الاثنين ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
فراشة عمر حمّش
بقلم جميل السلحوت

تبوح في اليوم السابع

ناقشت ندوة اليوم السّابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، مجموعة" فراشة البوح" القصصيّة للأديب الفلسطينيّ المعروف عمر حمّش، صدرت المجموعة التي صمّم غلافها شربل الياس مؤخّرا عن مكتبة كلّ شيء في حيفا، وتقع في في 106 صفحات من الحجم المتوسط.

ويعتبر الأديب عمر حمّش المولود في العام 1953 في قطاع غزّة من روّاد القصّة القصيرة بعد الاحتلال، وشغل عضوا منتخبا في الهيئة الاداريّة لاتّحاد الكتّاب، عمل محرّرا في مجلة الكاتب المقدسيّة، وكان قد تعرض للاعتقال عدّة مرات، وصدرت له قبل هذه المجموعة مجموعات قصصيّة وروائية أخرى منها:

 أزهار إلى مقبرة المخيم – مجموعة قصصية- صدرت عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 1990م.
- الخروج من القمقم مجموعة قصصيّة صدرت طبعتها الأولى عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 1992م وطبعتها الثّانية عن وزارة الثّقافة عام 2001م.
 عودة كنعان –مجموعة قصصيّة- صدرت عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 1996م.
 في حزيران قديم - رواية – صدرت عن وزارة الثّقافة عام 2001م.
 قصص فلسطينيّة/ مجموعة مشتركة صدرت عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 2003م.
 فخاخ الكلام- مجموعة قصص قصيرة جدّا صدرت عام 2013 عن وزارة الثقافة الفلسطينيّة.

بدأ النّقاش ابراهيم جوهر فقال:

يفاجئنا الأديب (عمر حمّش) بأسلوبه اللافت للانتباه وتجديده في الشّكل القصصي الفنّيّ.
إنّه يقتفي أسلوبا جديدا في القصّة القصيرة يعتمد فيه سرعة الإيقاع، واللغة الموجزة، وسرعة الانتقال بين الأماكن، وتعدّد الأحداث ويحلّق في عالم الفانتازيا.
وقارئ (فراشة البوح) سيجد نفسه منغمسا في بيئة الكاتب التي نقلها بهمومها وأحلامها وماضيها وذكريات أهلها. وسيقوم بوصل ما يبدو انقطاعا في الحدث أو شرخا في الشّخصيّة.
عالم (عمر حمّش) في هذه المجموعة هو عالم من رمل ودموع وطين وألم ودم وتنكّر. عالم مقلوب ما زال فيه الفقير فقيرا، والصّادق فقيرا كريما والمتسلّق الفهلوي سيّدا للمرحلة.
قصص اغتراب وغضب هذه التي باحت بها فراشة الكاتب هنا. إنّها في مضمونها سياط لاهبة وصراخ متألّم بلغة سريعة الوقع والإيقاع.

ولعلّ اختيار الكاتب للفراشة لتبوح جاء من سرعة حركتها وتنقّلها تماما كما تسارعت أحداث القصص ولغتها باقتضاب غير مخلّ.

وقال جميل السلحوت:

من تابع ويتابع ما يكتبه أديبنا عمر حمّش، سيجد أنّه بدأ بداية قويّة ولافتة، لكنّه لم يركن إلى ذلك، فاستمرّ يطالع ويثقّف نفسه، يثري لغته، ويطوّر أدواته الكتابيّة، بحيث أنّ كلّ اصدار جديد له، يظهر فيه تطوّر تكنيكيّ مدهش، حتّى بات أديبنا يرسم قصصه لوحة بلاغيّة لافتة شكلا ومضمونا. والتّكثيف اللغويّ وجماليّات اللغة عند الأديب حمّش ليست حكرا على قصصه القصيرة جدّا فقط، بل تتعدّى ذلك إلى القصّة القصيرة أيضا. ولا نبالغ في القول بأنّ أديبنا يختصر رواية في أقصوصة، كما يختصر ملحمة روائيّة في قصّة. وهذا ما يظهر جليّا في مجموعته القصصيّة الأخيرة "فراشة البوح الصادرة مؤخّرا عن مكتبة كل شيء في حيفا."

ففي قصّة "فراشة البوح" التي تحمل المجموعة اسمها، نرى كيف يسرد الكاتب تجربته الاعتقاليّة، في فترة التّحقيق، وما تعرّض له من تعذيب جسديّ ونفسيّ، "رأسي منتصبة في كيس، ذراعاي خلفي موصدتان، ينهب دمهما البعوض، قدماي تنتفخان في البعيد، أذناي تغادران، تغربلان الصّوت الذي يأتي" ص4. والمعتقل بهذا الوضع لا يميّز الوقت" تقول عيناي لعتمة الكيس: هذا عصر، هذا فجر."ص4. وأثناء صلبه على الحائط وهو بهذه الحال، وما يصاحبها من آلام مبرحة" تغافلني رأسي" تسقط على صفحة الجدار، فتدقّها حبيباته البارزة" ص5. ونظرا لاتّساخ المكان وانتشار الحشرات فيه، فإنّها تقوم بلسع المعتقل ومصّ دمائه "هذه الحشرات جند لهم مجنّدة، كانت مدرّبة، تعمل بدراية، تجاورني، وقبل أن تلدغ، تدور ما بين كيسي ودمي." ص5. ومع كلّ هذه العذابات في سجن عسقلان، إلّا أنّه لم ينكسر ولم يتخلّ عن أحلامه الانسانيّة، لذا فهو يرى نفسه فراشة تخرج من الزّنازين، تعود به إلى حيث هُجّر أبواه وجدّاه، تعود إلى "أصل مكان السّوق، أمّي كانت هنا…أبي كان هنا، أعرف الطّرقات، المسجد القديم، جداره الذي جعلوه حوانيت خمر" ص6. ويسمع نداء جدّه المدفون في مقبرة عسقلان. ثم يحوم حول قبر جدّه، متذكّرا أن والده دفن في مقبرة المخيّم، بعيدا عن قبر والده، "جدّي هنا…أبي هناك…بين قبريهما سياج يفصل الأرض عن السّماء"ص7.

وفي هذه القصّة نرى جانبا من جوانب النّكبة وما عاناه اللاجئون، فحتّى الجثامين تشتّت، ولم تعد تحويها مقبرة واحدة، وهذه المعاناة طالت ثلاثة أجيال: الجدّ، الابن والحفيد. والقارئ لهذه القصّة يلاحظ ابداع القاصّ في طرح المأساة دون مباشرة أو شعارات، تاركا للقارئ أن يستنبط ما بين السّطور من معاني.

وكتب عبدالله دعيس:

السّخرية والفكاهة في المجموعة القصصيّة فراشة البوح للكاتب عمر حمّش

تنطلق فراشة عمر حمّش من تحت الأصفاد في سجن عسقلان؛ لتدور في أرجاء المكان وعبر الزّمان، تبوح بما تراه من ظلم الاحتلال وقتله وتشريده للشّعب الفلسطينيّ، ورحلة الشّعب الفلسطينيّ إلى الشّتات، وخاصّة في مخيّمات قطاع غزّة، وانقلاب الموازين وانقلاب النّفوس، وتحوّل الضحيّة إلى جلاد بمجرّد أن يحصل على جزرة توهمه أنّه في موضع سلطة، وتعرّج على الفقر والألم والحرمان الذي عاشه أبناء الشّعب الفلسطينيّ في غزّة تحت الاحتلال ثم تحت الحصار من الدّول العربيّة؛ نصرة لكيان الاحتلال الغاصب الذي مرّغت المقاومة الفلسطينيّة أنفه في التّراب.

يصف الكاتب كلّ هذه المآسي ويعبّر عن هذه الآلام بأسلوب فكاهيّ ساخر، يحمل في طيّاته الألم والحسرة، لكنّه ينزع من القارئ الابتسامة تلو الابتسامة: ابتسامة مريرة تظهر على الوجه بينما يتألّم القلب وهو يدرك ما يرمي إليه الكاتب من نقد لواقع آسن.

يلتقط الكاتب بعض المشاهد من حياة النّاس في غزّة حاليّا، أو من أحداث وقعت في الماضي، وما زالت آثارها واقعة على أرضنا أو في نفوسنا، ويصيغها على شكل قصص قصيرة بلغة بليغة جَزْلة، وجمل قصيرة محكمة، وبأسلوب جميل، ويجنح في كثير منها إلى أسلوب الفكاهة والسّخرية؛ فهو كالمصوّر الحاذق الذي يحسن اختيار اللقطة ثم يظهرها في صورة جميلة معبّرة واضحة المعالم. ولا يهدف الكاتب من أسلوبه السّاخر التهكميّ مجرّد اضحاك القارئ، أو النّقد والتّجريح أو اللمز بالأشخاص، وإنّما يهدف إبراز النّكوص في المجتمع، والمآسي التي يعاني منها، وهي دعوة لتصحيح الوضع القائم على الصّعيد الاجتماعيّ والأخلاقيّ، مثلما هو دعوة لمقاومة الاحتلال.

ويلجأ الكاتب إلى السّخرية والفكاهة لإبراز السّلبيّات بطريقة ملفتة للقارئ، وليصرف نظره إليها عن طريق إذكاء روح التّناقض بينها وبين ما يجب أن يكون الأمر عليه. وإن كانت هذه اللفتات تجسّد الضّعف الإنسانيّ أحيانا في لحظات الغضب أو اليأس، إلا أنّ الكاتب لا يقصد التندّر بها بمقدار ما يقصد لفت الانتباه إليها وإلى ما ورائها من أسباب، وهو يتعامل مع هذه المواقف بذكاء، ويستغلّها دون تجريح. ويكون الضّحك أحيانا تعبيرا عن مأساة أكبر من أن يتحمّلّها الإنسان لو استسلم للحزن أو الغضب.

فأديبنا يستخدم السّخرية والفكاهة ليعكس أوجاع المواطن السيّاسيّة في ظل الاحتلال والحصار، والاجتماعيّة في ظلّ الجهل، ويقدّمها بقالب ساخر قد يرسم البسمة على الوجه، لكنّه في الوقت ذاته ينكأ الجرح الغائر الذي لا يمكن له أن يندمل.
وسأعرض هنا قصة (غزوة سعيد وعبيد) كنموذج.

تتحدّث القصّة عن شخص يبيع الكنافة على عربة، يصفه الكاتب بالمختار، يقوم أخوان معتوهان بسرقة صينيّتي الكنافة والفرار بهما لأكلهما، يفقد أحدهما حذاءه خلال المطاردة ويشترط لإعادة الصّواني الفارغة إعادة الحذاء إليه.

يبتسم القارئ وهو يتخيّل الشابّين النّحيلين سعيد وعبيد وهما يقتربان من عربة المختار، ويختطف أحدهما صينيّة الكنافة ويولّي هاربا بها، ويستغل الآخر فرصة مطاردة البائع للسّارق الأول ليسرق الصينيّة الثّانية. ويضحك القارئ على مشهد المعتوهَين وهما يأكلان الكنافة بعيدا أعلى التلّة، وعلى أحدهما وهو يفقد حذاءه، ثمّ يفاوض ليستردّه. لكنّ القارئ يتألّم عندما يدرك أنّ بائع الحلوى الذي يجرّ عربة بالية وينادي بأعلى صوته (كنايف) في مخيّم للّاجئين بغزّة كان يمتلك محلّا لبيع الحلويات في يافا، ويجلس أمامه كالملك وهو يعتمر طربوشه الذي يدلّ على السّيادة والجاه. ثم يحزن لوضع سعيد وعبيد اللذين فقدا عائلتيهما كطفلين أثناء الهجرة، وأصبحا مشرّدَين جائعَين تضطرّهما الحاجة لسرقة الحلوى ولتمثيل دور المعاتيه. ويضحك القارئ أيضا على المفاوضات التي تجري بين المختار (بائع الحلوى) وسعيد وعبيد على إعادة (الشّبشب) مقابل إعادة الصّواني الفارغة، ويذكّره سُخف الموقف بالمفاوضات التي يخوضها السّياسيّون دون جدوى أو نتيجة. ويبلغ ذروة التهكّم عندما يضع الكاتب عنوان (غزوة سعيد وعبيد) لقصّته والتي تذكّرنا بالبطولات المصطنعة التي نصنعها لحكّامنا، مع أنّ بطولاتهم لم تفق في أهميتها غزوة سعيد وعبيد لسرقة الكنافة.

فالكاتب بحقّ يحوّل الألم إلى بسمة، والحزن إلى إبداع، ويجعل القارئ يضحك من فرط الألم؛ فقصصه تعبّر عن مأساة أكبر من أن يتحمّلها قلب الإنسان مرهف الشّعور، فيغلّفها بهذا القالب الجميل من الجمل الجزلة والصور الجميلة وروح الفكاهة.

وقال نمر القدومي:

قصّة وعِبرة

في غزّة تبلورت الزّعامات وتنافرت الجماعات، عدوّ من الشّمال وعدوّ من جنوب المخيّمات. سخط وغضب على أصحاب اللحيات، أبناء المهديّ المنتظر كما تسرّبت الإشاعات، إسرائيل تضرب ومصر عليها تُطبطب .
الأديب ( حمّش ) وبعيدا عن السّياسة، يخترق القلوب الواهنة، يلمس فقر الحُبّ ومعانيه الدّافئة. يُحدّثنا عن فوضى المشاعر الدّفينة، وألوان الحركات الفاضحة، فخيال الشّعوب عَبَرَ الحدود وحرّر الأوطان المحتلّة. لم يتوان عن رسم صورة أحوال النّاس الكئيبة، فهناك مَن فقدَ عقله من عذاب الإعتقال وهو رهينة، وهناك مَن جنَّ جنونه في عقر بيته من ضيق الحال وعواقبه.

في غزّة، الفرحة غمرت القلوب بعد خروج العدوّ الغاصب .. في غزّة تغيّرت الألقاب وديانة الحاكم والنّوّاب، لكنّ قامعي الحريّة والوطنيّة لا يزالون على الأبواب، الريّس هو الحاكم والحاكم هو الريّس، فهم في النّهاية أصحاب !
الكاتب ( حمّش ) يخرج إلينا من بين سطور كتاباته، يُحسن ترتيب الكلمات في خيالنا، ويرسم في العيون صورة معانيها، كما وأنّها بجميع الألوان دِهانها. إمتازت مجموعته القصصيّة ببلاغة قويّة، كلمات ثريّة عميقة وعناوين مشوّقة لكل قصّة جمعها الأديب في لوحة فنيّة نابضة، عكست لنا تلك المآسي التي يعيشها القطاع من أعداء، خيانة حكومات صديقة، قيادات متنافرة وشخصيّات مسؤولة أصابها الزّيف بعد عودتها، لا شكّ أنَّ العاطفة بقيت متأجّجة في رحلة القراءة بين غلافيّ المجموعة، وتزداد بذلك الغيرة الصّاخبة التي تملّكت أرواحنا تجاه قمع شعبنا في الشّطر الآخر من الوطن. كلّ مقاصل التّاريخ لن تُجدي نفعا مقابل العزيمة الجبّارة وحياة الجَلَد التي تعيشها غزّة المقاومة.

أمتعتنا أيّها الأديب بفنِّ يراعكَ، صدق كلماتك وضجيج مشاعرك. كما اقتطعتَ من قلوبنا حصّة تليق بوفائك وإخلاصك.
وكتبت ديمة جمعة السمان:

القاص عمر حمش يطلق "فراشته" لتبوح بقصص أسقطتها صفحات التاريخ.

"فراشة البوح" عنوان اختصر كلاما بات في حكم النّسيان.

لم يأت اختيار عنوان المجموعة القصصية " فراشة البوح " للقاصّ عمر حمّش عفويا.. مصطلح الفراشة مدلول لا يخفى على أحد.. هو تعبير مجازيّ يعتمد على الحسّ.. ويعبّر عن تبعات حدث ما على المدى القريب أو البعيد. وما كان الحدث سوى " النّكبة" بكلّ ما تحمل من معنى لفظيّ، حسّيّ وواقعيّ.

باحت فراشة حمّش بقصص عذابات الشّعب الفلسطينيّ الذي هجّر قسرا.. باحت بوجعه الذي لم يلتفت له التّاريخ وأسقطه من صفحاته.. واكتفى بتسجيل أرقام صمّاء.. متناسيا أنّ لكلّ رقم قصّة.. ووراء باب كلّ رقم مأساة.. التقطتها فراشة حمّش بمجسات حسّاسة ونقلتها بأحرف نسجتها بمشاعر مظلوم فقد الأمان والاستقرار، وبات يعيش حالة اللجوء في خيمة نصبتها له الأمم المتّحدة.. بعد أن كان سيّد نفسه وغيره.. بات ينتظر توزيع المؤن من سكّر وأرز وخلافه ليحافظ على بقايا روح تسكنه.. فقد ترك القسم الأكبر من روحه في أرضه وبيته الذي اغتُصب أمامه، وطرد منه لا حول له ولا قوّة.
قصص كتبت بأنامل من عاش الحالة بكلّ تفاصيلها.. يرويها بروح لا زال يسكنها الألم.. رغم السّنين التي مضت.. فلم يطو الزّمن الوجع.. ولا زال المذاق بطعم العلقم.

قصص وثّقت ما كان.. فالأيّام تمضي.. والأحداث تسير نحو زوايا النّسيان.. ترقد في قيعان الذّاكرة.. خضّها حمّش من جديد.. لتعود تطفو على السّطح كي لا ننسى.. فنقلها حمّش ببلاغة الأديب المتمرّس.. وبمهنيّة القاصّ المحترف.. فقد سرقنا عنصر المتعة والتّشويق من أنفسنا ساعة أن كنّا ننتقل من صفحة الى صفحة.. أسقانا العلقم بنهاية كلّ قصّة.. ونحن نقول: هل من مزيد؟

وكتبت رشا السرميطي:

بدأ القاص مجموعته القصصية بالقصّة الأولى التي حملت عنوانها:" فراشة البوح" تلك القصّة الموجعة التي تصف مشهد التّحقيق مع الأسير الذي تحرَّر، وحرَّر القارئ معه بكلماته الشَّامخة، واعتلى رأس النخلة؛ لأنه سيُّد الجذر وصاحب الأرض، فعرف كيف يعلو رغم انحطاط الفكرة وبشاعة المشهد.

جاءت القصص واقعيَّة تلامس تفاصيل حياتنا العاديّة العارية من التّكلف، اللغة رصينة وبليغة مليئة بالتّشبيهات البلاغية والمعاني العميقة، سلسلة على القارئ وغنيَّة في مرادفاتها غير المستهكلة، الرّمزيّة عالية لكنّها في غالبية القصص واضحة ومفهومة دلالتها للقارئ، الغموض كان عنصرا بارزا في القصص كافّة، غموض بدا مقبولا عقبه عنصر التّشويق، والمعاني التي تدارستها المجموعة كانت عميقة وهادفة مثل: حبّ الأرض، الوفاء للوطن، حلم العودة، وجع الحقيقة، غربة المواطن، المجتمع، الحلم، واحتراق الانسان. تتّسم القصص بتسلسل الأحداث، وانسيابها الهادئ أمام القارئ، الذي ما إن بدأ في قراءة القصّة الأولى تابع حتى آخرها، الشّخصيّات واضحة وهي في الغالب واقعية، تحدّثت عن تجربة الكاتب وربما تجربة من عرفهم، الزّمان والمكان مضبوط بحنكة قاصّ مبدع.

في قصّته:" غزوة سعيد وعبيد"، نقل لحدث اجتماعي بطريقة راقية، ولمن هو فلسطيني يعرف أنَّ الكنافة من أنواع الحلويّات التي تمثّل أكلاتنا التّراثيّة، أبدع الكاتب في نسج هذه القصّة الاجتماعيّة المعبِّرة وسردها بطريقة السّاخرة. أيام الحارة – قصّة تحدّث بها الكاتب عن واقع الطّالب في المدرسة، وحال مدارسنا المنفّر لطلبة العلم، فكان معلم الرّياضيّات سببًا في تهرّب وتسرّب الكثيرين من الطلاب، وهنا أشار لقضيّة مجتمعيّة هامّة يعاني منها معظم شبابنا الذين يتخلون عن الشّهادة العلميّة والتّعليم؛ بسبب التّوجّه للبحث عن المال وجمعه، وفي ذلك إشارة من كاتبنا لأهميّة التّعليم حيث اختتم القصّة يقول:" .. عبد المنعم الآن جاري، أرقبه وهو يتكوَّم على حصيرة بابه، أنفه خرطوم، وعيناه ثقيلتان، يفتحهما، ويغلقهما.. أمّا تابوت – قصّة يحاكي بها الكاتب واقع الفلسطينيّ الذي دارت به دقائق الوقت في دولاب أحداث مريرة، حتى انتهى به الأمر ليتعرّف على وجه صاحبه، الذي ذاب ظلّه بين تشوّهات السّوق، وانتهى به الأمر مهروسًا بعد هدم بيته. من جديد يكرر تمرير الأكلات التّراثيّة الفلسطينيّة، في القصّة "19": زلابيا وحمّص مقليّ، وصف القاصّ أوقات الشّتاء الحميمة وحكايات الجدّة، وقصة " أبو رجل مسلوخة " التي كانت تحكيها لنا معظم جدّاتنا، أمّا الحنتوت فكان رمزًا لشخصيّة لم أكن أعرفها ولا أدري إن كانت شخصيّة واقعيَّة، بل هي كذلك.

اختتم حمّش مجموعته القصصيّة بقصّته " تفاح وعلقم"، التّي تبكي حال قادة عجاف تقلدوا مناصب القيادة الفلسطينيّة، ممّا هال في وقائع قضيّتنا من العالي إلى الأدنى. يقول الكاتب:" المازدا انطلقت مع عبق التّفاح، والسّيجارة على الأرض كانت مثل العقرب، دنياك ذابت قطرانا، دنياك بطعم العلقم.

أبدع القاصّ عمر حمش في القصص كافّة والتي جاء على ذكرها في مجموعته " فراشة البوح" وأمتع القارئ بأجمل الصّور التّعبيريّة الواقعيّة التي قام بسردها بأسلوب قصصيّ شيّق ومتين في البناء والتّكوين.
وقالت هدى خوجا:

كلمات تتناثر برقة فراشة زهية الألوان، بغلاف مميّز ومتناسق الألوان، بين حقول الزّهور وأريجها الفوّاح، من رحم الألم ولدت قصّة وانفجر بركان إبداع، معاناة وانحسار وقيود وسلاسل تحلم بالحرّيّة، قصص تلملم الجراح وتضمّد الانكسار، تطلّ علينا فراشة موشحة بالسّواد، من غزّة العزّة والصّمود، بريشة نخلة الدّار، بكبرياء وعطاء وعلوّ قامة النّخيل، اتحلّق بالأفق رغم النّيران والدّخان،بروح شاهقة تضاهي الأبراج،وتستمرّ محلّقة رغم الغياب،على التّلال على الهضاب على الغصون وعبير الزّهور وعطر الأحباب.

وشارك في النّقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، نزهة الرّملاوي، نزهة أبو غوش ورائدة أبو الصويّ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى