الاثنين ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
للمؤرخ الدرعي محمد المكي بن موسى

قراءة في التجربة التاريخية

كتاب علمي جديد يتناول بالتعريف والدراسة الإسهام الثقافي للبادية المغربية من خلال جهود الأسرة العلمية الناصرية ممثلة بأحد أبنائها الأعلام. وهو من إنجاز الباحث المغربي الدكتور محمد شداد الحراق. صادر عن دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر بالرباط 2015. يقع في 190 صفحة من القطع المتوسط.

يقدم هذا الكتاب قراءة وصفية وتحليلية لمشروع علمي رائد ولتجربة تاريخية فريدة تناولت حضارة البادية المغربية وعرّفت بإسهام أعلامها، وأشادت بغنى تراثها وتنوع ثرواتها وبخصوبة العقول والحقول فيها. وقد حمل هذا المشروع توقيع أحد العلماء المتألقين في الأسرة العلمية الناصرية، وأحد الأدباء المخلصين للمنطقة الدرعية، وهو الأديب والمؤرخ محمد المكي بن موسى الناصري من أعلام القرن 12ه/18م. نقف في هذا العمل أمام شخصية عالم ملتزم بمرجعيته ومخلص لانتمائه الفكري والاجتماعي والجغرافي، كرّس حياته لخدمة المنطقة الدرعية بأسرها، فسجل آثارها، وذكر معالمها الحضارية، وعرّف بإنجازات رجالها وبمشاركتهم العلمية والأدبية. ولذلك تعتبر مؤلفاته خير زاد معرفي لكل راغب في التعرف على هذه المنطقة الصحراوية تاريخيا واجتماعيا وأدبيا وأنثربولوجيا، وأهم المصادر العلمية المساعدة على الدراسة السوسيو- ثقافية للحياة العلمية في البادية المغربية.

وقد جاءت هذه الالتفاتة العلمية في سياق حضاري دقيق عانت فيه البادية المغربية ورجالها تهميشا عنيفا من طرف القوى المحتكرة للفعل الثقافي، وتعرضت فيه حضارتها لنوع من الإقصاء والازدراء. وهكذا تحولت إنجازات هذا الأديب الناصري إلى منبر لعرض ثقافة الهامش/ البدوي الذي لم يحظ برضا التيار المتزمت المتحكم في الحياة العلمية آنذاك، والذي حكم على الثقافة المخالفة بالغياب القسري وبالإقصاء الممنهج. كما أن أعماله جاءت لتضع حدا نهائيا للأحادية الثقافية التي حرسها فقهاء السلطة وعلماء التيار المحتكر للفضاء الثقافي، وفرضوها نمطا وحيدا للحياة العلمية، وذلك حينما لاحظوا تكاثر الحركات التحررية في البوادي، واستشعروا ظهور تيارات ثقافية ناشئة متمردة على الثقافة الرسمية السائدة، وذلك في سياق الصراع الثقافي الحاد الذي تنامي بين مدرستين متناقضتين في برامجهما ومناهجهما ومنطلقاتهما العلمية؛ الأولى مدرسة علمية تقليدية محافظة مهيمنة على مقاليد الحياة العلمية وقاعدتها مدينة فاس. والثانية ومدرسة منفتحة مجددة متمردة، وقاعدتها المناطق البدوية الجنوبية وخاصة في بلاد سوس وجبال الأطلس وبوادي درعة؛ معاقل المعارضة السياسية وجبهات الممانعة الثقافية. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار جهود الأديب الناصري إعلانا صريحا عن ميلاد عهد جديد، تنبعث فيه حضارة البادية، وتعود فيه الدماء إلى كيانها المتآكل بعد سنوات من الصمت والغياب والحصار.

تتشكل البنية المضمونية لهذا الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول تتفرع عنها مجموعة من المباحث التي تكاملت فيما بينها لتقدم صورة دقيقة للمشروع العلمي الذي أنجزه المؤرخ الناصري الدرعي. ومن خلال تتبع هذه الفصول يستطيع القارئ تلمس إرادة المؤرخ ورغبته في ردّ الاعتبار لأصوات أعلام البادية بعدما عزلتهم الظروف الطبيعية العوامل الجغرافية، وقست عليهم العقلية الإقصائية والذهنية المتزمتة التي استخفت بجهودهم واستهانت بتراثهم الزاخر. فكان إنجازه العلمي خير ردّ على صوت الظلم والتهميش، وخير رسالة للمجتمع العلمي كي ينتفض في وجه فزّاعة الثقافة الرسمية التي لا تعطي التزكية العلمية إلا لمن أظهر الولاء للفكر الفقهي الأحادي المتحجر، وترفض كل صوت أصيل عنيد أو متمرد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى