الاثنين ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم محمد الهجابي

ويا مَهْوايَ، ويا شَواشي!

ويا مَهْوايَ، ويا شَواشي!

(أو جُذاذةٌ منْ ذاكرةِ الغيْهبِ الذي كنتُه)

1_ مهْوى
 
وهذا اللّيلُ جَنّ،
وقُرابَ مُنْتصفِه أرْتَبتُ، ولمْ أفلحْ في أنْ أفسحَ لي طريقاً نحو الدّوامةِ؛
وأنا هاويُ النَّوْءِ.
منَ النّافذةِ، التي زُجاجُها يشفّ، أُطلُّ الآنَ،
وفي مساقطِ ضوءِ الأعمدةِ، أرى الخيوطَ تهمي مدراراً،
وأُمنّي النّفْسَ ببلَلٍ لطيفٍ،
لرُبّما نقّعتُ به ذَباذبَ حضوري.
جَنّ اللّيلُ،
وجَنّ جُنوني.
الشّرفةُ المُعَدَّةُ للتّحليقِ لا تُغريني؛
يُغريني مَهْوى الماءِ في العَقَّة،
وأَتدَحْرجُ إلى نهايةِ السلّم المرمَرِ.
وفي الشّارع، أرى الدّوامةَ تجْرفُ الرصيفَ،
وأودُّ لو آخذ المكنسةَ منْه، وبها أشطّبُ طرائفَ الوقتِ ممّا تجمّعَ لديّ أثناءَ المسارةِ الطويلةِ.
وأعجزُ،
يا لعَجْزي المستَحْكِمِ!
 
2_ مَهفّةٌ
وهذا جِرْمي، ومنّي يمتدُّ إلى حدائقِ الزنّ،
لعلّ معابرَها تخلعُ عنْه أرديةَ الأسماءِ جميعها،
وتخلفُه غُفلاً، خاوياً، وبلا أثرٍ، لا يبرحُ قاعدةَ مثواه.
كانَ المعلّمُ عنّي لاهياً يضربُ الهواءَ بمهَفّةٍ،
وكنتُ أباركُ، على بُعدِ خطوتيْن منْ صخرةٍ بيْضاءَ صقيلةٍ، هبّةَ ريحٍ تشهَقُ على شمالي.
ثمّ قعَدتُ في وَضْعَة زازن، واستغْرقَتني في التوّ سراديبي الجوانيّة.
وفي المشاريقِ، رأيتُ كيفَ أفردَ الحسّونُ جناحيْه منْ على طنَف النافذةِ، وصارَ يتهيّأُ لاعتناقِ الأرض اليَهْماء.
ورأيتُ كيفَ سخَرت منْه باقي الطيور، فيما ركبَ عجْزي طموحَه المُشرئِبّ إلى الفراغِ المقدّسِ.
آنذاكَ تقدَّرَ لي أنّه يُعوّلُ عَليْه،
ولا يُعوّلُ عليَّ.
 
3_ تَشْنيعٌ
وهذا أنا أَراني قِنّاً مُزقّقاً ومشدوداً منَ الكُراعِ إلى بُرجِ الإمارة. عسى، إذْ تُبصرونَني، في الجيئة والذهاب، فتَتوبونَ بي، وتَرْعوون. وأراني أسوقُ أَغْلالي في بُستانِ الآمر، وحوْلي زمرةُ الغلمانِ يُغايونَ فوقَ رأسي بالغَنَج. ثمّ ألفاني بينكُم متلبّساً بجريرةٍ، لي منْها ستّون بيانِ شَنَارٍ، ثُبّتت عنْدَ سور البُرج، وحُمِّلت، في اللاّحق، في كتابٍ بيْنَ لوحيْ ظهر الرّواحلِ منْ فُقراء الصحراء، كيْ تُعلنَ في كلّ وادٍ عذابيَ الواصبِ، وحتّى لا يأْتيها في عُقْباني عبَدةُ الأيقوناتِ، فتُفسِدَ الحكمةَ منَ التّشنيع بي.
 
4_ مكانٌ
وهذا المكانُ صلدٌ، ويحجرُ عليَّ كالرّقْية،
كيفَ لا ينضحُ برسمٍ لهضبةٍ منَ الرّملِ؟
قلتُ لها، إذْ افتقدْتُها طويلاً.
ثمّ قلتُ لها: لا شكّ، أنتِ منَ الماءِ وإليهِ تَعودينَ،
وهذا المكانُ ليسَ مكانكِ.
قالتْ لي: أنتَ الآنُكُ،
فكيفَ يكونُ المكانُ؟
 
5_ عَناصرٌ
وهذا منْ جهاتٍ لا تَزْهو بدوني
هي الجهاتُ الأربعُ للجسدِ
سأطاوعُه قليلاً لو أَقْدرُ،
هو سرِّي المبجّل بالتّأكيدِ.
الأَماراتُ تخبرُ،
والمدينةُ أمَةٌ لا تُؤتَمنُ!
بيْني وبيْنَها ماءٌ
ومدْخلٌ أدرَدٌ،
وضريحُ وليٍّ مكرمشٌ في بياضِه المحنَّى،
هو حارسُ الأسرارِ بلا منازعٍ.
وهو منَ الفُصولِ الأربعةِ للجَسدِ كذلكَ؛
ومنْهُ الأوَّلُ: عندَ الأُسكُفّةِ ما تزالُ الريحُ تَعوي
أوراقُ القيْقبِ الصّفْر شملَتِ الرصيفَ.
ومنَ النافذة واقفاً، وأمامي الزّجاجُ الشفيفُ، رأيتُ الغمْرَ
أهوَ المطرُ تهاطلَ طوالَ اللّيلِ ولمْ يطقْ أذني صوتُه؟
ومنْهُ الثّانيُّ: حبُّ المزنِ في البالكون
والعظامُ منّي تصْطكُّ.
وفي الشّارعِ تعبرُ كاعبٌ غَرْثى الوشاحِ،
كيفَ ميّزتُها تحتَ مَطَريّتها الورديّة؟
ومنْهُ الثّالثُ: لا ثالثٌ يناصبُهما القعدةَ فوقَ الدربزون
ظهرُهما في صفحةِ وجهي، ووجْههُما إلى سطحِ النّهر يطمحُ، والرأسُ إلى الرأسِ يخلدُ،
أَمِرْآةُ السّماءِ الزّرقاءِ هي التي رأت أمْ أنا الذي رفعتُ البصرَ إليها؟
ومنْهُ الرّابعُ: يكونُ الشُّواظُ قنديلَ بحرٍ،
لا يَلْسعُ إلاّ لكيْ يبعثَ بالرسائلِ إلى أقصى التّخوم منْ جسَدي.
وأَكونُ أنا في فَيْءِ المعاني، شبهَ عارٍ، أطالعُ الحروفَ كيْ أفهمَ دلالةَ هذا التّوزيع الرباعيّ بالضبطِ للجسدِ.
وهو منَ المرايا الأربعِ للجسدِ، إلى ذلكَ:
_ أرضٌ حَمئةٌ في التّحتِ، وفي الفوقِ بومٌ
_ تَنَكٌ أزرقٌ بارقٌ هُنا، وخُوارُ ثورٍ هُناكَ
_ غَمّى منْ لهبٍ تَفْترعُها زَمْزمةٌ ناتئةٌ
_ هَيالٌ يسبحُ في فراغٍ، يَصحَبُه زِمارٌ
 
6_ حظٌّ
وهذا يومُ حظّي.
أحدسُه في تغريدِ قبّرةٍ، فيما هي تدوّمُ في الأعالي، تنعتُ بالحفيفِ مأوى البيْضِ.
ثمّ وأنا أجْري في كلّ الاتجاهاتِ لعلّي أظفرُ بالغنيمةِ قبلَ غيْري،
وقبلَ أنْ تدهمَني عصافيرُ النّدم، فأنْثَني عنِ العزمِ بالانسحابِ.
وليسَ حظّي بعاثرٍ،
فها البيْضُ بالبُقْجَةِ يَصْطلي بدفءِ السّوادِ،
والطريقُ إلى المدْشرِ أفعى تفختُ،
وبَيْن خطوةٍ وأخرى غوايةٌ للاخْتبارِ:
أَسْوِجةٌ منْ حجَرٍ تَرمي بغمْزٍ،
أشجارٌ تَجْدِلُ أفْنانَها في غُبارِ الشّمسِ،
نباتاتٌ ملءَ السّديمِ تنصبُ أشرعةً،
أبقارٌ وأوزٌّ تُدلدلُ المؤخّراتِ عنوةً.
وأنا مَجازي في مَداسي،
بهِ أغذُّ في السّيْرِ،
واليدُ على البُقْجَة لا تزايلُ.
 
7_ صمْتٌ
وهذا الصّمتُ يَغْسلُني في المساء، إذْ آوي إلى مَطْرحي،
أَدخُلُ الدرعَ وأَرتُجُ بابَ السّوى دوني.
الصوَرُ تتْرى في صندوقِ العجائبِ،
والعيْنُ سارحةٌ في السّقفِ تتقرّاني.
أنا هُنا، منذُ ودّعتُ آلة الصّنْجِ ومولّداتِ الكلامِ،
أنا هُنا، وقد يطولُ بي اكتهافي.
يَغسلُني صَمتٌ جئْتُه معفّراً بدخّانِ السّجائرِ، ما لا يُحصى منَ السّجائرِ،
وجئتُه بصَغْوِ أُذنٍ غادرَهُ الهديلُ قبلَ عقودٍ منَ الزّمنِ.
في السّقفِ تهتزُّ الصورُ كما لو ضاقت بشبَكِها الألوانُ،
وتميعُ حتّى لتصير كالرُّغام،
ولا أقضي سوى كسَهْوٍ غافَلهُ الموجُ، فمضى يمخرُ منْ دونِ اتجاهٍ محدّدٍ.
الصّمتُ صَمْتي، على الدوام، قد يكونُ،
وفي المساءِ يصيرُ توْأمَ الظّلمةِ.
صمْتي أنا كتومٌ إذا ما تهْويمُ اللّيلِ استدْرجَني،
وألمعيٌّ إذا ما شفّت عيْنُ السّوادِ،
وأشرقت بماءِ الفقْدِ.
صَمْتي أنا تعوزُه أصابعٌ حانيةٌ!
 
8_ ثرثرةٌ
وهذي ثرْثَرتي؛ وجهي الآخرُ بمقتضى رُهابِ الاحْتِجازِ
كيفَ أوقِفُ هديرَ الكلامِ إذا ما تطاولَ على خرائط الجسد، فباتَ يُدوْزنُ قطَعَها بمَشرطٍ وجَلْمانَ وموسى؟
لتُباركُوا معي هذا اللّسان الثرثار،
ولتمْدَحوا خبْطَهُ الثّملِ بيْنَ ضفّتيْن منْ خرزِ الثّعبانِ.
لنْ يقطِّبَ انفلاعاتِ الكلامِ،
لنْ يرتِّقَ انزياحاتِ مَجازاتِه،
لنْ يَجمعَ حروفَه المشتّتةِ في الأرْكانِ؛
فوضى سيتركُ، ولا ضيْرَ، ينطقُ.
 
9_ رغبَةٌ
وهذي ريحٌ سَمومٌ تتقفّى نظرات الشّارع إليَّ، فيما أنا أمشي.
أيّها الشّارعُ القصيرُ رفقاً بي،
أيّتُها الرّيحُ، أمْهليني حتّى أعْطف، ولا تُجارِي سِرْدابَ النّظرات،
فقد تتعثّرُ بي القدمُ وأَخيسُ بالوعْدِ.
امنَحاني المتّسعَ منْ الوقتِ رجاءً كيْ أتهيّأَ،
رُبّما سدّدْتُ بعضَ ديوني العالقةِ،
رُبّما آخيتُ خَصْمي، ذاكَ الثّاوي منذُ الأزلِ تحتَ قشرةِ القناعِ،
رُبّما هاتفتُ المرأةَ، تلكَ التي قد تكونُ آخرَ منْ ينتظرُ هَلّتي عندَ المحطّةِ،
رُبّما تَداركتُ خطأً استراتيجياً في غُضونِ ما تبقّى لي منْ خطواتٍ،
فأُصْلحُ،
وأُوَضّبُ،
وأَعْترفُ.
 
10_ طائرٌ
وهذا طائرُ الضّوءِ جَثا على طَنفِ الشّرفةِ،
ماذا يَبْغي؟
وحْدهُ يَتلَصّصُ عليَّ منْ خَللِ ستارةِ النافذةِ.
لا أَمْلكُ قمريةً، زُيّنتْ بشذورِ الذّهبِ، تأويهِ.
السّاعةُ المغروزةُ في الحائطِ أَكلتِ الأربعَ والعشرين حبّة، ولمْ يفضل منْها غير طَنينها الأخّاذِ.
سَناءَ بَرْقِ شَعْري يَبْغي أمْ هذِي اللُّمْعة منَ الظُّلمةِ الغميسةِ؟
ماذا يَبْغي طائرُ الضّوء؟
 
11_ فكرةٌ
وهذا السّورُ العظيمُ، منَ الطّوبِ الغَرينِ المدْكوكِ، أنا بَنيْتُه.
أنا أسُّ الفكرةِ،
وأنا منْ حَفرَ وأَرسى وبَنى وشَيّدَ وأَعْلى،
وأنا الذي جعلَ أوجارَ السّورِ وفَجواتِه مأوىً للحَراذينِ والعَظايا والحَرابي والوَزغاتِ والوِرلانِ.
زواحِفي الصغيرةُ والجميلةُ هذهِ، زواحِفي الخجولةُ والمشاكسةُ، أنا الرّاعي لها والحاضنُ.
ولَكُمْ في تفاسيرِ العُبَّارِ ما تشْتهونَ،
ولي أنا ما سوّيتُ وأقمتُ حُجّةً؛
السّور سوري، هو أعْلى منْ أسْوِجَةِ حدائقِ الزنّ، وأنا ربّهُ.
وهذي مَشيئَتي، إلى حينٍ!
 
12_ مدنٌ
وهذِي مُدنُ البَحْرِ العتيقةِ أعشقُها، وتَبْصمُ على رقعةِ تيْهي حدّ الوَجعِ النّاغرِ، فأظلّ أدورُ حولَ نفْسي، يا وَعْدي، كالممْسوسِ بماءِ الشّهوةِ الحارقِ؛ إِناثُها: لَكَمْ تَخْلُبُني رنّةُ الخلخالِ في الكاحلِ الهفْهافِ! بَوّاباتُها: سرُّ الأَسْرارِ الخاطفِ لجمرِ التخلّقِ منْ أجرانِ المعْموديةِ. مَقاهيها: خطُّ مَسْرى السُّهادِ إلى المُهْرُقانِ. دُروبُها: رَسمُ الأَثرِ في الأقْتابِ الوَعْرةِ. سُطوحُها: مآذنٌ لتلاوةِ صكوكِ الحلولِ عندَ المشارقِ والمغاربِ. أُصُصها: غَترةٌ لحجْبِ أشباحِ الدياجيرِ.. مُدنٌ أحتفظُ في الرّفّ بضروبٍ منْ أحْجارِ مَياهِها الملْتَبسةِ، وأحتفظُ في سويْداءِ القلبِ بظلالِ دورها اللائبَةِ. وهأنذا، الساعةَ، أستعذبُ توحُّدي الشّاخبِ وفقَ ما تَسْتدعيهِ أجْنِحةُ التّحليقِ فحَسبُ، كأنّما أَسْلَمتُ بَيْرقي في الزّمنِ المبْتسرِ. كأنّما أُجَنِّزُني ولا أُعْلمُكم.
 
13_ سلّةٌ
وهذِي سلّةٌ، لا وَردةٌ ترصِّعُها، فتغطّي عُرْيَ زوْرِها النّشاز،
أَتكونُ تنتظرُ أنْ أفعلَ، وأنا المُضرِبُ؟
 
14_ خَلْطةٌ
وهذِي ليلةٌ أخرى لا تَني تَعْبُرُ. والسبيلُ إليها سبيلانِ، واحدٌ لكَ كيْ تَعْرضَ عنّي، والآخرُ لي كيْ أرحلَ قبْلكَ. سأتنفّسُ، ولا شكّ، قدراً منْ عوادِمِ السيّاراتِ في الشّارعِ العامّ. أُفَضِّلُها مثخنةً وداخِنةً. ثمّ أمضي عاقداً يديّ ورائي في خلافٍ. رُبّما أُفكّرُ في ما ستؤولُ إليه أنتَ بعدَ غيابي الفادحِ (أظنّهُ كذلكَ!). أَرغبُ في أنْ أعرفَ، بالتّفصيلِ اللازمِ، كيفَ ستقرأُ، بعدَ الآن، «البيان الشيوعي»، و«مهمات الاشتراكيين الديموقراطيين الروس»، وصفحاتٍ منَ «الرأسمال». وأيّ الطّبعتيْن ستختارُ، طبعة دار التقدم/موسكو أمْ طبعة فرنسا les éditions sociales؟ وهلْ ستقرأُ للسيّدِ "ماوْ" وللسيّدِ "عبد الفتاح إسماعيل" وللسيّدِ "تريونغ شينه" أيضاً؟ الورقةُ التي وضعتُ في دُرْجِ مكتبكَ هي بخطّ يدي، لا مِراء في ذلكَ. علّقْها في عقيفةٍ ملءَ أشعّة الشّمسِ. ثمّ احرصْ على فكّ طِلْسَماتها بدربةٍ عاليةٍ. استعِنْ بكتاباتِ ابن علي البوني وجابر بن حيان وكوستاف يونغ. ولا تنسَ أنْ تقارنَ بيْن الحاصلِ منْها وبيْنَ قراءاتكَ الأولى يومَ كنتَ تدفعُ بفقاعاتٍ منْ فيكَ نحوَ الهواءِ إلى الفوقِ، فالفوقِ، فالفوقِ. أيْن كانتْ تَمضي تلكَ الفقاعاتُ، وأيّ المزاريبِ في الأعلى كانت تسلكُ، هلْ تذكرُ؟ ورقةُ الدّرْجِ هذِه، وثيقتُكَ. الورقةُ تُعيّنُ «مهمات المرحلة الراهنة». خذْ دفتراً وقلمَ رصاصٍ H.B، وسَطّرْ (التشديد منْكَ) تحتَ الألفاظِ ذاتِ الصّلة، واجمعْها في الطّسْتِ. ثمّ استَقْطرْها بالإنبيقِ في التنّور قبلَ أنْ ينفلقَ الفجرُ. أكونُ أنا عنْكَ بعيداً، وأنتَ وحدكَ داخلَ المختبرِ، فأخمّنُ أيّ خَلْطةٍ حقاً سَتغنمُ؟
 
15_ اسمٌ
وهذا اسمي، هلْ تفرزُ نغْمتَه؟
هلْ يَشي بلحْنِ ريشةِ سُنونوَةٍ؟
هلْ يُحيلُ على دِمْنةِ غابةٍ؟
أقولُ لكَ:
سأَدْحو حروفَ الاسمِ على الأرضِ دفعةً واحدةً،
كما كُلاّتِ زجاجٍ منْخوبٍ،
علّها تَفْترشُ أَثرَ مَهْوى الماءِ في العَقّةِ،
فتُخلّصني منْ وزْرِهِ.
 
16_ رَسْمٌ
وهذا رَسْمٌ،
رَسْنٌ للرّيحِ،
سيَعقلُ الرّسنُ الرّيحَ،
في دافنِ المجالِ، سيَعْقلُها.
وداخلَ الإطارِ، سيَعقلُ الرّسمُ الريّحَ،
في تَمام صَفيرها،
بيْنَما غصْنُ القَيْقَبِ يَميلُ قليلاً،
كأَنّما ينْحَني كيْ تَعْبرَ الرّيحُ،
كما عبرَت منْ قبلُ.
لنْ يَختفيَ أزرقُ النّهرِ،
وسيَبْقى أَخْضرُ القيْقبِ ماثلاً،
وفي القبالةِ ثمّةَ عمارةٌ،
وزُجاجٌ في الطابقِ الخامسِ يَشفُّ،
وأنا خلْفَ الزّجاجِ أَرْسمُ رسْناً للرّيحِ،
وأَرْسمُ عَقّةً،
وأَرْسمُ ماءً موحلاً يَجْري.
 
17_ طمْسٌ
وهذا بابٌ للخُروجِ، قالَ لي.
ثمّ قالَ لي: البابُ اللّحظةَ مواربٌ،
ومنْ شُرّاعَتِه يَغْمزُ ضوءٌ بالسَّبَّابةِ.
هلْ ستَبْلو في الأرضِ حَسناً إذا دَلفتَ؟
البابُ يَأْخُذكَ إلى فجٍّ، ومنْه إلى فجٍّ، ومنْه إلى آخرَ، كما غُرف أصداءٍ.
ما لي أراكَ مُتوثّباً كالفَرسِ إذْ يَجْمَرُ؟
لا الرّكوبةَ تَمْلكُ ولا الميرةَ ولا الرّفقةَ،
كيفَ ستُناغي، إذاً، نجومَ اللّيلِ؟
أَبهَذا النّعلِ ستوقظُ همْسَ الفَراسخِ؟
ستظلُّ ثابتاً في وضعةِ المجالِ المعاكسِ،
يَجيئُكَ الضّوءُ منْ شهْقةِ البابِ،
وفي عَينيْكَ طمْسٌ.
قلتُ له: الضّوءُ الشّلْشَلُ هذا، ما عُدتُ أشْتهيهِ
وعُمرٌ كحَسْوِ الطّيْرِ عُمري، بمَ أُقايضُه؟
لنْ أُزايلَ قيْدَ أنملةٍ وبي ما بي.
لا تتركِ البابَ مُوارباً،
فقدْ أوْصدتُ بابَ القلبِ على ما فيه
فارغاً، منْ غيرِ أصداءَ لا تغيبُ، أَنْتَبذُ هذا المحراب
ولي منْه البَسْطةُ متى ارتدّتْ عنّي الأنْواءُ.
 
18_ شواشٌ
وهذا الفَراغُ، لو أحْتَبي بهِ درءاً لكلّ امتلاءٍ،
وهذا الشواشُ بيْن الغلافيْن، كيفَ أَستغْلقُه عليّ
دارةً لفوضايَ،
ومزاجاً للعناصرِ؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى