الثلاثاء ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
بقلم عادل عامر

الدور الإسرائيلي في أثيوبيا وتأثيرها علي سد النهضة

فى حقبة التسعينيات قامت حكومة مصر و إثيوبيا و السودان بدراسة إقامة أكبر مشروع مشترك لإنتاج الطاقة الكهرومائية ,واقترحت الدراسات المصرية موقعين لإنشاء السد ,الموقع الأول فى الهضبة الإثيوبية بالقرب من الحدود السودانية, والموقع الأخر فى منطقة دال فى شمال السودان. أسفرت الدراسة المشتركة عن تحديد الموقع الأول باعتباره الأفضل , وبدأت مجموعة سكوت ويلسون الفرنسية ,التابعة لهيئة الكهرباء الفرنسية بالتعاون مع شركة استشارية مصرية,بتمويل من البنك الإفريقي فى دراسة المشروع.

توقف المشروع المشترك بضغوط إسرائيلية و صينية ,وقامت إثيوبيا منفردة بوضع خطة عام 2000 لتنتهي فى عام 2020 لإنشاء أربع سدود بما فيها سد النهضة ,ورصدت الحكومة الإثيوبية 12 مليار دولار بتمويل صيني إيطالي ومنح بعض دول الإتحاد الأوروبي وإسرائيل لتوليد كهرباء بمقدار 51 مليار ميجا وات فى الساعة يوميا. وبالفعل نجحت إثيوبيا فى إقامة سدود على بعض الأنهار الفرعية بنفس التمويل بما فيها أموال المنح الإنشائية واتجهت للنيل الأزرق لإقامة سد النهضة ,ومن هنا بدأت أزمة السد لان الحديث عن فكرة مشروع سد النهضة الأثيوبي ليس وليدة اللحظة ولكن فكرة المشروع كانت سابقة لإنشاء السد العالي فى مصر فى ستينيات القرن الماضي حيت قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع الجانب الأثيوبي بإعداد دراسة شاملة لإقامة سدود على حوض النيل الأزرق ,بعد عزم مصر على إنشاء السد العالي لان الحكومة الأمريكية و الأثيوبية عقدوا العديد من الاتفاقيات الرسمية فى أغسطس من عام 1957 فى هذا الصدد,وبناء عليه بدأ مكتب الاستصلاح الأمريكي (USBR) التابع للحكومة الأمريكية بإعداد دراسة مشتركة مع الجانب الإثيوبي بعنوان البرنامج التعاوني للولايات المتحدة الأمريكية وإثيوبيا لدراسة حوض النيل الأزرق .
أن الدراسة الأمريكية التي استمرت لأكتر من خمس سنوات منذ عام 1958 حتى عام 1964 كان الهدف الرئيسي منها القضاء على مشروع إنشاء السد العالي فى مصر لإفشال مشروع عبد الناصر لصالح الصهيونية العالمية,لان هذه الدراسة قد حددت أكتر من 27 موقعا أثيوبيا لإنشاء سدود و ركزت بدورها على أربع مناطق رئيسية لإقامة أربعة سدود على النيل الأزرق تحت مسمى سد كارادوبى ,وسد باكو ,ومانديا ,بالإضافة لسد النهضة بقدرة تخزينية تقدر بأكثر من 80 مليار م³.
أن تلك الدراسات الأمريكية استمرت على مدى العقود الخمس الماضية بتعاون كامل من الجانب الأثيوبي وأثمر هذا التعاون عن ظهور سد النهضة على أرض الواقع,لان هذه الدراسات تعد المرجع الرئيسي الذي ترتكز عليه الحكومة الأثيوبية فى إنشاء سدودها من خلال الاستفادة من خلاصة هذه الدراسات التي عكفت على دراسة الهيدرولوجيا ونوعية المياه و التربة و شكل سطح الأرض و جيولوجية المواقع المهيئة لإقامة السدود فضلا عن دراسات الموارد المائية والمعدنية واستخدام الأرض والموارد الأرضية لحوض النيل الأزرق بجانب 25 حوض فرعى. إن هناك تعنت واضح من الجانب الإثيوبي تجاه مصر من خلال التعتيم المتعمد على سعه السد التخزينية وعدم الإعلان عن الدراسات الحديثة الخاصة بارتفاع السد ,لان ارتفاع السد وفقا لدراسات سابقة قدر بحوالي 84.5 متر بسعة تخزينية 11 مليار م3, فإن الحكومة الإثيوبية قد قامت بالتعاون مع شركات إيطالية لدراسة إمكانية زيادة الارتفاع و السعة التخزينية للسد ليصل إرتفاعة بناء على ما أوصت به تلك الدراسات إلى 145 متر ,بسعة تخزينية 72 مليار متر مكعب. أن هذا التعاون المشترك له أصل وتاريخ ، فهناك خرافة صهيونية انتشرت مؤخرا تقول إن الدم اليهودي يسري في عروق "منليك" وهو أول حاكم إثيوبي، واعتبارهم - على حد زعم الأسطورة - ينحدر من صلب نبي الله سليمان عليه السلام .

وقد استغلت إسرائيل تلك الأسطورة، في توطيد العلاقات مع إثيوبيا التي تناصب مصر والعرب العداء منذ تولي الشيوعي الراحل منجستو هيلامريام قيادة أثيوبيا . والمصادر الإسرائيلية تزعم أيضا أن العلاقة بين إثيوبيا وإسرائيل بدأت كما تقول الأساطير الإفريقية منذ عهد النبي سليمان عليه السلام أي القرن الثالث قبل الميلاد، وحسب تلك الأساطير فإن للنبي سليمان ابنا من الملكة سبأ التي يسميها الأحباش "ماكدا" وهو جد الأحباش كما أنه هو مؤسس الإمبراطورية الحبشية، واسمه "منليك الأول" هو ابن ملكة سبأ . بالمقابل يقولون أن قومية (أمهرا) التي ينتمي إليها الأباطرة الذين حكموا إثيوبيا وآخرهم الإمبراطور " هيلا سيلاسى" ينتمون إلى سلالة سيدنا سليمان ، وتشير الأساطير الحبشية إلى أن الوصايا العشر مخبأة في جبال الحبشة وهذا ما أكده الكاتب البريطاني "غيرهام غرين"، إلى احتمال وجودها في أثيوبيا وعليه تخرج جميع كنائس الحبشة التابوت (المزيف) الذين يدعون أنه لسيدنا سليمان ، ويطاف به حول المدن الرئيسية وهي طقوس تمارس حتى اليوم . وقد اعتبر إمبراطور إثيوبيا "هيلا سيلاسى" نفسه بأنه "أسد يهوذا" وكان يفتخر أنه ينحدر من الملك سليمان الذي تربط الأساطير به سلالة "الفلاشا" أيضا" . ولهذا أيضا استغلت إسرائيل قصية الفلاشا أو يهود أثيوبيا ، وهم أقلية يهودية تدعى "يهود إثيوبيا" معروفين باسم "الفلاشا مورا" والتي تعني بالعبرية "الهائم على وجهه" أو "المهاجر"، ومركزهم الرئيسي في إثيوبيا في إقليم أمهرا وتحديداً في مدينة "غوندار" في شمال شرق أثيوبيا حيث تم اكتشافهم في القرن التاسع عشر ولكنهم لا يتكلمون العبرية، وتطلق هذه المجموعة على نفسها "أبناء إبراهيم" و "بيت إسرائيل"وكان الدافع الأكبر للصهاينة لتعظيم هذه العلاقات التاريخية هو أن إسرائيل فشلت في الوصول لمياه النيل في أسفل النهر من مصر، من خلال مشروع ترعة السلام التي كانت تصل مياه النيل إلى صحراء النقب عقب توقيع معاهدة كامب ديفيد بعد رفض الشعب المصري لذلك ، فقامت بالالتفاف من جهة المنابع، حيث اندفعت تجاه إثيوبيا بهدف توثيق علاقاتها مع إسرائيل بغية تحقيق هدف مشترك بين الدولتين، وهو كسر الطوق العربي في البحر الأحمر، ونزع الصفة القومية عن هذا البحر . ومنذ ذلك الحين راحت تل أبيب ترسل شركاتها لإقامة استثمارات ضخمة هناك ، وانتقلت إسرائيل إلى العمل المباشر هناك خلال الثمانينات بوصول خبراء إسرائيليين لكل من إثيوبيا وأوغندا لإجراء أبحاث تستهدف إقامة مشروعات للري على النيل تستنزف 7 مليار متر مكعب أو 20%من وارد النيل إلى مصر، وذلك على الرغم من انتفاء الحاجة إلى مشاريع ري مائية في أوغندا التي تتلقى أمطارا استوائية تبلغ سنويا 114مليار متر مكعب . ولم يقتصر التعاون الإسرائيلي الإثيوبي علي أنشطة الكهرباء والاتصالات فقط وبناء السدود ، وإنما أمدت إسرائيل إثيوبيا بالأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر، وقدمت لها دعمًا في المجال الأمني وحرب العصابات، فضلا عن تدريب الطيارين الإثيوبيين بالقوات الجوية الإسرائيلية، وتطوير نظم الاتصالات بين القيادة الجوية في البلدين، إضافة إلى تبادل الزيارات بينهما على المستويين السياسي والأمني وعندما اكتملت التخطيط الصهيوني مع حكام إثيوبيا بدأ اللعب بورقة مياه النيل مع مصر وبدأ الدور الصهيوني يلعب بهذه الورقة الخطيرة عبر سلسلة نشطة من الاتصالات الصهيونية مع دول منابع النيل خصوصا أثيوبيا ( رئيس وزراءها زيناوي السابق زار تل أبيب أوائل يونيه 2004) ، وأوغندا لتحريضها علي اتفاقية مياه النيل القديمة المبرمة عام 1929 بين الحكومة البريطانية - بصفتها الاستعمارية - نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا) والحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه‏ النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض (الفيتو) في حالة إنشاء هذه الدول أي سدود علي النيل . وفي ضوء ذلك يبقي إن ندرك أن المياه تهدد المستقبل العربي وخاصة الفلسطيني، ويجب على جامعه الدول العربية أن تتحمل المسؤولية تجاه مستقبل المياه وتعمل علي توفير المياه عبر مشاريع التحلية حيث بات الأمن المائي العربي في خطر حقيقي سيواجهه المواطن العربي مستقبلا بعد أن أصبح اليوم لتر المياه الواحد اغلي بكثير من لتر المحروقات. ومع أن هناك مطالبات منذ استقلال دول حوض النيل بإعادة النظر في هذه الاتفاقيات القديمة، بدعوى أن الحكومات القومية لم تبرمها ولكن أبرمها الاحتلال نيابة عنها، وأن هناك حاجة لدى بعض هذه الدول خصوصًا كينيا وتنزانيا لموارد مائية متزايدة؛ فقد لوحظ أن هذه النبرة المتزايدة للمطالبة بتغيير حصص مياه النيل تعاظمت في وقت واحد مع تزايد التقارب الصهيوني من هذه الدول وتنامي العلاقات الأفريقية مع الصهاينة . ولهذا عادت المناوشات بين دول حوض النيل (عشر دول) للظهور مرة أخرى بعد التدخل الصهيوني الكثيف في إفريقيا بزعم إن الاتفاقيات المائية المبرمة في عهد الاستعمار (اتفاق 1929 بين مصر وبريطانيا لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فكتوريا) التي تعطي الحق لمصر أن توافق أو لا توافق على أي مشروع يقترحه أي طرف من أطراف دول حوض النيل للاستفادة من المياه لم تعد ملزمه لدول منابع النيل . ولم تكن أثيوبيا بحاجة لهذا التدخل الصهيوني فهي رفضت اتفاقية 1929 واتفاقية 1959 في جميع عهودها السياسية منذ حكم الإمبراطور ثم النظام الماركسي "منجستو" وحتى النظام الحالي، بل وسعت عام 1981 لاستصلاح 227 ألف فدان في حوض النيل الأزرق بدعوى "عدم وجود اتفاقيات بينها وبين الدول النيلية الأخرى وقد حظيت أثيوبيا باهتمام خاص من إسرائيل، لأنها تمتاز بميزات سياسية وجغرافية وعسكرية وأمنية فريدة في نوعها؛ إضافة إلى كونها تعتبر نفسها قلعة في محيط إسلامي لا زال يموج بالصراعات، والأزمات، ولا يزال يواجه أنماطاً عديدة من العنف والأزمات المتعددة مما يجعلها المفتاح للتغلغل في إفريقيا وتطعن فيها الأمن القومي العربي . ولان من الأهداف الإستراتيجية الخفية لإسرائيل في القارة الإفريقية، تطويق عدد من البلدان العربية من بينها مصر والسعودية واليمن والسودان ، فقد كانت ورقة مياه النيل، هي الأفضل للضغط علي مصر والسودان خصوصا ان إثيوبيا تسيطر على أكثر من 80% من مياه النيل التي تنبع من إثيوبيا. أيضا إثيوبيا غنية بالموارد المعدنية التي تخدم الصناعات الإسرائيلية خاصة العسكرية منها، بالإضافة إلى معادن الذهب والماس والفضة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى