الأربعاء ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١٦
غياب القدوة في قمة
بقلم عادل عامر

هرم السلطة والمجتمع

الفساد قديد قدم الأزل وقد ذُكر في القرءان في عدة سور منها قوله تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) هود 116.

لذلك نحن مأمورون كأفراد بمكافحة الفساد من الناحية الشرعية، كما أن الدولة والجهاز التنفيذي مسئولة عن ملف الفساد من خلال وضع الأطر الحاكمة والإجراءات التنفيذية الملائمة والموارد اللازمة لمكافحة الفساد والكشف عن حالات الفساد وسرعة إصدار الأحكام في قضايا الفساد. لا يقتصر الفساد على الجانب المالي، إنما يمتد إلى الفساد الإداري والسياسي. فالأول على بشاعته هو الأقل ضررا، لأن بعض الفاسدين يعيدون تدوير ما حصلوه من أموال في عجلة الاقتصاد الوطني،

أما الثاني فهو مهلكة، لأنه يجعل الأردأ يصعد والأكفأ يهبط، فتُحرم الدولة من عطاء العقول المبدعة، وتتحلل قواها تدريجيا. ولعل المثل الذي يذكر دوما في هذا المضمار هو العميل الذي جندته الولايات المتحدة الأمريكية في الاتحاد السوفيتي الذي انهار، وطلبت منه فقط أن يختار الأقل كفاءة إذا عرضت أمامه أسماء من سيتولون المناصب القيادية في البلاد. والفساد السياسي له أضرار جمة مميتة، ولا نبالغ إن قلنا إنه أس الفساد والبلاء، وقد يكون جانبا لا يستهان به من النوع الأخير من الفساد مرده إلى فقر الخيال السياسي، الذي يجعل من بيدهم مقاليد الأمور يعتقدون أن بوسعهم أن يفعلوا ما يشاءون باستمرار ودون تحسب، وأنهم في كل الأوقات والأحوال سيمرون بسلام

والآن ما الحجم التقديري للاقتصاد الخفي والأموال السوداء في الاقتصاد المصري في ربع القرن الماضي؟تقدر الأحجام الكلية لأموال وتدفقات الاقتصاد الخفي والأموال السوداء بما يتراوح بين 57 مليار جنيه و70 مليار جنيه سنويا في العقد الماضي وحده، وهذا يكاد يعادل 20% إلى 25% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الرسمي في نفس الفترة، وهذا التقدير يقل إلى حد ما عن التقدير الذي توصل إليه عالم الاقتصاد النمساوي "شنيدر" في دراسته عام 1998 وشملت مصر، حيث قدره بنحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي، بيد أن إدخالنا لعمليات تهريب الأموال من داخل مصر إلى خارجها التي زادت سرعتها وأحجامها في السنوات العشر الأخيرة -خاصة في عهد تولي عاطف عبيد مسؤولية رئاسة الوزراء- وقدرتها بعض المصادر المصرفية والاقتصادية المصرية بنحو ثلاثة مليارات دولار سنويا (أي ما يعادل 30 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة)

فإننا نكون بصدد حركة أموال سوداء تقارب 35% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالإجمال فإننا نكون إزاء ما يقارب 500 مليار جنيه مصري جرت من خلف ظهر الحسابات القومية ومصفوفة تدفقات الدخل القومي الرسمية في السنوات العشر الماضية أو الـ15 عاما على أكثر تقدير، وهي كلها أموال لا تسدد ضرائب عنها، علاوة على ما ألحقته من أضرار على نمط توزيع الدخول واستشراء "ثقافة الفساد" لدى جميع قطاعات السكان في البلاد. إنها باختصار كارثة اجتماعية وأخلاقية دون زيادة أو نقصان. إن هذه التصورات تفسر مظاهر الفساد وليس أسبابه وعوامله، لأن أسباب الفساد تعود إلى تحلل القيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية وضعف الضوابط والقوانين الوضعية والعرفية وغياب الدلالات والمعاني التي تنطوي عليها مثل هذه السلوكيات الاجتماعية وعدم قدرة الفاعلين الاجتماعيين على التمييز بين السلوك المعياري والسلوك اللامعياري بحيث تصبح المعايير الموجهة للسلوك مبنية على تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.

لقدَ عرف المصريون الفساد بأشكاله المختلفة منذ قرون عديدة عندما دخلوا دوائر الدولة التي لا ترعى مواطنيها وخاصة في فترة حكم الدولة العثمانية الاستبدادية التي كان همها الأول والوحيد هو جباية الضرائب من المواطنين بأقصر الطرق وأبشع الأساليب. وقد تركت مخلفات الدولة العثمانية بقايا أشكال من الفساد الاقتصادي والإداري والسياسي وخاصة بين المسئولين ورجال الشرطة وموظفي الجمارك وغيرهم. إن عملية محاربة الفساد عموما ما زالت تواجه تحديات كبيرة. والمشكلة تكمن في عدم وجود محاولات جادة لمحاربة الفساد لا من قبل الدولة ولا من قبل المواطنين لمواجهة الفساد والمفسدين

وإخضاعهم لعملية اختبار ومراقبة ومحاسبة عسيرة من قبل الدولة وكذلك من قبل الشعب الذي يساهم في سكوته على استشراء الفساد. إن السلطات الإدارية تقديرية تحتاج إلى السلطات الواسعة لاتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، وبالتالي فالتضييق من هذه الصلاحيات إذا لم يكن على أسس عادلة وتوازن تام يؤدي إلى شل الحركة وتعطل المصالح، وعدم الإبداع فيها، ولكنه في المقابل قد يستغلها البعض، ويتعسف في استعمالها فيحدث الإضرار بالمجتمع
ولما كانت سلطة ولي الأمر.... واسعة وتقديرية فهي مظنة التعسف والانحراانتقاماً،لحق والعدل، ومجافاة مقصد الشارع في استعمالها، لذا أوجبت الشريعة عليه أن يصدر في تصرفه عن باعث لا يناقض مقصد الشرع وبات من المقررات الشرعية أن: (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.....فاستعمال السلطة في غير مصلحة تشهياً أو انتقاماً، أو لتحقيق أغراض غير مشروعة لا تتعلق بحراسة الدين، وسياسة الدنيا على مقتضى من روح الشريعة وقواعدها، تعسف وظلم)

إن القضاء على الفساد، وتحقيق النزاهة على مختلف المستويات ليس عملية سهلة، بل يحتاج إلى برامج إصلاحية شاملة، وقدوة حقيقية في قمة الهرم الإداري، ودعم سياسي فقال، وتعاون مختلف أجهزة الحكومة، ومشاركة شعبية، ومساندة قوية في مختلف وسائل الإعلام (المقروءة، والمكتوبة، والمسموعة) في التوعية، وكشف الفاسدين دون خوف ولا وجل، ومساهمة كافة مؤسسات المجتمع المدني للوقوف صفاً واحداً لمحاربة الرشوة والمحسوبية، واستقلال السلطة، ونحوها.

إن الآثار المدمرة التي يتركها الفساد يتطلب وضع إستراتيجية شاملة، لأنه لا بدّ أن نعلم أن مستقبلنا السياسي والمالي والاجتماعي ين يزدهر في ظل الفساد الإداري والمالي والسياسي والبيئي. إن من الملاحظ أن الأنظمة الديمقراطية قد نجحت في الغرب إلى حدّ كبير في كبح جماح السكان، والدكتاتورية من خلال آلية مقررة عندهم أصبحت العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة فيما بينهم، وهي وجود السلطة التشريعية (البرلمان) الذي يعتبر المرجع الأول للسلطة التنفيذية، بل لها الحق في محاسبتها، وسحب الولاية عمن منحته، فهي فعلاً تنفذ مصطلحنا الإسلامي (أهل الحل والعقد) ولكن بطريقتها. ولم يصل الغرب إلى هذه المرحلة إلاّ بعد ما عانى من الظلام والجهل والاستبداد ومحاكم التفتيش فنهض من خلال أفكار رواده الأوائل، وقام بثورات عديدة سالت فيها الدماء، وتناثرت فيها الأشلاء، ومع نهضته السياسية التي أعادت للغربيين كرامتهم ظهرت نهضته العلمية والصناعية والتكنولوجية، حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من الحضارة المادية. و الإ صـلاح السياسي دائما يأتي من أعلى الهرم , و ليس من الأسفل كما يروج له الإعلام المنحرف , ومع ذلك يحاول البعض تأويل و تحريف آيات القران تأويلا غير صحيحا في ترسيخ مفهومه المقلوب.. فهل نقلب الهرم ليتوافق مع الرؤية الاعلاميه المطروحة و التي يسوق لها الفاسدين..؟ الشعوب العربية اعتقد إنها عملت ما تستطيع إن تعمل وهي في الحقيقة لا تستطيع إن تعمل الكثير بدليل الشعوب العربية تعيش تحت دكتاتورية مثلها مثل أي شعب أوربي كان يرزح تحت الدكتاتورية هل الشعوب الأوربية عندما كانت تعيش تحت دكتاتورية انتفضت وغيرت؟ هل استطاعت الشعوب الأوربية إن تعمل شي في عهد هتلر,موسوليني, ستالين؟ أكيد لا لان التغيير يجب أن يأتي من داخل النظام وليس من دواخلنا نحن:) إذا أنا إنسان بسيط ليس لدي أي سلطة كيف استطيع أن أغير شي ما تغيير حقيقي أو جذري إذا أنا لم تعطي لي الفرصة ولا يسمح لي إطلاقا بالحديث أو التعبير عن وجهه نظري تجاه هذا الشئ !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى