الثلاثاء ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٧
جولة أدبية
بقلم فاروق مواسي

مع الفقير والغنيّ

تعوّذ الرسول الكريم من الفقر في حديث شريف، فقال:

"اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر"، وفي حديث آخر "كاد الفقر أن يكون كفرًا".

ونسب لعلي أو لعمر: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".

ها نحن نرى الفقر يطغى في شعوب العالم، ونرى صور البشر وهم هياكل عظمية لا يكفّون عن الأنين والبكاء والدعاء لرب السماء، وعيونهم غائرة، وجماجمهم ظاهرة، والعالم الرأسمالي غالبًا ما يتفرج على هذه المناظر، ثم يضرب كَشْحًا ليتابع خططه الاقتصادية، وكأن الأمر لا يعنيه ولا يدريه، وغاب عنهم ما ذكره علي- كرم الله وجهه- "فما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني"، فأية دقة نظر هذه!

الفقر يُزري، "وقد يسوِّد غيرَ السيدِ المالُ". هذه حقيقة وإن كنا أحيانًا نحاول أن نعزي الفقير، بأنه لا مال أفضل من العقل، وبأنه لا فقر أسوأ من الجهل، وبـ "أن الغِنى غنى النفس"- كما ورد في الحديث الشريف.

قرأت من شعر أبي العَيناء عن المال، فوجدت هذا الفهم العميق لواقع الحال في المجتمع عامة، يقول:

إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
إن الغنيَّ إذا تكلم كاذبًا
قالوا صدقت وما نطقت مُحالا
وإذا الفقير أصاب قالوا لم يُصبْ
وكذبت يا هذا وقلت ضلالا

إذن هذا هو المجتمع ينظر غالبًا إلى الفرد بقدر قوته، والقوة هنا اقتصادية، فلا غرو أن يربط المتنبي بين المجد والمال، فيقول:

فلا مجدَ في الدنيا لمن قلّ مالهُ
ولا مالَ في الدنيا لمن قل مجدهُ

فماذا ينفع المال شخصًا لا يمتلك مقومات الكرامة وعزة النفس؟

وماذا تنفع الكرامة لمن لا يجد قوت يومه، وفي هذا أستذكر قول أُحيحَة بن الجُلاح:

كل النداء إذا ناديت يخذلني
إلا النداءَ إذا ناديت يا مالي!

يقول العباس بن أحنف واصفًا حالة الفقير في مجتمعه:

يغدو الفقير وكل شيءٍ ضدُّه
والأرض تغلق دونه أبوابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا بِزّةٍ
أصغت إليه وحرّكت أذنابها
وإذا رأت يومًا فقيرًا جائزًا
نبحت عليه وكشّرت أنيابها

بل إن عُروة بن الورد- عروة الصعاليك (أي الفقراء) كان يسعى للغنى:

ذريني للغنى أسعى فإني
رأيت الناس شرُّهمُ الفقير
وأبعدُهم وأهونُهمْ عليه
وإن أمسى له حسبٌ وخِيرُ
ويُقصيه النديُ وتزدريه
حليلته وينهره الصغير
وتُلفي ذا الغنِى وله جلال
يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليل ذنبه – والذنب جمٌّ
ولكن للغنِي ربٌّ غفور

ليس االفقر قاصرًا على الفرد، بل نجد ذلك في أيامنا ما ينطبق على الدول والجماعات، و"أرى الناس قد ذهبوا إلى من عنده الذهب" وأرى الناس قد مالوا إلى من عنده مال، ومن لا عنده فضة، فعنه الناس منفضّة- (نسبت إلى الشافعي أو لعلي كرمه الله).

وصدق أبو العتاهية وهو يحاور المعنى نفسه:

ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها
فكيفما انقلبت به انقلبوا
يعظّمون أخا الدنيا فإن وثبت
يومًا عليه بما لا يشتهي وثبوا

الفقير المُدْقِع يظل دأبه البحث عن لقمة عيشه له ولعائلته، فهل ينتظر أحد منه أن يثور على الظالمين في جو أحكام مستبدة جائرة؟

فلا تعجبوا إذا لم يخرج شاهرًا سيفه، كما يتوقع عمر الفاروق.

مررت في مدينة مراكش قبل سنين على رجل يبيع بعض ضمات البقدونس وعدد من البيضات. في أثناء عودتي وجدت البقدونس والبيضات "على حالها"، فسألته:

ماذا ستربح من وراء عملك في هذا الحر الشديد؟

قال: "درهم" أشتري به رغيف العيش.

أترككم للتفكير،

ومثله ملايين ممن يجدون الغربة في أوطانهم، وفيهم يصدق أبو بكر الزَّبيدي، إذ يقول:

الفقر في أوطاننا غربة
والمال في الغربة أوطان

أخيرًا، فإليكم بعض أمثالنا الشعبية ما يعبّر عن الفقر بصورة قاسية:

اللي معه قرش بيسوى قرش، بالفلوس على كل شي بتدوس، الفقر بيسبب الزقر، فقره من نقره، وموت الفقير وزنا الغنى لا يدري بهما أحد، والغني بيغنوا له، والفقير بـ (...) له...إلخ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى