الثلاثاء ٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
اخترت لك
بقلم فاروق مواسي

من كتاب «ثمرات الأوراق» لابن حِجّة الحمَوي

ما أعجبني من حضور البديهة:

قيل إن الصاحب جمال الدين بن مطروح كتب لبعض الرؤساء رقعة إلى صديق يشفع فيها عنده، فكتب ذلك الرئيس:

"هذا الأمر عليّ فيه مشقّة"

فكتب ابن مطروح في جوابه "لولا المشقة.."

ففهم على التو إن ذلك إشارة إلى قول المتنبي:

لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتّال
فقضى له حاجته.

(ثمرات الأوراق، ص 15)- حققه محمد أبو الفضل إبراهيم.

قال معاوية لعَقيل بن أبي طالب إن عليًا قطعك ووصلتك، ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر.
قال: أفعل.

فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن عليًا، فالعنوه عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين!
ثم نزل، فقال له معاوية يا عقيل، إنك لم تبين من المراد منا.
قال: والله لا زدت حرفًا، والكلام راجع إلى نية المتكلم.
(ثمرات الأوراق، ص 159)

عيون المها

حكى ابن الجوزي في كتاب (الأذكياء)، وهو من الغرائب في هذا الباب أن رجلا من طلبة العلم قعد على جسر بغداد يتنزه، فأقبلت امرأة بارعة في الجمال من جهة الرُّصافة إلى الجانب الغربي، فاستقبلها شاب، فقال لها: رحم الله علي بن الجهم!

فقالت المرأة: رحم الله أبا العلاء المعري!

قال الرجل: فتبعت المرأة، وقلت: هل لك أن تقولي لي ما أراد بابن الجهم؟
فضحكت، قالت: أراد به قوله:

عيون المها بين الرُّصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وعنيت أنا بأبي العلاء قوله:

فيا دارَها بالخَيف إن مزارَها ... قريبٌ ولكن دون ذلك أهوال
(نقلاً عن ثمرات الأوراق، ص 162)

حكي أن أبا العلاء المعري كان يتعصب لأبي الطيب المتنبي فحضر يومًا مجلس الشريف المرتضى في بغداد فجرى ذكر أبي الطيب فهضم من جانبه الشريف المرتضى، فقال أبو العلاء: "لو لم يكن لأبي الطيب من الشعر إلا قوله:

لك يا منازلُ في القلوب منازل لكفاه".

غضب المرتضى، وأمر به فسحب، وأخرج.

وبعد اخراجه قال المرتضى: هل تعلمون ما أراد بذكر البيت؟
قالوا: لا
قال: عنى به قول أبي الطيب في القصيدة:
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ ... فهي الشهادة لي بأني كامل

قرأت كذلك عن ذكاء أبي العلاء المعري:

"نقل الحافظ اليعمري أن أبا نصر المنازي واسمه أحمد بن يوسف دخل على أبي العلاء المعري في جماعة من أهل الأدب، فأنشد كل واحد منهم من شعره ما تيسر، فأنشده أبو نصر:

وقانا لفحة الرمضـاء وادٍ
سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحـه فحنـا علينـا
حنو الوالدات على الفطيـم
وأرشفنا علـى ظمـأٍ زلالاً
ألذَّ مـن المدامـة للنديـم
يصدُّ الشمس أنى واجهتنـا
فيحجبهـا ويـأذن للنسيـم
يروع حصاه حالية العذارى
فتلمس جانب العقد النظيـم

فقال أبو العلاء "أنت أشعر من بالشام".

ثم رحل أبو العلاء إلى بغداد، فدخل المنازي عليه في جماعة من أهل الأدب ببغداد، وأبو العلاء لا يعرف منهم أحدًا، فأنشد كل واحد ما حضره من شعره، حتى جاءت نوبة المنازي فأنشد:

لقد عرض الحمام لنا بسجـعِ
إذا أصغى له ركـبٌ تلاحـى
شجا قلب الخلي فقيل غنـى
وبرح بالشجـيِّ فقيـل ناحـا
وكم للشوق في أحشاء صـبٍّ
إذا اندملت أجدَّ لهـا جراحـا
ضعيف الصبر عنك وإن تقاوى
وسكران الفؤاد وإن تصاحـى
بذاك بنو الهوى سكرى صحاةً
كأحداق المها مرضى صحاحا

فقال أبو العلاء:

"ومن بالعراق"- عطفًا على قوله "من بالشام".

(ثمرات الأوراق، ص 51)*

* تنسب هذه الأبيات كذلك لحمدونة الأندلسية. انظر (معجم الأدباء) لياقوت ج10، ص 276.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى