الثلاثاء ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٥

التجربة الروائية لصبحي فحماوي

عقدت ندوة في المركز الثقافي الملكي بعنوان(التجربة الروائية لصبحي فحماوي) تحدث فيها كل من النقاد الأساتذة الدكاترة، فخري طمليه، عمر اربيحات، علي المومني، زياد أبو لبن، وشارك فيها بمداخلات كل من، دكتور محمد شيرين من تركيا، دكتورة بديعة طاهري من المغرب، دكتورة هداية مرزق من الجزائر، وغيرهم.

وابتدأ الحديث دكتور فخري طمليه، متحدثاً عن توظيف الجنس في رواية (سروال بلقيس) فقال إن هذه الرواية تصور معاناة المهجرين الفلسطينيين من ديارهم، بعدما كانوا يعيشون في بلادهم بسعادة غامرة.. لقد رصد الكاتب - بعدسته الخفيّة- فريق " بلقيس والأرملة - حمدة المحموديّة- والشابة الأرملة صالحة السمراء." ذلك الفريق الذي قادته - بلقيس- لجمع الأعشاب البريّة، ليبعن منه ما تيسر كمصدر رزق لعائلاتهن، ويجعلن ما تبقى منه غذاء لأطفالهن.

آلة التصوير الخفيّة، التي حملها الراوي، كشفت أن سروال بلقيس قد خيط من كتّان الشوادر الذي تصنع منه الخيام، وجعلت منه سِروالاً طويلاً يصل إلى ما فوق كعبها وقد زُنّرتْ كلتا رجليه بزنّار ثقيل، من أجل تعبئته بحبات زيتونٍ حلال، تلتقطها من وراء أولئك الذين يجنون زيتون حقولهم، وحبّاتٍ أخرى من زيتونٍ مسروق، من أشجار أولئك الذين يضنّون بالعطاء.
وكانت النسوة الثلاث من سُراةِ الليل، ولسن من سَراة القوم. كُنَّ يسلكن طريقهن في عسعس الليل، وقبل أن يتنفّس الصّبح. ,لم يكتفِ السارد بالصورة، ولكنه جمع بين الصورة والصوت، فأصغى إلى هسيسهنّ ووشوشتهنّ وهَمْسِهنّ، ودخل إلى عقولهنّ ليعرف ما يدور في خُلدِهنّ، وإلى نفوسهن ليستبطن مشاعرَهُنّ، ويلتمس خلجات نفوسِهنّ. وفي ليل بهيم، حكت إحداهُن قصّة عربيد أسود كانت سمعتها من جدتها، وتنتهي القصة بذهول صاحبتيها، ويبدو أن صاحب آل التصوير أدرك أن صورة العربية الأسود والليل الحالك السواد، استدعت صورة متعة جنسيّة، كانت - حمدة- الأرمل قد عاشتها مع الشاب - مُسعِف- «كانت متعة مذهلة بالنسبة لجسدي» ص 41 . ويستمر فحماوي صاحب الكميرا يسجل كل ما يدور في خلد - حمدة المحمودية - وما يعتمل في نفسها من خوف وقلق من أن يُكتشف أمرها، ولكنها تعود لتتذكر متعتها، ويقف الكاتب مدافعاً عنها، مذكراً بإنسانيتها، ولكنها تعودُ لتجلد نفسها...» ص 32 - 42. أمعن الكاتب في وصف هذه الحالة بأدق تفاصيلها.

وفي مشهد آخر للجنس، قصد به الكاتب التسرّي وإزجاء الوقت والتعزي، فصاحب العمل أبو الزنديق - ينكأ جراح العامل- أبو رزق، بقوله «أراك اليوم كسلان، كأنها - أم رزق- لا تدعك تنام في الليل، وترتاح من كثرة ال ...، والله يا معلمي ما في كثرة في أل أل ..، نحن العجائز، يا الله كل شهر بيطلع لنا غطسة، وشخير أم رزق يظل طوال الليل يطرقع في مُخّي، مثل صوت سيارة - الديزل- . طيب ليش ما تقلبها على بطنها، أو على ظهرها (....) يقول - أبو رزق- لم يعد الواحد منّا في مثل هذا العمر، يقدر يقلبها على بطنها أو على ظهرها» ص 74، وتلتقط - بلقيس- المناسبة لتعلّق «مسكين أبو رزق اللي طول نهاره غلبان في الكسارات فإذا صحّت له حفلة من هذا النوع كل شهر بيكون أبو زيد خاله» ص 92 . وإذا كان الحرمان الجنسي لنساء ألقت عليهن الحياة أثقالها فإن الحديث عن الجنس كان مجالاً للتسلية والبوْح الذي يريح النفس، ويشدّهُن إلى أيام مضت كان لكل واحدة منهنّ زوج تَسكُن إليه.

أمّا الرجال فلم يكونوا أحسن حالاً من النساء إذ حُرِموا الركون إلى أزواجهم، لضيق المكان في خيام صغيرة يرتبط حبل الخيمة باختها، ويصطف الأطفال، كاصطفاف عيدان الكبريت، مما يجعل العملية تحتاج إلى الاستعداد المسبق والاحتراس الشديد، لا شكّ أن عتمة السراج المنونس قد تقلّلُ من فضح المستور، مما جعل - أبو رزق- يمارس الأمر مع زوجته يوم استراحة الجمعة، حين يخرج الأطفال للعب مع أقرانهم .. فيهمهم أبو رزق بصوت منخفض، بينما تتغنّج الأنثى متفاعلة مع زوجها، في عجلة من الزمن الذي لا يسمح لهما بنشوة كبرى، قبل أن يعود أحد أبنائهما، وبكل الظروف فإنّ العملية محفوفة بالمخاطر، ولهذا «يقول أبو مرزوق فَلنتِمّ في الليل، إذ أن الليل ستار، فتقول له زوجته متنحنحة «أنا حاضرة، كما تُريد، ولكنّ المهم ان تُريد»، وينفضُّ الاشتباك اللذيذ بين الزوجين، وتنطفئ شعلة بلقيس، ويسترخي جسدها، وتغوص في نومٍ عميق» ص 189

وعلق صبحي فحماوي، فأشاد بالناقد الدكتور فخري طمليه، بصفته لم يترك روائياً أردنياً أو فلسطينياً إلا وكتب عن روايته بإسهاب، خاصة في كتابه الذي صدر عام 2014 بعنوان؛ "إضاءات نقدية على شخوص أبطال الرواية الفلسطينية والأردنية " والذي غطى خمسة وثلاثين رواية، لأربعة وعشرين روائياً. وأضاف أن الوطن العربي أصبح كله مخيمات من أقصى المشرق وحتى أقصى المغرب العربي...ولم تعد المخيمات فلسطينية فقط..

وتحدث بعده د. عمر ربيحات حول رواية "الأرملة السوداء"، فقال يبدأ النص الروائي بهذا المشهد الاستهلالي الأيروسي الدائر بين أنثى العنكبوت وذكرها، مشهد الوصال الجنسي بتفاصيله الفاعلة والفنية، يشاهده ’شهريار’ المدعي العام لمحكمة الجنايات كأحد الأفلام الوثائقية في مركز البحث الجنائي، الذي يعرض قضايا ثقافية تتعلق بالجنايات الكبرى لدى الناس والحيوانات، فخرج من هذا المشهد الشبقي المأسوي العنيف مبهورا! وهي بداية رامزة أوجدها الكاتب بهذه الصورة، حيث صنع من ترميز الأنثى وكأنها مادة صلصالية تصنع نفسها بنفسها، وتملك هي إرادتها كأنثى لصنع حريتها الخاصة، وقد حاولت الرواية اسقاط هذا الرمز على العلاقة غير المتوازنة بين الأنثى والذكر في باقي النص في صور مختلفة. كما وظف الكاتب بعد ذلك رمزين من رموز الفكر الإنساني استلهمهما من حكايات ألف ليلة وليلة وهما شهريار وشهرزاد، الأمثولتان الخالدتان في الفكر الحكائي على إطلاقه، ولكنه لم يوظف أياً من الحكايات الألف، إنما استخدم الاسم فقط في محاولة لبث رؤيته المحورية حول الرجل والمرأة، مما له دلالة رمزية حول سطوة الرجل واستئثاره بمعطيات وسلطة الحياة، وحول خداع المرأة ومكرها في محاولة الفكاك من هذه السطوة بأساليبها الخاصة، بل ومحاولة الحصول عليها، وامتلاكها في بعض الأحيان..وعلق فحماوي على ما قاله د. ربيحات فقال: ولكن بعد منتصف الرواية تظهر شهرزاد، فتقلب مجريات الأحداث لصالح المرأة، التي تثبت أن الرجل هو الذي يعيش عالة على المرأة من حمله في بطنها، وولادته وفطامه ومتابعته إلى آخر عمرها، وليست المرأة عالة على الرجل.

وأشار الناقد الدكتور علي المومني استاذ الادب الحديث والنقد في جامعة الاسراء الى أهمية رواية "الحب في زمن العولمة" بقوله أنها تعد من الروايات الحديثة القليلة التي تستشرف المستقبل وترصد الأحداث في الوقت الراهن وترسم تصورات مأسوية للقادم من الزمان. وإذا كان صبحي فحماوي قد نجح في توظيف اللهجة العامية بأسلوب لطيف متمكن فان القصة تبدو طريفة ومشرفة. الا انها تخفي وراء السطور هموما إنسانية عامة

الحب في رواية "الحب في زمن العولمة" أصبح خواء بالمطلق ليس له وجود اذ ان ما يربط العلاقات بين المجتمع والدول وأفراد الاسرة الواحدة هو المصلحة المادية والمنفعة الذاتية ليس الا وإذا كان العنوان "الحب في زمن العولمة" هو الثيمة الاساسية في هذه الرواية، فان الكاتب يوحي إلينا عن طريق العنوان ان لا حب في هذا الزمان، الذي اصبح الانسان فيه عبدا لدى أرباب العمل، فان ما. يتحكم في حياة الناس وعلاقاتهم هو تلك المصالح والمنافع التي يجنونها نتيجة لهذه العلاقات، وكأن الانسان في الوقت الراهن تجرد من مشاعره، وجعلها متجمدة في قالب بليد يفصله بحسب نزواته ومعتقده.
وكان رابع المتحدثين هو الدكتور زياد أبو لبن حول رواية "الإسكندرية2050" الذي قال:

" لو كانت هذه الرواية أوروبية أو أمريكية، لكانت مادة لأفضل فيل هوليودي يعبر عن ملامح المستقبل، وربما يتفوق على الفيلم الأمريكي (AVITAR) إنها رواية عمل مفارق للواقع من حيث المضمون، مغاير من حيث الكتابة، ينمّ عن ثقافة واسعة يتمتع بها الفحماوي، ومتخيّل لعالم جديد، وليس من شروط الكتابة تحقيق المتخيل، بل نحن نصنع أخيلتنا في مناطق اللاشعور، كي نسعى للذة النصّ، وأظنّ أن القارئ للرواية سيدرك هذه اللذة في ثنايا الرواية. وليت هذه الرواية كانت عن عمّان..وعلق الروائي فحماوي على ذلك قائلاً إنه كتب رواية(الأرملة السوداء) عن عمان، ولكنها لم تأخذ اهتماماً أردنياً غير عادي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى