الثلاثاء ١٤ تموز (يوليو) ٢٠١٥
بقلم زينب هداجي

الصورة أم الغداء؟

توقفت عن غسيل الأواني وأخذت تحرّك يدها في وعاء الماء مستمتعة بأشعة الشمس وهي تنظر إلى بلور النافذة وكأنها تحاول أن تنفذ من ضيق المطبخ و حرارته ومن روائحه الخانقة...

تركت مطبخها في فوضى عارمة ودعت نفسها إلى فسحة من الراحة. سحبت من الرف ألبوم الصور القديمة. جلست على الأريكة. مرّرت الصفحات ببطء شديد متأملة كل صورة. توقفت عند إحدى الصور: كانت في سنّ السابعة عشر. كانت ترتدي قميصا قطنيا ضيقا وتنورة قصيرة. شعرها مسرح بعناية على شاكلة الموضة في ذلك الزمن... قرطان من المرجان وعقد يضفيان على طلّها حيوية وإندفاعا...

مرّرت أصابعها على تفاصيل الصورة، تنهدت فخرجت من جوفها حرارة و عطشا... لفظت ما ركد في قلبها من أحزان و ما ترسب فيه من جروح زاد الزمن من تعفنها. فاشتعل رأسها شيبا ووهن عظمها.

مرّرت أصابعها مرة أخرى على الصورة... سحبتها من المغلف البلاستكي. أخذت الصورة ووقفت قرب النافذة . أرادت أن يحيي الضوء ألوانها و يبعث فيها الحركة. رغبت أن تخرج من في الصورة وتتمشى في شوارع الحي غير مصغية لمن يشتهونها سرّا و يلعنونها علنا. قرّبت الصورة أكثر فأكثر من زاوية انبعاث الضوء، فتألقت ملامحها في الصورة كما كانت تتفتح تمردا و تحدّ وهي في تلك السنّ. ضحكت من في الصورة وغمزتها فضحكت هي الأخرى وغمزتها... وهي تقوم بارجاع الألبوم إلى مكانه، أقبل زوجها صاحب الكرش الكبير من العمل لاهثا يلعن سائقي السيارات والطقس الحار وأسعار المواد الغذائية التي اشتعلت والبنات اللاتي يلبسنا أشياء مخزية.... ثم أمرها بأن تقدم له الغداء. و عندما أخبرته بأنها لم تعدّه بعد، ثارت ثائرته و راح يحقق معها و يسألها فيما قضت اليوم؟ ثم إنه ليس من عادتها أن تتأخر عن الطهو ... لم ترتعد ولم تضطرب بل ضربت الأرض بقدمها و أسرعت إلى الرف وأحضرت الصورة، وضعتها أمامه وانصرفت إلى المطبخ. بقي الزوج مندهشا من تصرف زوجته، أخذ الصورة بكلتا يديه ويمعن النظر إلى الفتاة الجميلة في الصورة حتى أنّه لم يسمع زوجته وهي تسأله :

" مــاذا تـــريــد أن أطـــبخ لــــك فـــي الـــغـــداء؟"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى