الخميس ٧ تموز (يوليو) ٢٠١٦
الحلقة الثانية
بقلم كريم مرزة الأسدي

أحمد شوقي بين أم كلثوم وعبد الوهاب وبيني

يقول حسان بن ثابت :

تغنَّ بالشّعرِ إمّا كنتَ قائلهُ** إنَّ الغناءَ لهذا الشّعرِ مضمارُ

1 - المقدمة:

قارئي الكريم: تحدثت لك في الحلقة السابقة عن علاقاتي مع أحمد شوقي في مرحلة المتوسطة، والآن أتكلم عن علاقتي به، وأنا في مرحلة الثانوية العليا، يعني الرابع والخامس ثانوي، ولم يكن في عهدنا سادس، وكلامي عن علاقاتي معه، لا يعني لا توجد لي ذكريات مع عشرات الشعراء غيره من مختلف العصور، الجاهلي، وصدر الإسلام، والأموي، و العباسي بمرحلتيه، والأندلسي، والفترة المظلمة، والعصر الحديث بشعره العمودي والشعبي،والتفعيلة - كان يسمى بالشعر الحر -. إضافة للفنون الأخرى كالمسرح والقصة والرواية والموشح والبند، والعلوم الأخرى من تاريخ ومنطق ونحو وبلاغة وفقه ومبادئ الفلسفة، كلّ ذلك لكتاب وشعراء وعلماء عراقيين وعرب وأجانب، من خارج المنهج المقرر في دراستنا، نعم مرحلة الثانوية كانت ثرية جداً، وبقت راسخة في أذهاننا. فهي مرحلة الثقافة العامة.

2 - ظاهرة أم كلثوم وأثرها في إثراء وحفظ تراث الشعر العربي قديمه وحديثه :

مهما يكن من أمر، في مرحلة الثانوية العليا شببنا مراهقة، لم يعد الشعر وحده شغلنا الشاغل، بل أصبح للغناء دور في حياتنا، ولا تكاد تمر حفلة شهرية لأم كلثوم لم تطرق مسامعنا،نسهر معها بل ناـي للمدرسة في اليوم التالي نتماهى بسماعها، ونتجادل ونتناقش وقت الفرص، حول جمالية مقاطعها، كأنما نقول للدنيا قد نضجنا ذوقاً ومعرفة وشباباً !!
والحق ان عقد الستينات كان عصرأم كلثوم بامتياز، لا من حيث كثرة أغانيها في تلك الفترة، بل أصبحت أيقونة الوطن العربي المقدسة، ففي كل رأس شهر بالعاشرة مساء، تكاد تتوقف الحياة، والناس آجمعين كلهم آذان صاغية تتركز على إذاعة القاهرة في انتظار أم كلثوم، هذه الأم التي نالت وسام الرافدين من قبل الحكومة العراقية في سنة 1946 م، قبل كل حكومات العرب...!! وهو أعلى وسام يمنح في العراق، في عصر النظام الملكي، وللتاريخ في عصرها للعراق فنون، وفي عصرنا للعراق شجون...!!

ومما يجدر ذكره أنّ أم كلثوم أثرت وحافظت على التراث الشعر العربي قديمه وحديثه، بل حتى التراث الشعري الشعبي المصري، مقالة بقلم وجيه ندى نشر في موقع (دنيا الوطن) بتاريخ 09 - 05 - 2016 م تحت عنوان (ام كلثوم وخدمة الادب العربى )،نقتطف بعض ما جاء في المقالة بدراستنا هذه للإفادة :

" كان أستاذ أم كلثوم الأول في هذا الميدان المطرب والملحن زكريا احمد الذي التقى بها في قريتها طماي الزهايرة قبل بدء حياتها الفنية في القاهرة.....إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد تعاملت مع كثر من خمسين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن....و قد تغنت ام كلثوم باشعار العديد من الشعراء من البلاد العربية والإسلامية من أمثال الأمير عبدالله بن الفيصل ونزار قباني وجورج جرداق والهادي آدم.. وعلي أحمد باكثير ومحمد إقبال. وقد غنت أم كلثوم لهؤلاء الشعراء أكثر من عشر قصائد عاطفية ووطنية ودينية.

كما غنت ام كلثوم للعديد من الشعراء المصريين المعاصرين فمن أبرزهم أحمد شوقي أمير الشعراء وحافظ إبراهيم شاعر النيل و علي الجارم وإبراهيم ناجي وعزيز أباظة وطاهر أبو فاشا و اسماعيل صبرى و محمود حسن اسماعيل – يحيى محمد – كامل الشناوى – محمود الماحى عزيز اباظه - وآخرين.

شعراء من العصر القديم :– ابو فراس الحمدانى - ابن النبيه المصرى - الشريف الرضى — صفى الدين الحلى — عمر الخيام - العباس بن الاحنف - بكر بن النطاح.

وحين يدخل مقياس الحساب لمعرفة عدد الذين غنت لهم أم كلثوم من شعراء العامية نجد أن عدد الهواة من هؤلاء قد بلغ ثمانية شعراء وقد غنت لهم حوالي عشر أغنيات ما بين دور وموشح وطقطوقة.. أما الشعراء المحتفين فقد بلغ عددهم عشرة شعراء من الذين قدموا لأم كلثوم الكم الأكبر من أغنياتها المشهورة على مدى مشوارها الفني الطويل. وكان من أشهر هؤلاء بخلاف كل من يونس القاضى - بيرم التونسى واحمد رامي، صلاح جاهين ومرسي جميل عزيز و حسن صبحى - وأحمد شفيق كامل وعبد الوهاب محمد وعبد الفتاح مصطفى".

نعم توجد علاقة وثيقة بين الغناء، و بين انتشار الشعر وحفظه، فالشعر وجد للغناء والحدو، والتنفيس عن خوالج النفس وعوالجها، وما كبتت من هموم وأشجان وأحلام،يقول حسان بن ثابت :

تغنَّ بالشّعرِ إمّا كنتَ قائلهُ***إنَّ الغناءَ لهذا الشّعرِ مضمارُ

لاريب كثير ممن يستمعون للغناء، ويطربون له، يستودّون إعادته بحناجرهم، ويتلذذون بأصواتهم، فيبحثون عن القصائد المغناة بين بطون الكتب والدواوين، فيرددونها ويحفظونها، ويستشهدون بها، ومن هنا يأتي الإثراء وحفظ التراث الشعري..!!

3 أحمد شوقي وأم كلثوم، غناؤها لشعره بعد وفاته:

لم تغنِ أم كلثوم أيّ من قصائد أحمد شوقي في حياته، وإنما غنّت عشر قصائد بعد وفاته، جميعها لحنها الموسيقار العبقري رياض السنباطي، ولا ريب كانت تعرفه جيداً في حياته،ومن لا يعرف الأمير الأمير أحمد شوقي، لم يكن شاعراً كبقية الشعراء، بل كان شاعر القصر المدلل منذ نعومة أظفاره كما سنرى عند التطرق إلى حياته، بمعنى كان أكثر علاقة من من أبي نؤاس مع رشيده وأمينه، وأبي تمام مع معتصمه وهارونه، والبحتري مع متوكله حيث جعفره الشعر والغناء والموسيقى، خذ ما شئت من الأسماء إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وزرياب وابن جامع وحتى ابن شكلة، والمغنيات الشهيرات من دنانير وشارية وبستان، وعندك الحسبان...

وتسأل عن سبب عدم الغناء، فيأتيك الجواب الجفاء، الجفاء بين كوكب الشرق أم كلثوم
(1898 - 1975م)، وربيب شوقي الموسيقار الشهير، والمغني المثير محمد عبد الوهاب، خلاصة القصة أن شاعرنا الشوقي (1868 م - 1932 )، كان قد تبنى الموسيقار الشهير محمد عبد الوهاب (1902م - 1991 م ) فنيا واجتماعياً، ولما مرض عبد الوهاب ذهب أمير الشعراء بنفسه، وأحضره إلى كرمة ابن هاني، وهو منزله الجديد على النيل بالجيزة، سماه هكذا تيمناً بالشاعر العباسي العملاق أبي نؤاس (الحسن ابن هاني)، وأسكنه بحجرة في بناء مرفق بالقصر، وبذلك أشرف على رعايته وعلاجه وتغذيته بنفسه.

وقد شغلها الموسيقار محمد عبد الوهاب لعدة سنوات، واستمرت هذه العلاقة سبع سنوات 1925 - 1932م، إذ توفي شاعرنا الأمير، وكانت حجرته مزودة بسرير خشبي محلى بالصدف، ودولاب وكنبة كبيرة، كلها من طراز (امبير) الفرنسي.

وكان شوقي يقيم الحفلات الكبرى في الصالة الكبرى بكرمته ابن هانيّه لكبار الكتاب والفنانين ورجال السياسة خلال المناسبات العامة كشم النسيم أوبدونها، فتصبح الصالة كسوق عكاظ تكتظ بالشعراء المتسابقين، وعند زواج ابنه علي من بنت خالته أقام بها حفلة كبيرة حضرها سعد زغلول، وكان رئيساً لمجلس النواب، وأمر بتأخير انعقاد المجلس لمدة ساعة ليسمح للمدعوين بحضور الحفلة، وفى هذا الحفل غني محمد عبد الوهاب لأول مرة – القطعة التي لحنها من مصرع كليوبترا:

أنا انطونيو وأنطونيو أنا

وذات مرّة حضرت أم كلثوم لهذه الصالة مع والدها، وغنت فيها، وأراد شاعرنا أن يجيزها بمبلغ مادي، فتشاجرت معه غاضبة، وأرضاها بعد يوم ذاهباً إليها، وسلمها قصيدة رائعة من تسعة أبيات بحقها تحت عنوان (سلوا كئوس الطلا )، وما غنّتها أم كلثوم إلا بعد وفاة شوقي، وطلبت من شاعرها أحمد رامي أن يجري تعديلاً على أحد أعجاز أبياتها، وسنأتي عليه

وقد غنت أم كلثوم لشوقي عشر قصائد، كلها من تلحين الملحن العبقري رياض السنباطي: هي بالترتيب: الملك بين يديك في عام 1936م.. وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات غنت لشوقي ست قصائد: ولد الهدى، وفي الأرض شر مقاديره (من قصيدة السودان)، ريم على القاع من قصيدة نهج البردة، سلوا قلبي، سلوا كؤوس الطلى، ثم اتعجل العمر.
وفي عام 1949 غنت أم كلثوم لشوقي : من أي عهد في القرى تتدفق (من قصيدة النيل).. وفي عام 1954 م غنّت بأبي وروحي الناعمات الغيدا ثم اختتمت هذه الرحلة مع أمير الشعراء في عام 1965م حين غنت قصيدة إلى عرفات الله.

4 - عيد الدهر - الملك بين يديك :

أول أغنية تغنيها أم كلثوم من شعر شوقي، وألحان رياض السنباطي سنة 1936م :

الملك بين يديّك فى إقــــبالهِ
عوّذت ملـــكك بالنبى وآلهِ
حرٌّ وأنت الحـرُّ فى تاريخهِ
سـمحٌ وأنت السمحُ فى أقيالهِ
يفديك نـصرانيه بصليبــــهِ
والمنتمى لمــــــــــحمد بهلالهِ
يجدون دولتك التى سعدوا بها* من رحمة المولى ومن أفضاله

يا جنّة الوادى ونزهة روحهِ
ونعيم مهــــــجته وراحة باله
فاروق جملها وزان ضفافها
عرش يلوذ الشعب تحت ظلاله
وكأن عيدك عيدها لما مشى
فيها البشـــــــير ببشره وجماله

5 - سلو كؤوس الطلى هل لامست فاها :

ذكرنا سابقاً، ذهب أحمد شوقي إلى منزل أم كلثوم، وتلقته بترحاب، وسعادة مفعمة بالود، وقدم لها قصيدته بحقها وتتضمن تسعة أبيات، ومطلعها :
سلو كؤوس الطلى هل لامست فاها
واستنجدوا الراح هل مسّت محياها
وما غنتها إلا سنة 1946م بعد أن طلبت من أحمد رامي بتغيير عجز البيت الرابع، وكان شوقي قد أبدعه بقوله : "هيفاء كالبان يلتف النسيم بها
(وينتهي فيه تحت الوشي عطفاها)

فصاغه أحمد رامي كالآتي:

هيفاء كالبان يلتفّ النسيم بها
(ويلفت الطير تحت الوشي عطفاها)
و يروي الدكتورسعد أغا القلعة أنه في أحدى السهرات الخاصة التي حضراها أحمد شوقي و أم كلثوم، قدّم أمير الشعراء لكوكب الشرق، كأس من الخمر مع أن الكل كان يعرف أنها لم تكن تشربها. و خشية من (كسر خاطره) لمست أم كلثوم الكأس بفمها و وضعتها.

فتساءل حينها أحمد شوقي هل لمست الخمر فم الستّ أم كلثوم أم لا. وجادت قريحة أمير الشعراء بقصيدته الرائعة التي غنتها أم كلثوم بعد رحيله و قام بتلحينها الموسيقار العبقري رياض السنباطي مع قليل من التغيير في الكلمات بمساهمة الشاعر الكبير أحمد رامي...

هذي هي الدنيا، ولمّا نحن يهمّنا شعر شوقي قبل غناء الأم لكلثوم، لأن موضوعنا شعر أمير الشعراء، فيلزمنا الأمر أن نذكر لكم القصيدة كاملة، كما ولدت :

سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
واستخبروا الراح هل مست ثناياها
باتت على الروض تسقيني بصافيه
لا لــلـسلاف ولا لــلـورد ريـــاهـا
ما ضر لو جعلت كأسي مراشـــفهـا
ولو سقتني بصاف من حـمـياهــا
هيفاء كالبان يـلـتـف الـنـسـيـم بهـا
وينتهي فيـهِ تحت الوشي عطفاها
حـديـثـهـا الـسـحـر إلا انـــه نـــغــم
جــرت علـــــي فــم داود فــغــناهـا
حمامة الأيك من بالـشجـو طـارحها
ومن وراء الدجي بالشوق نـاجـاهــا
القت إلي اللـيـل جـيـدا نــافـرا ورمــت
إليه اذنا وحـــارت فـيه عـيـنـاهـا
وعادها الشوق للاحباب فانـبـعثـت
بكي وتـهـتــف احــيـانـا بـشـكـواهــا
يا أم كلثـومُ أيام الــــــهـوي ذهـبــت
كالحلم آهــــــــا لأيام الهــوى آهــا

وفي مقالة وجيه ندى السابق ذكرها جاء :" و قيل ان احمد شوقى قد صرح باسم ام كلثوم فى هذه القصيدة مرتين اولاها فى البيت : سل ام كلثوم من بالشرق طارحها
و قد غنتها ام كلثوم : - حمامة الايك من بالشوق طارحها
و المرة الثانية فى البيت الاخير : يا ام كلثوم ايام الهوى ذهبت
و التى غنتها ام كلثوم : يا جارة الايك ايام الهوى ذهبت

وقصيدة "سلوا كئوس الطلا" لم ينشرها شوقي في ديوان الشوقيات.. بل جمعها من بعده الدارسون.. ووضعوها فيما أسموه "بالشوقيات المجهولة"، وفي القسم الغنائي من هذه الشوقيات!.."

سنكتفي أن نختم هذه الفقرة الشعرية برأي أمير الشعراء - كما يحب أن يُطلق عليه - في أم كلثوم، وذلك بقول محمد صبري في كتابه " الشوقيات المجهولة ـ الجزء الثاني ـ" في مقدمته لهذه القصيدة (ص302 ) :" كان شوقي يقدِّر أمّ كلثوم لأنها أديبة تفهم ما تغنّي، وهي تحفظ القرآن، ولا تشرب الخمر. وفي غزل شوقي تلميح إلى ذلك ".

أم كلثوم سنة 1946 م تغني ثلاث أغنيات من شعر أحمد شوقي (سلوا قلبي، ولد الهدى، نهج البردة )، كلها من ألحان السنباطي، وعن الرسول الكريم :

6 - سلوا قلبي :

سنة 1946 م تنتهي الحرب العالمية الثانية، وتنقلب الأوضاع السياسية العربية والدولية، والإمبراطورية البريطانية تتنصل عن وعدها بمنح مصر الاستقلال التام، وفي القصيدة بيت يُفسر على أنّه تحريض ضد الإنكليز، ودعوة للنضال والمقاومة، فأخذ أبعاد سياسية واسعة، والبيت شهير أصبح من الحكم العربية السائرة، يقول :

وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

القصيدة 71 بيتاً، وكانت أم كلثوم كثيراً ما تغير في ترتيب الكلمات والأبيات.. فقد التزمت في هذه القصيدة بالأبيات الستة الأولى وفق ترتيب شوقي.. أما باقي ما غنته فقد اختارته عشوائياً وفق رغبة الملحن رياض السنباطي، ومما غنّته منها :

سَلو قَلبي غَداةَ سَـــلا وَثابا
لَعَلَّ عَلــى الجَمـــالِ لَهُ عِتابا
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ
فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا
تَـوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحــمٌ
هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ:وَلّى
وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ: تابا
وَلَو خُلِقَتْ قُلوبٌ مِن حَديـــــدٍ
لَمـا حَمَلَتْ كَـما حَمَلَ العَذابا
وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيـــــالي
كَمَــن فَقَـدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيــا فَإِنّــــي
لَبِســــتُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيــــابا
جَنَيتُ بِرَوضِها وَردًا وَشَوكًا
وَذُقـــتُ بِكَأسِها شَهدًا وَصابا
فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ اللهِ حُكمًــــــا
وَلَم أَرَ دونَ بــــابِ اللَهِ بابا
وَأَنَّ البِرَّ خَيرٌ فـــــي حَيـــــاةٍ
وَأَبقى بَعدَ صاحِبِـــهِ ثَوابا
نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَـــــهُ سَـــــبيلاً
وَسَنَّ خِلالَـــهُ وَهَدى الشِعابا
وَكانَ بَيانُهُ لِلهَـــــديِ سُبلاً
وَكانَت خَيلُـــــهُ لِلحَقِّ غابا
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّـــــــى
أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا
وَما نَيلُ المَطالِــــــبِ بِالتَمَنّي
وَلَكِن تُؤخَـذُ الدُنيا غِلابا
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنــــالٌ
إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَـــــدري
بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيـــــانٍ
إِذا لَم يَتَّخِــــذكَ لَـهُ كِتابا
مَدَحتُ المالِكينَ فَـــــزِدتُ قَـدرًا
فَحينَ مَدَحتُكَ اقتَـدتُ السَحابا
سَأَلتُ اللهَ في أَبناءِ دينـــــي
فَإِن تَكُــنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا
وَما لِلمُسلِمينَ سِـــواكَ حِصنٌ
اذا ما الضَـــــرُّ مَسَّهُمُ وَنابا

قصيدة تقليدية يبث الشاعر بها هواجسه وآهاته وشجونه وشكواه بسلاسة وهدوء، شغله الشاغل الجمال، فيكرر الكلمة بالبيتين المطلعين، ويركن كأسلافه من الشعراء العموديين القدماء للجناس اللفظي الناقص (سلوا، سلا )، والتام (صواب، صوابا، والطباق الإيجابي (سألت، الجوابا )...ويترك الأعضاء للعواطف الجياشة تتحكم بها، فالقلب يتوجع، والعين تدمع، والعقل يتجمد... هذا كلّه تشبيب للدخول إلى الغرض الأساسي، ألا وهو المدح على نهج قصائد حسان وكعب بن زهير وغيرهما في مدح الرسول (ص)، يتنقل بين الصعود والهبوط، والصلابة والانكسار حتى الاستسلام للقدر، ومقادير الدنيا، ويجد لنفسه الأعذار، فالموت هو الأقوى، وفقدان الأحبة والأصدقاء هو الأزرى....

وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيـــــالي
كَمَــن فَقَـدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيــا فَإِنّــــي
لَبِســــتُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيــــابا
فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ اللهِ حُكمًــــــا
وَلَم أَرَ دونَ بــــابِ اللَهِ بابا

ثم ينعطف انعطافة بارعة لأخذ الدرس من سيد الخلق في عزمه وحزمه حتى يصل إلى قمة المعاني والبيت القصيد، بل القصيدة كلها :

وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّـــــــى
أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا
وَما نَيلُ المَطالِــــــبِ بِالتَمَنّي
وَلَكِن تُؤخَـذُ الدُنيا غِلابا

وكفى بالله وكيلا، وبالنبي رشيدا...!! وكفى ما كتبت كي لا أطيلا، تقبل مني تحية وسلاماً أصيلا... وإلى لقاء آتٍ، وكلُّ آتٍ قريبْ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى