الاثنين ٢ آذار (مارس) ٢٠١٥
بقلم حسن خاطر

عندما يُصبح الحدس حقيقة

سامحت دهري إذ لم أعد ألقاك
مذ أن عرفت أن الجنة مثواك
تعمدوا إغتيال ضحكة من محياك
فخلا قلبا وحظنا طالما رباك
ففوضت أمري للذي لقربه ناداك
تنعم بجنة الشهداء فيا سعداك

صدر مؤخرا للكاتبة العراقية نسرين أبو قلام رواية "عندما يصبح الحدس حقيقة" .. جاءت الرواية في 456 صفحة من الحجم المتوسط ، إستهلت الكاتبة الرواية بمقدمة جاء فيها : ""لكل منا ما يُسمى طاقة كامنة، تتفجَّر فيضاً من نور أحياناً، وتخبو خلف ترَّف الحياة أحياناً كثيرة.. كثيرةٌ هي محاولاتي، وأكثر منها كتاباتي، غارتْ بعيداً في تجاويف عقلي وذاكرتي، فأقفلتُ عليها في جرَّات كهرَّمانة بعيداً عن الأربعين حرامي ... لم أخطئ في احتفاظي بها كنزاً أبيض أصبح خير معيِّن لي في يومي الأسود... أمضيتُ حياتي فتاة عادية يُفرحها القليل ويُحزنها الأقل منه، زرعتُ بستاني بزهرة قطفتها من جنائن بابل المعلقة وأخرى استلفتها من تاج عشتار، فسقيتها ريّاً ريّاً من دجلة الخالد، صابرةً مع مده وجزره... أثمر بستاني فيَنع به ثلاث صبيان أُسدُّ بظلهم عين الشمس ولهيبها، اتخذتُ من سُمرة بشرتهم وسواد شعرهم كُحلاً لعيني أحتفظ به في مكحلتي الذهبية".

واضافت الكاتبة تقول : "فاض دجلة... أراد أن يغسل نفسه ويُطهِّرها من دَرَنٍ غَصَّ به قاعه الطاهر، لافظاً زبداً حديثَ العهدِ به، فزمجرَ سيله... وطافَ غضبه بأروقةِ مدينتي... مُقتلِعاً فُسيفساءِ لوحة فنية ازدان مدخل مدينتي بها، مارّاً بمأذنةِ سامراء فأحالها خراباً، حلَّ زائراً غيرَ مُرحَبٍ به في بستاني..! عبثَ بمكحلتي الذهبية فتحوّلَ كُحلها رماداً يُذَرُ في العيون، أغمضتُ عيني طويلاً... آلمتني عتمة أيامي!... اكتشفتُ وعثرتُ على طاقتي الكامنة أخيراً!... عُدتُ لأنهل من كنزيِّ المدفون في إحدى جرات كهرمانة!... أحلتُ رمادي إلى مِدادٍ رويتُ به دواتي بعد ما نضبتْ لطول انتظارها، وبعد طول معاناة أتممتُ كتابي الذي بين أيديكم... مُعايشة أحداث حقبة زمنية امتدتْ لأكثر من ثلاثين عاماً، بدأتْ في مطلع ثمانينيات القرن الماضي... أسير الهوينا لا ريث ولا عجل، أتهادى مع أحداثِ مشرقة تارةً وأتعثر ببقايا قذيفة مَدفع من مخلفات حرب الخليج الأولى تارةً أخرى، تزكُم أنفي رائحة بارود حرب الخليج الثانية، تجود عيني مطراً أسودَ حينما تطرق مسامعي قصص معاناة أمهات كل ذنبهن غَرْسُ بساتينهن في بلاد ما بين النهرين!... وأدركتْ شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح".

واستطردت الكاتبة في مقدمتها البديعة هذه قائلة : "ماكنت متممة كتابي لولا من مد بيد العون لي .. فهذا زوجي الدكتور ثابت العادلي الحبيب عمل على إزالة الصدأ عن قفل جرتي ، وأعانني الأستاذ حيدر عودة المحترم على تخطيط دفتري كي لا تحيد كلماتي عن السطر ، ناثرا أحرف من نور أضاءت فكري فاتحا لجرات من كنز دره المكنون ليكتمل وهج كلماتي .. وكيف لي أن أغفل عن مساعدة أخواتي الثلاث وبقية أفراد عائلتي بفتح صفحات جديدة لي كلما نفذت صفحاتي ، أو أستطيع أن أتناسى الأخ الصديق الدكتور / سلمان رشيد الذي جعل من صفحاتي طائرا يحلق عبر الأثير فيحط على سطوح منازل بلدي .. "

وبعد مقدمتها البديعة قامت الكاتبة نسرين أبو قلام بكتابة إهداء إلى : ".. إلى من أهدتني أبجدية الحياة ، وارضعتني أبجدية اللغة ، علمتني أبجدية حب وعطاء الأم وخطت بيمينها أول دستور في حياتي فسطرت بدفتر مذكراتي أول حكمة تطرق مسامعي أضع بين يدك أول عمل انبثق من معاناتي وبعد سهر ليال طويلة مقتفية أثر حكمتك (من سهر الليالي نال المعالي).. إقبليه مني ليقبل الباري – عز وجل - بقية أعمالي .."

وفي كلمات مؤثرة للغاية أكملت الكاتبة إهدائها قائلة وهي تناجي إبنها الشهيد في كلمات قليلة ولكنها تحمل الكثير من المعاني وأسماها : "... إلى من سما واستقر فوق السحاب .. وتسامى على دنو الدنيا ، تركتني فصرت نفسا لتكون ديمومتي حللت معي بحلي وترحالي تدفقت من قلبي فكونت مداد أيقونة سطرت بها عبقا سرمديا يفوح في شدوي لينثر بنفسجا طغى على ما أزكم أنوفنا فتغنيت بك وقلت :

سامحت دهري إذ لم أعد ألقـاك
مذ أن عرفت أن الجنة مثـواك
تعمدوا إغتيال ضحكة من محياك
فخـــلا قلبا وحظنا طالما رباك
ففوضت أمري للذي لقربه ناداك
تنعم بجنة الشهداء فيا سعـداك

تقبل مني قليل من كثير فلمثلك يكتب الكتاب وينشد الشعراء .. إلى الحبيب أحمد وإلى كل شهداء العراق .. إلى كل من استشهد مظلوما فأصبح في الجنان

رواية "عندما يصبح الحدس حقيقة" هي سرد قصصي طويل يصور شخصيات فردية وجماعية في آن واحد من خلال سلسلة من الأحداث والأفعال والمشاهد ولقد نجحت الكاتبة بأن تجمع في روايتها بذكاء واضح ثلاث أنواع من الروايات في رواية واحدة .. فكونها رواية سيرة ذاتية فقد نجحت في هذا وكونها رواية إجتماعية فقد نجحت في هذا أيضا وكونها رواية تاريخية فهي لم تقل نجاحا عن النوعين السابقين ونجاح الكاتبة يكمن في العديد من العوامل التي جعلت من الرواية أنموذجا ناجحا لروايات السيرة الذاتية والروايات الإجتماعية والتاريخية الجذابة بمعنى أن القارئ إذا أمسكت يداه بالرواية كي يشرع في قراءتها فلن يتركتها إلا وقد إنتهى من قراءتها بالكلية فكل كلمة تجذب إلى الكلمة التي تليها وكل سطر فيها يغري بالإنتقال إلى السطر الذي يليه وكل فصل فيها يفتح شهية القارئ للإنتقال إلى الفصل الذي يليه وكل حدث فيها يشجع ويحمس القارئ على المتابعته والإنتقال إلى الحدث الذي يليه وهكذا إلى أن ينتهي القارئ من قراءة الرواية وهذه الطريقة في جذب القارئ قريبة كل القرب من ذات الطريقة التي إنتهجها كبار الكتاب والأدباء في عمل علاقة وثيقة بين رواياتهم وقصصهم – خاصة تلك التي تتناول سيراتهم الذاتية – وبين القارئ وذلك مثلما فعل الدكتور طه حسين في "الأيام" وعباس محمودالعقاد في "أنا" وأحمد أمين في "حياتي" وميخائيل نعيمة في "سبعون" وحنا مينة في ثلاثيته "بقايا صور" و"المستنقع" و"القطاف" وسهيل إدريس في "ذكريات الأدب والحب" ورفعت السعيد في "مجرد ذكريات" وعبدالرحمن بدوي في "سيرة حياتي" وإدوارد سعيد في "خارج المكان" .. وغيرها من مؤلفات السير الذاتية التي تناول أصحابها – مثل ما تناولت نسرين أبو قلام – مسحا لمسيرة حياتهم بحلوها ومرها وأصبحت هذه السير سمة من سمات الأدب العربي الحديث .. وكما ذكرت وأكد عليه الكتاب والنقاد فإنه لولا الأسلوب الجذاب الذي تناول به هؤلاء الكتاب والسرد المنطقي والصحيح لمراحل حياتهم ما كان قد كُتب لهذه الروايات ما حققته من قبول ونجاح وهو ذات ما حدث مع رواية "عندما يصبح الحدس حقيقة" فلقد عقدت الكاتبة نسرين أبو قلام الإصرار والعزم الأكيدين على نجاحها ولهذا فقد إنتهجت ذات النهج الذي إنتهجه السابقون في هذا المجال فقد كان لها النجاح وبإبهار تام ولقد أيقنت "حدسي" أو بـ "حاستي السادسة" أن هذه الرواية ما هي سوي سيرة ذاتية لكاتبتها وذلك لأن قوة الأسلوب ودفئ الكلمات والآهات المتعالية والصرخات التي تمتلئ بها الرواية لا تصدر بهذه الطريقة التي إمتزجت جميعها بالإخلاص في الطرح سوى من إنسانة عانت بنفسها وذاتها وكيانها وعقلها وقلبها ومشاعرها وأحاسيسها ووجودها كل الأحداث التي مرت بالطلة في الرواية .. أما إذا كانت الرواية مجرد طرح من الكاتبة على لسان البطلة بدون أدنى معاناة أو تجربة شخصية منها ما كانت خرجت الرواية علينا بهذه القوة .. إذن نحن أمام رواية سيرة ذاتية ولا شك في هذا.

ونجاح الكاتبة نسرين أبو قلام في روايتها "عندما يصبح الحدس حقيقة"يمكن في إختيارها للشخصية الرئيسية وهي "لميس" التي هي الشخصية المحورية التي حملت على عاتقها سرد الرواية منذ بدايتها إلى نهايتها كما وأنها نجحت طوال الرواية في تجسيد الشخصيات المعيقة والمعينة التي صادفت بطلة الرواية وجميعها بالقطع شخصيات تتعدد بكثرة في الرواية مما جعل الرواية شبه متشعبة وهذا أمر منطقي لكثرة الأحداث التي تتعلق بهذه الشخصيات ولكن الكاتبة نجحت تمام النجاح وبتركيز شديد في ألا يشعر قارئ الرواية بهذا التشعب لا في الشخصيات ولا في الأحداث التي حدثت لكل منها وهذا ذات الأمر الذي ينطبق على الأماكن العديدة التي دارت عليها وفيها وبها أحداث الرواية وهي أماكن ليست بالقليلة سواء أكانت داخل دولة العراق حيث الأحداث الكثيرة أم خارج دولة العراق وهي أيضا أماكن دارت عليها وفيها وبها أحداث أكثر من سابقتها .. وبراعة الكاتبة تكمن في أنها ربطت بين هذه الأماكن وكأنها جرت في أماكن تجمعها قرية واحدة مما ساعد قارئ الرواية على التركيز والمتعة أثناء قراءته للرواية ..

ولأن الرواية ليست وليدة يوم وليلة فإن الكاتبة نسرين أبو قلام أكدت في جزء من مقدمة روايتها على أنها .. " مُعايشة أحداث حقبة زمنية امتدتْ لأكثر من ثلاثين عاماً، بدأتْ في مطلع ثمانينيات القرن الماضي... أسير الهوينا لا ريث ولا عجل، أتهادى مع أحداثِ مشرقة تارةً وأتعثر ببقايا قذيفة مَدفع من مخلفات حرب الخليج الأولى تارةً أخرى، تزكُم أنفي رائحة بارود حرب الخليج الثانية، تجود عيني مطراً أسودَ حينما تطرق مسامعي قصص معاناة أمهات كل ذنبهن غَرْسُ بساتينهن في بلاد ما بين النهرين!... وأدركتْ شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح"..

فلو لم تكن الكاتبة نسرين أبو قلام كاتبة من طراز خاص ما كانت تستطيع أن تطوي لنا وبكل نجاح وإتقان أحداث حوالي ثلاثين عاما مرت على العراق وكلنا يعرف أنها أحداثنا ليست بالهينة أو العادية بل أنها أحداث جسام .. مؤلمة .. مدمرة .. فظيعة .. أحداث أقل ما يقال عنها أنها كانت كالكوابيس المرهقة والمؤلمة والمقلقة في ليال الشتاء الكاحلة السواد .. كل هذا سردته لنا كاتبة الرواية في صفحات قليلة وكأنها وضعت بذكاء شديد وإتقان خارق "الفيل في منديل" وهذا كناية على ضخامة الأحداث ومحدودية صفحات الرواية .. وإستطاعت ايضا أن تجعل القارئ يتعايش مع كل الأحداث .. من أدناها إلى أعظمها ومن أصغرها إلى أكبرها وكأنها تحدث أمامه في التو واللحظة وهذا يحسب للكاتبة التي أقل ما يمكن أن نصفه بها أنها كاتبة برعت في هذا بكل ما تحمله كلمة البراعة من معن.

إضافة إلى كل ذلك فإن الحبكة القصصية في رواية " عندما يصبح الحدس حقيقة" جاءت مكتملة البنيان ومتماسكة الأركان مشدودة القوام خاصة وأن الكاتبة كانت تشدنا إلى تتبع الأحداث بلهفة رغم أنها أحداثا غزيرة ومتشعبة – كما سبق وأن ذكرنا - كما وأن سردها لأحداث الرواية جاء منمقا وسلسا جعل من قارئ الرواية وكأنه أمام مشاهد مركبة من مسلسل درامي يتابع أحداثه بدون أن يبذل مجهود ذهني أو عقلي فكل شيء أمامه واضح وضوح الشمس وهذا من أول عامل من عوامل نجاح الرواية كما وأن نفسيات شخصيات الرواية خاصة "لميس" البطلة يتعايشها قارئ الرواية معايشة تامة أنه يلمس وبوضوح بين سطور الرواية لحظات سعادة لميس ومن حولها وأيضا لحظات معاناتهم وأحزانهم – وما أكثرها – لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة وساعة بساعة ويوم بيوم وبكل نجاح إستطاعت الكاتبة نسرين أبو قلام أن تجعل قارئ الرواية يعيش لحظات التأزم لكل أزمة ولحظات إنفراج الأزمات وإن كانت لحظات التأزم في الرواية كانت أكثر وهذا نتيجة طبيعية للأحداث الإجبارية التي مرت بها شخصيات الرواية بصفة خاصة وكل أهل العراق بصفة عامة خلال هذه الفترة الزمنية التي ترجمتها أحداث الرواية.

وكم كان مؤلما ذلك الأسلوب الذي ناجت به لميس بطلة الرواية إبنها الشهيد إحسان سواء أكانت هذه المناجاة أثناء لحظات إختطافه وطلب فدية لإطلاق سراحه أو بعد إكتشاف إستشهاده على يد الخاطفين .. مناجاة أم لفلذة كبدها .. مشاعر فياضة .. أحاسيس جياشة .. عاطفة عزيرة عاشت – وعايشتنا معها – بين يأس آمل وأمل يائس والدليل على نجاح الكاتبة في هذه المناجاة تلك الدموع حيث أنني على يقين من أن كل من يقرأ الرواية ويصل إلى مناجاتها لإبنها الشهيد سوف تدمع عينيه إن لم يكن تجعله باكيا بالفعل وذلك من فرط إندماجه مع المشهد .. أليس في هذا نجاح – ما بعده نجاح - للكاتبة كما ذكرت؟
والأبعاد الفكرية في الرواية أبعادا عميقة نبعت من عبقرية الكاتبة التي ترجمت في روايتها قضية أمة طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن كما وأن الأبعاد الإجتماعية في الرواية أتقنت الكاتبة ونجحت في التعامل معها وجعلت القارئ يشعر أن في أيام الأزمات التي كانت تمر بها العراق كان كل شعبها يدا واحدة تحت ظروف قاهرة واحدة وذلك بإستثناء بعض الطوائف التي كانت تُظهر بعض العداء لطوائف أخرى وهذه كانت نتيجة طبيعية للأواصر الإجدتماعية التي مزقها وقطعها بينهم "القائد الضرورة" وهذه النقطة بالتحديد تناولتها الكاتبة في الكثير من الأبعاد السياسية التي تطرقت لها بخفى حنين في روايتها حيث أنها كانت تتجنب الخوض في غمار السياسة العراقية في ذات الوقت قدر الإمكان وهذا لا يلومها أحدا فيه وإلا تحولت الرواية من السيرة الذاتية والنسق التاريخي والإجتماعي إلى بؤر ودهاليز السياسية وما أغورها وأكثرها عمقا وأصبحت رواية سياسية ليس إلا .

وأسلوب الكاتبة نسرين أبو قلام في الرواية أسلوب رائع وتكوين الجمل جاء بتنسيق وبداعة تامين بإستثناء بعض الأخطاء النحوية والتي ليست بالكثيرة بل جاءت في كلمات قليلة للغاية ولم تؤثر بالكلية على المعنى المراد من الجمل أو الفقرات التي تواجدت بها ولم تؤثر على العمق والقوة في الأسلوب الذي جاء – ولا يختلف على ذلك إثنان – في الرواية من القوة بمكان إلى درجة أنه دفع بالرواية إلى مصاف روايات كبار الأدباء والأديبات في الوطن العربي وليس في هذا أدنى مجاملة لصاحبة الرواية بل هذه هي الحقيقة المجردة بعينها.

والخيال في الرواية كان له مجال ليس بالقليل خاصة الحدس الذي هو ما يسمى لدى العامة من الناس بـ "الحاسة السادسة" والذي هو صلب مضمون الرواية "عندما يصبح الحدس حقيقة" كما هو واضح من عنوانها .. فالخيال في الرواية موجود بصور قوية ومركبة حيث أن خيال الكاتبة خصب ويثمر حسب حاجة المواقف إليه وفي كل مرة يمتعنا خيالها بصور قوية وبسيطة وليست مركبة يصعب معها معايشة الحدث أو الموقف الذي من أجله قال الخيال كلمته.

ولم تنس الكاتبة نسرين أبو قلام أن تبحر بنا وبذكاء خارق في بعض من مشاكل الآخرين ومعاناتهم ثم تربط بين ما صادفته في حياتها وبين ما صادفته غيرها من أحداث لتتشابك في وتيرة واحدة ما حدث للآخرين وما حدث لها وهذا نابع من أن الألم بداخلها كامن ولكنه سرعان ما يظهر إذا لمس شغافه ما يثيره فلا يغرك أية بسمة إرتسمت على محياها أو ضحكة خرجت منها أوسعادة عاشت فيها للحظات وقل أن الأحزان بداخل كاتبة الرواية هي الأصل وما يخالف ذلك هو الحالة الإستثنائية .. أليس في هذا دليل واضح على أن الرواية ما هي سوى سيرة ذاتية لكاتبتها يؤيد ما سبق وأن ذكرته في هذه الجزئية.

وأنا أجزم – وهذه رأي شخصي وأعتقد أنه لن يجد سوى التأييد من الآخرين – بأن الكاتبة العراقية "نسرين أبو قلام" خرجت علينا بروايتها الأولى هذه "عندما يصبح الحدس حقيقة" بعد أن وأدت غيرها من مشاريع الروايات التي لو كانت قد خرجت علينا بها جميعا أو بإحداها لكانت قد صادفت نجاحا لا يقل عن هذا الذي صادفته روايتها التي نحن بصدد الحديث عنها وهناك مؤشرات أكدت على أن هذه الرواية ليست كأي رواية وأن كاتبتها ليست كأية كاتبة ومن بين هذه المؤشرات – وليست كلها - هو حفل توقيع الرواية وأمسية مناقشتها مع الكاتبة والتي أقيمت في قاعة النخيل بمدينة سانديغو بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية – حيث تقيم – وذلك بحضور أفراد الجاليات العربية من المتابعين للحركة الأدبية والعديد من الصحفيين والإعلاميين من مراسلي الصحف من الفضائيات العربية .. وأدار الأمسية الأديب العراقي الكبير حيدر عودة الذي أعتقد أنه لم لم تكن رواية "عندما يصبح الحدس حقيقة" رواية رائعة من وجهة نظره وتستحق رعايته وإهتمامه ما كان جلس على كرسي إدارة الندوة وما كان حث الكاتبة نسرين أبو قلام منذ البداية على أن تخرج علينا بهذه الرواية المتميزة .. جماهير غفيرة .. صحفيين ومراسلين لقنوات فضائية عديدة .. نقاد ناقشوا الكاتبة في كل صغيرة وكبيرة في الرواية وهي ترد عليهم برباطة جأش وثقة وقوة في الأخذ والرد .. أليس في هذا كله مؤشرات على روعة الرواية وروعة كاتبة الرواية؟.

بقي أن اذكر أنني بعد أن قرأت الرواية مرتان .. المرة الأولى بإمعان من أجل الوقوف على ماهيتها وعناصر الحبكة القصصية فيها والتعرف على بعدها البؤري وما تحويه من أحداث .. والمرة الثانية للوقوف على مواطن القوة والضعف فيها كي أكتب مقالي هذا .. وها أنا أشرع في قراءتها للمرة الثالثة .. وفي كل مرة يتأكد لي أن رواية "عندما يصبح الحدس حقيقة" يجب أن تفكر كاتبتها مليا في تحويلها غلى إلى مسلسل تلفزيوني تاريخي إجتماعي لأنها تحمل أحداثا عديدة يمكن بسهولها توثيقها في مسلسل تلفزيوني تراجيدي متعدد الحلقات خاصة وأن أسلوب الرواية قد تكون قريبا من السيناريو والحوار بمعنى أنه إذا أردنا عمل سيناريو وحوار للرواية فلن يكون هذا بالأمر العسير ثم تحويلها إلى مشاهد تمثيلية فهذا من اليسر والسهولة بمكان وهذا ما أتمنى أن يرى النور خاصة وأن أحداث الرواية تهم الكثيرين داخل وخارج العراق من الذي عايشوا مع بطلتها – أقصد كاتبتها – هذه الأحداث .. ولهذا فإنه إذا تحولت الرواية إلى مسلسل تلفزيوني فسوف تلتف حول شاشة التلفزيون أثناء عرضه المئات .. بل الملايين من المشاهدين.

تحية تقدير واحترام للكاتبة "نسرين أبو قلام" على روايتها المتميزة "عندما يصبح الحدس حقيقة" وشكرا لكل من دفعها وحثها على إتمام هذه الرواية التي لو لم تكن قد خرجت علينا بها ما كنا قد تأكدنا من أنه ما يزال للكُتاب وللكاتبات المتميزين والمتميزات إمتداد.


مشاركة منتدى

  • الرواية تحمل كل المعاني والجوانب التي ذكرت يا أستاذ حسن وقد تشرفت بقرائتها ورأيي يوافق رأيك تماما بأنها تصلح كعمل سينمائي او درامي فكل التقدير للكاتبة نسرين ابو قلام وأمنياتي بان تكون لها كتابات اخرى نستمتع بقرائتها كما استمتعت برواية عندما يصبح الحدس حقيقة

  • شكرًا يا أستاذة أسيل على تعليقك وأحب أن أذكر أن هذه هي الرواية الأولى للكاتبة العراقية المبدعة نسرين وأتمنى ان تمتعنا بروايات أخرى في المستقبل القريب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى