الخميس ٧ أيار (مايو) ٢٠١٥
بقلم عبد المطلب عبد الهادي

الإنسان العربي وسؤال المغامرة ..

أن يكون أو لا يكون لا خيار ثالث..

الإنسان العربي.. ذلك الرقم في بطاقة .. صورة في جواز سفر انتهت صلاحيته مذ تسلمه.. طيف في جماعة يتّكل بعضهم على بعض.. ينتظرون من يبادر.. ولا مبادر..

الإنسان العربي.. اسم واقف.. يسير كاسحا .. بلا هدف.. ولا خطة.. ولا خريطة.. يحلم محمولا على جناح أحلام لا تنقضي ولا تتحقق، يستلذها، لتصبح أفيونه اليومي ..

الإنسان العربي.. آلة تحسن الاستهلاك فقط.. لا يدخل في قاموسه معنى الانتاج والتفكير والابداع والمعرفة.. هو في انتظار دائما.. لا يعرف ماذا ينتظر.. ينتظر لأن الآخرين ينتظرون.. منذ وعى وهو ينتظر.. ينتظر من يصفق عليه.. ينتظر من يدفع به إلى المناصب العليا.. من يُصوت عليه.. لا يبادر.. فقط ينتظر لأنه يُحسن فن الانتظار.. لأنه ـ وهذه من خاصياته ـ له من النفس الطويل ما يجعله ينتظر العمر كله..

الإنسان العربي.. متفرج بارع.. ناقد بالفطرة.. يُحسن التصفيق.. لا يعي قيمة الوقت.. له من الوقت ما يفيض عن حاجته..(لي بغا يربح العام طويل.. لا زربة على صلاح.. لي زرب تعطل..) واللائحة طويلة..

الانسان العربي.. لا زالت تنخره الحروب والنزاعات ووعود الحكام.. يحلم ويحلمون له بغد أفضل.. غد لن يأتي مادام يربط مصيره بمصير شخص يحلم له.. يمر التاريخ فوق رأسه وكأنه لا يعنيه.. محكوم بالماضي الذي ولى.. يتغنى بالليل والقمر.. يصب لواعجه على ليلى التي سلبته عقله وجوارحه.. عاش ويعيش يضحك للقمر.. ولا ينخرط في المسير والتغيير..

الإنسان العربي.. ذاك الكسيح الواقف.. الباكي.. الحامل للمتناقضات.. الفرح.. المنتظر.. الرقم المُبهم.. الاسم فقط.. البسيط ..المسكين.. الباحث عن الظل.. لن يتمكن من الحركة والتغيير والتفكير والإبداع والمغامرة وتجاوز ذاته .. إلا إذا تحرر كليا من الديماغوجيات الكاذبة التي تلون أحلامه وأمنياته.. والادعائية الفارغة من الصدق والتي يصدقها بسهولة غريبة.. ومن الشعبوية الكاذبة التي يكلسون بها دماغه لكسب مصداقية مؤقتة ومزيفة.... ومن الشعارات الطنانة والباهتة والممجوجة والفارغة من الأهداف المستشرفة لمستقبل متغير..

سقط حائط برلين ولم يسقط حائط الوهم الذي يسكن عمق الإنسان العربي الذي لا يزال لحد القرن الواحد والعشرين وما يأتي.. يحلم.. يتمنى.. ينتظر.. يلوك ماضيه متأسفا .. يغني للقمر وكأنه لم يُخلق لهذا الزمان.. لا زال الإنسان العربي لم يُدرك الغنى والثراء الفاحش الذي تزخر به بلدانه من بترول وسياحة وإعلام ..
هل يعي الإنسان العربي، أن الغرب في اتحاده يستغل سلطان الصورة وجبروتها لترويج صورة ـ له ـ مزيفة على أساس من الميز والمكر المبطن بالابتسامة الصفراء والمساعدات المذلة والمخزية التي يصدقها في سذاجة واضحة.. فهو الإرهابي.. والعدو.. والمتطرف والوافق ضد الحوار والتسامح..

وبعد، هل كُتب على المواطن العربي أن يقف حيث هو.. يتفرج على الكوكبة وهي تسارع الزمن وتحرق المسافات لتحقيق المستحيل ؟

هل يعرف الإنسان العربي ذاته جيدا ؟ قدراته ؟ إمكانياته ؟

هل يعرف نقط ضعفه التي لا حصر لها ونقط قوته ؟

هل يعترف الإنسان العربي ـ ومن هنا البداية ـ بتخلفه وضعفه ؟ وهل يعي المرحلة التاريخية التي يحياها والتي لا تقبل الضعفاء والواقفين والمتفرجين ..؟

هل وقف الإنسان العربي ـ يوما ـ وسأل نفسه هذه الأسئلة المقلقة والحرجة ؟

لن يستطيع الإنسان العربي أن ينظر في اعماقه لسبب بسيط.. أنه لم يقف وقوف المتأمل الساعي إلى التغيير والباحث عنه والثائر على الواقع الذي يسحبه بقوة نحو الحضيض..

أجوبة على سبيل الإقتراحات..

عربي بدون نخوة.. بدون عزة.. بدون كرامة.. لا يمكنه أن يقف أمام وجهه ويطرح السؤال/الأسئلة....
نظرة إلى واقع الإنسان العربي ـ بدون رتوش أو ماكياج.. يتضح صادما، الألم والتناقض والخيبات والانهزامية التي تُسيّج حياته لحد الألفة والاستسلام.. وتجعله يجري لاهتا دون بوصلة تحدد له اتجاها..

الخوف من المجهول.. من ركوب المغامرة.. من الآخر.. من الآتي.. يُخندق الإنسان العربي داخل خانات ضيقة لا تُشعره بالأمن والأمل.. ولا تُسعفه ليتحرك ويبادر.. ولا تترك له مجالا للنظر أبعد من أنفه.. الخوف يوقف الفكر كما يوقف عجلة التقدم ويحد من الحركة.. وهو أولى وأكبر مصائب هذا الإنسان.. إذ، حين يتخلص من خوفه يستطيع طرح أسئلته بشجاعة والنظر فيها بعمق يسمح له بالتعبير والانطلاق..

الظلامية والأصولية الدينية المتشددة الرافضة للتطور والانفتاح والتسامح والاستماع للآخر.. كل هذه الأطروحات الهدامة والخاطئة صور كاريكاتورية يصنعها " الآخر " الذي يريد للعربي أن يظل في آخر الركب بعيدا عن النهضة وطرح السؤال.. لدرجة جعل "الدين" تهديد.. موت أسود.. إفلاس.. وحين يعي الإنسان العربي حقيقة دينه يستطيع أن يتجاوز تلك الأطروحات ويتجرأ على السؤال..

رغم امتداد العالم العربي.. يشعر الإنسان العربي المسكين والمستكين أنه داخل سجن كبير يكبل حرياته ويغل حركته ويصيبه بالشلل ويوقف تفكير ويُشعره أنه مشروع مؤجل دائما.. رأس مال بائر لا يمكن الاستثمار فيه..
على سبيل المغامرة لتجاوز النكبات..

على العربي أن يغامر ويأخذ مصيره في يده ـ أن يسعى للتوعية والتكوين.. أن يغامر ويرسم خارطة طريق واضحة المعالم تكون أقرب من واقعه وحياته تمكنه من ولوج عالم التفكير والمعرفة..

أن يمد نفسه بالثقة في قدرته على الإنتاج.. وأن يعرف ذاته ويعرف الخيرات التي يزخر بها وطنه العربي الكبير الممتد أمام ناظريه من المحيط إلى الخليج وأبعد..

أن يغامر ويتحدى الزمن الذي ضاع منه، ويتصد له لتجاوزه والتخطيط لمراحل هذا التجاوز..
هي تحديات تقصم الظهر وتقص أجنحة طيرانه وتحليقه.. فالأمية والعطالة والاستهلال وعدم المشاركة في البناء والتغيير والإرهاب والتخلف والعنف بكل مظاهره آفات تنخر عمق الإنسان العربي والتي علمته أن الحياة تراجع.. تكاسل.. تواكل.. وقوف في الصف الأخير.. انتظار.. لكن الحقيقة المرة عندما نعيها تدفعنا إلى المغامرة وتجاوز ذواتنا لنخرج من دائرة السواد التي لا تُظهر منا إلا الشبح والسراب..

وبعد.. وفي انتظار أن ندخل دائرة الضوء.. علينا أن نغامر..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى