الثلاثاء ١٤ آذار (مارس) ٢٠١٧

قنبلة الذكريات

دارين المساعد

هل تساءلتم يوماً كيف نتخطى ذكرى سيئة!!؟! نعم توجد هُناك طريقة مناسبة للتغلب على بعض الجروح العميقة. لأن الذكرى السيئة تصاحبها آلآم الخيبات والكثير من مشاعر الندم والحسرة واللوم. الذكرى السيئة ماهي إلا ترسبات سلبية. كثير من الناس يرسفون في أغلال هذه الذكرى بإستسلام ويغضون النظر عنها كُلّما برزت أمامهم وأظهرت نفسها في بعض المواقف. كرائحة عِطر! أو مكان تقبع فيه مشاهد تلك الذكرى عالقةً تأبى الإبتعاد والرحيل. أو مع ملامح طفل وتلك أصعبُ الحالات. أو إسم شخص، أو ربما هاتف نقّال. أو ساعة يد، أو موسيقى مُعينة أو طرازِ سيّارة. بعض الألوان وحتى بعض أنواع الطعام. ولكني أُجزم أن الروائح هي أقوى أسلحة الذكريات فتكاً بقلوبنا المُرهفة. فعندما تتخلل أنفك رائحةُ أرتبطت بحادثة معينة أو مكان أو شخص. فإنها تُعيدك إلى الماضي أسرع من فرقعة إصبع. الذكرى تتسحّب بمكرٍ وتختبئ خلف كُل شيء.إنها صُنع اللحظات التي نتنفسها ونعيشها يومياً. حتى هذا المقال سيكون ذكرى جديدة سأخبركم كيف بدأت.

طوال عشر سنوات وأكثر تقبع أسوء ذكرى مرّت علي في قلب هذه الزجاجة الموقوتة، القابلة للإنفجار. عندما أراها على أرفف المحلات أهربُ من نفسي أولاً ثم أُهددها بالويلات والثبور إن إقتربت عيناي حتى من النظرِ إليها. زجاجتها تبدو لي كشاشة سينما عملاقة تُصور لي كُل مارأيته وشعرت به في تلك الأيام..

قبل أيام بمحض الصدفة وبحالةٍ من التعافي عن تلك التجربة نظرتُ للقُنبلة الوردية مطولاً ثم تقدمتُ لها بتردد. أحمل في نفسي رغبةً لحوحة في كشف الجرح. هل فعلاً نضجت عنه أم أني لهوت فقط؟ طلبتُ من البائع أن أشتم رائحتها. وأنا إلى أن تناولت تلك الورقة الصغيرة كارهةً لما أفعله. وضعتها على أنفي ورحلتُ معها بعيداً عن كُل ماحولي. لا أذكرُ بعدها إلّا أني جلستُ وحدي مطولاً في زحامٍ كثيف وكأن الماضي يحيا من رُفاته ويعود ويتجسّد أمامي. في ليلة ذلك اليوم قسوتُ على تلك الرائحة وحبستها داخل الحقيبه اللتي حملتها وتشبعت بعطرها الزكي ثم غمرتها بكل مايُبعدها عن حواسي الخمسة.

ذلك كان قراراً بديهياً يتلو صدمة الجرح القديم. أصبحتُ بعدها أُشيح بوجهي عن النظر لتلك الحقيبة. أتركها خامدة وتعلوها ذرات الغُبار. تحبس الجرح بأمانة فيما تركته أنا ونسيته. تجاهلتُ أني كشفت الجرح ولم أجتهد في علاجه. قباحة الجُبن تمكنت مني.

في يومٍ ما أنتصرت علي تلك الرائحة المسجونة في خزانتي وشممتها مع إحداهن. تخللت أنفي ومشاعري معاً. جلستُ أمامها وكأنها قد صفعتني. خجِلتِ المرأةُ من حالي. تسببتُ لها ولي بحرجٍ شديد. تساءلت بمبادرةٍ حريصةً منها علي. تلعثمت و لم أستطع الحديث رغم بلاغتي المعهودة مني تركتُ لها حرية التحليل والإستنتاج وأبتعدت.

وبخت نفسي على ضعفها، وبحثت بجهدٍ عن إيجابيتي وتفائلي. عن حكمتي وعلمي! أين هم؟

خذلتني نفسي حين أحتجتُ إليها؟ فقررت علاجها وأتجهتُ فوراً قاصدةً تلك القنبلة. نظرتُ لها بقوة وأقتنيتها بشجاعة. حملتُها بيدي بصمت مُطبق لاأعرف لماذا أعتراني؟! وذهبتُ بها إلى مخدعي بتفوقٍ على كل مُراودات الهروب وغصّات الدموع. وضعتُها أمامي!! حولها كُتبي، ًوبعضاً من أوراقي وأقلامي، أمشاطُ شعري والكثير من دلالات التغيير اللتي لم تعهد أن تراها معي أخرجتُ القُنبلة برباطة جأش من صندوقها الناعم. شممتها وحبست رائحتها في صدري وعاهدت نفسي أن تكون لها ذكرى جديدة جميلة. أخبرتها أني لا أُكن لها في صدري أي كره. ولن أخسر قوتي وثباتي بسببها تحت أي ظرف. ثم زفرت تلك الرائحة براحة وسعادة.

تعلمتُ من تلك القنبلة أن الشجاعة والقوة لاتكمُن في التغيير أو التغلُب على الأحزان بِكُل مُثيراتها. بل تتجسد بالقناعة بأن الأفكار هي ماتصنع واقعنا الآن والذي سيكون ذكرى فيما بعد. ولكي ننظر خلفنا ونبتسم! علينا أن نصنع الذكرى الجميلة من أعمق جرح. وننحت حاضراً يُرضينا ونطمح أن نصبح عليه غداً

دارين المساعد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى