من جحره،كان قرناه لا زالا متأهبين للبطش....إلى أن يقول:تفضل...ها هو ذا ثورك المقرف..أرى أنه لا يمكن للخوار أن يحل مكان صهيل جواد عربي.ص16 .إشارات رمزية واضحة إلى المستعمر الإسباني وتحرشه بالساحل المغربي (صخرة ليلى مؤخرا ).في النموذج الثاني يقول الكاتب عن انتكاسة العرب:في غرفتي..وأنا مستلق على قفاي..تذكرت..تذكرت أنني لم أخبر أخي قبل رحيله عن مصير حصاني القصبي،نسيت أن أبلغه أن حصاني قد تحول إلى مكنسة على يد حمادي عميل المستعمر الإسباني.ص17

من ملاحظاتي أخيرا حضور الاقتباس من القرآن الكريم،حضور البحر ومقهى الصيادين يذكر بمقهى الزريرق بمدينة أصيلة الهادئة،وحركة المرفأ الوحيد وهموم الصيادين البسطاء الذين حاول الكاتب زهير الخراز عرض مشاكلهم وأمانيهم في حياة كريمة قبل هذه الألفية الثالثة التي تعرف فيها مدن الشمال تطورا ملموسا والتفاتة ملكية حركت دواليب علاها الصد أمنذ هجرها الاستعمار ونسيها أبناء الوطن.وفي الختم،أهنئ الساحة الإبداعية
المغربية والعربية بقصاص كبير ملتزم بقضايا مجتمعه،كبير في أفكاره،كبير في لغته وصوره حكيه وحواراته اسمه زهير الخراز.

محمد الخريف

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى