الأربعاء ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٥
بقلم فاروق مواسي

من سيرتي الذاتية

ماذا قال والدي عندما ودّع بيتنا؟

موقف لوالدي لا أنساه
................................
كان والدي الحاج إبراهيم المحمود (أبو فاروق)، خياطًا وقارئًا يحفظ الكثير من الشعر، وخاصة المتنبي وعنترة، ربّاني أنا وأخوتي الأحد عشر على حب العلم، فكان منا خمسة معلمين (بينهم منيرة التي افتقدتْها العائلة بحسرة شديدة، حيث كانت أول معلمة عينت في باقة في أواخر الستينيات).

مرض والدي، واشتد عليه الألم، فلما أردنا نقله إلى المشفى لإجراء عملية في رقبته التي كانت تؤلمه جدًا وقف أمام بوابة الدار، وأشار بيده قائلاً:

"بخاطرك يا دار!!!"

يا رب إما أن تعيدني قويًا أو أن تلحقني في جوارك!

يا رب لا تكِلْني إلى أحد! لا تحوجني إلى أحد!

يا رب:

"خذ بيدي قبل أن أقول لمن
أراه عند القيام خذ بيدي"

رحل أبي إلى الرفيق الأعلى في السادس من آذار 1984، عن عمر يناهز الرابعة والسبعين، ولم يعد، ولم تعد قصصه التشويقية، وظلت بوابة الدار شاهدة على الدعاء.
....
كان بيت الشعر عالقًا بذهني، ثم اكتشفت أن فيه لحنًا كما سمعته منه في كلمة (أقول)، لكني لم أكن أعرف البيت، ومن قائله، حتى اهتديت مؤخرًا إلى بيتين معًا هما:

يا رب لا تبقني إلى أمدٍ
أكون فيه كَلاًّ على أحد
خذ بيدي قبل أن أقول لمن
أراه عند القيام خذ بيدي

، فحدثتكم عن حكايتهما، وأين وردا.*
..
غير أن ظاهر القصة قد يتهمنا بنوع من القصور -ولم يكن حاشا معاذ الله – لكنها تدل على عزة نفس تملّكها هذا الأب، وعدم قبوله بأي هوان، وعدم رضاه بأن يكون ضعيفًا أمام أحد، حتى لو كان من أقرب المقربين إليه.

من هنا نفهم لماذا كان الشاعر عرار قبله يكرر البيتين ساعة مرضه، حتى ظنوا أن البيتين من شعره.

هذا والدي الذي نشأت بحضنه، وكانت دكان الخياطة تضم بين الحين والآخر شيوخ القرية وجوارها، ممن يتجاذبون أطراف الحديث، ويروون حكايات تراثية، وأشعارًا، ومسائل فقهية كان يلجأ إليها والدي مستعينًا بكتاب (الفقه على المذاهب الأربعة).
..
أرجو أن أعود إليه في حديث آخر، وثمة ما يُروى، راجيًا عدم اعتبار ذلك نوعًا من حب الذات أو الإدلال بحسب أو نسب، فقد يشفع لي أنه نموذج لأب من آبائنا الذين أبقوا ذكرًا عاطرًا وأصالة.

*عن حكاية البيتين ومن قائلهما انظر موقعي:
http://faruqmawasi.com/answers.htm


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى