الاثنين ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
رسائل لايتحمّلها البريد
بقلم حياة الرايس

"نوستالجي ... "

هبوب نسائم هذه العشيّة الشتوية ذكّرتني بنسائم تلك الأمسيات التي قضيناها معا على سطح تلك السفينة الراسية أبدا ، المسمّرة بضفة نهر السين و التي جعل صاحبها طابقها الأرضي مطعما و سطحها مقهى مقابلا لكنيسة ـ نوتر دام ـ محاذيا للسور الحجري بحي "سان ميشال " بباريس

أنت تعرف أنني أحبّ ارتشاف القهوة معك على سطح هذه السفينة تجذبني خضرة كراسيها المشبّكة والتي بلون العشب أرخي عليها جسدي فكأنما أفترش الاعشاب

أسند لها ظهري و أقبّل وجهي نحو الكاتدرائية المنتصبة امامنا كغابة من الحجارة الداكنة القريبة من لون السحب الشتوية تبعث على الرهبة و العظمه في نفس الوقت
عيناي تتابعان مياه ـ السين ـ الكسلى التي تتهادى أمامنا ... تتعلّق عيناي بها علّها تقربني من مياه ـ المتوسط ـ ....
كنت قد إشتقت الى تونس ..

تتضايق من شرودي ...
تحاصرني عيناك الخضراوين
كعيني نسر ضائع في محيطات غريبة ..
تكتنزان بريقا غامضا و آسرا .
تردني سمرتك إلى لون الجنوب عندنا ...
تتحرك في النفس روائح قديمة .
فقد كنت دائما احمل ضعفا
أمام سمرة البشرة و خضرة العيون
فهي تحيلني على ألوان الحقول
وقت الربيع و سمرة الارض
و رائحة الخبز الجنوبي
على ضفة ـ السين ـ
لفحني و هج سمرتك أول مرَة
وتملّكني فضول لفكّ أسرار عيونك
وقد خفق قلبي بنبض الربيع ...
تتمايل سنابل الحقول الخضراء في تموجات عينيك
توقظ حنينا قديما موجعا ...
هكذا كنت أركض حرّة طليقة عندما كنت طفلة في مزارع جدّي
و انا الآن أسيرة عينيك....
أعاني ذلك التمزق القديم بينك و بين أرض طفولتي ...

تعذبني عودتي بدونك ... و يعذبني أكثر عجزنا كلّ هذه السنين على الجمع بينك و بين تونس
أعرف أنك بدأت تتضايق في الأيام الأخيرة من شرودي عندما تنتابني نوبات النوستالجي ... و قد بدأت تجتاحني رغبة قوّية أن أعيش و طني كذاكرة حيّة مفعمة
بألوان الشمس و البحر... إشتقت إلى الأزرق البحري في روابي قرطاج و إلى التراب الأسمر المصهود بحرقة الشمس ،تعصرني نزعة الرجوع إلى الفطرية الأولى و معانقة الحياة في فجرها الاوّل ،هناك في تلك الأزقة حيث صرخت صرختي الأولى ...

نداء المدينة يعلو في داخلي و صوته يصلك منذرا بالرحيل و تشعر بحدس العاشق أنني بدأت أحنّ إلى العودة ...
و تحمل وجعا ذلك السؤال القديم :
 "لمن يخفق قلبك ؟ "
يكبر بي العجز عن الجمع بينكما
هكذا ساظل مترددة بينك و بين شمس بلادي . بين ألق عينيك و ألق الضوء في تونس .

فلاتعد عليّ ذلك السؤال إنه يشطرني شطرين ... لانني بمجرد أن أصل إلى تونس ينتابني الحنين إليك و يصهدني فراقك كماتصهد شمس أغسطس وجوهنا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى