الاثنين ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
بقلم حاتم جوعية

الحُبُّ والزَّوَاجُ في المجتمع العربي

الحُبٌّ عدَّة ُ أنواع وألوان أحدُها صادقٌ وجوهريٌّ وروحانيٌّ منزَهٌ عن كلِّ هدفٍ ماديٍّ...والباقي كذبٌ وزيفٌ وأوهامٌ ونزواتٌ مرضيَّة ٌ.

الحُبُّ الحقيقي الجوهري شيىءٌ جميلٌ ورائعٌ باعتبارهِ من أسس

مسالكِ الإنسان النبيلةِ المثاليَّة ِ السامية ِ وحياتهِ ومستقبلهِ المشرق ولبناءِ المجتمع الصالح، وخاصَّة في موضوع التربيةِ للأجيال الصَّاعدةِ...ولهذا يجبُ على الإنسان ألا يتهاونَ بهِ كي لا يمنحه لمن لا يستحقهُ..ولذلك يجبُ أن ندققَ في البحثِ والتجارب المتعدِّدة فيمن أعجبنا بهم، بأشكالِهم الخارجيَّة والحِسيَّة ومن استمَعنا إلى أحاديثهم. إنَّ الذهبَ إذا أردنا فحصَهُ نحكهُ على المِحَكِّ من طرفٍ واحدٍ ولكنَّ الإنسانَ يجبُ ان نحكّهُ ونجسَّهُ من جميع الأطراف لنعرفَ كنهَ معدنِهِ ولكي لا نمنح الحبَّ لمن لا يستحقهُ لأننا قد نفقدُ نفوسَنا ومستقبلنا وكياننا نتيجة َ الجهل والغرور والطيش وعدم الإدراك.

الحُبُّ موضوعٌ جوهريٌّ هامٌّ يتفرَّعُ وينعكسُ على عدَّةِ جوانب حياتيَّة..وعلينا أن نُعلِّمَ ابناءَنا وبناتنا كيف يسلكونَ وكيفَ يتصرَّفونَ وكيفََ يُحبُّونَ قبلَ ضياعِهم في سياق الجهل والمراهقةِ. إذا أرادَ الإنسانُ أن يُحبَّ فلينطلق من العقلانيَّة والحسِّ السليم، والحذر الحذر من الإنسياق والأنجرافِ وراءَ النَّزوات والطيش والغرور وجنون الشباب والعواطف المُراهقة والضياع في دروبِ الأنانيَّةِ والشهوات. إنَّ الحبَّ الحقيقيَّ الروحاني يكونُ دائما حُبًّا متبادلا مبنيًّا على الإحترام والثقةِ العمياءِ بين الطرفين والصدق والإخلاص والوفاءِ والتضحيةِ والتفاني في سبيل هذا الحبِّ وطهارتهِ وقدسيَّتهِِِ، من قبل الطرفين...يكونُ شعورُ الطرفين متبادلا في الفرح والحزن والسَّرَّاءِ والضرَّاءِ وفي التقدير، وفي جميع الأمور والمجالاتِ الحياتيَّة والعلميَّة... والحبُّ الحقيقي الروحاني يجتازُ كلَّ السُّدودِ ولا يخضعُ لقيودِ المادَّة وروتين التقاليد والعاداتِ، ويترفعُ ويسمُو على النظريَّاتِ العرقيَّة: كالدين والجنس واللون واللغة والإقليم..هو فوق كلِّ المقاييس والإعتبارات. والحبُّ عادة ً يمرُّ في ثلاث مراحل وهي: التعارف، ثمَّ الإعجاب، وبعدها يكونُ الحبُّ والهيام. إنَّ الجهلَ والتهاونَ من أسلافنا لعدم تعليم وتثقيف أبنائِهم وبناتِهم وإفهامِهم وإطلاعهم على جميع الأمورالحياتيَّةِ والمستقبليَّةِ،وخاصّة ً الحبُّ والزََّواج (بالشَّكل العلمي الصَّحيح والسَّليم) لهُ ضلعٌ وباعٌ كبيرٌ في مُسَبِّبَاتِ التخلُّفِ الإجتماعي والأخلاقي والإنساني الذي يُعاني منهُ مجتمعنا العربي. ولهذا السَّبب نرى شبابَنا وشاباتنا منغرقين وَمُنقادين وراءَ الغرور والأنانيَّةِ والتظاهر الأرعن في الحبِّ وهم لا يفهمونَ شيئا من كنهِهِ إطلاقا.. فمعظمهُم متعطشونَ جنسيًّا (لسبب الكبت والحرمان الذي يعانونَ منهُ والمُتفاقم في المجتمع العربي المحافظ) فينتظرونَ أوَّلَ فرصةٍ تسنحُ لهم لأجل إشباع وإطفاءِ شهوتِهم الجنسيَّةِ الحيوانيَّةِ المتعطِّشة لو بأيِّ ثمن ضاربين بعرض الحائطِ المبادىءَ والمُثلَ والقيم... وغيرُ مهمٍّ بالنسبةِ لهم بأيِّ شكل أو ثمن يُمارسون الجنس، إذا كانَ عن طريق العلاقةِ غير الشَّرعيَّةِ (خارج إطار الزَّواج) أو عن طريق الزواج..ولا يهمُّهُم ويعنيهم نوعيَّة الشريكِ ومعدنه ومستواه الفكري والإيديلوجي... ومعظمُ الأحيان العلاقات الجنسيَّة بين الطرفين تتمُّ فقط عن طريق الزَّواج الشرعي لأنَّ مجتمعنا العربي المُحافظ والمكبوت لا يسمحُ لهذه العلاقات أن تحدثَ خارجَ إطار الزَّواج... ولهذا الأمر معظمُ الإرتباطاتِ الزوجيَّة المصيريَّة التي تتمُّ شرعيًّا وتحت مِضَلَّةِ الدين يكونُ هدفها الجنس أو المصلحة الماديَّة الأنانيَّة (زواج البزنس) فقط. وإذا عملنا إستفتاءً في جميع البلدان العربيَّة (في الداخل والخارج ) نجد حوالي ال ( 90 بالمئة ) من مجتمعنا العربي يتزوَّجُ لأجل إشباع شهوتهِِ الجنسيَّة البهيميَّة ولزيادةِ النسل المعوق والمتخلِّف علميًّا وثقافيًّا مثلهم مثل الحيوانات والبهائم ( ولهذا يكونُ رباط ُ الزواج غيرَ متين وغالبا يفشلُ... وكثيرا ما تحدثُ المشاكلُ وحالاتُ الطلاق والإنفصالُ..أو الخياناتُ الزوجيَّة... كما أنَّ الأجيال التي تنشأ من ثمار هذا الزواج يحدُوهَا نفسُ المصير لسبب تشوُّهِها إجتماعيًّا وثقافيًّا وفكريًّا،وحتى جسديًّا وعقليًّا بسببِ زواج الأقارب. فجُلَّ ما تعرفهُ من الحياةِ: الأكل والمشرب واللباس والمظاهر الشكليَّة والزَّواج في سنٍّ مُبكِّر لأجل إشباع رغباتِهم الحيوانيَّةِ. ومنهم يُساقونَ إلى الإنحرافِ والشُّذوذ لأجل إشباع هذه الرَّغبات المكبوتة. ولكن علينا أن نذكرَ أنهُ يوجدُ بعضُ المتعلِّمين المثقفين في مجتمعنا (من الجنسين) وهم قلائلُ وهؤلاء في أغلب الأحيان يتزوَّجُونَ في سنٍّ متأخِّرةٍ (من جيل ال 35 وما فوق) حسب الإستفتائيات والإحصائيَّات، وذلك لأنَّ هؤلاء المثقفين والمثقفات الين يمتازون ويتحلُّون بجميع المبادىء والمُثل والقيم الأخلاقيَّة والإنسانيَّة التقدميَّة والحضاريَّة والجمال الشكلي أيضا الجنسُ بالنسبةِ لهم شيىءٌ ثانويٌّ وبإمكانهِم ممارستهُ متى أرادوا وبشكل حضاريٍّ متطوِّر خارجَ إطار الزواج، وليسوا مثل باقي شرائح المجتمع العربي المتخلِّفين حضاريًّا وفكريًّا الذين يلهثونَ ويتلهفونَ وراءَ الجنس كالبهائم ولا ينالونهُ... فاهتمامُهم الأوَّل (المتعلِّمون المُتحَضِّرُون المثقفون، وخاصَّة الفنانون والكتاب والأدباء والعلماء والمبدعون منهم) هو دراساتهم وأبحاثهم ورسالتهم الفكريَّة والعلميَّة أو الفنيَّة لأجل تنوير المجتمع وبنائِهِ وتطويرهِ..ثمَّ لكونهم يرفضونَ ربط َ مصيرهِم بأيِّ شخص يكونُ دونَ مستواهم من الناحيةِ الفكريَّةِ والحضاريَّة والثقافيَّة والأخلاقيَّة والشكليَّة أيضا.. لأنهم يريدونَ شريكا لحياتهم يطابقهُم مئة بالمئة وَيُجَسِّدُهم فكرا وروحًا وجوهرًا وَحُبًّا وعلمًّا وثقافة ً وأدبا وجمالا وسحرًا)، بالإضافةِ إلى الحبِّ العميق الصادق الذي يجمعهُم مع الشريكِ فهو الرباطُ المقدَّس وكيمياءُ القلبِ والروح وإكسير الحياة المثاليَّة الحضاريَّة المتطوِّرة الذي يقودُهُم نحوَ الفجر السَّرمديِّ الخالد ونحوَ بناءِ جنَّةٍ مثاليَّةٍ قدسيَّة ثمارُها البناءُ والتشييد والعلم والحضارة والعطاء، وتنتجُ أطفالا وأجيالا كاملينَ واعين صالحين، رُوَّادًا عباقرة ً يُساهمونَ في تشيدِ وتطوير الصَّرح الحضاري والثقافي والإنساني، وتكونُ بصماتُهم الإبداعيَّة ُ والعمرانيَّة ُ في كلِّ جهةٍ وصوب.

كلمة ٌ أخيرة ٌ: نحنُ نتوجَّهُ إلى القرَّاءِ من شبابنا وفتياتِنا الصَّاعدين الواعدين أن يسلكوا ويحذوا حذوَ هؤلاء المثقفين الملتزمين الرَّائدين المُبدعين في حياتِهم اليوميَّة ويُكملوا تعليمِهم ودراستِهم ويحسِّنوا أوضاعَهم المعيشيَّة ويحذروا من الزواج غير المتكافىء في سنٍّ مبكِّر والإنجرار وراءَ الجمال الشكلي الزَّائف والمظاهر والأفكار والنزواتِ المراهقة الطائشة والجنس العشوائي والمقاصد الماديَّة الدنيئة..ويجب قبل كل ِّ شيىءٍ أن يعملوا على بناءِ وتأسيس مستقبلهِم وتكوين أنفسِهم. والزواجُ يجبُ أن يُبنى على الحُبِّ الحقيقي الجوهري وأسسِهِ التي ذكرناها: كالإخلاص والإحترام المُتبادل والتقدير والوفاء والتضحية والتفاهم والتقارب الفكري في الآراءِ والمبادىء...وأمَّا الجنسُ والأمورُ الماديَّة والشكليَّة فشيىءٌ ثانويٌّ آخر.
ملاحظة ٌ أخيرة ٌ: قد يبدو أنَّ ما ذكرتهُ للقرَّاءِ عن الزَّواج المثالي والحُبِّ الجوهري الروحاني شيئٌ خياليٌّ بعيدٌ عن الواقع وعن دنيا الناس، لأنَّ أكثر من (80 بالمئة) من مجتمعنا العربي وحتى المتعلمين حاملي الشهادات الجامعيَّة والأطباء والمحامين والمهندسين... إلخ، في وسطنا العربي، تفكيرُهم ومنطلقهم رجعيٌّ مريضٌ مُتخلِّفٌ هَمُّهُم المادة ُ والمظاهر ونيل الجنس بأيِّ ثمن وشكل كان، ومستعدون أن يتزوَّجوا من أيَّةِ إنسانةٍ يرونها وتصادفُ حياتهم لأوِّل مرَّةٍ حتى لو كانت قبيحة ً قلبا وقالبا.. شكلا وباطنا وجاهلة وأميَّة ً ومن أسفل وأحط ِّ الطبقاتِ (من جميع النواحي)، وذلك لأجل أن يتناسلوا وينجبُوا بكثرةٍ جنونيَّةٍ كالفئران والأرانب والحشرات... هذا هو السَّواد الأعظم من مجتمعِنا الشَّرقي فالمثقفون والأميُّون سواء..ولهذا سيبقى العالمُ والمجتمعُ العربي الذكوري الذي همُّهُ وهاجسُهُ وهدفهُ التناسل بكثرة من دون روادع متأخِّرًا حتى يتحرَّرَ معظمُهُ من هذه القيود والأفكار الرَّجعيَّةِِ والرَّواسب والتخلف المزمن والعقد الدفينة التي توارثها من العصور الجاهليَّة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى