الخميس ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم مصطفى لغتيري

حرية الإبداع في الميزان

بعد الحظر الذي طال فيلم «الخروج ملوك وآلهة»، الذي منع من العرض في القاعات السينمائية المغربية بقرار يبدو غريبا عن منطق الأشياء والتاريخ، ففي الوقت الذي كان الجميع يترقب توسيعا لمجال الحريات، وخاصة في ظروف يتسم بالتحول والتغيير، وفي ظل أول حكومة تفرزها صناديق الاقتراع، من أهم مهماتها- أو هكذا يفترض- تنزيل بنود دستور جديد، فرغم الملاحظات التي يمكن تسجيلها عليه شكلا ومضمونا ، إلا أنه يعد متقدما جدا عن الدستور الذي طمرته رياح حركة 20 فبراير تحت أقدام الشباب المناضلين خلال مسيراتهم الاحتجاجية، التي قطف ثمارها الإسلاميون هنيئا مريئا.
بعد هذا الحظر الذي خلف ردود أفعال متباينة، خاصة لدى الفئة المثقفة، وبعض الهيئات المهتمة بالفن السينمائي، التي أصدرت بينات منددة بهذا المنع، فيما التزمت هيئات ثقافية أخرى الصمت، في انتظار الذي يأتي ولا يأتي. نظمنا في غاليري الأدب استطلاعا استهدف أعضاءنا، محاولين اسمتزاج أرائهم حول القضية التي طفت على السطح بعد هذا المنع الجائر ، ويتعلق الأمر بحرية الإبداع، فطرحنا السؤال التالي على الأعضاء:

 هل أنت مع تقييد حرية الإبداع الفني؟

وبالطبع تباينت الآراء واختلفت بين من يرى أن الإبداع لا يمكنه أن يحيى إلا في ظل الحرية، وهناك من دعا إلى حرية مقيدة، بينما ركز طرف ثالث على "الخصوصية الدينية والاجتماعية" التي راى أنها تتنافى مع حرية للإبداع وتجبها.
من الفسطاط الأول المدافع على حرية الإبداع قالت الأستاذة سميرة المنصوري بأنه من المفروض أننا في زمن يتشدق فيه الجميع بحرية التعبير..وفي رأيها أن الجمهور خير حكم..فالمتلقي من حقه إصدار الأحكام ..لذا تخلص إلى أنها ترفض الوصاية على العقول وترفض الحظر المفروض على الإبداع... وانسجاما مع هذا الطرح رأى الأستاذ العاقل الشريك أنه يرفض تقييد حرية الإبداع لسبب بسيط وهو أنه لا يحب أن يكون أحد وصيا عليه, "من حقي أنا وحدي –يضيف العاقل- أن أرفض ما أراه غير مناسب لي أو أن أقبل شيئا أراه مناسبا لي... حتى لا أصنع غولا يستبد بي في كل حركاتي ويضيق علي الخناق في كل تنهداتي. وتابع العاقل شارحا وجهة نظره بنوع من السخرية "جربناهم أوصياء على شأننا منذ قرون ولم يفلحوا حتى في طرد القمل عن رؤوسنا".

وهو نفس الطرح الذي يدافع عنه أستاذ سعيد فنان الذي يقول بنوع من الاقتضاب إن الإبداع الفني لا يعترف إلا بالحرية و ينبذ القيود لأنها تحمل لغة القمع مما يتعارض مع الحرية الفكرية.

وقد استفاضت الأستاذة رشيدة خيزيوة في شرح هذا الطرح قائلة إن للإبداع حساسية من القيد ...لأنه خلق حر..فهو لا يكترث حتى بصاحبه و لا يستشيره ..هو حالة خاصة ..لايقبل التبعية و لا يقبل الوصاية ..و إلا كان أي شيء آخر غير الإبداع ..فهو وليد لحظة حرة –تضيف الاستاذة رشيدة- فحدث أو حالة ..فكيف نئده قبل أن يخلق و نراه ..؟!

وفي نوع من المناجاة تقول الأستاذة رشيدة للمدافعين عن التقييد"دعوه يخرج للوجود ..يعانق الضياء ..ثم ناقشوه .،انتقدوه ..خذوا الجيد منه و اتركوا السيئ ..الأذواق تختلف ..والمصالح تشتبك ..وكل يرى الأشياء من زاوية معينة ..و إذا قيدنا الإبداع ...فسنخدم المصالح و نقضي على الأذواق .. و قد نترحم على ما كان يسمى إبداعا !!!..".

وبنوع من التناغم الفكري مع الأستاذة رشيدة يقول الأستاذ يوسف سعدون إن اﻹبداع يتنفس بالحرية...بل إنه يخدم الحرية حينما ينفلت بدهائه من كل أشكال التضييق والقمع ليشعل شمعة..ليضيء دروبا للانعتاق..لكي يكسر بوسائله اﻹبداعية كل القيود..لكي يلتزم القيم النبيلة ...قيم اﻹنسان..هكذا يخدم اﻹبداع الحرية...

ويستطرد الأستاذ يوسف سعدون الذي يزاوج ما بين الكتابة والتشكيل قائلا إن اﻹبداع يتنفس بالحرية حينما لا تؤطره قيود في إفصاح عن مكنوناته بتلقائية لا محدودة..لا تحد من إشعاعه مراعاة شروط بإسم الخصوصية...كم خصوصية وضعت أسوارا ضيقة رسمت للمبدع أفقا قصيرا لحركيته فجاء اﻹبداع نمطيا يعيد نسج صور تلك الخصوصية...وباسم الخصوصية !!!قمعت طاقات ومنعت أصوات مغردة...

القيد نقيض لﻹبداع...اﻹبداع انطلاق...اﻹبداع ولادة ولو كان المخاض عسيرا...ما أجمل اﻹحساس بالمولود بعد عسر المخاص..ذاك هو اﻹبداع...

الحرية المتحدث عنها هنا هي حرية مسؤولة..حرية بطعم نبل القيم النبيلة..حرية من أجل الرقي باﻹبداع لﻹنسان...لا تنتهي حرية اﻹبداع ولو ابتدأت حرية اﻵخر في اﻹبداع..هما يتفاعلان ﻹعطائنا الجميل...

خلافا للآراء السابقة يرى الأستاذ سعيد التزراتي أنه يمكن تقييد حرية الابداع الفني عندما تخدش الحياء والفطرة السليمة السوية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال –يضيف موضحا- قبول عمل يقدح في الذات الالهية مثلا، أو يناقش أفكارا هدامة، تدعو الى نشر الرذيلة والسيئ من الأخلاق اما غير ذلك فلا حرج فيه ولا ينبغي تقييده.

وقد دعمه الأستاذ عبد اللطيفالشمائل في رأيه بشكل مطلق بقوله" الحرية المطلقة مفسدة مطلقة"، ويبدو أن الأستاذ حسن الرموتي يتناغم مع هذا الرأي حين يقول بأن للابداع الفني حدودا لا يمكن تجاوزها، فلا يمكن مثلا نشر الفسق والعهر بدعوى حرية التعبير ...وبإمكان العقل والمنطق –يستطرد الرموتي- أن يحدد حدود هذا التعبير و هذه الحرية، فدوره الفن الأول _حسب رأيه- تهذيب للأخلاق و السمو بالإنسانية نحو الجمال الروحي وليس الانحطاط والتسفيه .

وقد دافع الأستاذ الأصيلي الزيلاشي على نفس الفكرة قائلا بأنه لابد من التقييد لان لكل شيء ضوابط، خاصة أن هناك أشباه المبدعين الذين اول ما يتعلمناالكتابةا يتجرؤون عن الثوابث ويضيف الاستاذ محددا كلامه"أقصد بها الذات الالهية".
وفي نوع من الرغبة في خلق نوع من التوازن يقول الأستاذ ادريس البيض"

الحرية هي الأصل ، لكن الإبداع الفني سلوك بشري ينبغي أن يضبط بقواعد تناسب المجتمع الذي يحتضنه ، وإلا وجدنا من يتطاول على ثوابت المجتمع بدعوى الحرية . كما أن الإبداع الفني ليس دوما بريئا خصوصا في عصرنا الحالي الذي اختلط فيه الفن بالتجارة والسياسة و صار أحيانا حصان طروادة لدك الحصون الثقافية للشعوب المستضعف . أعتقد يضيف الأستاذ ادريس أن من حق المجتمع حماية خصوصياته الثقافية .

وهو نفس الراي الذي عبر عنه الأستاذ عبدو أبو صلاح حين قال لا لتقييد الفن لكن ابداء الراي في عمل فني يجب أن يكون متاحا للجميع بدون تقييد...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى