الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦
بقلم محمد غاني

الحربائية خصوصية في ثقافة الانسان

من المعلوم أن الحرباء هو ذلك النوع من الزواحف الذي باستطاعته أن يغير لون جلده بحسب وضعه الفيسيولوجي والفيزيائي وذلك من أجل أسباب متعددة منها حسب المختصين في علم الزواحف أنها تلجأ لذلك كنوع من الدفاع عن النفس بالتخفي في لون النبات حتى لا تتعرض للهجوم وفي بعض الحالات من أجل أهداف تواصلية كالإغراء الجنسي أو حتى للتعبير عن المزاج والأحساس الذي تتعرض له في تلك الأثناء.

الحربائية في مجال الثقافة نظرية لجأنا اليها من أجل التعبير عن أهمية بليغة وجدناها من خلال التأمل في حال التطور التعليمي لدى الانسان، خصوصا في مراحل طفولته وصاحبه بعد ذلك طيل فترات حياته بدرجات ترتفع و تنخفظ بحسب وعيه بها والتمرينات التي يخضع ذاكرته ودماغه لها، فكيف ذلك يا ترى؟ وقبل ذلك ماذا نقصد بالحربائية الثقافية.

يرى جاكوب برونوسكي في سلسلته الوثائقية المعروفة حول تطور الانسان، أن فترة الطفولة لدى الانسان هي الفترة التي يكتسب فيها الانسان بشكل هائل شخصيته الثقافية و يتلون بحسب ما اكتسبه في تلك الفترة و ذلك باعتماده على من سبقه اليها من البالغين فيستفيد منهم مقدرة التعلم من البيئة والثقافة، ويرى كارل ساجان في كتابه العظيم "تأملات عن تطور ذكاء الانسان" أن أغلب الكائنات الحية على الأرض تعتمد بشكل كبير على معلومات غرست أصلا في جهازها العصبي أكثر من اعتمادها على المعلومات المكتسبة بعد ذلك بخلاف الانسان و كذا جميع الحيوانت الثديية لكن بدرجات متفاوتة فالعكس هو الوارد حيث أن الإنسان أرقى هاته الثدييات في قدرته على تشكيل شخصيته الثقافية والارتقاء بطبيعته الى حضارته.1.

إنها قدرة غريبة التشكل الثقافي ذات بعدين إيجابي الى حد كبير وسلبي الى مدى أبعد حيث أن تطور الذكاء الإنساني يساهم في تشكيل شخصية اليوم و شخصية الغد أيضا بشكل مغاير تماما لشخصيات الأمس نظرا لوفرة المتغيرات الثقافية والمعلومات المعرفية التي لم يسبق للبشرية أن عاشت عهدا مثله، لذلك فإن العرب والمسلمين مدعوون بشكل أكبر الى الاستفادة من هاته الخاصية الإنسانية ان انتبهوا اليها من أجل اكتساء ألوان ثقافية مشابهة للبيئة الثقافية السليمة التي يرغد في عيش كريم أصحابها، وأن يخرجوا بذلك من وحل الأسوار الثقافية والحيطان الدينية ( أو قل اللادينية في حقيقة أمرها، بمعنى حواجز مكسوة بكسوة الدين وهي في عمقها أوهام مجتمعية كسيت بصبغة دينية)، فقط بهذا المنهج يمكن للمسلمين والعرب عموما أن ينعموا برغد العيش و ذلك بالنهم ما أمكن في طفولتهم الحضارية هاته من تجارب الغرب البالغ حضاريا مرحلة الرشد فيفيدوا منه تجاربه بغض النظر عن الانتماءات العقدية و الفكرية و الأخلاقية مع الحفاظ بطبيعة الحال على الخصوصية الثقافية الشرقية، و ذلك لأن الإفادة من الآخر لا تعني بالضرورة تقمص شخصيته بقدر ما تعني لباس لبوسه من الاحتفاظ بالهوية الثقافية التي لا تتغير في بصمات أصابعها و لا في شيفرتها الوراثية.

و لن يتم الاستفادة من خاصية الحربائية الثقافية للإنسان الا باختيار البيئة الثقافية التي ينبغي أن يحط رجله عليها من أجل أن يكسى لبوسها، و ليس ذلك غير اختيار الكتب القيمة ذات القيمة عبر التاريخ و صاحبة الإجماع الحضاري، من أجل يحط رحاله عليها و يرتع في مروج أفكارها و هضاب تأملاتها و وواحات تدبراتها، يذهب توماس جيفرسون الى أن "من لا يقرأ شيئاً على الإطلاق أكثر ثقافة ممن لا يقرأ سوى الجرائد.2.

لقد طور انسان عصر الحديث تيليسكوبات دماغية تبحث عن الفكر و الثقافة في كواكب أخرى غير كوكب دماغه هو فتتضح له الرؤية لكل ما كان بعيدا عنه في ذي قبل و ليس مثالا على ذلك كتلسكوب محرك البحث غوغل الذي يقرب له كل ما هو بعيد من كواكب الأفكار الموجودة في مجرات فكرية بعيدة عنه بسنوات ضوئية، لكن و يا للأسف أين المتخصصون في علم الفلك الثقافي بعالمنا العربي من أجل تفكيك شيفرات مثل هاته المجرات.

الهوامش

1، انظر كارل ساجان، تأملات عن تطور ذكاء الانسان، ترجمة سمير حنا صادق، ص 19 بتصرف.

2، موقع حكم دوت نت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى