الأربعاء ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦
(124) منظمة التجارة العالمية
بقلم حسين سرمك حسن

تخرّب العملية الديمقراطية وتلغي السيادة الوطنية

ملاحظة (1)

هذه الحلقات مترجمة ومُعدّة عن مقالات ودراسات وكتب لمجموعة من الكتاب والمحللين الأمريكيين والبريطانيين.

ملاحظة (2)

لمزيد من المعلومات واكتمال الرؤية راجع حلقات البنك الدولي وحلقات صندوق النقد الدولي من الحلقة 84 إلى الحلقة 121

"منظمة التجارة العالمية هي مخلوق الشركات، وهكذا فقد كانت ثابتة جدا في اتخاذ جانب الشركات ضد حقوق المواطنين والمجتمع العالمي. والمزيد من الناس بدأوا يدركون هذا، وهذا هو جوهر المشكلة. مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، فضلا عن الاتفاقات التجارية التي تجسد نفس المبادئ، مثل النافتا أو الاتفاق متعدد الأطراف بشأن الاستثمار (MAI) - كلها مصممة عمدا لنقل السلطة في عملية صنع القرار الاقتصادي من الحكومات، والتي هي على الأقل وإلى حد ما مسؤولة أمام مواطنيها، إلى متخذي قرار غير خاضعين للمساءلة".

رالف نادر ولوري والاش

"إن محاكم منظمة التجارة العالمية تتكون من ثلاثة أشخاص يجلسون في اجتماع سرّي. القاعدة الإجرائية الوحيدة المكتوبة في كامل لوائح منظمة التجارة العالمية هي أن التفاهم لتسوية المنازعات محكوم بشرط أن جميع الوثائق والإجراءات، والألواح، والمناقشات تكون سرّية. ليس هناك قدرة للصحافة والجمهور، أو حتى المدعي العام للدولة التي يجري الطعن بقوانينها أن يدخل الغرفة في أثناء إجراءات هيئة التحكيم. بعد النظر في القضية، تصدر المحكمة حكما يكون ملزما تلقائيا للجميع.. وبمجرد اعتماد القرار، على البلد الذي خسر القضية أن يقوم بتغيير قانونه خلالها والامتثال لأوامر منظمة التجارة العالمية.. أو يواجه عقوبات تجارية تلقائية. وهذا ما لا تتمتع به حتى منظمة الأمم المتحدة".

الباحثة

لوري والاش

المحتوى

(تمهيد: سلطة عالمية تتحكم بالدول- نظام تسوية المنازعات الدكتاتوري- قواعد المنظمة الجديدة تختلف عن قواعد الجات القديمة في قضائها المبرم على الديمقراطية- منظمة التجارة العالمية والانقلاب البطىء على الديمقراطية- ما هو نطاق عمل منظمة التجارة العالمية؟- كيف تُطبق قواعد منظمة التجارة العالمية؟- كيف يتم تشكيل محكمة منظمة التجارة العالمية؟- ما هو دور وسائل الإعلام والراي العام والجمهور في هذه العملية؟- ما هي النتائج المترتبة على قرار المحكمة؟- كيف تُعامل الحواجز التقنية أمام عمل اتفاق التجارة؟- ختام: يكذبون.. وهذه بعض النتائج- مصادر حلقات منظمة التجارة العالمية- ملاحظة عن هذه الموسوعة)

تمهيد: سلطة عالمية تتحكم بالدول

يقول الباحثان راف نادر ولوري والاش في كتابهما "القضية ضد الاقتصاد العالمي The Case Against the Global Economy ": "لقد تأسست منظمة التجارة العالمية (WTO)، الهيكل "الحاكم" الجديد [من اتفاقية الجات]، في نهاية مفاوضات جولة أوروغواي [في خريف عام 1994] لتنظيم وتطبيق هذا النظام الجديد من القيود المفروضة على قوانين وسياسات كل دولة. هذه الوكالة العالمية الجديدة لم تكن في الخطط الأصلية لجولة أوروغواي عندما تم الاتفاق على اختصاصاتها في عام 1986. منظمة التجارة العالمية تحاك لتوفير السلطة التنفيذية العالمية التي من شأنها أن تحكم على امتثال بلد للقواعد، وفرض القواعد من خلال العقوبات، وتوفير القدرة التشريعية لتوسيع هذه القواعد في المستقبل.

أعطت منظمة التجارة العالمية قواعد التجارة الهيكل التنظيمي الدائم (القوى التي لم تكن الجات تمتلكها)، وهذا النوع من "الشخصية القانونية" التي تتمتع بها الأمم المتحدة والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، الأحكام الملزمة التي تحدد مهام منظمة التجارة العالمية ونطاق عملها لا يتضمن أي اعتبارات بيئية، أو صحية، أو موضوعات متعلقة بالعمل، أو بحقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، لا يوجد شيء في المبادئ المؤسسية لمنظمة التجارة العالمية لاعتماد أي ضمانات إجرائية من الانفتاح والمشاركة، أو المساءلة. ولا تقدم منظمة التجارة العالمية أي آلية لمشاركة المنظمات غير الحكومية في أنشطتها، وفي العديد من الأحكام الأساسية، تفرض المنظمة أن تكون الوثائق والإجراءات سرية وطي الكتمان.

من وجهة نظر الأعمال التجارية الكبيرة، والشركات المتعددة الجنسيات الكبرى خصوصا، فإن هذه الخطوات ليست تطورات مثيرة للقلق. بالنسبة لهم، من الطبيعي أن تنظر إلى البشر والبيئة بأنها مجرد أدوات لتوسيع التجارة العالمية. فهي مرتاحة جدا مع وجود هذه القرارات التي اتخذت من قبل محكمة لمنظمة دولية يمكن أن يكون لها نفوذ غير مرتبط بأي مؤتمر، أو برلمان، أو غيرهم من المسؤولين المنتخبين الذين يهمهم ما تفكر فيه أغلبية المواطنين العاديين.

منظمة التجارة العالمية هي مخلوق الشركات، وهكذا فقد كانت ثابتة جدا في اتخاذ جانب الشركات ضد حقوق المواطنين والمجتمع العالمي. والمزيد من الناس بدأوا يدركون هذا، وهذا هو جوهر المشكلة. مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، فضلا عن الاتفاقات التجارية التي تجسد نفس المبادئ، مثل النافتا أو الاتفاق متعدد الأطراف بشأن الاستثمار (MAI) - كلها مصممة عمدا لنقل السلطة في عملية صنع القرار الاقتصادي من الحكومات، والتي هي على الأقل وإلى حد ما مسؤولة أمام مواطنيها، إلى متخذي قرار غير خاضعين للمساءلة.

هذه المؤسسات من غير المحتمل أن تغير مهمتها الأساسية في المستقبل المنظور. ولكنها يمكن أن تتوقف عن السعي إلى تحقيقها.

نظام تسوية المنازعات الدكتاتوري

"نظام تسوية المنازعات" لمنظمة التجارة العالمية هي الآلية التي تفرض سيطرة منظمة التجارة العالمية على الحكم الديمقراطي في أي دولة تنتمي إليها. المنازعات لا تُحل من قبل المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا أو المعينين ولكن عن طريق المحاكم السرية التي تتكون من البيروقراطيين في التجارة الخارجية ومن قائمة محددة مسبقا. ولا يسمح إلّا لممثلي الحكومة الوطنية الذين توافق عليهم المنظمة للمشاركة في عملية حل النزاع. أما ممثلو الدولة والحكومات المحلية (مثل النائب العام للدولة)، والمواطنون، والصحافة فلا يُسمح لهم مطلقا بحضور هذه الجلسات.

هيئة حل النزاعات التجارية، في منظمة التجارة العالمية، أو النافتا، إشكالية للغاية:

1- المحاكم لا تملك ضمانات للنزاهة أو عدم الانحياز الاقتصادي من قبل صناع القرار.

2- لا توجد التزامات بالكشف المطلوب عن تضارب المصالح. (في نزاع الأخشاب الذي حصل مؤخرا في اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا، كان اثنان من خمسة أعضاء من هيئة الحكم من المحامين الذين يمثلون مصالح شركات الخشب الكندية المتأثرين بالقضية بصورة مباشرة).

3- جميع الوثائق والمخطوطات، والإجراءات تكون سرية.

4- لا يسمح لأي وسيلة إعلامية ولا لأي مواطن بالجلوس ومراقبة الإجراءات. ولا توجد أي فرصة لطلب أو مراجعة من الخارج.

تحدد نصوص منظمة التجارة العالمية مؤهلات أعضاء محكمة الخلافات بصورة تضمن أنهم سوف لا يمثلون سوى منظور "التجارة الحرة". تتضمن هذه المؤهلات في المقام الأول ان تكون للعضو المرشح تجربة في الوفد التجاري للبلد أو خبرة كمحامي في خلاف تجاري سابق. هذه المؤهلات تنتج متحاورين يحملون منظورا موحدا مؤيدا للتجارة الحرة.

لا توجد أي آلية يمكن أن تُعرض من خلالها على هؤلاء الأعضاء أي وجهات نظر بديلة أو آراء لخبراء عن البيئة، والصحة، والعمل، والمستهلك، أو قضايا حقوق الإنسان. قواعد محكمة منظمة التجارة العالمية تمنع أيضا ترشيح أعضاء للجنة من الذين دعموا مواقف واستنتاجات معينة، مضيفة بذلك طبقة إضافية من السرية وانعدام المساءلة.

ومن المفارقات، هي أن الشرط الإجرائي المحدد الوحيد لمحاكم منظمة التجارة العالمية هو أنها تجري في الخفاء. وخلافا للشكاوى، والإيجازات، والشهادات في نظم المحاكمة في أي بلد، تُحفظ الوثائق المقدمة إلى محاكم منظمة التجارة العالمية بصورة سرية.

قواعد المنظمة الجديدة تختلف عن قواعد الجات القديمة في قضائها المبرم على الديمقراطية

مقارنة بين قواعد اتفاقية الجات القديمة وقواعد منظمة التجارة العالمية تكشف الكثير عن نوايا الناس الذين صنعوا هذه المنظمة. فتقريبا في كل منعطف، ومع كل قاعدة، تظهر نيّة واضحة في تقليل إن لم يكن القضاء على العملية الديمقراطية، ليس فقط في العمليات الداخلية لبيروقراطية الجات ومنظمة التجارة العالمية ولكن أيضا بين الدول الأعضاء نفسها. جاءت القواعد الجديدة وبوضوح لصالح البلدان، الأكثر تطورا، والأقوى، والأغنى. وفيما يلي بعض الأمثلة على هذه القواعد:

1 - خلافا للقواعد القديمة من اتفاقية الجات، تفرض قواعد منظمة التجارة العالمية الجديدة أن جميع الدول الأعضاء توافق على الالتزام بجميع اتفاقات جولة أوروغواي. لم تكن قواعد الجات القديمة تفرض مبدأ كل شيء أو لا شيء. من منظور تجاري، قد تبدو هذه القاعدة فكرة جيدة لأن الدول التي لا تقبل بأحكام معينة تستفيد من امتثال البلدان الأخرى. ولكن من وجهة نظر ديمقراطية، هذه القاعدة تجبر العديد من البلدان، وعادة الصغيرة منها، على قبول التجارة في المناطق التي قد تكون غير مرغوب فيها على المدى الطويل. خيارهم هو الاتفاق أو التنازل عن المشاركة في النظام التجاري العالمي. مبدأ كل شيء أو لا شيء في القوانين الدولية نادر جدا، لأنه يشكل خيارات تتعارض مع السيادة الوطنية.

2 - عندما تنضم دول ما إلى منظمة التجارة العالمية، فإنها تفوض منظمة التجارة العالمية لإجراء المفاوضات الجارية بشأن أحكام منظمة التجارة العالمية؛ والكثير منها لا يعرض أبدا للموافقة عليها من قبل أي من البرلمانات أو المجالس التشريعية المنتخبة. المطلوب فقط هو أغلبية بسيطة لبدء هذه المفاوضات مع منظمة التجارة العالمية. تحت قواعد الجات القديمة هذا التصويت يجب أن يكون بالإجماع. وهكذا فإن القواعد الجديدة تؤدي إلى احتمال أعلى لإكراه الدول الصغيرة من قبل الدول التي أكبر وأقوى منها.

3 - ولعل التغيير الأكثر شؤما هو هذا: قواعد منظمة التجارة العالمية والقيود هي الآن أعلى وملزمة للتنفيذ قبل جميع قوانين الدولة، والقوانين المحلية، والقوانين المستقبلية أيضا. وكما يقول النص، "على كل عضو ضمان مطابقة قوانينه والأنظمة والإجراءات الإدارية مع التزاماته المنصوص عليها في الاتفاقية الموقعة". لذلك، فإن قوانين كل دولة يجب أن "تتفق" مع قواعد منظمة التجارة العالمية. وربما لهذا الاعتبار، أعلنت إدارة كلينتون سابقا أن جميع المقترحات البيئية للولايات المتحدة في المستقبل ينبغي أن تُعرض من خلال استعراض الالتزامات التجارية التي تكفلت الولايات المتحدة بالخضوع لها. وفي الواقع، فإن الإدارة تضحي طوعا بسيادة الولايات المتحدة، فكيف هو الحال مع الدول الفقيرة الصغيرة.

4 - وبموجب حكم آخر لمنظمة التجارة العالمية، فإن أي قانون لدولة عضو يمكن الطعن فيه إذا "تحقق أن أي هدف من أهداف منظمة التجارة العالمية تجري إعاقته" بسبب وجود هذا القانون. غموض هذا الحكم يجعل من الممكن "تهريب" العديد من القوانين الوطنية لصالح منظمة التجارة العالمية بالرغم من أنها تبدو خالية من أي أثر من آثار التجارة.

5 - نقطة واحدة إضافية عن الفرق تتعلق بهجوم منظمة التجارة العالمية على عملية صنع القرار الديمقراطي وسيادة أعضائها: وفقا لقواعد الجات القديمة، كان لا بد من موافقة بالإجماع من الأطراف المتعاقدة في الجات قبل فرض عقوبات تجارية على دولة منتمية للجات من قبل الدول الأخرى في المنظمة. ولكن بموجب القواعد الجديدة لمنظمة التجارة العالمية، فإن القرارات التي تصدرها محاكم منظمة التجارة العالمية تصبح ملزمة تلقائيا. هذا الإلزام يصبح ساري المفعول ما لم تصوت جميع الدول الأعضاء لوقف القرار في غضون تسعين يوما. هذا مثال آخر عن الكيفية التي تحدد فيها القواعد الإجرائية المعادية للديمقراطية الكثير من النتائج. والنتيجة الواضحة هي أن عددا قليلا، إن وجد، من قرارات محكمة المنظمة سوف يصوّت عليها بالإجماع. شرط الإجماع هذا لوقف عمل مؤسسة دولية بدلا من أن يوقف الإذن لها بالعمل هو تمكين فريد لمنظمة التجارة العالمية؛ وهو ما يعني أن قراراتها البيروقراطية، سوف تُحترم وتُخشى، وبالتالي يزيد من تخويف أي اتجاهات للمقاومة بين الدول المنتمية للمنظمة. تحت قواعد الجات القديمة، كان يحصل العكس: لم يتم اعتماد القرارات إلا إذا اتفقت جميع البلدان؛ وأي بلد واحد لديه الحق في حجب حكم الجات، وبالتالي الحفاظ على قدر أكبر من الحكم الذاتي.

وهكذا كانت إدارة بوش قادرة على تجميد قرار لمحكمة الغات القديمة ضد قانون حماية الثدييات البحرية، التي منعت استيراد التونة المكسيكية التي تم صيدها من خلال قتل الدلافين. وصفت إحدى محاكم الجات هذا القرار بأنه من الحواجز التجارية غير المشروعة، ولكن بوش الذي يتعرض لضغوط شعبية هائلة، كان قادرا على الاعتراض على الحكم الذي أصدرته المحكمة بذريعة الإجماع. ألغت قواعد منظمة التجارة العالمية الجديدة حق النقض لكافة البلدان وأزالت بشكل فعال قدرتها على الحفاظ على القوانين التي تحمي الناس أو البيئة من تحدي منظمة التجارة العالمية.

وكما ذكر أعلاه، تتطلب قواعد منظمة التجارة العالمية أن قوانين الدول الأعضاء المستقبلية تتفق ايضا مع قواعد المنظمة. لذلك يُطلب من الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية الآن، عندما تقوم بإصدار قوانين اتحادية أو محلية جديدة، أن تأخذ في الاعتبار ما إذا كان القانون الجديد سوف يتفق مع قواعد المنظمة. وبالتالي فإن لمنظمة التجارة العالمية تأثيرا سلبيا على السياسات التي تتم كتابتها او إعادة كتابتها حاليا مع الخوف من تحدي منظمة التجارة العالمية في المستقبل. في بعض الحالات، مثل اقتراح قانون عمالة الأطفال عام I994، حصل صراع مع منظمة التجارة العالمية التي رأت في القانون تحديدا لحرية التجارة، فتم إلغاؤه. ولتجنب الوقت والنفقات عند حصول صراع مع المنظمة، صارت الدول تقوم بتغيير القوانين التي تحققت ديمقراطيا لتلبية قواعد منظمة التجارة العالمية.

ومن الناحية القانونية، فإن قواعد منظمة التجارة العالمية تتمتع بآلية إنفاذ قوية جدا تسببت في تعزيز الهبوط النزولي للأجور، والبيئة، والعمل، ومعايير الصحة وتقويض الإجراءات والسياسات الديمقراطية. ومع ذلك، في الممارسة العملية، فإن السباق نحو القاع الذي اطلق من قبل منظمة التجارة العالمية هو أكثر تدميرا من مجموع أحكامها. كلا من النافتا والجات لديها أحكام فعلية تتطلب مواءمة البيئة والسلامة، والغذاء، وغيرها من المعايير. على سبيل المثال، تحت أحكام نافتا، تعمل صناعة الشاحنات من خلال لجنة تنسيق النقل البري للحصول على زيادة في أوزان الشاحنات وأطوالها لجميع الشاحنات في أمريكا الشمالية. ومن شأن هذه الخطوة خفض معايير السلامة في البلدان المعنية.

عن طريق التخلي عن الحق في جعل الاستثمار في بلد مشروطا بمعايير معينة أو دخول المنتجات إلى أسواق محلية مشروطة بالامتثال للقواعد الوطنية، فإن الدول تقضي على كل ما كان لديها من نفوذ على سلوك الشركات. الشركات الأمريكية تعلمت منذ فترة طويلة كيفية تحريض الدول ضد بعضها البعض في "سباق نحو القاع" للربح من أي دولة توفر أجورا أتعس، ومعايير تلوث أكثر تراخٍ، وضرائب أدنى. الآن، عبر النافتا والجات، يمكن للشركات متعددة الجنسيات لعب هذه اللعبة على المستوى العالمي. بعد كل شيء، فإن نقل التكاليف البيئية والاجتماعية إلى الخارج هو أحد السبل لتعزيز أرباح الشركات. دفع أجور عبيد عمالة الأطفال في بعض البلدان سيزيد من ارباح الشركات الأمريكية في ظل تشجيع المنظمة. في النهاية العمال والمستهلكون، والمجتمعات المحلية في جميع البلدان تخسر، والأرباح ترتفع، والشركات "تفوز".
في ظل قواعد منظمة التجارة العالمية، فإن السباق نحو القاع لا يحصل فقط في مستوى المعيشة، والضمانات البيئية، والصحية، ولكن في الديمقراطية نفسها. سن اتفاقيات التجارة الحرة يضمن عمليا أن الجهود الديمقراطية لجعل الشركات تدفع نصيبها العادل من الضرائب، ومنح العاملين مستوى معيشي لائق، أو الحد من تلويثها للهواء، والماء، سوف تفشل، وسوف يقول لك مدراء الشركات: "لا نستطيع تحمل أعباء من هذا القبيل. إذا قمت بذلك، لن نكون قادرين على المنافسة. سنغلق شركاتنا وننتقل إلى بلد آخر يوفر لنا مناخا أفضل". وهذه الرسالة قوية جدا لأن المجتمعات المدمرة بفعل إغلاق المصانع وانخفاض قاعدة التصنيع في حاجة ماسة لعدم فقدان المزيد من فرص العمل. وهم يعرفون جيدا أن التهديدات من هذا النوع غالبا ما تُنفذ.

منظمة التجارة العالمية والانقلاب البطىء على الديمقراطية

تقول الباحثة الاقتصادية "لوري والاش" وهي مديرة ومؤسسة موقع الرقابة على التجارة العالمية التابع لمنظمة المواطن العادي في مقابلة صحفية مع صحيفة ملتيناشيونال مونيتور:

"إن الفكرة الأساسية من إشناء منظمة التجارة العالمية هي عزل العمل الحكومي وتطويقه وذلك لإنشاء سوق عالمية واحدة مع قواعد موحدة. البشر هم إما عمال أو مستهلكون. المياه والأشجار والحيوانات وكل شىء في الطبيعة هي موارد يمكن استغلالها. لاستغلال هذه الموارد البشرية والطبيعية بأكبر قدر من الكفاءة، يجب تكسير كل الحواجز التي تقطّع هذه السوق العالمية الواحدة والقضاء عليها، وذلك لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة.

ولكن ما تراه مصالح الشركات "تجزئة" للسوق هو في الحقيقة تنوع السياسات والقيم والثقافات والقوانين التي يمكن أن ننظر إليها كنعمة من نعم الديمقراطية. كانت منظمة التجارة العالمية مصممة لتكون السلطة التي من شأنها أن تصدر باستمرار المعايير الدولية التي من شأنها أن تكون منحازة نحو تعزيز التجارة على حساب القيم الأخرى وإسقاط أي معايير وطنية متباينة.
كان هذا النظام التنظيمي يمتلك سمة غريبة جدا وهي ما يسمى "إنفاذ التنفيذ الذاتي"، وهي ظاهرة نادرة في القانون الدولي. أي من الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف أو معاهدات الحد من التسلح أو منظمة العمل الدولية واتفاقات منظمة الصحة العالمية واليونيسيف لا تمتلك ذلك. يعني إنفاذ التنفيذ الذاتي أن تُعطى مؤسسة ما شخصية قانونية خاصة بها، مثل الأمم المتحدة، ولها القدرة على فرض القرارات المتعلقة بالأعضاء في غياب الموافقة بالإجماع من قبل البلدان الموقعة. كما أنها مخولة بتسهيل صنع المزيد من القواعد التي تربط جميع الأعضاء حتى في غياب موافقتهم الصريحة. في منظمة التجارة العالمية، يمكن لتصويت ثلثي أعضاء أن يكون ملزما لجميع الأعضاء.

هذه ظاهرة مختلفة تماما من فكرة كونك طرفا في عقد يمكنك أن تنسحب منه متى شئت. على سبيل المثال، وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية، فإنه يتطلب الإتفاق بالإجماع لمنع المنظمة من تنفيذ قرار صادر عن محكمة منظمة التجارة العالمية أو لفرض عقوبات تجارية دائمة ضد الدول التي ترفض تغيير قوانينها الداخلية للامتثال لقرار منظمة التجارة العالمية. لا يوجد أي اتفاق دولي آخر على الإطلاق يطلب من كل بلد موقع أن يوافق من أجل وقف العمل بقرار اتخذه ثلاثة محامين تجاريين.

كان الجمع بين قواعد توسعية على نطاق أوسع بكثير، وإنفاذ أقوى هو التحول الهائل الذي لم يكن مفهوما بصورة جيدة في الوقت الذي تم فرضه على الحكومات في جميع أنحاء العالم. هذا التوسع الخفي ولكن الفعال بشكل لا يصدق لقوة منظمة التجارة العالمية هو السبب في أننا كثيرا ما نقول أنه إجراء بطيء للانقلاب ضد الحكومات الديمقراطية المسؤولة.

ما هو نطاق عمل منظمة التجارة العالمية؟

تواصل والاش تحليلها العميق بالقول:

"منظمة التجارة العالمية في حد ذاتها هي الهيئة الضابطة الحاكمة. فكر بها كرأس أخطبوط. ولكن أخطبوطا لديه 12 ذراعا/سلاحا، ومجموعات فنية من القواعد التي هي اتفاقيات قائمة بذاتها. واحد من هذه الأذرع/الأسلحة هو نسخة محدثة من اتفاقية الجات- الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة.

ما أضيف خلال جولة الأوروغواي هو 11 اتفاقية قائمة بذاتها على مجموعة كاملة من المشكلات التي لن تفكر مطلقا بأنها تتعلق بالتجارة. هناك 800 صفحة من اللوائح بموجب هذه الاتفاقيات الـ 12 المختلفة. ومن الواضح أن اتفاق التجارة الحرة العالمي يتطلب صفحة واحدة حول خفض التعريفات الجمركية والحصص. بدلا من ذلك، تمكنت منظمة التجارة العالمية من إدارة التجارة – تجارة الشركات.

وتشمل الاتفاقات الـ 12 خدمة وسلامة الأغذية والمعايير البيئية وغيرها من سلامة المنتجات، والزراعة، والإعانات، والملكية الفكرية، وقواعد الاستثمار والمشتريات الحكومية. تلك الاتفاقات تقيد إجراءات الحكومة، وتقيد كل هدف تسعى إليه الحكومة والوسائل التي تستخدم لتحقيقه.
خذ القواعد حول المعايير. في مجال الأغذية، لا يسمح للحكومة أن يكون لها هدف بيئي، وهو هدف الرفق بالحيوان أو هدف معلومات المستهلك في وضع المعيار الذي يحد من التجارة في المواد الغذائية. على سبيل المثال، كان للحظر الأمريكي على مبيد "الدي دي تي" تأثير أكثر على بيض الطيور أكثر من تأثيره على البشر. لن يسمح بهدف كهذا في إطار منظمة التجارة العالمية. لا يمكنك السعي لمساعدة البيئة من خلال التدخل في المعايير الغذائية.

ثم يتم اختبار الوسائل، وعليك دائما استخدام "أقل الوسائل تقييدا للتجارة". هذا هو العنصر الضخم من فرض الأهداف التجارية على كل القيم والأهداف الأخرى. وهذا يعني في الواقع العملي هو أنه عندما ترغب بجعل مستوى الصحة أو معيار معلومات المستهلكين، فأول شيء يجب أن تفكر فيه ليس فعاليته، أو كيف يؤثر من الناحية السياسية العملية، ولكن في تأثيره على التجارة. إذا كان تأثيره على التجارة ليس ضمن الحد الأدنى الممكن، عليك تغييره.

كيف تُطبق قواعد منظمة التجارة العالمية؟

"يتم فرض هذه الأهداف والوسائل من خلال نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية. هذا النظام يخلق محاكم قائمة بذاتها. تضم منظمة التجارة العالمية نظاما للحكم في القضايا حيث يمكن لأي بلد أن يطعن في القوانين الاتحادية والولائية أو المحلية، أو حتى نتيجة سياسة أي قانون لأي بلد آخر.

أولا، هناك فترة تشاور. البلد الذي لديه شكوى يحاول الحصول على تغيير قوانين بلد آخر قبل تقديم دعوى رسمية.

خلال مرحلة التشاور، وخصوصا عندما يكون هناك خلاف بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وهي غالبا من البلدان النامية، فإن الدولة الغنية تقوم بقلب استباقي لقانونها. وغالبا ما يحدث هذا حتى إذا كان البلد يعتقد بأنه يمكن أن يفوز، لأن كلفة الدفاع عن القانون لمدة سنة في جنيف مرعبة.
والتهديدات تعمل حتى على الدول الغنية القوية التي تملك الموارد اللازمة للدفاع عن قوانينها. الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، فرض حظرا على نطاق أوروبا على بيع الفراء الناتج عن استخدام فخاخ الساق، التي حُظرت في عدد من البلدان لأنها تعتبر قاسية جدا ووحشية. لا تزال الولايات المتحدة وكندا تستخدمها، والولايات المتحدة وكندا هدّدت باتخاذ إجراءات في منظمة التجارة العالمية. وكأمر مؤكد في منظمة التجارة العالمية، فإن الاتحاد الأوروبي قد خسر القضية. لا يسمح للبلدان باستخدام قضية القسوة على الحيوانات في وضع شروط الوصول إلى الأسواق. لذلك، ردا على تهديد هذه الحالة، أوروبا مجبرة على التخلي عن تنفيذ الحظر المفروض.
إذا لم يحل التشاور النزاع، يطلب البلد الشاكي تشكيل فريق قضائي أي محكمة.

كيف يتم تشكيل محكمة منظمة التجارة العالمية؟

"تتكون محاكم منظمة التجارة العالمية من ثلاثة خبراء تجاريين يتم اختيارهم من قائمة. التفاهم بشأن تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية يضع معايير للعمل في واحدة من هذه اللوائح. معايير تضمن أن القضاة سيكون لهم صفة التحيز نحو الحفاظ على نظام الوضع الراهن، فضلا عن جعل القيم التجارية تنتصر بصورة مؤكدة على الآخرين. هناك أربع طرق يمكنك أن توضع فيها على قائمة: 1) إذا كنتَ قد عملت في اتفاقية الجات. 2) أن تكون قد مثلت بلادك في اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية. 3) كنت قد عملت في وظيفة تجارية رفيعة المستوى في الحكومة الخاصة بك؛ أو 4) أنت محام تجاري خاص نشر دراسات واطروحات في مجال التجارة الدولية الحرة. وهذا يعني، إذا كنت لا تشكل جزءا من نخبة التجارة الدولية الراهنة، فأنت لن تجلس على منصة محاكم منظمة التجارة العالمية أبدا. لا يهم إذا كنت محامي تجارة رائعا تصادف أنك تعمل في نادي سييرا. لن يتم اختيارك، إلا إذا كنت قد عملت في مكتب الممثل التجاري الأمريكي قبل العمل في نادي سييرا.

وخلافا لأي محكمة، فإن وجود قواعد تنازع في المصالح لا يعني أي شيء. في الواقع، اكتشفنا الحالة التي يكون فيها الرئيس السابق لاتفاقية الجات - آرثر دنكل قد عُيّن كحكم على قانون هيلمز- بيرتون (المتعلق بالمعارك التجارية الامريكية الكوبية). كان دنكل في ذلك الوقت رئيس لجنة غرفة التجارة الدولية التي أصدرت لتوها كتابا يرى أن هيلمز-بيرتون ينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية، وأطلقت حملة عالمية ضد هيلمز-بيرتون. وكان دنكل أيضا عضوا في مجلس إدارة فرع شركة نستله في كوبا، والتي يمكن أن تستفيد مباشرة إذا تم تغيير هذه القواعد التجارية الكوبية التي تتحدى قواعد منظمة التجارة العالمية.

ما هو دور وسائل الإعلام والرأي العام والجمهور في هذه العملية؟

والاش: "إن المحاكم تتكون من ثلاثة أشخاص يجلسون في اجتماع سرّي. القاعدة الإجرائية الوحيدة المكتوبة في كامل لوائح منظمة التجارة العالمية هي أن التفاهم لتسوية المنازعات محكوم بشرط أن جميع الوثائق والإجراءات، والألواح، والمناقشات تكون سرّية. ليس هناك قدرة للصحافة والجمهور، أو حتى المدعي العام للدولة التي يجري الطعن بقوانينها أن يدخل الغرفة في أثناء إجراءات هيئة التحكيم.

تنشر منظمة التجارة العالمية الآن ملخصات على موقعها على شبكة الإنترنت؛ مصقولة للغاية، وممهدة الإفراط في إصدار "قد يعتقد أن قانون البلد باء حول البند جيم ليس وافيا، نحن سوف نتيح لك معرفة النتيجة خلال عام ونصف العام هل سيبقى هذا القانون على قيد الحياة أم لا". وإلا فإنك لن تعرف سوى عنوان الموضوع.

وعلى الرغم من أن هذه الهيئات مخولة الآن للحكم على قوانين سلامة الغذاء، وقواعد الملكية الفكرية وقضايا الصحة، ليس هناك أي شرط أن يكون هناك صاحب خبرات يفصل بين الفريقين. وليس هناك أي شرط للحصول على خبرات خارجية. يسمح لأعضاء الهيئة بطلب المعلومات، ولكن ليس هناك شرط أن، على سبيل المثال، تكون لمنظمة الصحة العالمية سلطة موضوعية لتحديد إيجابيات وسلبيات قانون الصحة.

ما هي النتائج المترتبة على قرار المحكمة؟

"والاش: بعد النظر في القضية، تصدر المحكمة حكما. هذا الحكم يكون ملزما تلقائيا للجميع اذا لم يكن هناك توافق إجماعي في الآراء بين جميع الدول - بما فيها البلد الذي فاز - لوقف اعتماد هذا القرار. وبمجرد اعتماد القرار، هناك فترة لا يمكن أن تتجاوز 15 شهرا على البلد الذي خسر القضية أن يقوم بتغيير قانونه خلالها والامتثال لأوامر منظمة التجارة العالمية.

واعتمدت المنظمة عقوبات تجارية تلقائية إذا لم يغير البلد الخاسر قوانينه في غضون فترة زمنية معقولة. على سبيل المثال، في الوقت الراهن، الولايات المتحدة تحدت الحظر الأوروبي على بيع لحوم ملوثة اصطناعيا ببقايا هرمونات النمو. الجمهور الأوروبي غاضب حول احتمال إجبارهم على أكل هذه الأشياء الملوثة رغما عنهم. كمسألة سياسية، قرر الاتحاد الأوروبي أنه لا يمكن تغيير هذه السياسة، ولكن نتيجة موقفه هذا أن يواجه مئات الملايين من الدولارات من العقوبات التجارية سنويا من الولايات المتحدة. هذا النوع من العقوبات التي نتحدث عنها يشمل زيادة التعرفة 100 في المئة على الشوفان المصدر إلى الولايات المتحدة من أوروبا. ثمانين في المئة من الشوفان المستوردة للاستهلاك البشري في الولايات المتحدة يأتي من أوروبا. الشوفان منخفض التكلفة، عالي القيمة الغذائية. تضاعف سعر الشوفان الآن. فجأة صارت الحبوب أكثر تكلفة. والآن لدينا حالة يخسر فيها السمتهلك من الجانبين، حيث يكون على المستهلكين في أوروبا ان يأكلوا لحوما ملوثة، والمستهلكين في الولايات المتحدة يكون لديهم حبوب مكلفة للغاية.
ولا يوجد استئناف خارجي ضد قرار منظمة التجارة العالمية. لا يوجد سوى نداء داخلي لهيئة استئناف بائسة تدفع منظمة التجارة العالمية أجور موظفيها. حتى الآن لجنة
الاستئناف لم تلغي أي قرار في أي واحدة من الـ 24 قضية التي مرت على المحكمة في منظمة التجارة العالمية.

السجل الحافل لهذا النظام برمته فيه قاعدة هي أن البلدان التي لديها المال تفوز. من بين 24 قضية نظرت فيها محاكم المنظمة، فازت البلاد التي رفعت الدعوى لأنها كانت مهيئة ماليا. قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من نصف الدعاوى، وحتى الآن كانت المعتدي الكبير في منظمة التجارة العالمية. لديهم المال اللازم لاستخدام هذه الأداة ويعرفون انهم اذا وفروا المال فإنهم يفوزون عادة. وقد تم تقديم دعاوى قليلة جدا من قبل الدول النامية، لأنها عملية مكلفة جدا جدا من الناحية المالية إلى حد أن البلد المعني يضطر إلى ترك حقّه بسبب الكلفة (ويمكن للسيّد القارىء مراجعة جواب "الخبيرة" الدولية جنجر المراوغ ردا على سؤال الأستاذ نجم الربيعي في قناة البغدادية حول الكلفة التي يتحملها العراق فيما لو رفع قضايا لاستعادة أمواله المسروقة). على البلد الفقير استئجار محامين أجانب أكفاء للدفاع عن قضيته وهذا قد يكلفه أموالا هائلة قد تفوق أحيانا المبالغ المسروقة.

كيف تُعامل الحواجز التقنية أمام عمل اتفاق التجارة؟

والاش: الحواجز في منظمة التجارة العالمية محددة في اتفاقية الحواجز التقنية للتجارة (TBT) وتشمل الاتفاق على جميع القضايا باستثناء تلك المتعلقة بسلامة الأغذية. القاعدة الأساسية لهذا الاتفاق وأيضا لاتفاق معايير الغذاء هو معاملة البلدان المحلية والاجنبية بصورة متماثلة (أي لا يوجد تمييز ضد المنتجات الأجنبية)، أي تسطيح مستوى الحماية التي يفرضها البلد لحماية منتوجاته.

كانت اتفاقية الجات القديمة فيها القاعدة التي تقول لا يمكن أن تميز بين المنتجين أو المنتجات المحلية والأجنبية. منظمة التجارة العالمية تضع بالإضافة إلى ذلك قرارات قِيمة. وبموجب الاتفاق TBT، يجب على الدولة تبني المعيار المحلي على المعايير الدولية في حالة واحدة فقط هي وجود مثل هذا المعيار أو استكماله وشيكا على المستوى العالمي. والاستثناءات الوحيدة لاستخدام المعايير الدولية التي يمكن الدفاع عنها هي المشاكل المناخية والجغرافية والتكنولوجية الأساسية. "نحن لا نثق بنظام التفتيش، لذلك نحن نريد حظر هذه المادة السامة"، هذه القاعدة ليس لها وجود لدى المنظمة ولا يُسمح بها.

وهناك قضية عملية تجسد أسوأ ما في TBT هو تحدّي كندا الحالي ضد حظر فرنسا على الأسبستوس. كندا باستخدام اتفاق TBT تقول بأن فرنسا لا يمكنها حظر الأسبستوس لأن المعايير الدولية في كل من منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية، تمنع ذلك وهي التي تأثرت بشكل كبير جدا بصناعة تتطلب الاستخدام الواسع للاسبستوس بدلا من حظره المطلق. لأن تلك هي المعايير الدولية، فإن الدفاع الشرعي الوحيد في ظل قواعد منظمة التجارة العالمية هو أن على فرنسا أن تطرح لماذا لا يكون لها "استخدام قياسي للرقابة" (أي تنظيم واحتواء ووضع علامات على الاسبستوس، بدلا من الحظر)، وسيكون العامل الأساسي مناخي أو جغرافي أو تكنولوجي. من الواضح، أن مخرج فرنسا ليس واحدا من تلك الثلاثة، فقضية أن الإسبستوس يقتل الناس، لا يمكن أن تنظم بشكل جيد، ولا يوجد أي استخدام آمن له، ولذا فهم يرغبون في حظره. الآن، قرر الاتحاد الأوروبي كله أن يفعل نفس الشيء، وهذا سوف يتسبب في حرب تجارية أكبر.
أن القضية لا تزال موضع نزاع. ومن غير الواضح كيف سيتم حسم ذلك، ولكن إذا كنت فسرت TBT كما هو، دون وضع أي تطور سياسي للتخفيف من لهجته، فإن كندا سوف تفوز بالقضية.

ختام: يكذبون.. وهذه بعض النتائج

منطقة التجارة الحرة هو توسيع اتفاقية نافتا لجميع بلدان منطقة البحر الكاريبي، وأمريكا الجنوبية (باستثناء كوبا) والوسطى. في المناقشات على مرور نافتا، وَعَدَ أنصار التجارة الحرة أن زيادة التجارة من شأنه أن يخلق وظائف ذات رواتب جيدة ولا تضر بالبيئة. لقد أثبتت السنوات الماضية خلاف ذلك:

* في الولايات المتحدة، فُقدت ما يقدر بنحو نصف مليون وظيفة منذ أن سنت نافتا كما يتم نقل مراكز الشركات إلى المكسيك للاستفادة من معايير العمل الضعيفة وانخفاض الأجور. توفر فرص عمل جديدة العاملين في الولايات المتحدة، في المتوسط، بأجور تقل بنسبة 77 في المئة من أجر عملهم السابق.
* في المكسيك، انخفضت الأجور في قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 9.5٪ في الفترة من 1994 إلى 1999. ما يقرب من 28000 من الشركات الصغيرة في المكسيك قد أغلقت أبوابها، وارتفع عدد المكسيكيين الذين يعيشون في "فقر مدقع" (أقل من 2 دولار يوميا) إلى 4 ملايين. في المناطق الريفية، نزح الآلاف من المزارعين بسبب الإفلاس بسبب طوفان الذرة الرخيصة المدعومة القادمة من الولايات المتحدة.
* ساهمت نافتا أيضا في خرق الاتحاد. وفقا لدراسة جامعة كورنيل في أكثر من 600 من الحملات المنظمة، هدّد أرباب العمل الامريكيين بإغلاق المصنع في 62 في المئة من الحالات.
* وقد أدى انفجار الماكيلادوراس (مصانع تنتج سلع مشابهة للأصلية) على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك إلى كابوس أصاب البيئة والصحة العامة. ففي كل يوم يُلقى 44 ألف طن من النفايات الخطرة بشكل غير صحيح على طول الحدود. ونظرا لعدم وجود معالجة لمياه الصرف الصحي في مدن الصفيح، فإن التهاب الكبد في المجتمعات الحدودية يزيد بـ 2-3 مرات على المعدل الوطني في المكسيك.
* لقد عانت الغابات كثيرا في جنوب المكسيك. منذ نافتا، نقلت 15 شركة أمريكية للمنتجات الخشبية عملياتها إلى المكسيك، وزاد قطع الأشجار بشكل حاد. في ولاية غيريرو، فقدت 40 في المئة من الغابات في السنوات الثماني الماضية.
نافتا تستحق أن تُلغى، لا أن تُوسع كما يجري الآن لتشمل 35 بلدا من أمريكا الجنوبية. تبين تجربة نافتا أن "السباق نحو القاع" هو سباق حقيقي: فالشركات تنقل عملياتها إلى البلدان التي الأنظمة البيئية فيها رخوة أو غير منفذة. وهذه الديناميكية تزداد سوءا في ظل منطقة التجارة الحرة كشركات المساومات التي تساوم العمال الفقراء في المكسيك ضد العمال أكثر فقرا في هايتي وغواتيمالا وكولومبيا.
مصادر حلقات منظمة التجارة العالمية

نعوم تشومسكي: الغزو مستمر، الهيمنة أم البقاء؟.

ملاحظة عن موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية

هذه الحلقات من موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية تحمل بعض الآراء والتحليلات الشخصية، لكن أغلب ما فيها من معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية مُعدّ ومُقتبس ومُلخّص عن عشرات المصادر من مواقع إنترنت ومقالات ودراسات وموسوعات وصحف وكتب خصوصاً الكتب التالية: ثلاثة عشر كتاباً للمفكّر نعوم تشومسكي هي: (الربح فوق الشعب، الغزو مستمر 501، طموحات امبريالية، الهيمنة أو البقاء، ماذا يريد العم سام؟، النظام الدولي الجديد والقديم، السيطرة على الإعلام، الدول المارقة، الدول الفاشلة، ردع الديمقراطية، أشياء لن تسمع عنها ابداً،11/9، القوة والإرهاب – جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية)، كتاب أمريكا المُستبدة لمايكل موردانت، كتابا جان بركنس: التاريخ السري للامبراطورية الأمريكية ويوميات سفّاح اقتصادي، أمريكا والعالم د. رأفت الشيخ، تاريخ الولايات المتحدة د. محمود النيرب، كتب: الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط، وحفّارو القبور، والأصوليات المعاصرة لروجيه غارودي، نهب الفقراء جون ميدلي، حكّام العالم الجُدُد لجون بيلجر، كتب: أمريكا والإبادات الجماعية، أمريكا والإبادات الجنسية، أمريكا والإبادات الثقافية، وتلمود العم سام لمنير العكش، كتابا: التعتيم، و الاعتراض على الحكام لآمي جودمان وديفيد جودمان، كتابا: الإنسان والفلسفة المادية، والفردوس الأرضي د. عبد الوهاب المسيري، كتاب: من الذي دفع للزمّار؟ الحرب الباردة الثقافية لفرانسيس ستونور سوندرز، وكتاب (الدولة المارقة: دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم) تأليف ويليام بلوم.. ومقالات ودراسات كثيرة من شبكة فولتير.. وغيرها الكثير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى