الاثنين ٢٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم محمود سلامة الهايشة

رواية «آدم يهبط مرتين»

يقول "جابرييل جارسيا ماركيز": "تعلمت منكم الكثير أيها البشر، تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين أن سر السعادة يكمن في تسلقه"؛ نقرأ ونحلل سوياً رواية "آدم يهبط مرتين"، للكاتب حسام خلف الله علي، الصادرة عن دار الإسلام للطباعة والنشر، ط1، 2016. رواية مليئة بالشخصيات والأسماء، الأماكن التي كانت مسرح للأحداث تم تحديدها بشكل مفصل جغرافياً. وبرغم من ذلك فقد صدر المؤلف روايته بتنبيه، يقول فيه: "كل شخصيات هذه الرواية ليس لها وجود خارج خيال الكاتب، وليس لها أي علاقة بأي شخص قد يتصادف اسمه مع أحد الأسماء بهذا العمل الإبداعي. أيضا الأماكن التي جاء ذكرها، إنما هي من وحي البيئة بقصد الإثارة، وحبكة الرواية، بمعنى أن كل الأحداث، إنما هي من نسيج الخيال الصرف". بالطبع أي عمل إبداعي لابد وأن يكون من وحي خيال كاتبة، ولا نستطيع أن ننكر أن هذا الخيال طالما ليساً خيالا علميا، فالتأكيد يصبح الخيال ممتزج بالواقع وهذا الأمر جلي جداً بتلك الرواية الواقعية، والتي تحكي جانبا من جوانب حياة الشباب المصري الفقير المهمش الذي يسعى طوال عمره من لحظة أن أدرك حتى الممات في البحث عن لقمة العيش والحياة الكريمة التي يسميها الستر.

هبط أبينا آدم من الجنة إلى الأرض، عاش عمره كله ومات ودفن في الأرض وهو على الفطرة التي فطره الله عليها، وكذلك "عابد" بطل هذه الرواية، وعابد من ولد آدم، ولأنه عاش حياته كلها على الفطرة كأبيه آدم، وكأن الله انزله من السماء على الأرض دون المرور بعملية حمل وولادة، فكانت حياته مرتبطة بالسماء عن طريق الأحلام، كأحلام الأنبياء والرسول، لأن أحلامهم رؤى ورسائل وإشارات ربانية مثلها مثل الوحي الملائكي.

راعي الخراف!

الأغنام تعلم راعيها، الرعاة لا يتحدثون كثيراً بل يحرسون.. يحرسون الذئب لا القطيع، لأن الخراف تخاف الذئب، والذئب يخاف الراعي (الرواية، ص26).
الأغنام تعلم راعيها، اشتغل عابد كالراعي للأغنام، وهنا رمزية للأنبياء والرسل، فلا يوجد نبي مرسل من السماء إلا ورعى الغنم في مرحلة من مراحل حياته، ويكأن المؤلف يشير بشكل أو بآخر إلى هذا الإنسان الذي يعيش على الأرض ويأكل من السماء ويرى ما سوف يحدث بأحلامه كأنه ولي من أولياء الله الصالحين قد عمل كراعي للغنم في إحدى محطات حياته، فسواء كان الكاتب كان يقصد ذلك (واعي) أو لم يقصده (لا واعي) فهي لمحة جيدة جداً.

أبو الزوز!!

سألت الشيخ:

وكيف أجمع كل هذا القطيع عند عودتي؟

يبدو يا ولدي أن رزقك في الفهم قليل!.. لن تجمع شيئاً.. القطيع يتبع أجراس "أبي الزوز" أينما دبت قدماه.

وكيف يتسنى لي معرفة وقت آذان العصر؟!

إن لم تسمع في هذا – مشيرا لراديو الذي بين يديه – آذان العصر، فسل الحمار "أبو الزوز" عن وقت الرجوع؟

حماران وغزالتان!!

وقفت فاغرة الفم عندما رأتني أحمل الغزالة على كتفي، ولما غادرتها الدهشة قالت تخاطبني:
وظهر "أبي الزوز" أين ذهب؟!

امتنع بشدة وأبى.

لأنه حمار.. لا يدرك قيمتها.

لا يا سيدتي.. إن ظهره يحمل بالكاد أوجاعي.. ولا يستطيع حمل أي شيء آخر.. مهما كان جميلاً.

كلب أندرياس استعذب الخطيئة!!

يظل أندرياس طيلة النهار ينظف جسد الكلب بأنواع لا حصر لها من "الشامبوهات" والصابون.. يفرك شعره بيده بينما الأخرى تمسك بخرطوم المياه حتى ينظفه تماماً، ثم يعطره.. بمجرد أن يتركه ويدخل ليستريح.. تجد الكلب يسرع بعيدا، ويتمرغ في أقرب لجة طين باردة، فيعاود أندرياس غسله من جديد، وهكذا.. أرى هذا المنظر يتكرر كل يوم، فيا ترى من الذي دفع الكلب ليتمرغ في الطين والوحل؟

نعم هو الذي يندفع إلى اللجة بنفسه.

ما هو الفرق بين الحيوان والإنسان؟!

|الانسان -الحيوان - المصدر
|س: متى يكون خطير؟!|عندما يجوع”جائعاً“ |عندما يشبع”شبعانا“ |"على عزت بيجوفيتش"
|س: ماذا يلد؟!|يلد حيوانات|لا يلد إنساناً، بل يجب تربيته ليصبح كذلك!|"جوستاين غاردر"
|س: من فيهم يلد حماراً ومن يلد إنساناً؟! |لا تستطيع الحمارة أن تلد إنساناً |بينما تستطيع المرأة أن تلد حماراً |رأي فلسفي "منقول"

 قضيتان!!

كان أندرياس القبرصي الشاذ، يستقبل الشباب الأقوياء البنية ليمارسوا اللواط معه (ص89). بينما كان برامندر الهندي يمارس الجنس مع بغلة سيده يني، يمسك بذيلها تحت إبطه جيداً ويستخدمها من الخلف، العجيب أن البغلة كانت مستكينة له، فلا ترفسه بخلفيتيها مثلا.. يبدو أنه عودها على ذلك منذ أمد طويل!! (ص225). وكانت نهاية برامندر أن مات بنهشة ثعبان.

الطبعة الأولى للبشر:

"يا ربي من هذا الرجل الذي ألقت به الأيام في طريقي مغمض العينين عن الحياة المبصرة؟، ولا يرى فيها شيئاً إلا وهو يغط في نومه العميق" (الرواية، ص40-41). "يبدو أنك تخلصت من كل ما علق بك، حتى شففت حد الرؤيا.. وكيف لا تشف، وقلبك خال من الذنوب؟، لم يبق منك غير نفس شفيفة لامعة وقلب نقي طهورٍ (الرواية، ص120). (إبراهيم يصف عابد، الذي يرى كل ما سوف يحدث له قبل حدوثه بأحلامه بالتفاصيل الدقيقة، سواء أكانت أحلاما عن قرب أو عن بُعد).
في الوقت الذي كان فيه "عابد" وهو يعيش على أرض الجزيرة القبرصية، بالنهار على الأرض، وبالليل بالجنة، وهو مستيقظ يلوك من الأرض القليل، وطوال الليل وهو نائم يأكل من الجنة، على النقيض من ذلك كان "كبريانو" مقاول العمال الذي كان إبراهيم وعابد يعملون لديه، قاسي القلب لا يزور أخاه المعوق "ديمتري"، رغم أن المسافة بينهما لا تتجاوز 15م فقط. كان "كبريانو" غارق في الخمر كي ينسى عشيقته الذكية الداهية "لورا" التي جعلته يبيع مزارعه وأملاكه ليصرفها عليها، ثم رحلت عنه عائدة لوطنها بلغاريا. وعندما زحف "ديمتري" على الأرض كسلحفاة حتى وصل لحذاء أخيه "كبريانو" عندما سمع صوت أخيه في سكون الليل يناجي "لورا"، وبتصرف وحشي من "كبريانو" وضع الحذاء على رقبة أخيه يدهسه كما يدهس الصرصور!!. كان يريد إزهاق روح أخيه وهو مخمور وهو يبكي على من سرقته وأخذت أموال هذا العاجز المسكين وذهبت إلى وطنها!!، والتي انقذت حياة "ديمتري" من تحت أقدام "كبريانو" هي الخادمة السيريلانكية "جوسكا" فكانت أحن وأرحم به من أخيه؛ بعد أن انهت "جوسكا" عتاب "كبريانو" على ما صدر منه في حق هذا المسكين، ذهبت إلى "ديمتري" بعد أن طرحته في فراشه يشهق أنفاس أحزانه، وقد اتسخ وجهه واختلطت دموعه بأتربة البلاط، لكي تواسيه، فوجدته قد فارق الحياة.

هل الحب والعشق يسلب الإنسان إرادته وسيطرته على نفسه؟!؛ يقول "كبريانو" متحدثاً لنفسه بعدما ترك "رجاء" التونسية بفراش شقيقه الراحل "ديمتري": "لقد أرسلت لي السماء لورا لكي لا تمنحني الدفء والحب.. بل أرسلتها لتنتقم من أجلك يا ديمتري.. لعلها كانت كبئر ملعون، كلما أمعنت في الشراب منه ازداد ظمأي.. حقا إنها رحلت وتركت مرارة الدنيا في حلقي حتى لا استطيع الفرار من طيفها.. أقسم لك يا أخي أن لعنتها مازالت تصب فوق رأسي.. تقيدني فلا أعرف كيفية خلاصي منها؟.. أقسم لك أنها لو عادت لعدت أتبعها مسلوب العقل والإرادة كجرو صغير يتبع سيدته" (الرواية، ص129-130).

إن الفصل السابع من رواية "آدم يهبط مرتين" يقع ما بين صفحة 104 وحتى صفحة 133، أي في ثلاثين صفحة كاملة، ويمكن أن نضع عنوانا لهذا الفصل كـ الديناصور أو مزرعة الدواجن، وفي صفحة 120 من الرواية، حكى عابد لإبراهيم مشهد يراه كل يوم في صالة كبارية "كبريانو"، ويحتاج تفسير، يقول عابد "وأنا جالس مع العمال في الصالة يعتصر ثفل كوب الشاي بالمعلقة الصغيرة، ويرفعها إلى فمه نقطتين أو ثلاثا على لسانه.. أنه يكرر هذا الأمر حتى يجف ثفل الكوب نهائياً من قطرات الشاي". فظل إبراهيم يروى لـ عابد قصة عصر كبريانو لثفل كوب الشاي مع كثرة تدخينه للتبغ حتى نهاية الفصل أي في 13 صفحة كاملة، ومنها كيف تعرف وتزوج من زوجته الحالية السيدة رجاء، والتي قابلها إبراهيم في الصالة أول معرفته وعمله مع كبريانو (أنه بالعقد السابع من عمره)، وقد وصفها له الشاب السوداني زميله بالصالة: "....وهي من تدير كل شيء هنا.. إنها امرأة قوية شديدة البأس، كبريانو لا يفقه شيئاً سوى ما تخططه له.. إنه يخشاها، وسترى بنفسك في الأيام القادمة عندما تسمعها تصرخ فيه موبخه على غبائه، وهو يقف أمامها يرتعد كهر أجرب.." (الرواية، ص82). نستنتج من وصف كبريانو لحبه وعشقه الأول لورا البلغارية والتي أخذت أموالها ورجعت لوطنها، ولوصف كل ما تعامل مع زوجته السيدة رجاء العربية التونسية، ندرك أن كبريانو إنسان ضعيف الشخصية، دائما تابع لشخص متبوع، النساء في حياته هو الممسكين بزمام أموره، لا يستطيع أن يفكر في شيء بنفسه، وأن فعل أمراً دون الرجوع لهن، صدر منه حماقات وتصرفات غير جيدة. يقول الراحل د.مصطفى محمود "الناس يغيرون وجوههم كل يوم فلا تبحث عن قيمتك في وجوه الناس".

علاقات بشرية غير إنسانية أحياناً وغير آدمية كثيراً:

أكيلي لحوم البشر!!: إن بعض البشر يحبون أكل لحوم بعضهم، ويعشقون إراقة الدماء.. فماذا ستفعل بينهم أيها الحمل الوديع؟ (الراوية، ص79-80). "أنت لا تحبها، كل ما في الأمر أنك مفتون بها، فمن ذاق لحم الغزال لن ترضيه رؤوس الضأن" (ص229).

الغربة تربة!!: "كنا أشبه بأجناس مختلفة، وعادات مختلفة، وأشكال مختلفة، وكل منا ترك لغته في بلده عندما صعد سلم الطائرة إلى هنا.. وهنا نطقنا جميعاً بلغة واحدة مشتركة هي "الإنجليزية".. إننا نتحدث بها ليس للتقارب، ولكن للتعايش.. لقد جمع بيننا شيء واحد ألا وهو العوز، والعوز وحده فقط"..(ص80) هذه المقولة التي قالها إبراهيم "بطل الرواية" بينه وبين نفسه ذكرتني بأحد أساتذتي بالجامعة والذي حصل على درجة الدكتوراه في تخصص فسيولوجيا الحيوان من ألمانيا في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، حيث كانت إدارة البعثات بالجامعة التي كان يدرس فيها ألا يسكن طالبين أجنبيين من جنسية واحدة في سكن واحد، أي اثنين عرب أو اثنين أمريكان أو اثنين هنود، بل مصري وأمريكي، نيجيري وبلجيكي، ... وهكذا، وذلك حتى لا يتحدث المصري مع آخر عربي باللغة العربية، أو أمريكي وبريطاني بالإنجليزية، فيضطر الطالبين الدارسين بألمانيا للتحدث باللغة التي جاءوا من بلادهم لكي يحصلوا منها على الدكتوراه، ألا وهي اللغة الألمانية، لذلك خلال أشهر قليلة يصبح جميع طلاب يجيدون اللغة الألمانية بشكلً متميز، وبالفعل فقد ذكر لي هذا الأستاذ أنه بعد شهرا واحد استطاع أن يتحدث مع أستاذه المشرف على رسالته في التليفون، فقد هاتفه وتحدث إليه بلغة ألمانية سليمة ولوقتا طويل مما جعل مشرفه مدهشاً لهذا المستوي في ادقان نطق اللغة بهذه السرعة الكبيرة.

الأرقام برواية آدم يهبط مرتين:

لا تخلو أي صفحة من صفحات الرواية، إلا وذكر فيها رقم، أما بالأحاد أو العشرات أو المئات أو الألاف، متبوع بتميز يخص التوقيت أو الزمن، كاليوم والشهر والسنة، كاللحظة والثانية والدقيقة والساعة، أو يخص الوزن بالجرام والكيلو، أو لقياس الأطوال السنتيمتر و المتر،...وهكذا. المهم أنك تجد رقم أو أكثر فهناك صفحات وصلت فيها الأرقام إلى ثلاثة أو أربعة أرقام في صفحة واحدة، وهي ملحوظة نرصدها، ففي اعتقدي أن ذلك آتي من أن الرواية ترصد الفلسفة الواقعية للحياة الإنسانية، والحياة ما هي إلا أرقام يكون حاصل جمعها عمر إنسان ما في زمنا ما!.

إبراهيم وعابد ولدي آدم! كـ هابيل وقابيل:

جنة الأرض "عند إبراهيم"
جنة إستاليوس! "الفصل الثامن"
جنة السماء "عند عابد"
جنة بافوس!/جنة العذراء "الفصل السابع"

هناك بالقرب من غابات شبه جزيرة "أكاماس" الغنية بأشجار الصنوبر، والسرو، والأرز...
هناك أشجار التفاح التي على الربوة، وما حولها.. يليها شرقاً أشجار اللوز القديم، وشجر الخروب.. أما أشجار اللارنج، والبرتقال، وكل الموالح فمن أول المنحدر، تمتد إلى آخر قاع السهل.. ترى وتشم معي رائحة زهور اللارنج، والليمون والبرتقال المزهر بفراشات الألوان.
يلتف حول مزرعة الزيتون، سياج كبير من شجر الباباس، وداخل هذا السياج توجد أشجار لوزيات، خوخ، مشمش، برقوق، وكلها تزدهر في الربيع.

تقع هذه الجنة في مزرعة السيد "إستاليوس" في ليماسول.

والكلام على لسان عابد: "كنت أظنه عارضاً وسينتهي.. حين أروح في النعاس أرى نفسي أسعى في أنوار لا متناهية لا استطيع وصفها لك من شدة توهجها.. تنتهي بحدائق غناء واسعة، لا أول لها ولا آخر.. بها ثمار على اختلاف ألوانها واشكالها، أظل أقطف منها وآكل ما يروق لي، حتى أشبع تماماً، ثم أشرب من أنهار ماؤها نقية مثلجة.. كلما مشيت على شواطئها الخضراء المنبسطة على مرمى البصر لا أجد لها بداية أو نهاية، حتى استيقظ كل ليلة عند الفجر شبعاناً مرويا لا أسأل في طعام ولا شراب إلا بعد عودتي إليك في المساء.. نجلس سوياً إلى وجبة العشاء، وأجد نفسي أيضا غير راغب في الطعام، فأتناول القليل منه.."..

قمر إبراهيم الأرضي

قمر عابد السماوي

أثنيا خريستوفياس: درست التجارة وإدارة الأعمال بجامعة برلين، وحصلت على البكالوريوس بدرجة امتياز، سميت أثينا على اسم العاصمة اليونانية، فتاة جميلة قوية ناجحة. رفض أبوها عرض الجامعة عليها بتعيينها معيدة بها.

القمر الأزرق: ظاهرة قديمة جداً تحدث مرة كل سنتين أو أكثر، حيث يظهر البدر مكتملاً مرتين خلال شهر ميلادي واحد.. وتسميته بالقمر الأزرق لا تعني أنه أزرق اللون، ولكنها تسمية مجازية تدل على أنها نادرة الحدوث. هذا القمر حرق سوأت عابد، لدرجة أنه انحنى متوجعاً ينظر إلي سوته فوجدها متفحمة.. ليته ما سقط وليتني ما رأيته.

الخروج من الجنة الأرضية إلى عبث الأرض وظلمتها
"إبراهيم ولد بالأرض وظل فيها على أمل الجنة بعد الموت"
الخروج من الجنة السماوية والأكل منها وظهور السوءة
"الهبوط الثاني لآدم"
فكما هبط أبينا آدم المرة الأولى من الجنة هبط ابنه عابد

التناقض الإنساني لدى إبراهيم ورأيه في تصرف واحد:

قال عن عابد عندما وقع في الخطيئة مع أثينا: "لو بقيت حماراً صالحاً يا عابد لكان أفضل لك ألف مرة من أن تكون بشراً مذنباً يفقد بغبائه جنة السماء من أجل امرأة (الرواية، ص179).
وقال عن "لندا" الخادمة السريلانكية لأثينا والتي سلمت جسدها لإبراهيم نفسه حتى صار ادمانها الأول: "ليتك بقيت هادئة ساكنة حتى لو كنت مهملة حزينة لكان خيرا لك ولي ألف مرة" ولكنه يكمل بعبارة تفك الاشتباك بين الموقفين، تعد من العبارات المأثورة بأسلوب استفهامي "لا أدري لماذا ينزلق الناس نحو النار بإرادتهم فلا يتحملون الصبر قليلاً من أجل الجنة؟!" (الرواية، ص183-184). قالت "أثينا" لإبراهيم عبارة نارية عن علاقته بـ "لندا": "في وقت السُكر لا حكمة ولا فكر.. ومن يستعذب لذة الكأس يتبول على القلم والفأس" (الرواية، ص184).
إبراهيم يمثل آدم ولندا تمثل حواء والشيطان هو الثالث.

اصطفت أثينا عابدا؛ وكأن الكاتب يريد أن يقول كما فعلت زليجة واصطفت يوسف الصديق عليه السلام. فعابدا كان على وشك أن يصبح ولي من أولياء الله الصالحين.

يقول عابد عن جنة الأرض: "إنها جنة أخرى.. جنة الأرض.. رأيتها مع أثينا الليلة.. يبدو أنني أسعد رجل في العالم دون أن أدري، استحلب شهد السماء وشهد الأرض" (ص169). "إن الذي احتضن القمر ذات العيون الزرقاء لا يمكنه النظر في وجه أندرياس القبيح" (ص173).
الهروب من مخالب أندرياس الشاذ، فإذا بمخالب أثينا الساحرة: "بهذه السرعة أمكنك رؤية هاله النور التي تشع من وجهه .. أأعجبت بالعينين اللامعتين بالتقوى والورع؟.. أم أن عروق رقبته النافرة بالطهر والعافية هي التي أعبتكِ؟.. دمه ليس ملوثا بأدخنة التبغ، ورضاب البغايا، والخمور.. إنه يجري بجسده نقياً شفيفاً كجدول الماء العذب" (الرواية، ص164).
عابد هنا هو آدم وأثينا هي حواء وثلثهما الشيطان.

نصائح إبراهيم لـ عابد: هل يمكنك أن تحملق في قرص الشمس طويلاً؟، فقال (لا)، هكذا أثينا تبهرك لدرجة أنها تعميك... أنت اخترت أن تأكل الثمرة اليانعة، ولابد أن تندفع ثمنها، إن برامندر يقطع رؤوس الذئاب كي يبقى فقط على قيد الحياة، فلابد أن تقاتل من أن أجل نفسك فلا أحد غيرك مهما كان يحبك سيقاتل بالنيابة عنك.. كن حاذقاً وحذراً في كل شيء، ولا تذهب وراء ما تشتهي دون وعي؛ فالخطر يكمن في قلب العسل!! (ص230-231).

فقد الجنتان!!: "إن أثينا كلفت عابد بتجهيز بيت المزرعة للاحتفال بعيد ميلادها، وحين صعد ينظف الخزانات انزلقت قدمه فسقط على رأس سيخ من أسياخ السياج الملتفة حول البيت فاخترق السيخ خصيتيه، وذكره، ولولا أن بنيته قوية لمات على الفور... سيتعافى، ويعود للحياة، ولكنه لن يمكنه ممارسة الجنس، فقط مجرد ثقب ضيق يستخدمه لإخراج البول"؛ "...القمر الأزرق الذي كان عابد فرحاً به في بادئ الأمر حتى حرق سوأته في آخر رؤيته.. إنها أثينا.. إنها أثينا.. لقد فقد جنة السماء، وفقد جنة الأرض.. والأهم من هذا كله أنه فقد نفسه!!" (ص235-236).
معلقاً بين السماء والأرض!!: بعد أن خرج من المستشفى، وتشاجر مع أثينا التي سافرت بالولدين التوأم لسيدني وتركهما هنا بأستراليا لكي تربيهم لخالتها التي تمتلك حضانة لتربية الأطفال على أحدث وسائل التربية والتعليم العالمية، اشتغل عابد عامل مصعد بفندق سياحي شهير على البحر في ليماسول، يصعد مع الصاعدين ويهبط مع الهابطين بشكل متكرر ليل نهار... إن النباتات التي تغرس في غير أرضها تموت سريعاً (ص239).. إنه لم يعِ الدرس جيداً، كرر نفس الخطأ القديم فسقط في التجربة (ص243).. وكانت النهاية أن ظلا بقبرص ولم يعودا للوطن، عابد يعمل عامل مصعد في انتظار رجوع أولاده من استراليا بعد أن أودعتهم أثنيا عند خالتها وعادت بدونهما، أما إبراهيم انتهى به الأمر بإيداعه بمستشفى الأمراض العقلية!!

ولم يكن الرقم ألف مرة يأتي على لسان إبراهيم، بل ذكره عده مرات كأنه لزمة من لزماته، فقد قاله لنفسه عندما ساءت الأمور بينه وبين كوستا الذي أخذها من عمان العاصمة الأردنية إلى نيقوسيا عاصمة قبرص: "لا أريد هذا السجن الناعم يا كوستا.. إن طائراً حراً جائعاً أفضل ألف مرة من آخر يدوس برجليه كومة من الحبوب بداخل القفص.." (الرواية، ص68). وعندما ضاع حلمه بشراء قطعة أرض وإقامة مشروع مزرعة الدواجن عليه حينما وجد حقيبة ممتلئة بالأموال في أحد القصور التي كان يدهنها: ".... رأيت بقعة كبيرة من الدماء على الفانلة الداخلية قد جفت والتصقت بالجرح.. انتزعتها بقوة فآلمتني، لكن ألمها كان أخف ألف مرة من الألم الذي انتابني وأبكاني حين فتحت الحقيبة" (الرواية، ص113). وعن الحرية يقول "أفلاطون": "لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات".

ألا يوجد جنة للفقراء؟!

ظل الكاتب طوال الرواية يفلسف حياة الفقراء الذين يضربون في الأرض سعيا وراء الرزق، وعلاقتهم بالأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال، وكأنها لعبة للكراسي الموسيقية، فمرة يجلس الفقير على كرسي الملاك والغني على كرسي الشيطان، ثم يتبادل الكراسي، كذلك الحال في الشعور بالسعادة والحب. تقول السيدة "أثينا" صاحبة المال والجمال الزائد لإبراهيم عندما رمت شبكها حول صديقه عابد: "أجل أنت.. فلا أجد صدى فرحة بملامح وجهك لصديقك حين يوفق لعمل وبأجر مجزِ .. يا رجل لماذا تريده هكذا يجري في ركابك فقيرا معدماً طيلة الوقت؟" (الرواية، ص174-175). فهذا "عابد" ذلك الملائك الذي هبط من سماء مصر على أرض جزيرة قبرص، هذا الشاب الذي مازال في منتصف العشرينات من عمره، ولم يدخل مدرسة، ولا يعرف القراءة والكتابة، ولد في أسرة بائسة فقيرة، الجهل يحيط بها من كل جانب، أبيه لا يمتلك سوى عربة خشبية يتقدمها حمار ضئيل يسحبها، فوق ظهر العربة فرن من الصاج لشواء البطاطا.. يتجول بها في قريته، والقرى المجاورة، طيلة النهار ينادي على الصبية "معسلة يا بطاطا"، ثم يعود في المساء متهالكاً، رأسه يتمزق من الدوار والمناداة، كان يقوم مذعوراً في جوف الليل بسبب تساقط المطر على رأسه من السقف الناشع، فسقف البيت من عيدان الذرة الجافة وجريد النخيل، كان يردد بأسى: "برد السقف في الليل، وجحيم الفرن في النهار" (ص11). يقول الشيخ عمران: "اثنان لا يحس بهما الناس.. موت الفقير، وفساد الغني" (ص12). فمن روائع الأدب والحكمة يقول "تيودور فونتاني": "وكم من ديك صدق أن الشمس تشرق بصياحه". فكما كان والد عابد بمصر لديه حمار يقتتا به، كذلك كان "برامندار" الهندي الهندوسي عابد البقر الذي أصبح صديقا لإبراهيم في جبال وغابات ترودوس بقبرص كان يمتلك فيلاً يحمل عليه الأشجار ونقلها من داخل غابات الهند.
الفقر أحد صور التهميش؛ فالفقر ضلع مهم من أضلاع المثلث الفقر والجهل والمرض، ورواية "آدم يهبط مرتين!"، ركزت على الفقر في المقام الأول ويليه الجهل، فالمهمشون في الأرض على وزن المعذبون في الأرض. فالفقر لم يترك جنسية فعلى أرض قبرص اجتمع المصري المسلم والهندي الهندوسي من اجعل العمل ولقمة العيش، ما يجمعهم إجادة اللغتين الإنجليزية واليونانية من أجعل التواصل والتآخي الإنساني. فيقول "برامندار": "سر ما يحيط بك يا ترودوس الجميلة يحيرني.. يبدو أن سهولك وجبالك ملاذ آمن لكل الهاربين الخائفين" (ص213).

هل الجمال سبب للمتاعب؟!!؛ فبسبب جمال أثينا وقع عابد في الخطيئة، وهروبه من جنة السماء إلى متاعب الأرض، وبسبب جمال زوجة برامندار كان ذلك سبب لتجسس كومار على عورتها، مما دفع برامندار لأن يدافع عن زوجته وعن نفسه فقتله ثم هرب عبر إحدى السفن من الهند إلى الجزيرة القبرصية.

انكشاف العورة وإنجاب الأطفال!!؛ كنت أمنيت "أم برامندار" الوحيدة أن ينجب ستة أطفال يفرحوا قلبها، فرد عليه إبراهيم قائلاً: "يا رجل أليس لديك عقل يفكر؟ .. انكشفت عورة زوجتك في البر، وانكشفت عورتك في البحر، وتريد إنجاب ستة أطفال حفاة عُراة لتقديمهم قرابين لمحرقة الحياة.. إذا لقد كان كومار رحيما بك.. إذ منعك من هذا الجنون.. اهدأ يا برامندار .. اهدأ يا صديقي.. إن الفقراء لا يمتلكون سوى ورقة التوت، وها أنت قتلت من أجلها، وليتك استطعت حتى الحفاظ عليها" (ص215). بالطبع هذه الإجابة التي رد بها إبراهيم المصري على صديقه برامندار الهندي، كانت مشابهة تماما للإجابة التي قالها له صديقه "ساشا" الأوكراني حينما أتى بزوجته الجميلة "ناتاليا" وسكن سويا هم لثلاثة في غرفة واحدة لتوفير النفقات، وحينما سأل إبراهيم .. ساشا لماذا لا يوجد لك أبناء حتى الآن، فرد عليه بأنه رزق بطفل جميل منذ عامين ولكنه مات بعد شهرين من ولادته، فكان سعيدا بموته أكثر من سعادته بمجيئه، فعندما استغرب واندهش إبراهيم، فكانت الإجابة الصادمة من قبل ساشا: "...لقد وفر على نفسه، وعلينا شقاءً كبيراً.. إننا نموت كل يوم يا صديقي من أجل أن نعيش تلك الحياة الحقيرة، وننام في هذه الغرفة الضيقة، وأنا غير قادر أن أحجب عورة زوجتي عنك.. فكيف لي أن أحافظ على ولدي عمراً بأكمله، حتى يكون في المستقبل رجلا صالحاً" ويكمل ساشا "كنت أحلم أن أكون عازف بيانو محترف، وحقا تعلمت ما أحبه، واحترفته.. لكن لا أدري لماذا العالم أصيب بالصمم، ولا يريد أن يسمعني.. لقد فشلت كل محاولاتي.. أظن لأنني فقير.. إن الفقراء يموتون مرتين دون أن يملكوا أي ضمانات للجنة" (ص85)؛ ويصف ساشا لإبراهيم حال المغتربين الفقراء "... نحن لسنا بشراً.. إياك أن تظننا بشراً مثل باقي البشر، لا يا صديقي .. نحن فائضو الأوطان!" (ص87).

إن البعد وطول المسافات لا يقتل الحب والإخلاص.. إن الذي يقتل الحب والإخلاص هو الخيانة، والانانية، والغدر.. إن الأماكن لا تحلو إلا مع من تأنس وتحب.

التناص القرآني بالرواية:

لم يستخدم الكاتب حسام خلف الله، التناص اللفظي كثيرا داخل روايته، ولكنه عندما استخدمه كان تناصا لفظيا وسرديا في آن واحد، فعندما كتب على لسان "إبراهيم" وهو يخاطب "سولا" بعدما أن دخل "عابد" جنة "أثينا": "أنا لن أبرح هذه الأرض إلا وهو معي" (ص179). يقصد هنا بالأرض جزيرة قبرص، فكما وقعت أثينا في عشق عابد الولي، وقعت قبلها زليخة في عشق يوسف العابد، والذي قال نفس الجملة كان أحد اشقاء يوسف عندما أتهم أخيهم بالسرقة، وكان يقصد أرض مصر. وبرغم أن زليخة كانت زوجة عزيز مصر، وهي سيدة بنت سيد من أشراف مصر، إلا أنها عشقت يوسف وأرادت أن تخون زوجها من أجل هذا العشق، بينما "ليزا" الخادمة السيريلانكية للسيدة "جينا" القبرصية، رفضت طلب سيدتها بأن تتقاسم فراشها كل ليلة مع إبراهيم، وذلك من أجل أن تحافظ على حبها وعشقها لزوجها الذي يفني نفسه ليل نهار من أجل أولادها، وقالت: ".... أنا لا أريد أن أخونه بالغيب، إنها وعدتني بزيادة أجرى إن أحسنت إليك في الفراش، لا أريد هذه الزيادة، كل ما أريده المحافظة على زوجي وعملي؛ فنحن فقراء جداً يا إبراهيم.. فقراء إلى أبعد مما تتصور يا عزيزي" (ص221). وكان رد إبراهيم "قولي للسيدة الحمقاء .. لقد عرضت نفسي على إبراهيم فأبي وامتنع.. ودعي الأمر كله لي وأنا كفيل به". يقول "برتراند راسل": "مشكلة العالم.. أن الحمقى والمتعصبين واثقون من أنفسهم دائماً، بينما الحكماء تملؤهم الشكوك". "صعدت إلى جبل يعصمني من عاصفة الغبار، كأن هذا اليوم لا عاصم فيه من أمر ربي" (ص242-243).

اللغة اليونانية بقبرص:

كان "إبراهيم" بطل رواية "آدام يهبط مرتين" للروائي "حسام خلف الله"، يعمل نقاشاً وعندما ذهب لجزيرة قبرص، كان لا يجيد إلا اللغة الإنجليزية بالإضافة طبعا للغته الأم العربية، ولكنه ومن خلال التعامل مع الأشخاص إلى جانب ما اكتسبه أثناء عمله حتى بدأ أن يتحدث اليونانية باقتدار، ومن الكلمات والجمل التي وردت بالفصل السادس من الرواية ونطقها ومعنها بالعربية: "ياتيه إتسي كاتسي را...؟!" بمعنى "لماذا تجلس هكذا يا؟!" (ص92). كلمة "نيرورا" أي "ماء" (ص94). كلمة "بوهياجيز".. هنا "نقاش" (ص95). تحية الصباح "كالي ميرا ساس" بمعنى "صباح الخير يا سادة" (ص146). "إسيه ميلا اللانيكاه"؟ سؤال هل تعرف اليونانية أم لا؟ (ص147).

اسم الحب باليونانية "أغابي"، وحبيبتي "أغابي مو"، أنت رائعة جداً يا حبيبتي؟ "إسيه بارا بولي قالا.. را أغابي مو". شكراً جزيلاً "إفخارستو بارا بارا بولي" (ص187-188). "بوتانا" أي "فتاة ليل" (ص227). "كيريا اليسون.. كيريا اليسون.. كيريا اليسون" استغاثه "يا رب ارحم.. يا رب ارحم". "الييياه" أي "العجوز"؛ من خلال تلك العبارات التي ذكرها المؤلف في أكثر من موضع بالرواية بالنطق العربي لكلمات وجمل باليونانية ومعناها الصحيح بالعربية، يدل على أن الروائي "حسام خلف الله" أما أنه على دراية باللغة اليونانية أو أنه أتى بكتاب لتعلم تلك اللغة ودرسه بشكل جيد حتى يأتي لنا بهذه اللهجة وفهمها ودمجها في الحوار السردي الروائي بهذه الصورة، وفي اعتقدي الشخصي أنه يجيد تلك اللغة، فهذه الرواية هي الأولى له، فلم يصدر له حتى الآن، أي وقت كتابة تلك الدراسة (سبتمبر 2016) سوى مجموعة قصصية بعنوان "خلقة ربنا" بالإضافة لتلك الرواية التي بين أيدنا "آدم يهبط مرتين".

بافوس العاصمة الثقافية لقبرص:

ذهب "عابد" البطل الحالم صاحب القلب النقي والنفس المطمئنة ذات يوم للعمل في جمع البرتقال يملكها رجل قبرصي بمزرعته ببلدة تسمى "أيانابا" بالقرب من مدينة اسمها مدينة بافوس، وهي قريبة من البحر.

فقام صديقه "إبراهيم" بطل رواية "آدم يهبط مرتين" والذي استقدم "عابد" ليكون بجواره بقبرص، وعلى لسان "إبراهيم" سرد المؤلف قصة مدينة بافوس الثقافية والتاريخية لـ "عابد" وكيف كانت تلك المدينة هي مدخل دخول المسيحية لأوروبا كلها عن طريق بولس الرسول من إنطاكية في سوريا حتى وصل إلى مدينة بافوس (الرواية، ص116-117). بالطبع هذا الملمح التاريخي لدخول الدين المسيحي وتعاليم المسيحية لأوروبا، معلومات صحيحه بذل فيها المؤلف مجهودا لقراءتها وإعادة صيغتها داخل النص السردي الروائي.

تبدأ الرواية بالإهداء الذي كتب فيه عبارة واحدة يقول فيها: (إلى "الجزائر": قريتي التي أحب)، وقبل الإهداء وكتب الكاتب تحت اسمه وبين قوسين "المنياوي" وهذا ليس لقبه به صفته، بأنه ينتمي للمنيا، قسم الكاتب روايته إلى عشرة فصول، ولم يضع لها عنواناً، بل يذكر أن هذا هو الفصل رقم كذا، ولكني من خلال قراءتي للراوية وفصولها، استطعت أن اقتراح واضع عناوين للفصل، أحيان عنوانا أو أكثر لكل فصل، وهذه وجهة نظر، فمن حق المؤلف أن يعنون فصوله أو لا يعنونها، ولكن من حقي كمتلقي أن اتفاعل مع الراوية بالشكل الذي اريده، والعناوين التي استخلصتها للفصول بالترتيب على النحو التالي: الفصل الأول (ص7-22؛ الشيخ عمران/جاردنز)، الفصل الثاني (ص23-34؛ عابد الحالم راعي الخراف)، الفصل الثالث (ص35-49؛ مرقد أهل الكهف/أبوعلندة/الجوفة/زيارة لأماكن الصالحين/المخلوق الذي هبط من سماء مصر)، الفصل الرابع (ص50-59؛ الأسطرجي)، الفصل الخامس (ص60-88؛ فائضو الأوطان)، الفصل السادس (ص89-103؛ أعياد الكيرسماس)، الفصل السابع (ص104-133؛ الديناصور/مزرعة الدواجن/جنة سماء بافوس)، الفصل الثامن (ص134-160؛ جنة إستاليوس)، الفصل التاسع (ص161-196؛ الانزلاق نحو النار!/استعذب الخطيئة)، والفصل العاشر والأخيرة (ص197-246؛ جينا/صاحب الفيل/أرض افروديت/غابات ترودوس).

للألوان وضع خاص داخل هذه الرواية، فالرواية مليئة بالألوان، وذلك لأنها من طبيعة عمل "إبراهيم" فهو يعمل نقاشا طوال سنوات غربته سواء بالأردن أو قبرص، فالألوان أحد الوسائل التي تعبر عن الحياة، وعن الحالة النفسية للإنسان، وإن لكل يوم نعيشه لون؛ وليست الألوان فقط جليه بالأحداث الروائية داخل النص السردي بل عالمي الطير والحيوان، وذلك بسبب أن إبراهيم في الأساس حاصل على بكالوريوس زراعة تخصص إنتاج حيواني، لذلك كان حلم حياته الوحيد أن يمتلك مزرعة للدواجن، وتعليمه العالي جعله يدقا التحدث بالإنجليزية وسهل عليه أمر تعلم اللغة اليونانية عندما سافر وعاش واشتغل بمهنة النقاشة بجزيرة قبرص، وذلك في وقت وجيز كان يجيدها إجادة تامة. وعلى عكس ذلك كان عابد الأمي، فلم يكن يجيد سوى العربية تحدثا فقط، وكان من الصعب عليه تعلم غيرها، إلا من بعض الكلمات والجمل التي أقدم على تعلمها وجعل إبراهيم يحفظها له حتى يستطيع أن يتواصل مع الحسناء أثينا التي أنجمت منه تواءم.

وبرغم أن تلك الرواية للكاتب حسام خلف الله، هي العمل الروائي الأول له، إلا أنني أجزم أنه بالتأكيد يكتب منذ أمدً بعيد، ولكن لم ترى أعماله النور إلا مع هذا العمل، الذي أراه متميزاً فيه جداً، وخاصة أن الرواية لا تعد صغيرة الحجم، هذا من حيث الكم، أما إذا ناقشاً الكيف وهو بالطبع المهم في العمل الإبداعي الروائي، فالكاتب يمتلك أدواته، اللغة لديه استطاع بها أن يخرج ما يمتلكه من ثقافة وملكة سردية، فهو يكتب باللغة الثلاثة التي تقع ما بين الفصحى والعامية، الرواية في مجملها كتبت بالفصحى، عدا العديد من الحوارات التي دارت بين شخوص المشاهد الروائية، حيث يكتب الحوار على حسب ثقافة ودرجة تعلم الشخص المتحدث، الحوار واضح جدا بالرواية، مع وصف المكان مسرح حدوث المشهد الدرامي بصورة تجعلنا نشم رائحة سيناريست، يستطيع أن يكتب السيناريو والحوار للأعمال الروائية.

الغوص في التفاصيل السردية للشخوص أو الأماكن داخل تلك الرواية، لا هو بالمختصر المخل أو المطول الممل، وخاصة أنه يحكي أن أحداث وشخصيات وأماكن واقعية، ولكنه ينقل لنا حياة اثنين من المصريين ببلاد الغربة وهنا اختار لدولتين الأولى هي الأردن وعاصمتها عمان، والثانية هي قبرص وعاصمتها نيقوسيا، فقد تعرض في هذه الرواية لأماكن ومدن وقرى عاش فيها ودفن بها أنبياء ورسل وصالحين سواء قبل ظهور الكتب السماوية الثلاثة أو بعد ظهور اليهودية المسيحية والإسلام، فقد أبرز المؤلف سير العديد من الأنبياء والصالحين في روايته، ووظف أماكن عيش وتنقل شخصيات الرواية التي وطأة أرجلهم على نفس الطرقات التي سار عليها هؤلاء العباد المرسلين من السماء لوعظ أهل الأرض، ويكأن الكاتب يريد أن يخبرنا بأن الحياة في أولها كآخرها، ما حدث من مئات بل آلاف السنين يعاد في نفس الأماكن ولكن في زمان مختلف وبشخوص تحمل داخلها جينات بها تراكيب وراثية محمل عليها كل خبرات الكوكب الأرضي منذ أن خلق الله سبحانه آدم وحواء وحتى اللحظة التي نعيشها الآن ونقرأ فيها تلك الرواية وبعد هذه السطور التي تتحدث عن الرواية، بل يريد المؤلف حسام خلف الله أن يرسل للأجيال القادمة رسالة مفادها أن ما حدث ويحدث على الأرض من الإنسان، سوف يحدث ويظل يحدث بنفس الكيفية في المستقبل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وننتقل إلى وطننا الأصلي الذي هبط منه أبينا آدم ثم عاد إليه بمجرد موته ودفن جسده بالأرض التي وهو جزءً منها وصعود روحه لخالقها، ألا وهي الجنة.
لا استطيع أن أقول بأن الحالة النفسية للكاتب قد تغيرت طوال فصول روايته، ولكني استطيع أن اجزم بأن استطع أن يغير من الحالة النفسية والمزاجية للقارئ والمتلقي، فلحظات تشعر بأنك سعيد وأخرى غاضب، الفرح والحزن، سعة الصدر وضيقة، الصعود للجبل والنزول منه، النهار والليل، الغروب والشروق، أنك نائم ثم واقف ثم ماشي فمهرول إلى أن تقع على وجهك، كل الاحاسيس والمشاعر الإنسانية بالسلب أو الإيجاب، الشيء ونقيضه سوف تراه وتشاهده مجسداً مع أحداث ومواقف الرواية، والحالات التي مر بها أبطال رواية "آدم يهبط مرتين"، هذا كله دون أن تشعر بمنتهى السلاسة واليسر.

تبدو الرواية في ظاهرها أنها واقعية تحكي قصة حياة شخصين مصريين سافرا خارج الوطن للسعي وراء الرزق، وما يتعرضان له من مواقف وأحداث تزيد من خبراتهم في الحياة، تضاف إلى التجربة الإنسانية، ولكن عند التعمق في مضمونها تجدها رواية فلسفية، ركز فيها الكاتب على هضمه للفلسفة اليونانية، والتي اتخذ من الجزيرة القبرصية واللغة اليونانية مسرحاً لمعظم أحداث الرواية، وكأنه يقول ان جميع الشخوص التي تعيش على ظهر تلك الجزيرة ويأكلون ويشربون منها ويتحدثون لغتها، أيضا يفكرون ويتصرفون طبقا لفلسفتها الراسخة منذ قديم الأزل، فالشخصيات التي تعيش في القرن العشرين أو الحادي والعشرين، يمشون في تلك الدنيا بالمنهج الفلسفي للحضارة اليونانية القديمة!

لذا فقد انتهجنا في تلك الدراسة، المنهج الوصفي التحليلي الفلسفي، حتى يتمشى مع الفكر الذي اتبعه الروائي حسام خلف الله، في تناوله لروايته "آدم يهبط مرتين".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى