الخميس ٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٥

الرّمزيّة في ديوان «أجنحة الأنين»

نزهة أبو غوش

أجنحة الأنين، ديوان للشّاعرالفلسطيني، نعيم عليّان. صدر حديثًا،عام 2015 بالتعاون مع بيت الشّعر، فلسطين، 76 صفحة.

اتّفق الأدباء والفلاسفة بأن الرّمز شئٌ حسّي معتبر، كإشارة إلى شيء معنويٍّ لا يقع تحت الحواسّ، وهذا الاعتبار قائم على أوجهٍ متشابهة بين الشيئين، أحسّت بها مخيلةُ الرامز. أيّ الأديب، أو الفنّان.

يستقي الرّامز رموزه من عدّة ينابيعَ تلهمه الوحي والابداع. هناك الرّموز التّاريخيّة والاشارات الأُسطوريّة، والمنابع الدّينيّة والشّعبيّة والأدبية.

يقول الشّاعر ص51 كلمات في جمل يرمز بها إِلى مدينة القدس معتمدًا بها على الايحاء الدّيني حينًا، والأدبي حينًا آخر:
يا معراج الأرواح/ إِليكِ منّي/ زيت العمر/ لسراج الفؤاد/.

يرمز هنا الشّاعر بزيت العمر، خلاصة التّعب، طاقة وحياة وتضحية الإِنسان الفلسطينيّ؛ من أجل القدس فهي بمثابة الضّوء الّذي ينير حياته. حيث أنّ السّراج هو الحياة.

استلهم الشّاعر الرّمزمن منابع تاريخيّة. في صفحة 63 يقول:

 " يرضع لبنَ الحلم من السّاقية/يقتات الحكايات المكتوبة/ بقلم الماضي/ على قطعة نحاسيّة/ أو فضّيّة/ من عصر "هولاكو"

"هولاكو" الّذي دكّ بغداد عام 1258 م، ودمّر فيها الأخضر قبل اليابس ومحى حضارة بغداد من جذورها، ذلك الرّمز التّاريخي يهدف به الشّاعر إِلى وصولنا عصر الانحطاط والدّمار والتّراجع التّاريخيّ ، وسيطرة القوّة، والنّفوذ على الإِنسان.
 " يا (طارقَ بن زيادٍ) احرق المراكب؛/ لتبدّد الظلمات."

طارق بن زياد هو رمز تاريخيّ معروف بالقوّة والإِقدام، وعدم التّردد، والشجاعة.

استلهم الشّاعر أيضًا إشارة أسطورية، وتاريخيّة معًا – الألياذة-، وألبسها ثوباً يتّسق وتجربته الشّعورية ، وملأها شيئاً معروضاً. نحو:

" أقرأُ في عينيكِ إِلياذة الفرح/ المرصّعة بالياقوت/ على شفتيك النّبيذيّتين" ص75
الالياذة هنا هي الأُسطورة الرّمز الّتي ترمز للقوّة وفرح النّصر، حسب ما كتبه هوميرودس في القرن الثّامن قبل الميلاد في ملحمته ( الالياذة والأُودسّة) الّتي تتحدّث عن حرب طروادة، ونجاح البطل للوصول إِلى الجزيرة.
المصدر الدّيني كان أيضًا منبع الهام للرّمز لدى الشاعر عليّان، نصّ من قوله تعالى في سورة الملك، في صفحة 58: " أرأيتم إِن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماءٍ معين" يرمز الشّاعر للزّعماء العرب المتخاذلين عن القضيّة. وفي قصيدة ( ذاكرة العبوديّة) تضمين ديني للرّمز من سورة النّور: " على سطح الأواني،/ رسمت وجهكِ كوكبًا بلّوريّا/ دريًّا" ص17 والرّمز هو لمدينة القدس الّتي يندر وجود مثلها.

ينقسم الرّمز في ديوان الشّاعر ( أجنحة الأنين) إِلى قسمين:
الرّمز الكليّ، والرّمز الجزئي:

الرمز الكلّي، هو الرّمز الّذي تشكّل من مجموعة رموز منفصلة نحو:

في قصيدة الرّحلة صفحة64، نرى الرّمز الكلّي بمعناه الشّفاف، حيث تمركزت على أرضه جلّ الصور الجزئيّة لتشدنا نحو هدف جماليّ؛ حيث رمزت الصورة الكليّة للفلسطينيّ المهجّر الرّاحل عن أرضه:" مسافر على خيط صوف/ في مغزل نولٍ/ في عتمة الأموات...ابحثي عنّي ..بين الكثبان/ على شاطئ الأحزان/ على ظهر غمامة مثقلة بالرّسائل"
عتمة الأموات، والمخبّأُ بين كثبان الرّمل، وخيط الصّوف والمنول، والغمامةُ المحمّلة بالرسائل؛ هي الصور الجزئيّة الّتي شكّلت المعنى الكلي الّذي رمز به الشّاعر للفلسطينيّ المهجّر عن أرضه.

في صفحة 50 نرى كيف أنّ الشّاعر نعيم عليّان استخدم الرّمز الصّورة الجزئيّة، كقيمة رمزيّة من خلال تفاعل هذه الصّور الجميلة لترمز إِلى المدينة " يا قمريّة الوجه/ يا خمريّة الخدّين/...يا قدسيّة الأركان/ .
أمّا الرمز الجزئي، فهو الكلمة، أو العبارة الّتي وحدها تشكّل الرّمز نحو:

في قصيدة حدائق الرحمن، اكتسبت الكلمة المفردة قيمة رمزيّة تفاعلت مع الرّمزالكلي بانسجام متكامل. يقول الشّاعر صفحة51" ...ألف ألف تحيّة /للجبّ/ والقبّة/ وعباءة العابدين."

هنا ترمزالعباءة والجّبّ للمواطنين لباس الفلسطيني السّاكنين هذه المدينة، والقبّة ترمز للأقصى وقبّة الصّخرة، والمسجد الأقصى.

ص32" على أهدابها/ أنين أجنحة تطير/ وفي الفضاء جبينها/ لؤلؤ يحطّ على أثير.
هذه الجمل منفصلة تشكّل معًا صورة رمزيّة جماليّة ترمز للألم والقهر والأسى المحمّل على أجنحة، أي يُبثّ هذا الألم إِلى كافة أنحاء العالم عبر أجنحة الإِعلام.

نزهة أبو غوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى