الاثنين ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦
بقلم فاروق مواسي

المخضرم، وأقوال مختلفة في أصل التسمية

اللفظة تعني من عاش الجاهلية وأدرك الإسلام، وقد أجازت اللغة المعاصرة معنى (الذي يعيش في عهدين متتاليين مختلفين) مجازًا.

من الشعراء المخضرمين: كعب بن زهير، وحسّان بن ثابت، والحطيئة، ولبيد- كما صنّفه بعضهم-.
لنتصفح المصادر لنعرف أصل المعنى، وكيف اختلفت الدلالة، بل اختلف اللفظ بصور متباينة:

يقول ابن منظور في (لسان العرب- مادة خضرم):

ناقة مُخَضْرَمَةٌ: قُطعَ طرَف أُذنها، والخَضْرَمةُ- قَطْعُ إحدى الأُذنين، وهي سِمَةُ الجاهلية حيث كانوا يقطعون من طرف الإذن شيئًا ويتركونه يَنُوسُ .

وفي الحديث الشريف "خَطَبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة مُخَضْرَمَةٍ".
كان أَهل الجاهلية يُخَضْرِمونَ نَعَمَهُمْ، فلما جاء الإسلامُ أَمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يُخَضرِموا من غير الموضع الذي يُخَضْرِمُ منه أَهل الجاهلية. ومنه قيل لكل من أَدْرَكَ الجاهلية والإسلام مُخَضْرَمٌ، لأَنه أَدرك الخَضْرَمَتَيْنِ.

قال إبراهيم الحربي: خَضْرَمَ أَهل الجاهلية نَعَمَهُمْ- أَي قطعُوا من آذانها في غير الموضع الذي خَضْرَمَ فيه أَهلُ الجاهلية، فكانت خَضْرَمَةُ أَهل الإِسلام بائنة من خَضْرَمَةِ أَهل الجاهلية. وقد جاء في حديث أَن قومًا من بني تميم بُيِّتُوا لَيْلاً وسِيقَ نَعَمُهُمْ، فادعوا أَنهم خَضْرَمُوا خَضْرَمَةَ الإسلام، وأَنهم مسلمون، فردوا أَموالهم عليهم. فقيل لهذا المعنى لكل من أَدرك الجاهلية والإسلام مُخَضْرَمٌ، لأَنه أَدرك الخَضْرَمتَينِ- خضْرمة الجاهلية، وخَضْرمة الإسلام.

يرى ابن بَرّي أن اللفظ هو مُخَضْرَمٌ، فتأويله عنده أَنه قُطِعَ عن الكفر إلى الإسلام.

يرى ابن فارس ـ في كتابه الصاحبي في فقه اللغة، ص 89 ـ أن اسم "المخضرم" مما استخدم في غير معناه الذي وضع له بعد الإسلام، ويقول إن "الخضرمة" في الجاهلية تعني "القطع"، وفي الإسلام أطلقت على من أدرك الجاهلية والإسلام من الشعراء، وذكر أن لأهل العلم قولين لتوجيه ذلك الاستخدام، واختار القول الثاني والذي مفاده أن انقطاع رتبة هؤلاء الشعراء بعد نزول القرآن العظيم هو سبب تسميتهم بذلك.

فاصطلاح المحدِّثين لكلمة (المخضرم) يختلف معناه عما يذكره أهل اللغة في كتبهم لمعنى المخضرم، فاللغويون يعنون به من أدرك الجاهلية والإسلام بغض النظر عن كونه صحابيًا أم لا، فقد جاء في (تاج العروس من جواهر القاموس- مادة خضرم):

"المَاضي نِصْفُ عُمْره فِي الجَاهِلِيَّة ونِصْفُه فِي الإسْلام، أَو مَنْ أَدْرَكَهُما، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يعمّان الشَّاعِر وَغَيره، وَقيل الشَّاعِر الَّذِي أدركهما وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور كـلَـبِيد".

وأما المحدّثون فيعنون به طائفة من التابعين أدركوا الجاهلية وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحبة لهم، فقد جاء في مقدمة ابن الصلاح:

"الْمُخَضْرَمُونَ مِنَ التَّابِعِينَ: هُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الْجَاهِلِيَّةَ، وَحَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَسْلَمُوا، وَلَا صُحْبَةَ لَهُمْ، وَاحِدُهُمْ مُخَضْرَمٌ ـ بِفَتْحِ الرَّاءِ ـ كَأَنَّهُ خُضْرِمَ أَيْ قُطِعَ عَنْ نُظَرَائِهِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الصُّحْبَةَ وَغَيْرَهَا".

المخضرَم بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول، وَنقل السُّيُوطِيّ أن هناك من كسر الرَّاء أَيْضًا. ثمَّ توسع المعنى حَتَّى أطلق على من أدْرك دولتين كرؤبة بن العجاج وَحَمَّاد عجرد فَإِنَّهُمَا أدْركَا دولة بني أُميَّة ودولة بني الْعَبَّاس.

ثمة تفسير آخر نقله ابْن رَشِيق فِي (الْعُمْدَة- ج1، ص 94 وما بعدها):

"قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش مَاء خِضْرِم كزِبْرِج إِذا تناهى فِي الْكَثْرَة وَالسعَة، فَمِنْهُ سمي الرجل الَّذِي شهد الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مخضرمًا، كَأَنَّهُ استوفى الْأَمريْنِ.

قَالَ: وَيُقَال أذن مخضرمة إِذا كَانَت مَقْطُوعَة، فَكَأَنَّهُ انْقَطع عَن الْجَاهِلِيَّة إِلَى الْإِسْلَام".

حكى ابْن قُتَيْبَة عَن عبد الرَّحْمَن عَن عَمّه قَالَ أسلم قوم فِي الْجَاهِلِيَّة على إبل قطعُوا آذانها، فَسُمي كل من أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مخضرمًا، وَزعم أَنه لَا يكون مخضرمًا حَتَّى يكون إِسْلَامه بعد وَفَاة النَّبِي.

حضرم (بالحاء):

حكى عَليّ بن الْحسن كُراع:

يُقَال شَاعِر محَضرم بحاء غير مُعْجمَة- مَأْخُوذ من الحَضرمة وَهِي الْخَلْط لِأَنَّهُ خلط الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام.

انظر: البغدادي (خزانة الأدب)، ج1، ص 268 وما بعدها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى