الجمعة ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم أسعد السحمراني

الماسونية، نشأته وأهدافها - قسم 3 من 10

الانتساب والرموز عند الماسونية

لا يوجد ثمة توافق بين المحافل الماسونية على مراسم الانتساب للماسونية، وعلى ترتيب الأدوات الرمزية داخل المحافل، ولكن هناك خيطاً رفيعاً يجمعها، ويشكل القاسم المشترك لها جميعاً، ولأننا بصدد الدخول في اختلافات فِرَق الماسونية، فإننا سنحاول أن نعرض للقارئ، في هذا الباب، ما يعطيه صورة كافية عن الموضوع.

وإذا كانت الماسونية تعتمد السرية والتعمية أولاً لتضليل الناس عن حقيقة أهدافها، التي ما كانت إلا لخدمة الصهيونية، وثانياً لكي تشد هذه السرية بعض الناس الى السعي لفهم حقيقة الماسونية، وبذلك يتدافع أمثال هؤلاء، محبي الشكف عن الألغاز، على الانتساب اليها. وكثيراً ما يسمع الواحد منا أحاديث وروايات عن هذا الأمر كأن يُقال فلان انخرط في الماسونية ثم انسحب منها، أو فلان لاحظ إشارات بين شخصين يعتقد أنها إشارت التعارف بين الماسون، الى آخر ما هنالك من مقولات كهذه.

فإن الماسونية، أيضاً، تعتمد الرموز والإشارات في طقوسها وكتاباتها ومحافلها لإدراكهم أن الأمر يحمل المرء على توهّم قدرة عجيبة وراء هذه الجمعية، أو أن القائمين عليها يملكون من خزائن المعرفة ما ليس لسواهم ولذا يستحقون التقدير، فالمعروف أن دهاة يهود يقفون وراء هذه الجمعية السرية.

"بعد أن عرفوا تأثير الرموز في قلب الإنسان شيّدوا الماسونية العامة على الطريقة التي ترمز الى التاريخ اليهودي، الذي هو نفسه رموز دينية بحتة، فكانت هذه الماسونية أكثر الجمعيات استعمالاً للرموز، وكانت أهمية الرموز فيها شديدة التأثير بما تضمنته درجاتها من إشارات وكلمات وحركات وكل يُستر وراءه معنى من معاني الماسونية"

وتستفيد الماسونية من هذا الموضوع، موضوع السرية والرمزية في ضبط عناصرها وتخويفهم؛ حيث أن المنتسب للماسونية، أو أحد متفرعاتها، إذ ما كشف أباطيلها، وقرر الخروج من صفوفها تراه يحسب ألف حساب وحساب. والماسون أنفسهم يحيكون حوادث وهمية عن أضرار وانتقام ألحقوه بشخص تعرض لهم، أو انتسب لجماعتهم ثم تركها فاغتالوه حتى لا تُفشى الأسرار.

والغريب في الأمر أن الماسون أنفسهم في مؤلفاتهم من المعلومات، وباحوا بأسرار، إن صحت التسمية، أكثر بكثير مما كتبه الأشخاص المشار اليهم في هذه الموضوعات، وهنا لن أتعرض للأسماء حتى لا أكون قد وقعت في مكائدهم بتصديق ما يشيعونه، ولكن القارئ العربي، حيثما وجد، قد سمع بشيء مما ذكرت.

إن موضوع الانتساب للماسونية له مستلزماته، ومنها حفلة إدخاله للمرة الأولى الى المحفل بأسلوب يحمل على الغرابة والاستهجان، وسأعرضه كما وصفه صحفي بريطاني هو "كولين روس" من وثيقة ماسونية وقعت بين يديه، وجاء ذلك في ملحق لجريدة "أوزبرفر" الصادرة بلندن في 18 حزيران 1968، ومما جاء في وصفه:

"يمر العضو الجديد، لدى تكريسه، بعملية مخيفة، ولكنها سخيفة وربما مضحكة. . . ففي غرفة انتظار خارج المحفل، يجرد المرشح عن جميع المواد المعدنية التي يحملها. . . وعلى المرشح أن يشمر عن ساقه اليسرى بأن يلفّ سرواله الى ما فوق الركبة، وأن يخلع حذاءه الأيمن ويلبس بمكانه نعلاً مما يُلبس في البيت أو مع لباس النوم. وعليه كذلك أن يخلع سترته، ويفتح قميصه بحيث يكون صدره مفتوحاً تماماً من الجهة اليمنى. ويُعصب رأس المرشح بعصابة سوداء تغطي عينيه، ويُلف حول عنقه حبل غليظ طويل أشبه بحبل المشنقة ويقاد بهذه الصورة الى الداخل.

. . . وأول ما يقابل المرشح عند دخوله المحفل، أو بالأصح اقتياده اليه، هو "حارس المحفل" (TYLOR)، وهو الموظف الذي يقف في باب المحفل وبيده سيف مسلول ليحول دون دخول غير المرغوب في دخولهم. وتبدأ طقوس النقر بمطرقة خاصة، ويقاد المرشح الى داخل المحفل، حيث يوجّه الى صدره العاري خنجر يمسّه مساً خفيفاً، ويُجري المرشح حواراً مع الأستاذ حول الدوافع التي جعلته يسعى للانتماء الى المحفل" (1).

إن هذه الطريقة المسرحية، التي يخضع لها العضو الجديد، كافية لخلق الوساوس في ذهنه بحيث لو فكر لوقت طويل بها لما أمكنه أن يفهم كل حركة أمر بها رغم تفاهيتها، فلماذا تُعصب عيناه مثلاً؟ ولماذا يخلع نعله الأيمن دون الأيسر؟ ولماذا يفتح قميصه؟ ولماذا .. . ؟ ولماذا؟ . . .إنها الخديعة والمكائد لتثبيت انتماء من تمكنوا من إضلاله بتقديم طلب انتساب لحركتهم الخطرة.

إن أول الشروط اللازمة لطالب الانتساب، كما حددها نظام المحفل الأكبر الوطني المصري، هي كما يلي:

"مادة 140:

الشروط اللازمة لقبول الأجانب هي:

  أولاً: أن يكون حر التصرف.
  ثانياً: أن يكون بالغاً السنة الحادية والعشرين من عمره.

خامساً: أن يكون حائزاً للعلوم الابتدائية على الأقل.

مادة 141:

أبناء الأخوة البنائين الأحرار يجوز تكريسهم في تمام سن الثماني عشرة سنة" .

وشروط الانتساب للشق الأسكوتلاندي، وهو التابع لمحفل بريطانيا الأعظم أو الأكبر، والذي يسمى بالاسكوتلاندي، لا تختلف عن ذلك، فقد جاء في قانونه العمومي:
"أما البنّاء الحر والمقبول عضواً فيجب أن يكون حر النسب صادقاً حازماً بالغاً الحادية والعشرين من سنيه، ولا يقبل العبيد والنساء ولا فاسدو الآداب مطلقاً" (1).

ومن الأساليب المتبعة مع المنتسب الجديد لإلقاء الرهبة في قلبه من مخاطر إفشاء أسرار الماسونية، ولإفهامه أن التوراة كما هي بعد تحريف يهود فيها للكلِم عن مواضعه هي النور الذي اهتدى اليه وعليه أن يتمسك به، وأن يهجر ما عداها من كتب سماوية، وما سوى اليهودية، بالمفهوم الصهيوني الذي نراه اليوم من الأديان، يعتمدون الطريقة التالية ووفق وصفهم هم أنفسهم فلقد قالوا:

"نعصب على عيني الداخل، في أول الأمر، فلا ندعه يرى شيئاً من جميع موجودات الهيكل حتى يتم حلف اليمين. تُجعل العصابة على عينيه وهو خارج الباب وعند ذلك يأخذه الحاجب ويسلمه الى الكفيل، فيقوده الكفيل الى جهة الرئيس بعد أن يهمس في أذنه قائلاً له أن يخطو ثلاثة خطوات متساوية مبتدئاً بالرجل اليمنى، ثم يوقفه بين العمودين، ونرمز بهذا الإغماض الى أن الخارجي يكون قبل دخوله معنا في ظلام حتى إذا امتزج بنا، واتحد معنا وحلف اليمين، انتقل من الظلمة الى النور، الى الدين اليهودي، الممثّل بالنور، وبذلك إشارة الى أن الإنسان الخارج من الظلمة الى النور يحافظ على النور ويتمسك به لئلا يرجع الى الظلام فلا يرى طريقه فيتعثر في مسيره ويستقر في الظلمة. ثم إن الرئيس يدعوه ويلقي عليه الأسئلة التي يراها مناسبة ويحلِّفه اليمين، وفي يد الرئيس سيف على عنق الحالف وأمام عينيه التوراة على يدي كفيله. وعند انتهائه من اليمين تحلّ العصابة عن عينيه فيرى السيف مسلولاً على عنقه والتوراة، أي النور، أمام عينيه. فبعد هذه الحفلة يلبسه الكفيل مئزراً صغيراً نرمز به الى أنه انضم الينا ليشاركنا في تشييد أسوار بنايتنا؛ أي تحصين الدين اليهودي والمحافظة على كيانه"

إن يهود الذين أغلقوا على أنفسهم كل أبواب الانفتاح على الآخرين، وقبعوا في غيتواتهم يناصبون البشرية العداء، أغلقوا باب الدعوة ليهوديتهم، ولم يقبلوا أي منتسب جديد لها، حتى إن الطفل الذي يكون من أب يهودي وأم غير يهودية أسقطوه من ملّتهم، قد اعتمدوا أسلوباً آخر لحشد الأنصار لأهدافهم السياسية التي ألبسوها رداء زعموا أنه ديني، من ألوان هذا الأسلوب الحركة الماسونية التي يتحقق لمن يقرأ عن أسلوبها، الآنف الذكر مع المنتسب الجديد، بأن الانتساب اليها يعني الدخول في اليهودية مع حملة تخويف كي لا يرتد عن يهوديته بعد ذلك.

والمنتسب للماسونية يجب أن يتقدم بطلب خطي، عن طريق ماسوني قديم، الى المحفل الذي يريد الانضمام اليه، ولا يقبل قبل أن يزكيه الكفيل ناقل الطلب، ويكون الطلب على الصورة التالية:

"حضرات رئيس محفل . . المعتبر وأعضائه الكرام.

بعد تقديم واجبات الاحترام والوقار أعرض أنّي أنا ابن . . . البالغ من العمر .. . سنة المولود في . . . والمقيم في . .. ومهنتي .. . بناء على ما علمته واشتهر عن حسن مبادئ جمعيتكم الموقرة ألتمس الدخول فيها ضمن أعضاء محفلكم المعتبر، وأتعهد لكم بالمحافظة على مبادئ الآداب الشريفة وطاعة القانون والمواظبة على حضور الجلسات لاكتساب الفوائد إذا حُسبت أهلاً وقُبلت فيما بينكم وطلبي هذا بإرادتي واختياري، وأنا مالك تمام صحتي وقوتي بلا إجبار ولا إكراه.

إقبلوا مزيد احترامي واعتباري لجنابكم.

تحريراً في .. . سنة .. . الداعي"

بعد تقديم الطلب والتزكية، ودخول المنتسب الجديد الى المحفل بطريقة تحمل طابع مسرحية مرعبة لحمله على المواظبة والسرية والطاعة في خدمة الماسونية – الصهيونية، يأتي دور اليمين التي يؤديها داخل المحفل، والسيف على رقبته كما جاء في نص سابق.

وفي أول احتفال يجري لقبول المبتدئ يقسم يميناً نصها وفق المحافل الأسكوتلاندية:

"أنا . . بين يدي، مهندس الكون الأعظم، وبحضرة أعضاء هذا المحفل، المفوّض المعظم، محفل البنائين الأحرار القدماء المقبولين، المجتمع قانونياً، والمنتظم كما ينبغي، أتعهد بإرادتي واختياري، أن أصون وأكتم الأسرار والرموز، التي تباح لي الآن، أو فيما بعد، في الماسونية القديمة، ولا أبوح بها لأحد، إلا للأخ أو للأخوان الصادقين، أو لمحفل عادل تام، منتظم بعد دقة الاختيار والامتحان والتيقن، بأنه أو أنهم أهل للثقة، وأتعهد، بألا أكتب هذه الأسرار، ولا أطبعها، ولا أحفرها ولا أنقشها، ولا أدلّ عليها، بوجه من الوجوه، وأن أمنع بما استطعت، من يقصد اختياراً، أو إجباراً، أن يفعل ذلك على جميع ما تحت القبة الزرقاء، من الجامد والمتحرك، سواء كان بالحرف، أو بالوصف، أو بالصورة، صريحاً أو غير صريح، لنفسي أو لغيري من الناس، حتى لا تكشف أسرار البنائين الأحرار، ولا يطلع عليها أحد بإهمالي . . . وإذا حنثت بيميني هذا، أكون مستحقاً كل العقوبات الماسونية، حتى القتل" [1].

وإذا كانت هذه اليمين قد تختلف بعض عباراتها، بين محفل وآخر، إلا أن ما هو مشترك بينها هو تلك التعهدات القاطعة بالسرية والكتمان، وتعهد المنتسب بالخضوع طوعاً لأية عقوبة يفرضها عليه مسؤولو محفله حتى لو كانت القتل. وإذا كانت الماسونية حركة من أجل توحيد العالم ووقف النزاعات ونشر السلام، وإذا كانت الماسونية جمعية للخدمات الاجتماعية وإشاعة الآداب، وفق مزاعم أتباعها، فلماذا السرية يا ترى؟ لا بل لماذا التشد بالسرية؟ وما ذلك إلا لأنها الخادم لأهداف الصهيونية، عدوة الشعوب والإنسانية.

يستخدم الماسون، في أدبياتهم ورموزهم، كلمة محفل يدلّون بها على أماكن اجتماعاتهم السرية، ويشيرون بهذه الكلمة بشكل مموّه للهيكل لأنهم أرادوا أن يتعاهدوا على إعادة بناء هيكل سليمان في القدس.

والمحفل، بالتعريف الماسوني، هو:

"مكان يجتمع اليه البناؤون الأحرار للعمل ليعلّموا ويهذّبوا أنفسهم بأسرار الفنون القديمة، وبعبارة أعم يطلق على الأشخاص أو المكان، فكل اجتماع قانوني أو جلسة منتظمة للبنائين الأحرار يدعى محفلاً، فيجب على كل أخ (ماسوني) أن يكون تابعاً لمحفل من المحافل وخاضعاً لقانونه الداخلي ولقانون العشيرة العام" .

والمحفل في دستور الماسونية، والتزاماً بأهدافها في إعادة بناء هيكل سليمان تحقيقاً لأطماع العدو الإسرائيلي، في أرض فلسطين والقدس خاصة، يجب أن يكون تصميمه الهندسي مماثلاً لوضع هيكل سليمان، وبذلك يضفي الماسون على محافلهم صفة من القداسة لتحريك الوجدان المؤسس على عقيدة خاطئة عند أتباعهم، كما هي حال يهود تماماً. ففي مواصفات المحفل جاء في نظامهم:

"المحفل يمتد من الشرق الى الغرب، لأن الشمس تشرق في الشرق وتغرب في الغرب، ولأن العالم نشأ في الشرق ومنه امتد الى الغرب، ولأن المحافل يجب أن تبنى على مثال هيكل الملك سليمان، وذلك الهيكل بني على شكل خيمة الشهادة التي أوحى الله بها لموسى" (1).

هذا هو المحفل بمعناه الهندسي، وهو إحياء وتذكير دائم بمهمة الماسون – اليهود ببناء هيكل سليمان، لكن تأسيسه بالمعنى النظامي، واستحدائه له شروطه أيضاً، ووفق محفل الشرق الأسكوتلاندي حُدّدت شروط تأسيس المحفل بما يلي:

"مادة 141:

متى أراد عدد لا يقل عن السبعة من البنائين الأحرار الأساتذة الحائزين على تمام الصفات المطلوبة (أي مسددين الرسوم المطلوبة وغير مرتكبين جرائم) أن يؤسسوا محفلاً جديداً فعليهم أن يرفعوا الى الشرق الأعظم عريضة يبيّنون فيها الأسباب التي دفعتهم لتأسيس المحفل، ويطلبون اليه أن يرخِّص لهم بالعمل ويمنحهم البراءة".

ولا يتم تأسيس محفل جديد، عند طلب ذلك، وفق ما جاء، إلا إذا تمت تزكية الطلب من قبل محفليْن ماسونيين مجاورين، وقد تختلف الإجراءات نسبياً عند محافل أخرى غير المحفل الأسكوتلاندي، ولكن التباين ليس بذي بال فهو عند آخرين على الوجه التالي:

"يقدم تسعة أساتذة عريضة الى المحفل الأكبر باسم الأستاذ الأعظم يطلبون فيها إنشاء محفل جديد بالإسم الذي يختارونه والمكان والزمان للاجتماع، وبعد الترخيص لهم، حسب الأصول الماسونية، يحضر الأستاذ الأعظم والمندوبون من قبله لتكريس المحفل رسمياً وتثبيت موظفيه" [2].

عند تأسيس المحافل الجديدة أو تكريسها، وفق الاصطلاح الماسوني، تغلق الأبواب بعد دخول الجميع الى مكان المحفل، وعادة تكون حفلة التكريس الأولى بحضور الأساتذة مؤسسي المحفل ومعهم الأستاذ الأعظم للطريقة الماسونية التي يتبعون لها، أو الأستاذ الأعظم الإقليمي. وبعد افتتاح الحفلة بأدعية من مثلها مثلاً:

"نسألك يا إلهنا وإله بني إسرائيل، يا من لا إله غيرك، أن تهب السكينة والرحمة في قلوب عبيدك الضعفاء المخلصين لك" [3].
بعد الأدعية تُقدم الألبسة والأوسمة للأستاذ الأعظم، ويكون هذا الأخير قد قرأ البراءة التي تجيز للأساتذة تأسيس محفلهم الجديد، ومن جملة مراسم التكريس الطواف مرات عديدة في المحافل مع ترنيمات وأدعية لاسم مهندس الكون الأعظم، وتقديم خطيب المحفل كلمة يتلو فهيا نصوصاً توراتية.

"من سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح الثاني من عدد (1) الى عدد (16). وأمر سليمان ببناء بيت لاسم الرب وبيت لملكه. وأحصى سليمان سبعين ألف رجل حمّال وثمانين ألف رجل نحّات في الجبل ووكلاء عليهم ثلاثة آلاف وست مئة وأرسل سليمان الى حيرام ملك صور قائلاً: كما فعلت مع داود أبي إذ أرسلت اليه أرزاً ليبني له بيتاً يسكن فيه، فهأنذا أبني بيتاً لاسم الرب إلهي لأقدس له، لأوقد أمامه بخوراً عطراً ولخبز الوجوه الدائم وللمحرقات صباحاً ومساءً وللسبوت (ج. سبت) والأهلة ومواسم الرب إلهنا. هذا على إسرائيل الى الأبد" [4].

إن ما يقرأن الخطيب في تكريس محفل جديد لا يحتاج الى كبير عناء كي يثبت من خلاله الارتباط الوثيق بين الماسونية ويهود، لا بل – وكما ألمحت سابقاً – كأن الطقوس في الماسونية هي ترتيبات دخول لفرد أو جماعة محفل ما في الديانة اليهودية، فإننا نلاحظ في الكلام الآنف استخادم النصوص من التوراة أولاً، ثم التركيز على إعادة بناء الهيكل، أي السعي لأرض الميعاد، كما يدّعي اليهود، وحرمة أيام السبت وفق المعتقد اليهودي. فهل نحتاج الى دليل حتى نقول؛ إن الماسونية صُنعة يهودية بعد كل هذا يا ترى؟!. . .

ومن طقوس تكريس المحفل التي تثبت يهودية الماسونية ومعاداتها للإسلام والمسيحية، استخدام كلمة "يهوه" العبرية في مخاطبة الإله الخالق سبحانه، وشرب الأنخاب بهذه المناسبة. ومما جاء في هذا الباب في القانون العمومي لمحفل الشرق الأسكوتلاندي:

"ثم يلفظ الأستاذ الأعظم أو الأستاذ الأعظم الإقليمي البركة قائلاً: باسم يهوه العظيم الذي يليق له كل مجد أكرّس هذا المحفل للعشيرة الماسونية".

. . . ثم يقدم المحافظ الأول الأعظم . . . ويقول:

أيها الأستاذ الأعظم الكلي الاحترام (أو أيها الأستاذ الأعظم الإقليمي الفائق الاحترام) إن الخمر الذي هو دليل القوة والفرح والذي جرت العادة منذ القديم أن يستعمله إخواننا عند تكريس محافلهم أقدمه لك في هذه الحفلة ليستعمل جرياً على العادة الماسونية الثابتة.

ثم يلفظ الأستاذ الأعظم أو الأستاذ الأعظم الإقليمي، البركة الثابتة قائلاً: باسم القديس يوحنا أكرس هذا المحفل" [5].

بعد ذلك يعلن الأستاذ الأعظم تكريس المحفل باسم الأستاذ الأعظم لمحفلهم الأم، ويرتل الجميع بعض الإصحاحات من التوراة كخاتمة لحفل التكريس.

أما عن ترتيب المناصب في المحافل بين الأعضاء فإنها أشبه بترتيب عسكري، كما يتضح من القانون الأساسي للمحفل الأكبر الوطني المصري، وهي في هذا المحفل على الوجه التالي:

"مادة 21:
ينقسم أعضاء المحفل الأكبر الى موظفين عظام وضباط عظام، سواء كانوا متقلدين وظائفهم حالاً أو تقلدوها سابقاً، ودرجاتهم تعتبر كالآتي:

  الموظفون العظام:

الأستاذ – الأعظم – الأساتذة العظام السالفون – نائب الأستاذ الأعظم – نواب الأساتذة العظام السالفون – مساعد نائب الأستاذ الأعظم – مساعدو نواب الأساتذة العظام السالفون – الأساتذة العظماء الريفيون – الأساتذة العظام السالفون – المنبهان العظيمان – المنبهون العظام السالفون – أمين الخزينة الأعظم – كاتب السر الأعظم – مساعد كاتب السر الأعظم – الخبيران العظيمان – المرشدان العظيمان – أمين الدفتر خانه الأعظم – المهردار الأعظم.

  الضباط العظام:

المهندس الأعظم – التشريفاتي الأعظم – مساعد التشريفاتي الأعظم – المهيب الأعظم – مساعد المهيب الأعظم – الخازن الأعظم – حامل الكتاب الأعظم – حامل العلم الأعظم – السيّاف الأعظم – المدبرون العظام – الحاجب الخارجي الأعظم.

مادة 22:
"لا يجوز تقليد وظيفتين لأخ واحد" [6].

إضافة الى تقسيم المناصب في المحفل، وهي كثيرة كما لاحظنا، وكلها تحمل عبارات المبالغة، فإن الماسون، ووفق أقدمية انتسابهم للماسونية ومقدار تطورهم فيها، يتوزعون على ثلاثة مستويات هي: التلامذة – الرفاق – الأساتذة.

وفي الانتقال الى ترتيب بناء المحافل الذي يزعم الماسونيون أنهم يقلدون في تنظيمها هيكل سليمان كي يعمل الماسونيون بكل جهدهم لإعادة بنائه وتنظيم المحفل على مثاله ليتذكروه دوماً، نلاحظ في هذا الترتيب أن الركائز الأساسية للمحفل ثلاثة أعمدة تقوم عليهم قبة زرقاء، أما عن تفسير ما ترمز اليه هذه الأشياء فيقولون:

"إن محافلنا ترتكز على ثلاثة أعمدة وهي: الحكممة والقوة والجمال، فالحكمة لازمة في إدارة أعمالنا، والقوة لا مندوحة عنها لدى كل خطر، والجمال ضروري للزينة.

وسقف المحفل مثال القبة الزرقاء التي لا يرقى اليها إلا بمعراج من درجاته الإيمان والرجاء والرحمة. أما الإيمان فبمهندس الكون الأعظم، وأما الرجاء فبالخلاص والنجاة. وأما الرحمة فبالإحسان الى سائر الناس" [7].

ويقوم على مدخل المحفل اثنان من الأعمدة هما عموداً الجمال والقوة. فعمود الجمال يسمى ياكين (YAKIN) وينقش عليه الحرف (G)، ويزعمون أنه الحرف الأول من اسم جاكين، وهو أحد أسباط يعقوب عليه السلام. وعمود القوة يسمى بوعز (BOUZ)، وينقش عليه الحرف (B) ويزعمون أنه الحرف الأول من اسم بوعز الجد الرابع للنبي سليمان عليه السلام.

ويعيد الماسونيون سنّة وضع هذين العمودين الى المهندس حيرام الذي بنى "هيكل سليمان. ولون العمودين واحد أحمر والآخر أبيض. ويرمزان للشمس والقمر، وهما رمز للثنائية والاتحاد بين المذكر والمؤنث وبين الموجب والسالب" [8].

ومن الرموز الهامة والأساسية في المحافل النجمة السداسية التي هي شارة مشتركة بين اليهود والماسونية، وهي تتألف من مثلثين الأول أبيض والثاني أسود، فإلى ماذا يرمزان؟

"المثلث الأبيض يمثّل الألوهية والقداسة، وقوة التحول والتطور والقوى الروحانية. والمثلث الأسود المقلوب المكمل للأول يرمز للعدم وللإرادة وللقوى الأرضية والبشر" (2).

إن المثلثات المستخدمة بين الرموز الماسونية تكون متساوية الأضلاع وفي وسطها عين ترمز الى العين الإلهية. والمثلث عندهم يحمل معنى الألوهية والثالوث المقدس، ولكنه يختلف عن مدلول ومفهوم الثالوث المقدس في المسيحية، فهو عند الماسونية يعني التثليث في كافة أشكاله ومدلولاته، فهو يشير الى: "الماضي والحاضر والمستقبل، ويرمز الى الحكمة والقوة والجمال، ويرمز الى الملح والكبريت والزئبق (العناصر الأساسية في المواد)، والثلوث في قانون الطبيعة يرمز الى الولادة والحياة والموت. . . الخ. أما العين فهي رمز الإيمان" [9].

ومن محتويات المحفل آلات هندسية أخرى كالزاوية، والفادن (آلة تمتحن فيها استقامة البناء) والشاقول، وهذه الأدوات، وهي بعض ما في المحفل، ترمز الى معاني لا يعرفها إلا الماسونيون، ويقولون في ذلك:

"تكون الزاوية عندنا رمزاً الى وجوب الاشتغال حسب القانون الماسوني، والسير حسب الخطة الموافقة، وتوفيق مسلكنا على أصول الأدب والفضيلة. والفادن يدل على كون البشر جميعاً من أصل واحد وطبع واحد ولهم الرجاء الواحد، وإن يكن الامتياز بينهم ضرورياً لأجل الانقياد ومكافأة المحسنين عملاً والمستحقين تلطيفاً. مع ذلك لا يجوز أن يحملنا شيء من ذلك على نسيان كوننا أخوة لأنه يأتي زمان تزول فيه كل الحواجز بين البشر ولا تبقى سوى مميزات الصلاح والفضيلة، والموت الذي هو مبطل العظائم البشرية يساوي بين الناس.

والشاقول يعلن لنا وجوب السير باستقامة في أحوالنا المختلفة، ويعلمنا بأن نلاحظ كفتي العدالة ونضبط المساواة بينهما، ونسلك بالاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط ونجعل عواطفنا وأحكامنا منطبقة على خطة الواجب الحقيقي.

نتعلم من الزاوية القائمة الأدب، ومن الفادن المساواة، ومن الشاقول العدالة والاستقامة في سبل الحياة وسائر الأعمال" [10].

لكن هذا التفسير لما ترمز اليه هذه الأدوات الهندسية أو سواها قد يختلف عند محفل غير المحفل الأسكوتلاندي، فالزاوية مثلاً ترمز عند محفل الشرق الأعظم الفرنسي الى تأثير الإنسان على المادة والى ضبط الفوضى.

وأما البيكار فيرمز الى النسبية التي تقاس بها، أو تحدد بواسطتها أكبر الميادين وأقصى درجات الإبداع التي يتوصل اليها النبوغ الإنساني.

وخيط الشاقول مثلاً، عند ماسونيين غير الأسكوتلانديين، يعني الأداة التي لا تخطئ، وهو مثل سلم يعقوب يصل السموات بالأرض، وهو علامة الاستقامة والحق.

وهذه الأدوات، وغيرها من أدوات هندسية يستخدمها الماسون، يدعونها الجواهر المتنقلة لأن الأساتذة العظام، في المحافل والمنبهين، يحملونها معهم دوماً ويسلمونها لمؤسسي المحافل الجديدة عند تكريس محافلهم.

ومن بين محتويات المحفل: المطرقة وهي "ترمز الى صقل العقول، وتنظيم الأعمال وتجديد القوى، والاستمرار على الجهد، واحتمال المصائب بصبر وجلد" [11].

ومن بين المقتنيات في المحافل: الكتاب، وهو التوراة، ويقصد به الماسون أنه النور الذي يبدوو الظلام من أمام أعينهم، وهو المعين في ضبط أحكام الإيمان عندهم كما يعتقدون.

وأكرر: إن رمزية الأدوات ليست واحدة عند الجميع، وهذا هو حال كل الحركات السرية الهدامة، حيث تترك هذه الرمزية مساحة واسعة للمناورة على من يريدون تضليله حيث يفسرون له الأمور وفق ما يهوى وما يحب.

فالبيكار مثلاً، الذي مر ذكره على أنه مقياس نسبي لميدان النبوغ الإنساني، وهذا في مفهوم الشرق الأعظم الفرنسي، يرمز عند بعض محافل الاسكتلانديين الى أنه العامل المساعد على حفظ الماسون ضمن الحدود اللائقة التي تربطهم مع الجنس البشري وخصوصاً مع أبناء عشيرتهم الماسونية.

تبقى مسألة في موضوع الرموز هي أسلوب التعارف بين الماسونيين، والذي قد يختلف بين محفل ومحفل، ولكنه في المحفل الأعظم البريطاني (الاسكوتلاندي) على الوجه التالي: يكون التعارف بالقيام بحركة "خاطفة تمثل قطع الرقبة بإبهام ممدود، ثم يدرب على الطريقة الخاصة في المصافحة، وتكون بضغط الإبهام على المفصل الأول من خنصر الشخص المقابل، كما يدرب على الخطوات الماسونية الخاصة، وهي وضع الأقدام بزوايا قائمة" [12].

لقد استعرضنا بعض التفسيرات الرمزية لأدوات وحركات يستخدمها الماسونيون في سلامهم وسلوكهم ومحافلهم وعضويتهم، ولكن، كما ألمحت، ليس مفهوم ما ترمز اليه الأدوات واحداً بسبب تعدد المحافل ومناهجها، ولغرض آخر هو موافقة الأمزجة المتعددة لمن يريدون التغرير بهم، وإيهامهم أنهم عرّفوهم بعض الأسرار والرموز وبقيت أخرى سيتعرفونها بالتدريج.

إنما حقيقة الأمر، كما يقول الماسونيون أنفسهم، هي أن ما أباحوه ليس أكثر من صور جزئية مشوهة تدفع بعض الأشخاص باتجاههم لاستطلاع حقيقة حركاتهم فيتورطون معهم ويضلّون السبيل. فالسر الماسوني كما يقولون:

"ينتقل عبر الكلمة والصورة والكتابة، والكتابة هي الشعائر وهي لم تنشر إلا بصورة جزئية وناقصة.

فالشعائر العائدة للدرجة الأولى، أي للمبتدئ، هي معروفة أكثر من سواها. أما الشعائر المتعلقة بالدرجة الثانية، أي للرفيق، فلم تطبع أبداً، والنصوص المتداولة عنها مبتذلة وساذجة. والشعائر العائدة للدرجة الثالثة هي معروفة بصورة مبهمة أسوة بشعائر عيد مار يوحنا (الواقع في الصيف). أما شعائر عيد مار يوحنا الذي يحتفل به في الشتاء وكذلك تلك التي تتعلق بممارسة وظيفة الأستاذ الأعظم، وهي أعلى رتبة في الماسونية، فلم ولن يكشف النقاب عنها أبداً. من هنا يتبين لنا أن الماسونية الممارسة ما تزا لتحتفظ بالكثير من الأسرار على الرغم من أنها اشتهرت بأنها كشفت جميع أسرارها" [13].

بعد هذا الاعتراف الماسوني بأنهم لم يكشفوا من أسرارهم إلا القليل المجتزأ، وأبقوا الجوانب الهامة غامضة طيّ الكتمان، وهذا أمر بديهي، ولو قالوا غير ذلك لما صدقناهم لأن الحركة الماسونية أنشئت لأهداف معادية للدين، للقومية، للوطنية، للقيم، للأخلاق، ولذلك ليس من مصلحتها أن تكشف خططها فتسهل بذلك محاربتها، وإفشال ما ترسمه من مؤامرات.

لهذا السبب نقول، لمن ظنوا أن الماسونية حركة للسلام والإصلاح الاجتماعي: إنكم واهمون أو متآمرون. ونقول لمن دخلوا مع الماسونية بحجة أنهم سيكشفون أسرارها ويغادرونها: إنكم كالظمآن في صحراء يحسب السراب ماء، فلن تعرفوا عنها أكثر مما هو منشور في أدبياتها التي كتبها الماسون أنفسهم، وهذا الأمر استنتجته عندما كنت في مرحلة تجميع هذا الكتاب حيث لم أجد في الكتب التي زعم أصحابها أنهم كانوا ماسونيين وخرجوا بعد أن اكتشفوا حقيقة هذه الحركة وأنها في خدمة الصهيونية، أكثر مما هو مكتوب بأقلام الماسونيين وأنظمتهم المطبوعة والمنشورة.

الانتساب والرموز عند الماسونية

[1القانون العمومي للشرق الأسكوتلاندي السامي، م. س.، ص 160، 161.

[2مكاريوس، شاهين، الأسرار الخفية في الجمعية الماسونية، م.س.، ص 107.

[3مكاريوس، شاهين، الأسرار الخفية في الجمعية الماسونية، م.س.، ص 109.

[4القانون العمومي للشرق الأسكوتلاندي السامي، م.س.، ص 94، 95.

[5القانون الأساسي للمحفل الأكبر الوطني المصري، م.س.، ص 11، 12، 13.

[6رسوم البناية الحرة الدرجة الأولى للطريقة الأسكوتلاندية، م.س.، ص 41.

[7HUSTIN, D. SERGE, LES SOCITES SECRETES, PARIS, PRESSES UNIVERSITES DE FRANCE, 8E EDITION, I’ANNEE 1973, P. 72.

[8HUSTIN, D. SERGE, IBID, P. 73

[9HUSTIN, SERGE, IBID, P. 71

[10رسوم البناية الحرة الدرجة الأولى للطريقة الأسكوتلاندية، تعريب شكري الفاخوري، طرابلس الشام، مطبعة البلاغة، سنة 1923، ص 18، 19.

[11قطيني، حنين، م.س.، ص 107

[12صفوة، نجدة فتحي، م.س.، ص 49.

[13الماسونية بين الانحراف والأصولية، م.س.، ص 20.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى