الأربعاء ١٧ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم مروة كريديه

"رؤيتي " ....رؤية حضارية في عالم متغير

لم أكن أتخيل نفسي في يومٍ من الأيام أني سأقرأ كتابًا ألّفه حاكم عربي، لأسباب عديدة أهمُّها أنَّ خطاب معظم من هم في السُلطة عادةً مسؤولين وقادة، يتمحور حول السياسية و كيفية الحفاظ على "الكرسي" التي يجلسون عليه، أكثر من تقديمهم رؤية مؤسِّسَة حقيقية و بنيوية قادرة على جعل اللامعقول معقولا.

علاوةً على أمرٍ عَانَيْنَا منه كأفراد عرب, وهو انهيار المشاريع العربية القومية منها وغير القومية, منذ أواسط الستينيات وحتى الآن ,إضافة الى ما تعرَّض له أصحاب الرأي خلال العقود المنصرمة في بعض دول عالمنا "العربي" الكريم من قمع , بدءًا من كمّ الأفواه و فرض قوانين الطوارئ "الدائمة " وصولا الى السجن وانتهاءً بالإعدام, فبعض الشعوب العربية أُنهكت فِعلا, وتحمَّلت مَا لَم يتَحمَّله أَحدٌ مِن العالمين من فساد الرؤسَاء فيها لسنوات مديدة عديدة ...
كل ذلك خَلق عند بعض الشعوب هُوّةً سحيقة بين الفرد وحاكمه, الأمر الذي جَعلَ الفرد بَعيد عن من هم في مواقع المسؤولية لا سيما السياسية منها,وبالتالي فإن المواطن الكريم أقفل أذنيه عما يقولونه, وأغمض عينيه عما يكتبونه ....

و أنا واحدة من أولئك الذين بدون شك متأثرين بتلك التشنجات وإن حاولت أن أُحيِّد مَشاعري وأُمسِك لساني عن الخوض في أي مسألة تتعلق بالساسة "الأفاضل"....

وبما أنني"مواطنة " لبنانية منحني هذا اللقب"دستورنا الكريم", ك"بََركة عظيمة", يكفيني أسَىً وحزنًا أن أكُون مضطرةً للاغتراب تحت مُسمَّى "وافد " و"مُغترب" كي أستطيع أن أؤمن لقمة "العيش" ، وهذا طبعًا حال معظم الشباب اللبناني العظيم ، الذي عدده في بلاد الاغتراب قد يَفوق عَدد المُقِيمين فِيه, فأنت يا قارئي العزيز ,حتى لو دخلت قرية "نائية " في آخر الدنيا , فستجد فيها "لبنانيًّا" أو كائن من جذور "لبنانية" عظيمة "فمعظم الشعب مهاجر أو مغترب , والباقي حماه الله يعمل في "السياسة " والحمد لله......

وإنني فتحت عيني على الدنيا، صبيحة انفجار حربٍ أهلية سَببّها "ملوك الطوائف"، وبعضًا ممن شارك في"سدّة الحكم" آنذاك ، حيث كانوا يحاولون الحفاظ على "الزعامة ", و شطرًا منهم ممن أراد منهم أن يبدو متطورًا و داعيًا للإنماء وللإعمار،فقد كان يعمد الى تمويه مشروعه "السلطوي" من خلال تقديم مشروع "إنمائي" بسيط, يطرحه في ظلّ "ضوء إعلامي باهر " طويل عريض , ويعرضه على "الشعب "العظيم " على أنه مشروعٌ "أعجوبة العصر ", لم يسبق له مثيل، و أنّه سوف ينهض بحال "الشعب الكريم" , ويجعله في عداد الشعوب المتطورة , وهو طبعا لا يريد شيئا من هذه الرَّعية ولا يُريد "فِلْسًا واحدًا" مِن هذا المشروع سوى أن يدخل "ميزان حسناته" يوم الدين..

و بعد مرور الوقت يكتشف هذا "المواطن " الحزين, أن المشروع أضحى "مشاريع" لكنه لم يدخل في "ميزان الحسنات" الموعود, بل دخل في "ميزانيات الحسابات المودعة" في المصارف "المشهورة "الموثوقة " التي تحمي "زبونها الفاضل " وتمنحه "السرية "التامّة.....
ثم َيُكشَف عن "الثروة "اليسيرة" البسيطة بعد عمرٍ طويل و مديد قضَاهُ "المسؤول الكريم "بخير الفعال"...حيث تقف زوجته "القديرة " عقب الجنازة "مقهورة" , خطيبةً بالبلاد, واعدَة "العباد, " ناحبَة على "زوجها" "مثال التضحية والوفاء , تُرثيه بعين تدمع وقلبٍ يقطر دمًا , على الفقيد "الغالي" فقيد" الأمة والوطن " فتُعلن لنا أنَّها وبفضل لله تعالى , وتلبيةً لمطالب "الشعب " " العريق ..." أنها سَتُتَابٍع عن زوجها "مشواره "السياسي "البديع" , ومشاريعه الإنمائية "الضخمة" .....فترث الجمل بما حمل .......
كلّ تلك الاعتبارات السابقة جعلتني أصرف النظر عن مشاريع "الحكّام " الاكارم وكتاباتهم ,بالرغم من شغفي العارم بمتابعة كل إصدارٍ جديد ...

وقد وقعت عيني الأسبوع الفائت على كتاب " رؤيتي التحديات في سباق الزمن" للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ....
بدايَةً لم أجد عندي رغبة في الإطلاع عليه, وجاهدتُ نَفسي كَي أَفتحه, وأنَا أُحَدِّثُ نَفسي وأقول: " يا بنت قد يحمل جديدًا , فلا تقعي فَريسةَ الأحكَام المُسبَقَة, فأعمال الرجل على الأرض تُوحِي بأنَّه إنسانٌ عَمليّ مُنفتح, وهذه الإنجازات لا بد وأن تكون نابعة من رؤية خاصّة وليست مُستوردة أو مُستَعارة ...

استعنت بالله العَليِّ القدير , وتناولت الكتاب عن رفّ العرض في إحدى المكتبات, وكنت كَمن يُسقط فَريضة , ومن باب الفضول ليس إلا....فقلبته أولا و نظرت الى السعر كعادتي فأنا لا أدفع عشرون دولارًا إلا على كتابٍ يضيف لمعرفتي شيئا, خصوصًا وأنا أعمل "كادحةً" طيلة يومي ب خمسون دولارًا ....

وبصراحة أول ما تبادر إلى ذهني أنّ هذا الكتاب كتبَه أحد مستشاري الشيخ المقربين منه , فأحيانًا يحصل ذلك, أنَاسٌ تَكتب وآخرون يَضعون أسمائهم , ناس تعمل ليل نهار وناس تظهر في الإعلام على أنها هي التي "أنجزت "........
وبعد حوار طويل مع نفسي فتحت الكتب من منتصفه, فوقع عيني على عنوان "احتضان الإبداع", وعندما بدأتُ أقرأ أدركت من فَوري أن الكتاب صاغه من عاشه , وأيقنت أن من كتبه هو الشيخ محمد بن راشد ولا أحد غيره ...الكتاب أدخل السرور الى قلبي فقد سرني بحق....

ولن أطيل في سرد المديح حول هذا الكتاب إذ أن بعض كتاب الجرائد سيتكفلون بذلك وسنجد الكثير من الأقلام التي اعتادت المدح أن تمدح و أنا لست منهم ...

وأستطيع أن أُبدي رَأيي المتواضع بنقاط ميّزت هذَا الإصدار :
  البساطة والوضوح الشديد, فهو بعيد عن النظريات والمصطلحات الإدارية الصعبة المعقَّدة .....

  الأمثلة الواردة فيه تعكس رؤية واقعية ونابعة من تجربة عميقة وهي بنت بيئتها فهي ليست مستوردة ومعَلبة ,فهو لم يعطينا أمثلة من عالم بعيد عنَّا فالكاتب طَرح "الخيل" كمثال والسبب ببساطة لأنه فارس ...
  الكتاب يُقَدِّم رؤية حَضارية تنموية متكاملة,بعبارات سلِسة وسهلة, الأمر الذي يؤكد أنَّ الفطرة السليمة والسوية , واستعدادات الشخصية إضَافَةً إلى الإرادة الجيدة هي التي تصنع المعجزات . ...
  رعاية المبدعين واستقطاب الموهوبين التي ترتكز على نظرية أن تجد مكانا للمبدع بدلا من أن نبحث عن المبدع للمكان ..
  يعكس الكتاب تركيز الكاتب على النواحي الإيجابية , من خلال تركيز جهود الأفراد في المكان المناسب , فهو لم يقف مطولا عند الوسائل بل ركز مباشرة على الأهداف , مع ضمان عامل السرعة في الإنجاز ...
  استطاع الكاتب أن يترجم متغيرات العصر بشكل عملي وسريع وبِنفَسٍ عربي أصيل, فهو اخترق عالم الصورة ليبدع في المعنى, فقدم معنى مختلف ورؤية مبتكرة عن الإنسان...
  إيمان سموه العميق بأهمية العنصر الشاب , وبالموارد البشرية , وتوفير اجواء الإبداع ومقوماتها الحرية والأمان ...
وليعذرني سمو الشيخ إن سَجَّلتُ إعجابي, بما قدَّمه كتاب " رؤيتي " لأنه في الحقيقة "دليل " لأولئك الذين يدركون الحاجة إلى الإبداع, حيث يطرح طرقًا مختلفة للتفكير والقيادة, فهو يُحقق نقلة في سلوك القائم على الابتكار والمرونة ..حيث يُغير الفرد منا نظرته الى نفسه ويعيد النظر في قدراته الذاتية ....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى