السبت ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٥
بقلم عادل عامر

الرؤية السياسية في الانتخابات البرلمانية القادمة

أن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تفرز برلمانا يلبي طموحات الشعب المصري، ويكون قادر على الوفاء بمتطلبات المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر. كلما اقتربنا من موسم الانتخابات كلما اتسعت مساحة الجدل بين أبناء الصحوة حول طبيعة مشاركة الدعوة والحزب في الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق ، فالبعض مقدم ، والبعض محجم ، والكل ينتابه نوع من القلق والحذر ، خصوصاً وأن الانتخابات هذه المرة تعد جديدة من نوعها سواء في فرصها أو في مخاطرها أو في تحدياتها ، وأبناء الدعوة السلفية وحزب النور دائما لا يتحركون إلا وفق الدليل الشرعي ثم النظر المنطقي والعقلي ، ولعل هذا الحرص علي الفهم – مع حسن السمع وأدب الطاعة - مما يطمئننا علي مستقبل هذه المؤسسة بإذن الله ،وتعد الانتخابات البرلمانية الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق، التي أعلنها الجيش المصري بالتوافق مع قوى سياسية ودينية وشبابية في الثالث من يوليو 2013، وعزل بموجبها الرئيس الأسبق محمد مرسي. أن هناك انطباعا عاما بأن البرلمان المقبل لن يكون مؤثرا بالقدر الكافي في الحياة السياسية. إن البرلمان المقبل لن يكون قادرا على أحداث التغيير المطلوب في الحياة السياسة. وعزا ذلك إلى تأخر عقد الانتخابات لمدة عامين، والحالة السياسية العامة التي تتعرض فيها الأحزاب السياسية الناشئة بعد 25 يناير لهجوم عنيف.

شاع لدي كثير من الناس اعتقاد أن الدعوة السلفية لم يكن لها دور سياسي قبل الثورة ، ولم تشارك سياسياً بشكل عملي إلا بعد اندلاع الثورة ، وهذا خطأ محض لأن الدعوة كانت حاضرة بقوة في المشهد السياسي بدائرتيه الداخلية والخارجية ، ولم تكن قط مترهبنة في صومعة أو معتزلة للواقع الذي تعيش فيه ، فعلي سبيل المثال ؛ كان للدعوة موقف واضح من الثورة الايرانية الخومينية ، وكان لها رأي في أحداث الخليج بكل تفاصيلها ، وكانت تتابع ما يجري في العراق ، وتتفاعل ما يجري في فلسطين ، وتراقب حرب لبنان وتحركات حزب الله ، وتحذر مما يجري في السودان ، وتنصح لأهل أفغانستان والشيشان ، هذا علي الصعيد الخارجي ، أما علي الصعيد الداخلي فالدعوة السلفية تقع علي رأس الحركات الشبابية التي كان لها دور محوري في المجتمع من خلال الجامعات والمدارس ، وقد كان أبناءها يتعرضون للاعتقال والايذاء قبل أن تتواجد الكيانات الشبابية أو التجمعات الثورية والتي كان لعدم بروز الصبغة الاسلامية لهم دور أساسي في نجاح تحركاتهم علي الأرض.

أن هناك ضعفا في الحياة السياسية في مصر بشكل عام كما أن هناك عزوفا من الشباب، وسط حالة من السلبية السياسية، بالاضافة إلى قانون الانتخابات الذي يضعف من فرصة الاحزاب على القوائم، وتفتيت الاصوات على المقاعد الفردية.
أن المرحلة المقبلة ستشهد بشكل متزايد عودة بعض الظواهر السيئة التي كانت قبل 25 يناير من بروز المال السياسي بكثافة كبيرة، والعصبيات. أن ألمرأة المصرية لها 24 مليون صوت انتخابي، تقدر من خلاله على التأثير في القرار السياسي، وأن ذلك تجلى خلال مشاركة المرأة الإيجابية في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، والتصويت على الدستور وانتخابات رئاسة الجمهورية. إنه من المهم أن تقوم كل امرأة، خلال الفترة القادمة، باستخدام حق المواطنة الذي كفله الدستور، وتغليب العقل والفكر في اختيار المرشح الأفضل والأنسب، خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.ان الدور الكبير الذي تتحمله المرأة المصرية في حماية الوطن، من خلال حماسها ووطنيتها التي تزرعها في أبنائها، لإنتاج وتربية أبناء يحبون وطنهم، بالإضافة إلى دورها الاقتصادي في ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه والغذاء، ودورها كمنتجة في زيادة الدخل القومي.

إن الأحزاب السياسية المصرية تعاني من مشكلتين اساسيتين، الأولى هيكلية تتمثل في افتقاد أغلب الأحزاب السياسية ان لم يكن كلها لتنظيم هيكلي واضح يضمن التسلسل القيادي بشكل ديمقراطي.

إن المشكلة الثانية التي تعاني منها الأحزاب السياسية وهي التطور إذ أن الأحزاب السياسية تعاني من فقدان الإحساس بالزمن وهناك فارق توقيت كبير بينها وبين الحركة المجتمعية والسياسية.و أنه على الرغم من ذلك فإن كل ما يتصارع عليه الاحزاب السياسية في الانتخابات هو 120 مقعدا فقط هي مقاعد القوائم، فيما النسبة الأكبر للمقاعد نحو 420 مقعدا لا يستطيع أحد التنبؤ بها وسط الصراع الرهيب لرأس المال السياسي.لان كبار رجال أعمال نظام مبارك تحشد أنصارها للدفع بهم في الانتخابات للحصول على أكبر قدر ممكن من المقاعد الفردية لتأمين مصالحها الاقتصادية وحماية أوضاعهم السياسية.

أن البرلمان القادم سيخلق اشكالية سياسية حول تشكيل الحكومة المقبلة واختيار رئيس الحكومة نظرا لغياب الوجود السياسي والحزب المؤثر، وكذلك العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.اتوقع أن يكون البرلمان المقبل معبرا عن مصالح رجال الأعمال، أكثر مما هو معبر عن الوجود السياسي للأحزاب أو تطلعات الشعب نفسه. أمّا المشاركة السياسية فتكمن في الأنشطة التطوعية التي يشارك بها الفرد بقية الجماعة الوطنية في اختيار المسؤولين وصناع القرار، وصياغة السياسات العامة، سواء بصفة مباشرة أم غير مباشرة، وتتدرج هذه الأنشطة من الانتماء إلى الأحزاب السياسية والترشح في الانتخابات والتصويت والمساهمة في الحملات الانتخابية، والتبرع بالمال لتعزيز خيار سياسي معين، وحضور الاجتماعات السياسية، وإجراء اتصالات بشخصيات سياسية رسمية، وكتابة الخطب وإلقائها، والقيام بالدعاية لمصلحة حزب سياسي أو حركة اجتماعية، والمشاركة في النقاش والجدل العام، وجمع المعلومات حول السياسات المحلية والدولية.

فالأصل في الأحزاب السياسية أن تمارس السياسة وتنشغل بالتدبير العام، فالسياسة ليست همّاً حزبياً فحسب، كما يفهم كثيرون، وإنما هي همّ عام. فكل عمل حزبي في عمقه القانوني والإنساني سياسي وليس كل فعل سياسي بالضرورة حزبياً.
وما سبق يشمل الأنشطة التي توافق القواعد الشرعية المقررة والسلمية المتعارف عليها، لكن المشاركة السياسية قد تجنح إلى أفعال تخالف تلك القواعد من قبيل السلوك العنيف والمتطرف، ومختلف المقاومة المدنية من التظاهر والاعتصام والاحتجاج والإضراب، وتكمن عدّة دوافع وراء كل هذا، مثل باعث الانتماء، وباعث الإنجاز، وباعث البحث عن مزيد من قوة. والمشاركة السياسية هي نشاط اختياري، ومزاولة إرادية، ترمي إلى التأثير في تحديد السياسات العامة، واختيار القادة على المستوى المحلي والوطني، سواء كان هذا النشاط موفقاً أم غير موفق، منظماً أم عشوائياً، مستمراً أم متقطعاً، والمشاركة مؤشر تفاعلي لصحة العلاقة بين المجتمع والسلطة السياسية، فبقدر ما تعبر السلطة عن مجتمعها تعبيراً دقيقاً وأميناً، بقدر ما تتعزز المشاركة السياسية الإيجابية المنظمة لأفراد المجتمع في الشؤون العامة، سواء بصفتهم الفردية، أم عبر المؤسسات والوسائط السياسية يتعلق بتزايد تأثير المال السياسي في استقطاب المرشحين، ويقوم بذلك الأحزاب التي يسيطر عليها رجال أعمال. وهناك خطورة في اتساع تمثيلها في البرلمان لأنها ستعكس وجهات نظر ومصالح أصحاب رأس المال أولا. وهنا نجد اللجنة العليا للانتخابات لا تُحرك ساكنًا، مع أنها المعنية بوضع ضوابط تمويل الانتخابات. كما لا تتحرك أيضا لجنة شؤون الأحزاب والتي يفترض أنها تراقب تمويل الأحزاب.

يضاف لذلك غياب الرؤية فيما يتعلق بتشكيل القوائم الانتخابية وخاصة تلك التي تزعم أنها تحظى بمساندة الدولة، وهناك خطأ كبير في الترويج لهذا الأمر لما له من دلالات حول إمكانية تدخل الدولة لمساندة هذا القوائم وهو ما قد يؤدى بالناخب للنفور منها بل والتصويت ضدها كاحتجاج على هذا التصور.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى