جولة أدبية
لمن البيت، وما مناسبته؟
وما كل ذي نُصحٍ بمؤتيك نصحَهوما كل مؤتٍ نُصحَه بلبيبِ
سماهر
السؤال له مسوّغ، خاصة وأنه منسوب إلى أكثر من شاعر.
في (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني ورد أن البيت لأبي الأسود الدُّؤَلي (ظالم بن عمرو) من قصيدة له مطلعها:
أَمِنتُ عَلى السِرِّ امرَأً غَيرَ حازِمٍوَلَكِنَّهُ في النُصحِ غَيرُ مَريبِوما كل ذي نصحٍ بمؤتيك نصحَهوما كل مؤتٍ نُصحَه بلبيبِأَذاعَ بِهِ في الناسِ حَتّى كَأَنَّهُبِعَلياَءَ نارٌ أُوقِدَتْ بِثقوبِولكن اذا ما استُجمعا عند واحدٍفحُقّ له مَن طاعةٍ بنصيبِ
المعنى- أن بعض العقلاء ممن لديهم النصيحة لا يقدّمونها لسبب أو لآخر، ومن جهة أخرى ليس كل من يقدّمها يكون لبيبًا ذا خبرة حقًا، فما أحوجنا لنصيحة العاقل يقدّمها ولا يضنّ بها.
مناسبة النص كما وردت في (الأغاني)- ج12، ص 354- 355 (دار الفكر- أخبار أبي الأسود الدؤلي):
" أخبرني محمد بن عِمران الضَّبّي الصَّيرفي قال[.....] خطب أبو الأسود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد، فأسرّ أمرَها إلى صديق له من الأزْد، يقال له الهيثم بن زياد، فحدّث به ابن عم لها كان يخطبها، وكان لها مال عند أهلها، فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهلها[....]، فأخبرهم خبر أبي الأسود وسألهم أن يمنعوها من نكاحه ومن مالها الذي في أيديهم، ففعلوا ذلك وضارّوها حتى تزوجت بابن عمها، فقال أبو الأسود الدؤلي في ذلك:
لَعمري لقد أفشيتُ يومًا فخاننيإلى بعض من لم أخشَ سرًّا ممنَّعا[....]وكنتَ إذا ضيعتَ سرك لم تجِدسواك له إلا أشتَّ وأضيعا....إلخ
ثم قال قصيدة أخرى، ومنها:
أمِنتُ امرأً في السرّ لم يكُ حازمًاولكنه في النصح غيرُ مريبِفما كل ذي نصح بمؤتيك نصحَهوما كل مؤتٍ نصحَه بلبيبولكن إذا ما استُجمعا عند واحدفحُقَّ له من طاعة بنصيب
ورد البيت كذلك في شعر ابن عبد ربه بتغيير طفيف،
وذلك في قصيدة له مطلعها:
أيقتلني دائي وأنتَ طبيبيقريبٌ، وهلْ منْ لا يُرى بقريبِ؟لئن خنتَ عهدي إنني غيرُ خائنٍوأيُّ محبٍّ خان عهدَ حبيبِوساحبةٍ فضلَ الذيولِ كأنهاقضيبٌ من الريحان فوق كثيبِإذا برزتْ منْ خِدرها قالَ صاحبي:أَطِعْني وَخُذْ مِنْ حَظِّهَا بِنَصيبِفَما كُلُّ ذي لُبٍّ بِمُؤْتِيكَ نُصْحَهُوَمَا كُلُّ مُؤْتٍ نُصْحَهُ بِلَبِيبِ
لا أرى أن ابن عبد ربه انتحل البيت، وإنما هو في رأيي نوع من الاقتباس، وقد كتبت عن ذلك في حلقة سابقة (تشابه في الأبيات الشعرية).
إشارات الاقتباس مثبتة في طباعة المصدر:
(الثعالبي: يتيمة الدهر، ج2، ص 83- تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.)
ثم إني وجدت من ينسب البيت الأخير نفسه للأرَّجاني
(روحي البعلبكي: موسوعة روائع الحكمة، ص 605).
بل وجدت في (ديوان بشار)، ص 195 البيتين بهذه الصيغة:
وما كل ذى رأيٍ بمؤتيك نصحَهوما كل مؤتٍ نُصحَه بلبيبِولكنْ اذا ما استَجمعا عند واحدٍفحقٌّ له مَن طاعةٍ بنصيبِ
لا أرى حديث أبي الأسود عن النصيحة بعيدًا عن أبياته المشهورة التي ينصح فيها غيره:
لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مثلَهعارٌ عليك إذا فعلت عظيميأيها الرجلُ المعلّمُ غيرَههلاّ لنفسك كان ذا التعليمُونراك تُصلح بالرشاد عقولناأبدًا وأنت من الرشاد عديمُابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّهافإذا انتهت عنه فأنت حكيمفهناك يُقبل ما تقول ويُهتدَىبالقول منك، وينفع التعليمُ
هذه الأبيات هناك من ينسبها للحرّ الكِناني، وهناك من ينسبها للمتوكّل الليثي، وفي الروايات اختلاف هنا وهناك في الأبيات وفي عددها.