الثلاثاء ٢ أيار (مايو) ٢٠١٧

رواية «مشاعر خارجة عن القانون» والسرد اللافت

سليم أنقر

رواية (مشاعر خارجة عن القانون ) للأديبة رولا خالد غانم، ابنة مدينة طولكرم، صدرت عام 2016 عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة وروايتها هذه هي الثانية، حيث صدر لها عام 2015 رواية عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس بعنوان "الخط الأخضر"

ورواية مشاعر خارجة عن القانون من القطع المتوسط تقريبا، تمتد على 130 صفحة من الورق المصقول الجيّد بكتابة وطباعة جيّدة، يزين غلافها لوحة فنية للفنان التشكيلي العالمي الدكتور جمال بدوان، توحي هذه اللوحة بمضمون الرواية، فهي تحمل صورة فتاة ترفع يدها إلى أعلى باتجاه الشمس توقا للحرية. وبجانبها سيّدة تجلس كسيرة تفكر بحالها.

ملخص الرواية: الرواية تتحدّث عن قصّة إعجاب لفتاة جامعيّة من مدينة طولكرم تدعى أحلام، التحقت بالجامعة العربية الأمريكية في جنين، فأعجبت بشاب فلسطيني من المخيم يعمل حارسا على مدخل الجامعة، وكان الإعجاب متبادلا بينهما، وتقدم هذا الشاب الذي يدعى بهاء لخطبتها، لكن أباها رفضه لأنه ابن مخيم، ولا يليق صهرا له، هو الثري صاحب الشركة، ولم يكتف الأب برفضة بكل قسوة، بل عاقب ابنته على التفاتها نحوه، بأن أخرجها من الجامعة وأرسلها عند أخيه في دولة (دبي) فأثّر ذلك على نفسيتها وصحتها، حيث أصيبت بمرض ارتفاع ضغط الدم، ممّا حرك مشاعر والدها فوافق على زواجهما فيما بعد.

دراسة وتقييم: سأتكلم عن الرواية من ثلاث زوايا، وهي:

الدلالة اللفظية والمعنوية لاسم الرواية، ومضمون الأفكار الرئيسية فيها.

البناء الأدبي والفني لرواية مشاعر خارجة عن القانون.

أسلوب الكاتبة رولا غانم و لغتها، وموهبتها الروائية.

دلالة اسم الرواية: رواية مشاعر خارجة عن القانون، لا تعني فقط الأحاسيس الإنسانية والشعور، بل ما يصاحب هذه الأحاسيس من وجدان وإدراك ووعي يتعلق بأحداث الرواية ويتفاعل معها، وخارجة عن القانون لا تعني القانون الشرعي أو المدني، الذي تعمل بموجبه المحاكم الشرعية أو المدنية، بل تعني سلطة التقاليد والعادات القديمة التي ما زالت تتحكم في حياتنا نحن المجتمع الفلسطيني والعربي، وتضرّ بنا وتعيق انطلاقنا وتقدّمنا في الحياة، فتمنع عنا السّعادة وتستبدلها بالشقاء، وتفرض علينا التخلف والإعاقة كما جاء في نصوص الرواية:" مصيبتان وقعتا فوق رأسي، المصيبة الأولى إعجابها(يعني أحلام الشخصيّة الرئيسة في الرواية) بالشاب( يعني بهاء الشاب الذي على خلق حسن ويعمل، لكن عيبه في نظر هذه التقاليد أنه ابن مخيم) أول بنت في عيلتنا تنظر لبرا يا فضيحتك يا أبو رفيق"ص81
وهذا النّص يرينا مدى تحكّم التقاليد والأفكار المتخلفة بعقلية جيل الآباء مثل أبي رفيق وغيره.
فالإنسان لا يقدر بغناه المادي وانتمائه الطبقي، فكم من الأغنياء منحلين أضاعوا ثرواتهم على لعب القمار، وكم من أبناء الطبقات البرجوازية حياتهم ضياع، لا يحملون مسؤولية، فاقدي الرجولة.

إنما يقدر الإنسان بخلقه الحسن، وجديته في الحياة، وتحمّله للمسؤولية، وقيمه الخلقية الحسنة العالية. والمشكلة عندنا في المجتمع الفلسطيني كما تبرزها رولا غانم بوضوح في روايتها، هي : أننا نريد أن نتقدّم، ولا نريد أن نتحرّر، وهنا يبرز التناقض في حياتنا، فنحن من ناحية نرسل أبناءنا وبناتنا للجامعات، ومن ناحية ثانية نخاف على البنت خاصّة من التّحرر الفكري والتنوير العقلي الذي تشعّ به أجواء الجامعة، ومن الحوار بين الجنسين والتقائهما في رحاب الجامعة، وفي جوها المتحرر نسبيا الذي يفرضه منطق العقل والفكر، الذي هو عنوان التعاقل والمقياس للسلوك والقناعة. فأبو رفيق يرسل ابنته أحلام للجامعة العربية الأمريكية في جنين ويشجعها على التعلّم فيها رغم خوفها من جو الجامعة، والبعد عن مسقط رأسها (طولكرم) :" بكل صراحة أنا لا أفضل البعد عن أهلي، وأفضل الدراسة بنفس مدينتي، ولكن رغبة والديّ وأنا لا أقدر على زعلهما"ص 19 ، تعني أحلام بهذا الحوار أن رغبة والديها هي أن تتعلم في الجامعة العربية الأمريكية، وهما اللذان يشجعانها ويدفعانها إلى ذلك. وهنا يطرح السؤال نفسه، إذا كانا يريدان لها التعلم في الجامعة، فلماذا يرفضان أجواء الجامعة الاجتماعية والسياسية والفكرية، التي يفرضها جو العلم والرقيّ المنطقي الذي تتسم به الجامعة، ويسود فضاءها الذي يتعامل بالفكر والمنطق والقناعات المنطقية والفكرية؟!

فهذا أبو رفيق مثال لرجل شرقي ثري طبقي في عالمنا الفلسطيني والعربي، يحب التعلم والتقدم ويتمسك بالعادات والتقاليد الخاطئة وغير المعقولة، التي تعيق العلم والتقدم، وتتصادم وحرية الفرد كإنسان وتهدر كرامته وشخصيته، فتثور ثائرة أبي رفيق ويجن جنونه، عندما يرى صورة مدسوسة من شاب ساقط أخلاقيا، يدعى مروان، يرسل له صورة ابنته في جلسة جامعية مع زميلاتها، وشاب آخر ألا وهو بهاء، ولم يتروّ ولم يستفسر من ابنته عن حقيقة هذه الصورة، وكيف كانت الجلسة الطلابية الحقيقية قبل أن يقصّ منها هذا الشاب "مروان" صورة دلال الفتاة التي كانت تجلس مع أحلام، وهي أخت بهاء رافقته، لتتعرف على أحلام من أجل خطبتها له :" كنت مع صديقتي دلال وجاء أخوها صدفة وجلس معنا دون أن يستأذن، فجلست معهما لمدة دقائق وخرجت".ص ص110

كيف كان أبو رفيق يتصوّر أن تكون ابنته؟ هل أرادها صنما صامتا، تستقي المعلومات فقط، وهي فتاة في مقتبل عمرها؟ وأنا لا أدعو بهذا التساؤل أن تتنازل الفتاة عن عفتها أو عذريتها، بل على الأقل أن تتحاور مع شاب من الجنس الآخر سيكون مستقبلا شريك حياتها، وستبني معه عائلتها. كيف ستكون هذه العائلة، وكل منهما يجهل الآخر، على هذا التساؤل الهام والمصيري تبني الروائية غانم روايتها، وتسوق الأمثال على جوّ التعاسة والجهل الذي يسود كثيرا من العائلات والأفراد في مجتمعنا الفلسطيني، لأن العادات والتقاليد المتخلفة التي يتمسك بها أبو رفيق وأمثاله هي التي تتحكّم في المجتمع، وليس قيم العدل والمنطق والعقل.تقول غانم:" مع ظهيرة اليوم التالي أفاقت أحلام على صوت تكسير زجاج في الخارج وصراخ يكاد يشق طبلة أذنها...... وإذا بالصوت يخرج من بيت أبي مؤيد ص 63" وتقول:"وصلت الجدّة البيت وهي تلهث، وتلتقط أنفاسها، تنحنحت قليلا ثم طرقت الباب بالعصا فتح أبو مؤيد الباب، وشعر بالحرج أمامها خصوصا أن زجاج التحف متراكم على الأرض على مرأي عينيها، ودموع أم مؤيد تنهمر على وجهها"

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه أما حالة أحلام، هل اختيار شريك الحياة والإعجاب به جريمة تحرم بموجبه الفتاة من تعليمها الجامعي وتعاقب عليه؟ وهذا المشهد ينقلنا لشاعرة فلسطين الكبيرة الراحلة فدوى طوقان التي منعت من الذهاب إلى المدرسة الابتدائية، وهي لم تتعد تسع سنوات من عمرها، لمجرد أن صبيا في مثل جيلها رمى عليها وردة بيضاء. فيتشابه الموقفان وتتشابه شخصيات فدوى طوقان في" رحلة جبلية رحلة صعبة" وشخصيات غانم في روايتها" مشاعر خارجة عن القانون)، مع العلم أن بينهما من الزمن ما يقارب تسعين سنة.

إلى متى سنبقى أسرى هذه العادات المتخلفة، وهذه القيم الخاطئة؟

هذا ملخص مضمون الرواية، من حيث الأفكار والمعاني وهو مختصر جدا، وانتقل الآن إلى الشخصيات الثانوية والأجواء الاجتماعية والسياسية في الرواية: أهم ما يلفت الانتباه في الرواية من بعد شخصيّة أحلام شخصيّة الجدّة، التي تحمل القيم الأخلاقية الحميدة في الرواية، وهي قيم الجدّة الحسنة والتكافل الاجتماعي والتضامن مع الآخرين وقت الشدة. ونجد الكاتبة تتكلم بضمير الغائب هو\هي تعرف كل شيء عن شخصيات الرواية، تمدح الجدّة وتقدر مواقفها الحميدة وقت الشدة ووقوع الحوادث، ولا تهمل اسداء النصائح إلى الفتيات المتزوجات بالصبر وتحمل الظروف الصعبة، كما تسدي النّصائح للرّجال والشّباب حديثي السن المتزوجين بالجدّيّة والمسؤولية والرأفة بالزوجة، حتى تتغير الظروف وتأتي السعادة المنشودة، تقول غانم:" وصلت الجدّة البيت وهي تلهث وتلتقط أنفاسها، وتنحنحت قليلا ثم طرقت الباب بالعصا، فتح أبو مؤيد الباب وشعر بالحرج أمامها"

ردّت عليه بعصبية:" لولا شفقتي على زوجتك المستورة ما عتبت هذا البيت. اتّق الله فيها." ص63

وتكلمت الزوجة شاكية زوجها أمام الجدّة ودافعت عن نفسها، فهدأتها الجدّة بالقول الطيب الجميل، وعملت على إصلاح الوضع بينهما، محاولة حل مشكلتهم بما أوتيت من حكمة وتجربة. تقول:" بعد جدال طويل بينهم، هدأت الجدّة من روعها، وقدمت لها نصائح من ذهب، وعدها أبو مؤيد بالبحث عن عمل، ووعدتها أم مؤيد بالتّحلي بصبر أيوب" ص63

ونرى الجدّة في موقف آخر شهم شجاع تساند جارتها أم حاتم، حينما هاجم جيش الاحتلال الاسرائيلي بيت أم حاتم، ليعتقل ابنها فتهب لمساندة أم حاتم بمحاولتها منع الجنود من اعتقال الشاب، بالرغم من تهديدهم لها بالقتل.

وين رايحة يا حجة ارجع بيت.

لن يردّني إلا الموت.

تجيب الجدّة الجنود.

ارجع ولا بطلق عليك نار. ص46

يهددها الجنود، مع ذلك تندفع باتجاههم محاولة تخليص الشاب (جواد) من بين أيديهم، تقول:

الله لا يوفقكم اتركوا الولد، حسبي الله فيكم ونعم الوكيل.ص46

وتستمر الجدّة في مساندة أم حاتم التي تكاد لا تتناول وجبة الإفطار في رمضان بسبب حزنها وكمدها على ولديها القابعين في سجون الاحتلال. فتدعوها الجدّة للافطار في بيتها،لتواسيها وتخفف عنها مصابها.

"صبر جميل والله المستعان يا أم حاتم. نحن مرابطون في هذه الأرض، ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله"

ربنا يفرجها.

أنا أقترح عليك أن تأتي أنت وزوجك وبناتك لتناول طعام الإفطار بيننا أول أيام الشهر الفضيل، نستأنس ببعضنا البعض. "ص 55

أما وضع باقي زميلات أحلام في الجامعة وهن(بيسان) و(زينة) و(دلال)، فهو مثل وضع أحلام مرارة وبؤسا، مما يدل على أن هذه التقاليد والعادات القديمة تطغى على الجميع:" أما بيسان فوصلت إلى وضع أدهى وأمرّ، فقد فسخ مروان خطوبته منها، لتعود إلى دائرة أحزانها من جديد" ص119

تقول:" إن السعادة لم تخلق لي يا عزيزتي، خذوا حصتي منها" ص119 الوضع السياسي: هو الوضع الحالي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من احتلال واعتقال إداري بلا محاكمات وغيره، وتضييق على الحواجز، واقتحام للبيوت وتخريبها والاستهتتار بحرماتها وحرمات أصحابها الفلسطينيين. تقول غانم في الرواية:" حالة تأهّب في صفوف الجيش الإسرائيلي الذي طلب الهويات من الرّكاب، ثم قام بتفتيشهم جميعا بعد أن اصطفّوا بجانب بعضهم بأمر الجنود".

وعن عرقلة أحلام عن حضور المحاضرات بسبب التوقيف والتعويق على حواجز الاحتلال.تقول:" أنا لم ألحّق محاضرة اللغة العربية بسبب تأخيرنا على حاجز عناب، لقد قام الجيش بتفتيشنا إثر عملية طعن حدثت في المكان، أو محاولة طعن كما قالت قوات العدو أسفرت عن استشهاد الفاعل على الفور" ص19

وتتطرق الرّواية إلى كل أنواع المقاومة، فتذكر إلى جانب المقاومة الحربية، المقاومة النفسية وتحدي الاحتلال بالإضراب عن الطعام، تقول أم حاتم التي سجن أولادها في مقاومة الاحتلال:" ابني جواد أضرب عن الطعام في سجن مجدو.... احتجاجا على استمرارسياسة الاعتقال الإداري دون تهمة موجهة"ص104

والرواية لا تقدم رؤية سياسية لحل هذه المعضلة والمأساة العظمى، ولا تذكر كيفية لحلها، ولا تصورا لما يمكن أن يكون عليه الوضع مستقبلا بين الشعب الفلسطيني، والشعب الصهيوني اليهودي المحتل الظالم، ربما لانسداد الأفق، وعدم ظهور أي بشائر سياسية تدعو للتفاؤل، وغرق الجميع في حالة مستعصية من مقاومة يستحيل معها الخضوع وقبول الاحتلال، في ظل تعنت واصرار الاحتلال على زيادة المستوطنات، وعدم تقديم حل معقول وعادل من جانب دول العالم. فبهذا نجد رواية غانم تركز على الوضع الاجتماعي وتصوره تصويرا واقعيا، إلى جانب أزمة التحرر والتقاليد والعادات القديمة المتخلفة، وأثرها في تقييد المجتمع وتأخيره، مما يجعلها رواية هامة.

فمضمون الرواية الاجتماعي والسياسي الواقعي يكسبها أهمية بالغة، ويجعلنا نغض البصر عن أسلوب الكتابة، وباقي عناصر الرواية الفنية يمكن أن تعالج بالمران والتجربة التي ستكتسبها غانم مستقبلا، وهي ليست بالأولوية، ولا بالأهمية القصوى مثل الحبكة القصصية التي أبدعت بها غانم إبداعا ممتازا سواء في النسج أو المضمون اللذين يشجعان على القراءة.

البناء الأدبي والفني للرواية: امتاز البناء الأدبي والفني للرواية بالحبكة القصصية القوية المتماسكة من أول كلمة في الرواية" نهضت من فراشها فزعة بعد أن قضت ليلة تمشي الأحلام فوق جفونها"ص 7، حتى آخر كلمة فيها" هناك عند مفترق الدرب لكل منا ذكرى تلاحقه كظله، ذكرى لا يمحوها العمر ولا شقاء السنين" ص 130، ف غانم تنسج الرواية بدقة وإتقان من بداية استعداد أحلام لدخول الجامعة وتشجيع أمها وأبيها لها بسبب هيبتها من هذا العالم الجديد، حتى نهايتها، وتمتد هذه الرواية بسلاسة لتتحدث عن مضايقات جيش الاحتلال للفلسطينيين خلال التنقل وعلى الحواجز، ثم تتحدث عن أحلام وعلاقتها بزميلاتها الجديدات ثم تنتقل بسلاسة وتعرف القارئ على بهاء حارس الأمن الذي على مدخل الجامعة، ثم تبني الحبكة القصصية بسلاسة وتمكن، فتتحدث عن مشكلة أم مؤيد مع زوجها، فتقول:" وأنا ما عندي هموم يعني لمن أشكو همي أنا بشر أيضا من لحم ودم. ولست حجرا. أنا أحمل هم الزوج وهم الولد وهم الأهل وهم الوطن وهم نفسي طفح الكيل عندي وأوشكت على الانفجار" ص 27

وجاء في الرواية على لسان أم مؤيد كم تتحمل المرأة الفلسطينية من هموم. لا تبقي شيئا لم تتحمل همّه، وهذا يعطي إثراء للرواية التي تتمحور حول التقاليد والعادات المتخلفة، وظلم الفتاة والمرأة الفلسطينية، وتنتقل بعد الحديث عن بهاء ابن مخيم جنين الذي استشهد والده في الانتفاضة، وسجن أخوه ثم هو وهو في الثانوية العامة، فلم يكمل تعليمه، ولم يتمكن من أداء الامتحانات. وتنتقل لتتحدث عن الجدّة وعلاقتها بالجيران، و في كل المشاهد نجد أحلام حاضرة ولها علاقة بالشخصيات، مما يجعل الحبكة قوية ومتماسكة، والأحداث تجري بمنطقية وتتطور حتى تنتقل إلى خبر معرفة والد أحلام بمجالستها لبهاء، وغضبه وإخراجها من الجامعة، وإرسالها إلى دبي عند أخيه، وتبقى أحلام من بدء الرواية حتى آخرها هي الشخصيّة الرئيسية، وتتشعب علاقاتها مع الشخصيات الأخرى في الرواية، مثل صديقاتها في الجامعة وأبيها وأمها وجدتها وجاراتها وبهاء وعدوها مروان الذي مكر لها السوء، إلى أن تنتهي باعتراف مروان بأنه هو الذي دسّ عنها أخبارا ملفقة غير صحيحة لأبيها، فيضطر أبوها بعد معرفة الحقيقة ومرضها أن يزوجها من بهاء الذي اختارته، وتنتهي الرواية بعد مئة وثلاثين صفحة تتماسك فيهن أحلام الشخصيّة الرئيسية بعلاقات مع جميع الشخصيات، والأحداث المتسلسلة بقوة وترابط، مما يحسب للأديبة رولا، ويوضح تمكّنها من بناء الحبكة القصصية. ومما يحسب لها أيضا أنها استطاعت أن تصور شخصيّة الوالد أبو رفيق تصويرا جيدا يظهر أنه تغير في النهاية، وتكشف عن أنماط بعض الشخصيات في مجتمعنا الفلسطيني التي تكرر صورة الوالد فلا تتغير إلا بعد الانكسار، أو المنعطفات الخطرة التي تجبرها على التغيير، تقول في السطور الأخيرة:" فكانت المفاجأة أكبر من أن تحتمل حين اصطدمت عينا أم بهاء بعيني أبي رفيق، فتيبّس في مكانه، ورجع بقلبه إلى حيث خفق المرّة الأولى، أبو رفيق الذي كان زميلها و حبيب قلبها بالأمس، ماثلا أمامها اليوم، أبو رفيق الذي وعدها بالزواج ولم يف بوعده حين سمع كلام أبيه، ورفض ابنة المخيم، فكان ابن أبيه حين رفض زواج ابنته من بهاء"ص 130

كان ابن أبيه تعني أنه كرر خطأ أبيه، ولبس شخصيته الظالمة، فكما ظلمه أبوه بمنعه من زواج ابنة المخيم، منع هو ابنته من زواج ابن المخيم، فهل سنبقى نكرر أخطاءنا جيلا بعد جيل؟ هكذا تسأل غانم على لسان أحلام، وهي نهاية جيدة تمتاز بالتنوير، تنير الفكرة وتسلط الضوء بكثافة لتكشف العيب في سلوكنا وشخصياتنا التقليدية..

أسلوب الكاتبة ولغتها القصصية: أسلوب الكاتبة رولا سردي تقريري، وأحلام وهي الرّاوية للقصّة تتحدث بضمير الغائبة هي، وهي تعرف كل شيء عن الشخصيات، وتسرد الأحداث وتتحدث عن العلاقات بين الشخصيات بارتباط جيد، ولكن هذا الأسلوب لا يعطي للشخصيات فرصة لإبراز نفسها وملامحها، ويتخلل السرد القصصي أحيانا حوار والحوار الذي نراه قصيرا، ويعبر فقط عن وجهة نظر الشخصيات المتحاورة، ولا يتطرق إلى أعماق الشخصيات، فلا نرى الصراعات التي تمر بها أثناء الأحداث الدرامية في الرواية..

مثل شخصيّة أبي رفيق، فهو مر بأحداث درامية في الرواية حيث أخرج ابنته من الجامعة بعد أن شجعها، لكننا لم نلاحظ تفاصيل هذه القرارات التي جاءت بسرعة وسهولة. حينما تتكلم الشخصيّة وتتحرك وتعبر عن وجدانها وفكرها وصراعاتها وانفعالاتها، يجب أن تكون حيّة مقنعة، كان بإمكان الكاتبة أن تجعل روايتها مدهشة وشائقة جدا لو جعلت الشخصيات تتحدث عن نفسها أكثر، ولو دخلت إلى جوّ الجامعة ووصفت أجواء الحوار والفكر والمشاكل التي تدور في رؤوس طلاب وطالبات الجامعة، ولو جعلت بهاء يفصح أكثر عما بداخله كابن مخيم استشهد والده وسجن هو وأخوه، لأبدعت أكثر وهذا الكلام ينطبق على باقي الشخصيات.

لغة الرواية: لغة الكاتبة جيدة هي لغة فصحى تتخللها أحيانا كلمات دارجة مستعملة أثناء الحوار وهذا طبيعي وجيد، إذا كانت اللغة تعبر في الرواية عن مستوى الشخصيّة الثقافي والحضاري، ومن المحبذ أن لا تتكلم كل الشخصيات بنفس اللغة، وبنفس مستواها الثقافي الحضاري، لأن التعابير اللغوية تختلف في الحياة والواقع المعاش باختلاف الأشخاص واختلاف مستوياتهم، وقد استطاعت الكاتبة أن تنطق الشخصيات وفق مستوياتها، فالجدّة مثلا تتكلم بتعابير وكلمات مختلفة عن أحلام، وأم مؤيد لا تتكلم بنفس لغة صديقات أحلام الجامعيات.
هناك بعض التعبيرات التي لم أحبذها في الرّواية مثل سكنات الجامعة والصواب مساكن، كلمة ركبي حين قالت" ركبي الشاي على النار" الصواب حطي في العامية. وكذلك تلاقي زوجك عامل السبعة وذمتها، كلمة تلاقي تلتبس على القارئ فيفهم تلتقين بزوجك فيفضل استخدام يمكن بدلا منها.

وبكل الأحوال فإن الأديبة رولا خالد غانم قدمت لقرائها رواية جيدة ذات مضمون هام، وأبدعت في نسج الحبكة القصصية، وأظهرت موهبة وقدرة في السّرد، وذكرت تفاصيل هامة بالرواية بلغة فصحى جيدة. الرواية بشكل عام جيدة لأنها تقف وجها لوجه أمام التقاليد والعادات القديمة المتخلفة، التي ما زالت تتحكم في سلوكنا.

سليم أنقر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى