الخميس ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
رؤيتي في النقد

ومنظوري للحركة النقدية المعاصرة

عصام شرتح

النقد ممارسة إبداعية وخلقية،وإنصاف،وتصويب،وهداية،وليس غوغائية،وغاية، ومتنفساً ننال من خلاله خصومنا، النقد أكبر من ذلك بكثير، وهو تجرد عن النوازع، والضغائن الشخصية هو كلمة حق يجب أن تقال، وهذه الكلمة مسؤولية أمام الله والوجود والإنسان، وكلما أخلص الناقد لكلمته كلما تركت أثرها وبصمتها في الأذهان، والقلوب...ورسالتي للنقاد الشباب الاجتهاد ثم الاجتهاد، وعدم الركون للموهبة وحدها، فالموهبة وحدها لا تصنع ناقدا حقيقاً مؤثراً في تطوير عجلة النقد. والموهبة وحدها لا تؤسس لما هو خالد وأبدي في الحياة فلابد من الاجتهاد والمطالعة، والمتابعة الحثيثة لكل ما هو جديد، ومواكب في كل المراحل؛ حتى يترك الناقد بصمته النقدية الحقيقية التي تؤثر وتغير.. وتؤكد استمراريتها على الدوام في مواجهة الزمن، والتقادم، والاندثار.

النقد استدلال، وبحث دؤوب عن جوهر الإبداع في النصوص المنقودة؛ ولا يمكن أن يستمر النقد كوثيقة إبداعية مؤثرة إلا عندما يكتشف جوهر الإبداع في النص المنقود،ولا أبالغ في قولي: إن القلة القليلة من النقاد من يتحثثون الجوهر في دراساتهم النقدية التي أغلبها يقع تحت وطأة المدارس النقدية الغربية، أو الحدوس النقدية الانطباعية المباشرة؛ وهذه لن تستمر وتخلد كخلود النصوص الإبداعية الحقيقية ذاتها التي تجذرت في حقل الإبداع الحقيقي.

النقد مشروع تطوري، أو متطور دائماً؛وهذا المشروع بقدر ما ترفده الموهبة، وعمق التجربة، والعين اللاقطة لجوهر الأشياء من الصميم، بقدر ما تسمو الممارسة النقدية لتصل مرتبة الإبداع ذاته،وقد تفوقه أحياناً،وترتقي فوقه درجات، ولهذا، نعود ونكرر إن النقد بناء، وتأسيس، وإحياء،وليكون النقد كذلك يجب أن يتنفس الناقد روح النص، وطقوسه، وأحاسيسه، ورؤاه، ليعيش معه، بروح الإبداع ذاته، لا إسقاطاته الحدسية المباشرة.

النقد روح جمالية،وهذه الروح تنبض بالحياة،وتتدفق بينابيع المعرفة، وبقدر ما تسمو الحساسية الجمالية في تلقي النص الشعري، بقدر ما تسمو رؤية النص،و تثمر تلكم الدراسات،وتحقق منتوجها الحقيقي.

النقد حر، وانفتاح، وتألق معرفي،وتحليق في فضاء الحرية؛ أن تكون ناقداً حقيقياً يعني أن تتنفس روح النقد البناء؛ وليس النقد الهدام أو المدمر، كما لاحظناه عند بعض النقاد المهزوزين أو النقاد الذين طغت عليهم الأنانية المفرطة وحب الذات إلى درجة النرجسية ولاشيء سواها ونعتذر عن ذكر الأسماء لئلا نجرح أحداً ونمس بهالتهم القدسية المبهرجة، فالكثير من الأوساط الثقافية تعرفهم وتمجهم،لدرجة لامثيل لها ؛ ينبغي على الناقد المبدع الحقيقي أن يبتهج عندما يجد من يتجاوزه،وعندما يجد من هم أكفأ منه،ومن هم أعمق وأبرع في الكشف النقدي؛ فالثمرة والنفع سيعود على الجميع لامحالة؛ وفي هذا المقام لابد أن نذكر بعض النقاد الذين أسسوا وأبدعوا ونالوا شرف العظمة والخلق القويم ؛ والاجتهاد والإنجاز المثمر،فلهم منا كامل الشكر والتقدير، نذكر منهم:( أدونيس؛ صلاح فضل، عبد الملك المرتاض، عبد الله الغذامي، محمد عبد المطلب؛ جابر عصفور؛ ياسين الأيوبي، علي جعفر العلاق، يمنى العيد، خليل الموسى، حسين جمعة، فؤاد المرعي، عبد السلام المسدي، مصطفى الكيلاني، حاتم الصكر؛ مصطفى السعدني؛ نعيم اليافي، فايز الداية، نذير العظمة، عبد الكريم اليافي،وليد مشوح،وعبد المجيد زراقط، وغسان غنيم، ومحمد صابر عبيد، ومحمد لطفي اليوسفي،وبشرى البستاني،وغيرهم ولابد من الإشادة بمنجزات النقاد الشباب الواعدين أمثال: أحمد طعمة الحلبي؛ محمود الضبع،والناقدة المميزة خلود ترمانيني، وهايل الطالب، ومحمد كنوني، وغيرهم.

وبهذا التصور،يبقى النقد التأسيسي المبدع نادراً؛ كما هو حال النقاد المبدعين المؤسسين، ولهذا يعاني النقد في زماننا؛ ليس من قلة البحوت النقدية، أو الدراسات الجادة رغم قلتها؛ ولكنه يعاني من عقم النقد المؤسس، أو النقد البناء المنتج للإبداع والرافد الحقيقي له؛وبتصوري إن النقد ليس تفسيراَ للنص، وإنما إحياء لبذرة الجمال، وروح الإبداع فيه،وكشف عن جوهر هذه الروح،وشرارتها المتقدة في أوج الروح،وعندما يلامس الناقد هذه الشرارة،بمبضع لغوي محكم فإنه لاشك سيكون نقده مؤسساً؛وليس هداماً؛ وثمة فرق واضح بين النقد المؤسس الذي يبقى ويستمر،وبين النقد الهدام الذي يذوي ويتلاشى ويندثر كما باقي الأشياء التي لا قيمة لها.

وأخيراً، نقول: إن أزمة النقد تكمن في النقد ذاته والممارسين له، فالنقد إما أن يكون تأسيسياُ بناءًا،وإما أن يكون غوغائياً هداماُ؛ وهذا يتبع الموقف النقدي والحساسية النقدية والموهبة الفذة والإخلاص لها؛وهذا ما لم يستطعه إلا القلة القلائل من نقادنا العرب المعاصرين.

عصام شرتح

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى