الجمعة ١٧ آذار (مارس) ٢٠١٧
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

سيد عدنان

قبل ثلاثة عقود، كنت أعمل مع أخي في فترة الصيف؛ واشتغلنا عند سيد عدنان نبني له حجرة للضيوف.

كنت أرى زوارا من مختلف الأطياف يزورون السيد ثقالا بالهموم، فيخرجون بعد لحظات خفافا.
عرفت بعدها أن لديهم مشاكل يلتمسون حلها عند السيد، فيحلها لهم السيد بطريقة التنبؤ عن المستقبل وكشف أسرار الماضي وتقديم الحلول المناسبة كما يزعم.

ولم أكن مؤمنا للسيد بما يدعيه من استجلاء الغيب رغم صغر سني آنذاك. بل كنت متأكدا أن الأمر غير ما يدعيه السيد ويزعمه.

ولأن عملية البناء استغرقت أسابيع، استأنس السيد بنا؛ فطفقنا نتجاذب أطراف الأحاديث المختلفة معا، ومنها تلك التي يسميها السيد كرامات خاصة، وهي في الواقع أسرار مهنته ليست إلا، ويعتبرها السيد محظورة الخوض.

طلبت من أخي أن يسأله كيف يستكشف الأسرار فيجد حلها؟َ!

هل يوحيها له أحد؟!

أم هل لديه أي ارتباط أو أية علاقة مع غير بشري؟!

ضحك السيد وحاول أن يتحاشى السؤال، لكن أخي ترجاه أن يجيب.

فقال: سأروي لكما نموذجا واحدا لا غير، اسمعا جيدا:

جاؤوا بفتاة مريضة هزيلة، قالوا إنها لم تأكل الطعام منذ فترة؛ وإنها تتألم من داء في بطنها،
وقد أخذوها إلى أطباء كثيرين وأجروا لها فحوصات عديدة وتحاليل، لكنها لم تشفَ من المرض.
أمرتهم أن يخرجوا من الحجرة جميعا، ففعلوا؛ فخاطبتها:

بوحي بسرك صراحة كي أحل لك المشكلة.

ودون أي تردد قالت إن لديها عشيقا، تحبه ويحبها، وقد خطبها أكثر من مرة؛ لكن أهلها لم يوافقوا! فتظاهرت بالمرض وأضربت عن الطعام.

سألتها: ما اسم عشيقك؟

قالت: عامر.

ثم ناديتهم ليدخلوا، وقد أحضرت البخور والحرمل، وأنا أنظر في كتبي وأقرأ بعض الكلام غير المفهوم لهاروت وماروت، وأمثل لهم بأني أكلم جنيا؛ فرفعت صوتي: لم أفهمك... هل قلت عامر؟ اسمه عامر؟

وأنهيت التمثيل.

فقلت لهم: إن ابنتكم لا تشفى إلا أن تتزوج شخصا اسمه عامر، وإلا سيشتد مرضها فتموت بعد شهر.

فخرجوا بعد أن دفعوا الأجرة وهم يهرولون نحو عامر ليزوجوه عشيقته... واحتلت المشكلة.

وطمعت بأكثر من هذا، لكن السيد أغلق الباب في وجوهنا وحذرنا من الإلحاح في كشف أسرار مهنته.

أحببت أن أسأله كيف يحل مشاكل كثيرة ومتنوعة بكثرة اختلاف الناس وتنوعهم، لكنه لم يفش لنا إلا واحدة.

ولو أجاب لربما قال أن التعاويذ التي يكتبها لا قيمة لها، وإنه يعتمد على مرور الزمن ليساعده في حل بعض المشاكل.

ولو أن مشكلة استعصت فلم تحل، فسيعزوها السيد إلى عدم خلوص النية بما يقوم به، وعلى ذوي المشكلة أن يستغفروا ربهم ويخلصوا النية للسيد، وأن لا يكونوا من الممترين.
وأعود لأتساءل:

لو أن أهل الفتاة استمعوا إلى ابنتهم، وتفاهموا معها، هل اضطرت الفتاة أن تلجأ إلى أسلوب الضغط على نفسها وعلى أهلها؟!

هل أرغموا أن يراجعوا الأطباء والمختبرات فينفقوا أموالا ما كان يجب أن ينفقوها؟!
هل احتاجوا السيد؟!

هناك مشاكل أسرية كثيرة نستطيع أن نحلها – لو ارتقينا قليلا- بسهولة، ولما اضطرنا الجهل أن نلجأ إلى ذوي الشأن والكرامات (كما يدعون)، وإلى المشعوذين الذين لا يألوننا خبالا.

ختاما، نسيت أن أشير إلى أن السيد نفسه لديه مشاكل في أسرته عجز عن حلها!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى