الأربعاء ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
رُؤى ثقافيّة « 154 »
بقلم عبد الله بن أحمد الفيفي

مهرجان القلب الشاعري 2015 (3- 3)

-1-

تمثِّل اللغةُ في أيّ أُمَّةٍ حَيَّةٍ خطًّا أحمر، سياديًّا، انتهاكه يعني انتهاكًا لكرامة الأرض ومَن عليها. إلّا في ديار العرب؛ فمع الكرامة العربيَّة ذهبت اللغة العربيَّة أدراج الرياح. وهذا ما تشعر به على نحوٍ جارحٍ في العواصم العربيَّة، في المطار والشارع والسوق وفي المحافل العامَّة والخاصّة. وممّا يُحمد لمهرجان "القلب الشاعري"- الذي أقامته (منظمة سوكا جاكاي الدولية- فرع الخليج العربي) في مدينة دُبي، خلال الفترة من السبت ٧ فبراير إلى الأحد ٨ فبراير ٢٠١٥- مسعاه إلى منح المهرجان بعض هويَّته العربيَّة، بما أنه يقام على أرضٍ عربيَّة. ذلك أن الواجهة الدوليَّة، والتنوّع الإنسانيّ، لا يعنيان نكران المكان، وأهل المكان، ولا صبغ العالم بلونٍ لغويٍّ واحد. ومع هذا فما زال الأمر دون المأمول، فأنت تجد الإنجليزيَّة هي اللغة السيِّدة، بضرورة وبغير ضرورة، منذ التواصلات لترتيب الحضور إلى فعاليّات المهرجان. وإذا كانت اللغة الإنجليزيّة هي اللغة المشتركة بين المشاركين من أقطار العالم في مثل هذا المهرجان، فقد كان يجب أن تكون العربيَّة هي لغة الخطاب والإعلام؛ على الأقل لأسباب إعلاميّة وجماهيريّة من أجل استقطاب المتابعين في محيطٍ عربيّ. فحينما تُلقَى قصيدة بالإيطاليَّة، مثلًا، أو بالأوردو، أو الفارسيَّة، فما شأني أنا العربيَّ لتُترجم لي بالإنجليزيّة فقط؟! بيد أن الإشكال هاهنا بالغ التركيب، حضاريًّا وثقافيًّا؛ ذلك أن العربي نفسه يستنكف من لغته، ويعتزّ بالرطانة بسواها. لا أحد يدرك غالبًا من معنًى للغة سوى أنها وسيلة تواصل. لهذا ربما بدا موقفي المبدئي لفرض استعمال العربيَّة، على نفسي قبل غيري، إن في المراسلات أو الحفل أو الحوارات الإعلاميّة، محلَّ استغرابٍ واستصعابٍ أعقب احترامًا ورضوخًا. حتى لقد اكتشفتُ أن بعض الآخرين يُحسن التعامل بالعربَّية إلى حدٍّ مفهوم، لكننا نحن نصرّ على وأدها فينا وفيه، جهالةً وشعورًا حضاريًّا بالنقصان. وتلك جوانب لعل مهرجان "القلب الشاعري" يلتفت إلى ترميمها في الأعوام المقبلة؛ كي يعبِّر عن احترام سياقاته البيئيّة المكانيّة، لغة وشِعرًا وثقافة وفنًّا. عندئذٍ يغدو للإنسانيّة معناها؛ فالإنسانيّة تُنافي الاستنساخ الأبله لشخصيّة الآخر، والاستخذاء لهيمنة الثقافة الغالبة سياسيًّا والحضارة القاهرة ظرفيًّا.

-2-

من أهم الكُتب التي حظيتُ بها خلال المهرجان كتاب "في يديك تغيير العالم"، للدكتور (دايساكو إكيدا)، رئيس منظمة (سوكا جاكي) الدوليَّة، الذي تطرَّق المقال السابق إلى التعريف به. طُبع الكتاب في اليابان (مطبعة أساهي، 2002)، وترجمتْه إلى العربيَّة (هناء جميل زكريّا)، وصدر عن (سوكا جاكاي الدولية - فرع الخليج، 2011)، بتقديم الدكتورين (أيوب كاظم وشهاب غانم). وقد تضمّن موضوعات حول السلام، تحت العناوين الدالّة الآتية: "شجاعة اللَّا عُنف"؛ "جِسر بين الحضارات"؛ "طريقة أخرى لرؤية الأشياء"؛ "أوقفوا القتل!"؛ "وُجِدَ الدِّينُ من أجل السلام"؛ "ما زالت القلوب مغلقة تجاه العالم". إنك، كما يقول المؤلِّف، لا تستطيع إطفاء النار بالنار؛ ولذلك فإن إطفاء نيران الكراهيّة والإرهاب لا يتأتَّى بكراهيّةٍ وإرهابٍ مضادَّين؛ فالسلام لا يولَد إلّا من الرغبة في الإصغاء. كما يتناول الكتاب، في شأن تجسير الحضارات، أوّل قاموسٍ عربيٍّ يابانيٍّ، والصورة النمطيّة في اليابان عن العرب، وهي صورة منتَجة في الغرب، بطبيعة الإعلام المعاصر. والكتاب يرتكز بصفةٍ أساسٍ على فكرة العمل الروائي للكاتب نفسه بعنوان "ثورة الإنسان"، الذي يؤكّد فيه "أن ثورة عظيمة في حياة فردٍ واحدٍ قادرة على تحويل مصير مجتمع بأسره، بل على تغيير قدَر البشريَّة جمعاء." وهو كتاب جدير بقراءة مستقلة. كما حظيتُ بنُسخة من كتاب إكيدا الآخر بالإنجليزيّة "رِحلة الحياة Journey of Life"، (مختارات شِعريَّة). أمّا الصديق (الدكتور شهاب غانم)، وهو عرّاب المهرجان، فقد اقتنيتُ من نتاجه الغزير كتابين جميلين هما: "مئة قصيدة وقصيدة"، وكتاب "بين قصيدتين: المنفصل-المتصل في زمن الإبداع"، وفيه مقاربات قرائيَّة وترجميَّة لقصائد عربيَّة وأجنبيَّة. ولا غرو فالرجل خرّيج المدرسة الغانميَّة الفيّاضة بعطائها الشِّعري والفنّي والعِلْمي كابرًا عن كابر. وكذا سعدتُ بالتعرّف إلى السيّد (شرف عبده الهاشمي)، الرجل العصامي، الذي طوّف العالم من (عدن) إلى (القاهرة) إلى (لندن) إلى (الإمارات)، وتفضّل بإهدائي نُسخة من كتابه القيِّم "وفي بيتنا رجل حالم"، (السيرة الذاتيّة للأستاذ عبدالله عبده الهاشمي)، في نسختين بالعربيّة والإنجليزيّة. وهو كتاب يتجاوز السيرة الذاتيّة الفرديّة إلى سيرة جيلٍ مكافحٍ من أبناء اليَمَن، الذين خاضوا غمار الحياة بحُلوها ومُرّها.

-3-

وجاءت قصيدتي الثالثة في المهرجان بعنوان "راقصة التَّنْغُو"، التي تضمّنها ديواني الشِّعري الثالث، الذي صدرَ الشهر الماضي، بعد تعثُّرٍ وطول انتظار، "متاهات أُوليس/ قيامة المتنبِّي"، (الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي- نادي الرياض الأدبي، 2015، ص211- 220)، وقد تلقّاها الحاضرون وزملاء الشِّعر والنقد بأصداء مميَّزة.
أَغْمِـضْ عَـيْـنَـيْـكَ ، تَعَـالَ نَـطِــيْـرْ! ** فـي غَـيْـمٍ فـي إِغْـمَـاءِ حَـرِيْــرْ
شَـــــــلَّالٍ مِــنْ عِطْــــرٍ غـَــافٍ ** لا شَــيْءَ لَـهُ بِـرُؤَايَ نَـظِـــيْـرْ
هَـتَـفَتْ .. أَخَـذَتْ بِـيَـدِيْ .. هَــيَّـا، ** هَـلَّا لِلرَّقْصَ دَعَوْتَ أَثِـيـْــرْ؟!
* * *
كَــبَـــقـايـا مِـنْ فُـرْسَـــانٍ فـــي ** صَدْرِيْ وعلـى كَـتِـفَـيَّ تَـسِـيْــرْ
ضَـجَّــــتْ : كَـلَّا ! لا أَلْـــــوَانَ، ** لا مُوْسِـيْـقَى.. اغْـتِيـْـلَ التَّعْبِيْـرْ!
لا أُحْـسِـنُ هــذا الـرَّقْـصَ أنــــا ** ومَـعَـارِكُ فـي قَـدَمَـيَّ تَـــدُوْرْ
لا أَدْرِيْ مـا رَقْــصُ «الـتَّـنْـغُـوْ»، ** أو حـتى ما رَقْــصُ العُصْفُـوْرْ!
* * *
يا سَـيِّـــدَتِـيْ ، مُـــوْرِيْ فِـيْـــكِ، ** والأَرْضُ دَعِـيْهـا فِـيَّ تـَـمُــوْرْ
هـذا القَـصْـرُ الكِـيْـرِسْـتَـالِـــيُّ [م] فَــــرَاغٌ فَـنِّـــيٌّ وخُـصُــــوْرْ
ونُـهُـــوْدُ « السِّـيْـلِـيْـكُـوْنَ » جِــرَا ** رٌ ، لا تُـرْوِيْ ظَـمَأَ الجُمْـهُـوْرْ
وقَـوارِيْـــرُ الـشَّـبَـــقِ الـعـَــارِيْ ** تَـنْـدَاحُ علـى شَـفَـةِ الـمَـخْمُوْرْ
حَـمَـلَـتْ نُطَــفَ الـزَّيْـتِ الأُوْلـَى ** مِـنْ قَـلْبِ النِّـفْـطِ إلـى التَّـنُّـوْرْ
لَـهَــــبٌ ، بُـرْكـــَـانٌ ؛ لا عَـقْـلَ، ** فالعَـقْـلُ كُـوًى والناسُ طُـيُـوْرْ
والإِنســـــانُ الأَعْـــدَى أَبـَــــــدًا ** لِلإِنســـــانِ ، الأَدْعَـى لِلـــزُّوْرْ
* * *
يـا لَـلأُنـْـثَــى ، كَـمْ شَـــادَتْ مِـنْ ** مُـدُنٍ ، ولَـكَمْ هَـدَّتْ مِـنْ دُوْرْ!
يـا لَـلأُنـْـثَـى ، الأُمِّ ، الأُخْـتِ ، الــ ** ــحُبِّ ، الكَـنْزِ ، الـمَعْـنَى المَهْدُوْرْ
كَـمْ عَـــزَّتْ مِــنْ أُمَــمٍ بـالأُنـْــ ** ــثَى / كَمْ ذَلَّـتْ حِقَبٌ وعُصُوْرْ
يـا راقِـصَـتِـيْ ، الأُنـْـثَـى : أَمْـــنٌ ** وسَــلامٌ ، أو جَـيْـشٌ وعُــبُـوْرْ
كُـلُّ الدُّنْـيَــا الأُنـْـثَـى ، وعَلَـيْـــ ** ـها كُـلُّ الأُخْـرَى سَـوْفَ تَـدُوْرْ
* * *
مَـنْ قـالَ : « الأُنـْـثَـى شـَـيْـطـَانٌ »؟ ** فابْـنُ الشَّيْطَانِ هُـوَ الـمَـغْـرُوْرْ!
مَـنْ قـالَ : « الـمَـرأةُ عـارٌ » فَـهـْـ ** ــوَ وَلِـيْـدُ الـعَـارِ أَتـاكَ يَـخُـوْرْ
الـمَـــرأةُ مَـنْــزِلَــةٌ عُـلْـــيــَــا ** بَـيْـنَ الإِنسـَــانِ وبَـيْـنَ النُّـــوْرْ
وُئِـدَتْ فـي بَـحْـرِ غِـيَــابٍ ، وابْـــ ** ـتُـزَّتْ - دَجَـلًا - في بَـرِّ حُضُوْرْ
* * *
سَـلْ (لَـيْـلَى) / (لُـوْ أَنـْـدِرْيـَـاسَ): ** ما ذَنـْـبُـهُما إنْ جُــنَّ صُقُــوْرْ؟!
مَـنْ كُــلُّ الـمَـرأةِ صَــيْـدُهُــمُ: ** جِـنْـسًا ، أو مُـلْكَ يَـدٍ ، وبَخُـوْرْ
مُـذْ (قَـيْـسٍ) حـتى (نِـتْـشَـةَ) والسَّــ ** ــوْطُ الـضَّارِيْ بـَـرْقٌ مَـسْطُـوْرْ
وكـذا يَـحْـكِــــيْ (زارادِشـْـــتُ) ** فـي جَـهْــلٍ نِـسْـبِـيٍّ مَشْهُــوْرْ
كَـتَـبُـــوا : هِـيَ حَـيَّــــةُ آدَمَ ، أو ** قـالُوا : مَـوْتُ الرَّجُـلِ الـمَغْـدُوْرْ
* * *
أَ ذُكُـــوْرَةُ هـذا الكَــوْنِ بِـــنـَـا؟ ** أَمْ أَنَّ الأُنـْـثَـــى داءُ ذُكُـــوْرْ؟
هَـمَـسَـتْ ، فـارْتَـفَّ نَـوارِسـُـهـــا، ** وتَـكَـسَّــرَ صَمْـتٌ مِنْ بَـلُّـوْرْ:
أُنـْـثَـى .. ذَكَــرٌ .. ذَكَــرٌ .. أُنـْـثَــى، ** لا فَـرْقَ ، ضَحـايـا هُمْ ونُـذُوْرْ
تَـئِـدُ الأُنـْـثَـى الأُنـْـثَـى ، وتُـمَـــزِّ ** قُ شَـرْنَـقَـــةً أُنـْـثَى الزَّنْـبُـوْرْ!
وسَـيَـلْـتَـهِــمُ الجُـــبُّ يُـوْسُـفَـــهُ ** ويـُحَمْلِـقُ فـي وَجْهِـيْ كالعُـوْرْ
* * *
لا تُـغْمِـضْ عَـيْـنًا ، وافْـتَــحْ بِــــيْ ** فـي الشَّمْسِ نـَهارًا .. جَنَّـةَ حُـوْرْ!
وارقُصْ- قالتْ - رَقْـصَ «التَّـنْـغُـوْ»، ** بـِيْ مُلْـتَـحِـمًـا وبِـلا مَـحْـظُـوْرْ
تَـرَ (مَـرْيَــمَ) فـي عَـيْـنِـيْ تَصْحُـوْ ** و(خَـدِيْـجَـةَ) مِنْ شَفَـتَيَّ تَـفُـوْرْ
فالـمَــرأةُ مَعْـدِنُــــكَ الأَرْقَـــــى ** وبِمَعْـدِنِـكَ الأَرْقَـى سَـتَـثُــوْرْ!

* [الكاتب: أ.د/ عبدالله بن أحمد الفيفي، عنوان الموضوع: «مهرجان القلب الشاعري 2015: 3»، المصدر: صحيفة «الراي» الكويتية، الثلاثاء 14 أبريل 2015، ص30].


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى