الخميس ١٤ أيار (مايو) ٢٠١٥
بقلم محمد زكريا توفيق

أساطير السماء – برج الجبار

برج الجبار (Orion)، برج رائع. أجمل أبراج السماء على الإطلاق. عندما يظهر في الليالي الصافية التي يختفي فيها القمر، يتلألأ برج الجبار، أوريون، في كبد السماء ولا تخطئه العين.

أجمل نجومه، ثلاثة نجوم تقع على شبه خط مستقيم في وسط الجبار، حيث يوجد الحزام. من هذه النجوم، يمكن تتبع باقي البرج.

الجبار أوريون، صياد محترف مدجج بالسلاح. يحمل هراوة غليظة في يده اليسرى، ودرعا في يده اليمنى، وسيفا يتدلى من وسطه.

به أكبر مجموعة نجوم ساطعة. خمسة منها من الدرجة الثانية في اللمعان، واثنان من الدرجة الأولى. النجم منكب الجوزاء (Betelgeuse) في مكان الكتف الشمال، والنجم رجل (Rigel) في مكان القدم اليمين. وهي أسماء عربية كما نرى.

النجم "رجل" من النجوم العملاقة. 33 ضعف قطر الشمس. 20 ألف ضعف شدة استضاءتها. يبعد عن كرتنا الأرضية مسافة 900 سنة ضوئية. السنة الضوئية، هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة.

لنا أن نتخيل عظم هذه المسافة، إذا علمنا أن الضوء يقطع مسافة تعادل سبعة أضعاف محيط الكرة الأرضية في الثانية الواحدة. هذا يعني أننا نرى النجم "رجل" في حالته منذ 900 سنة.

أما النجم منكب الجوزاء، فيبلغ قطره 400 ضعف قطر الشمس، وشدة استضاءته 3600 ضعف شدة استضاءة الشمس، ويبعد عنا 310 سنة ضوئية.

أحد نجوم الجبار أوريون، الواقعة في سيفه المتدلي من وسطه، لا ترى بوضوح بالعين المجردة. لكننا نجدها، عند النظر بالتليسكوب. عبارة عن سحابة غازية متوهجة.

هي سيديم أوريون العظيم (Great Orion Nebla). الذي توجد به مادة من الغازات والتراب تكفي لصنع 10 آلاف نجم في حجم شمسنا. السبب في ظهورها باهتة، هو بعدها عن الأرض مسافة قدرها 1500 سنة ضوئية.

الجبار أوريون هو الصياد العظيم. ليس هناك حيوان على ظهر الأرض يستطيع أن يهرب منه. عرفه اليونانيون القدماء منذ خمسة قرون قبل الميلاد، وأسموه المقاتل(Warrior). هو ابن بوسيدون (Poseidon) إله البحار.

كان أوريون يتيه فخرا بقوته ومهارته كصائد للحيوانات المفترسة. وكان يدعي أنه قادر على قتل كل حيوانات الأرض. ارتاعت إلهة الأرض جايا (Gaea)، عندما علمت بقدرة الجبار أوريون على قتل حيوانات الأرض. لذلك، قررت قتله على الفور، حماية لحيوانات الأرض من الانقراض.

أرسلت جايا إلهة الأرض عقربا عظيم الحجم، وأمرته بلدغ أوريون وقتله بسمه الزعاف.

أطاع العقرب أوامر إلهة الأرض. ذهب لتوه إلى أوريون، ودارت بينهما معركة طاحنة. لم يستطع أوريون التغلب على العقرب، بسبب حماية جايا له. وعلى حين غفلة، قام العقرب بلدغ أوريون في رجله وإدخال سمه المميت في جسده لكي يقضي نحبه ويموت الجبار أوريون في التو واللحظة.

لأن الجبار أوريون هو ابن الإله بوسيدون، وبسبب الدور الذي قام به العقرب في قتل أوريون وإنقاذ حيوانات الأرض من خطر الفناء المحتمل، لذلك قررت آلهة الإغريق رفع جثماني الجبار أوريون والعقرب إلى السماء. وإضافتهما كبرجين إلى باقي الأبراج.

حرصت الآلهة على أن تبعد كل منهما عن الآخر. بحيث إذا ظهر أحدهما في السماء، اختفى الآخر وراء الأفق. حتى لا تقوم بينهما معركة ثانية، مثل المعركة التي قتل فيها أوريون. تعتبر أسطورة قتل الجبار أوريون بسم العقرب، هي أشهر الأساطير القديمة التي تصف مقتل أوريون.

جاء في أسطورة أخرى من الأساطير اليونانية القديمة، أن الإلهة أرتيمس (Artemis)، ديانا (Diana) عند الرومان، وإلهة الحيوانات البرية والقمر، كانت تعشق الجبار أوريون، القوي الوسيم.

لكن قصة الحب هذه لم تكن تروق الإله أبوللو (Apollo) أخو أرتيمس. لأن أرتيمس أهملت، بسبب حبها هذا، واجباتها الإلهية، ولم تعد ترسل الضياء إلى القمر. لذلك، قرر أبوللو التخلص من الجبار عندما تحين الفرصة.

عندما كان الجبار أوريون يستحم في البحر في يوم من الأيام، كان أبوللو يسير مع أخته أرتيمس على الشاطئ. عندئذ، تحدى أبوللو أخته أرتيمس، فيما إذا كانت تستطيع أن تصيب بسهمها هذا الهدف المتحرك، الذي يطفو ويغوص في الماء.

لم تكن أرتيمس تعلم أن أوريون، حبيب عمرها، هو الذي يعوم في الماء. قبلت أرتيمس التحدي. وكانت هي الأخرى صائدة ماهرة. لم لا وهي إلهة الصيد والقمر؟ صوبت أرتيمس سهمها المميت، وأطلقته على رأس الجبار أوريون وهو يغوص في الماء، فأردته قتيلا.

عندما حملت الأمواج جثة أوريون وألقتها على الشاطئ، علمت أرتيمس الحقيقة المروعة. علمت أنها كانت ضحية مكر ودهاء أخيها أبوللو اللئيم. بحزن بالغ، وضعت أرتيمس جثمان أوريون في عربتها الحربية ذات اللون الفضي، وطارت به إلى ركن مظلم، لتضع فيه جسد حبيبها أوريون. كي يضئ كبرج من أبراج السماء. لكنه أكثر الأبراج بريقا ولمعانا.

وضعت أرتيمس معه أيضا برجي الكلب الأكبر والكلب الأصغر، الذين كانا يستخدمهما أوريون في الصيد. ويظهر أوريون في السماء كأنه يطارد حوريات الثريا (Pleiades) السبع الجميلات، وهي مجموعة نجوم رائعة تقع في برج الثور (Taurus).

في أسطورة أخرى، أحب الجبار أوريون الأميرة ميروبي (Merope) ابنة الملك أينوبيون (Oenopion). عندما تقدم أوريون لطلب يد الأميرة، طلب منه الملك أن يقتل كل الحيوانات المفترسة، التي كانت موجودة في الجزيرة، ويقدمها كمهر لابنته.

قام أوريون بالبحث عن حيوانات الجزيرة المفترسة، وقام بقتل كل حيوان وجده. عندما أنهى مهمته، توجه طالبا من الملك الوفاء بوعده. لكن الملك رفض زواج أوريون من ابنته، بحجة أن أوريون لم يتم عمله بالكامل.

أحضر الملك، كشاهد على صدق قوله، عدة أسود ودببة وذئاب، كانت لا تزال تهيم في الجزيرة، لم يقم أوريون بقتلها. جن جنون أوريون لرفض الملك طلبه الزواج من ابنته، وقرر الانتقام بطريقته الخاصة.

في أحد الليالي حالكة الظلمة، تخفى أوريون في ملابس أحد الحراس. تسلل إلى القبو الذي يحفظ فيه الملك النبيذ المعتق. ظل يشرب ويشرب حتى الثمالة. ثم انطلق إلى مخدع الأميرة ميروبي، وقام باغتصابها.

مع ضوء الفجر، اكتشف الملك ما فعله أوريون واغتصابه لابنته. استغاث الملك بوالده دايونيسوس (Dionysus) إله النبيذ. أرسل دايونيسوس إلى ابنه الملك، نبيذا خاصا وطلب منه أن يسقيه لأوريون.

بعد أن شرب أوريون النبيذ الخاص، غاب عن الوعي. عندئذ، قام الملك بتقريب قضيب حديد شديد السخونة من عيني أوريون حتى أفقده البصر. ثم ألقاه على شاطئ الجزيرة. لكن أوريون استعاد بصره، بتعريض عينيه لضوء الشمس، بناء على نصيحة الإله أبوللو، هيليوس (Helius)، إله الشمس.

عرف قدماء المصريين، برج أوريون. وكان يمثل الإله أوزوريس (Osiris). يحمل على كفه النجم الدبران (Aldebaran). أما النجم سيرس (Sirius) أو الشعرى اليمانية، فكان يمثل الإلهة إيزيس. لكنه لا ينتمي لبرج الجبار أوريون.

من الملفت للنظر والجدير بالذكر، أن أهرامات الجيزة الثلاثة، التي تتوسط برج الجبار أوريون، والتي تشبه الخط المستقيم، لا تكون بالضبط خطا مستقيما. بذلك، يفهم الآن لماذا لم تبن أهرامات الجيزة الثلاثة على خط مستقيم.

كان الجبار أوريون يمثل إله الشمس عند الفينيقيين. عرفه أيضا العبرانيون، وأسموه الجبار. كان يمثل النمرود الذي حظي بغضب الإله يهوا. عرفه أيضا العرب، وكانوا يطلقون عليه الجوزاء، وتعني منطقة وسط السماء. ثم أطلقوا عليه اسم الجبار.

عرفه الصينيون القدماء، على أنه جزء من برج أكبر هو برج النمر. وعرفه الهنود وأسموه براجا-باتي (Praja-pati). ويعني ذكر الغزال الذي يطارد ابنة الدبران (Aldebaran). وهو نجم يقع في مجموعة برج الثور (Taurus). ويقع قريبا جدا من برج الجبار أوريون.

لكن نجم الشعرى اليمانية الواقع في برج الكلب الأكبر (Canis Major)، يعاقب الفلاتي براجا-باتي بأن يطلق عليه سهما ليقتله. عند النظر إلى برج الجبار أوريون، يمكن رؤية السهم مرشوقا في وسطه. وهو حزام الوسط كما نراه الآن.

أفضل الأوقات لمشاهدة برج الجبار أوريون هي شهور: ديسمبر، يناير، فبراير، ومارس.

النجوم:
الفا – منكب الجوزاء (Betelgeuse)، نجم عملاق أحمر يتكون من 6 نجوم. معظم النجوم المرافقة خافتة لا ترى بالعين المجردة
درجة اللمعان: 0.5
البعد: 310 سنة ضوئية

بيتا – الرجل (Rigel). نجم لامع أبيض من الدرجة الأولى. له ثلاثة نجوم مرافقة، كلها خافتة لا ترى بالعين المجردة.
درجة اللمعان: 0.1
البعد: 900 سنة ضوئية

جاما – المرزم (Bellatrix)
درجة اللمعان: 1.6
البعد: 360 سنة ضوئية

دلتا – المنطقة (Mintaka). نجم مزدوج
درجة اللمعان: 2.2
البعد: 1400 سنة ضوئية

إبسيلون – النيلم (Alnilam)
درجة اللمعان: 1.7
البعد: 1200 سنة ضوئية

إكساي – النطاق (Alnitak)
درجة اللمعان: 1.8
البعد: 1100 سنة ضوئية

كابا – السيف (Saiph)
درجة اللمعان: 2.1
البعد: 68 سنة ضوئية

لمبدا – الميساء (Meissa). ويعني الاسم بالعربية المتوهجة.
درجة اللمعان: 3.4

العناقيد: (NGC2169) من الدرجة السادسة

السديم: (M42). سديم الجبار أوريون المشهور. كذلك السديم المرافق له (M43). موجودان في منطقة السيف. يمكن رؤيتهما بالعين المجردة. يبعدان عنا مسافة 1500 سنة ضوئية. توجد بينهما سديم رأس الحصان المشهورة، والتي لا ترى إلا بالتصوير الفوتوغرافي البطئ، نظرا لامتصاص الأتربة الموجودة بها للضوء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى