الأحد ١٤ أيار (مايو) ٢٠١٧
الحلقة الثالثة: حروف العلة
بقلم كريم مرزة الأسدي

واللين والمد لغةً، ودورها في الشعر العربي

ثانياً - إشباع حركات الروي أو الوصل، أو الخروج في القوافي المطلقة إلى أحرف اللين، أو المد:

القوافي المطلقة:

وهي القوافي التي يكون فيها حرف الروي محركاً بحركة (المجرى)، وحركة المجرى طبعا ً إمّا الضمة أو الفتحة أو الكسرة، وتشبع هذه الحركات إلى حروف لين (26)، الواو والألف والياء على التوالي، لذلك تسمى بالقوافي المطلقة، وهذه القوافي يأتي بعد رويها حرف (الوصل) بأنواعه، وربما يلحقه حرف لين آخر هو (الخروج)، ويسبقه إمّا حرف عادي أو حرف ردف، أو حرفا التأسيس والدخيل، وسنفصل الأمر بالنقاط الآتية:

الحرفان بعد الروي المحرك، وهما الوصل والخروج:

1- قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس، ولابدّ لحرف رويها الأخير من وصل، إذ تتحول حركة الروي (المجرى) إلى حرف لين بعد الإشباع، وإليك أمثلة من شعر السيد جعفر الحلي:

قد فرّق الفكر أيّام الحياة على
علم ٍيقول لأشتــات العلى اجتمعي
ولّـتْ على إثره الدنيا وزينتها
ما لامرىءٍ بعده بالعيش من طمع(27)

القافية مطلقة، وحرف الروي العين، ودقـّقْ في البيت الأول تجد ياء المخاطبة الساكنة، ولكن ياء المخاطبة لا يمكن أنْ تكون حرف روي مطلقاً، فهي وصل لحرف الروي العين، أمّا في البيت الثاني فتشبع الكسرة إلى حرف لين (الياء الساكنة)، فتصبح وصلا للعين.

يقول المتنبي:

سأطلب حقـّي بالقنا ومشايخ ٍ
كأنـّهم من طول ما التثموا مُردُ
ثقال ٍإذا لاقوا خفافٍ إذا دعوا
كثير ٍإذا اشتدّوا قليل ٍإذا عُدّوا (28)

القافية دالية مطلقة، في البيت الأول تشبع الضمة إلى حرف لين (مد)، وهو الواو الساكنة، أما البيت الثاني فتشاهدون ملحق الفعل الماضي المبني للمجهول ألحق بنائب الفاعل واو الجماعة، وهذه تعتبر وصلاً، لاحرف روي، وهكذا يجري الأمر مع كل حرف غير أصلي من الكلمة، حرفالألف لا ينطق، فهو مجرد حرف زائد للتمييز، وأعطيك حرف ألف أصلي وينطق، ويحسب وصلاً لا حرف روي، إقرأ ما يقول حلـّينا السابق:

لو أقبلتْ مضرٌ تقفو ربيعتهـــــــــــا
يستنزلونهمـــــا ألفوا هدًى وندى
بالراسبات السحام الدكن ما برحتْ
كالمنهل العذب تروي كلّ من وردا(29)

حرف الروي للقافية المطلقة هو الدال، بالرغم من أن الألف المقصورة في البيت الأول حرف أصلي، وإن كان الحرف الأصلي ألفا ممدودة يجري الحكم نفسه، إذا التزم الشاعر بالحرف السابق له، فيعدّ السابق للألف هو الروي، كالصاد في البيت التالي:

واللوم للحرِّ مقيمٌ رادعٌ
والعبد لا يردعهُ إلا العصا (30)

فكلُّ حروف العلة إذا التزم الشاعر الحرف السابق لها يُعتبر رويا، فيصبح حرف العلة وصلاً، وإذا لم يلتزم الشاعر بالحرف السابق لها، تكون هي حرف الروي، وفي حالة الألف تسمى القصيدة المقصورة، وكما ذكرنا من قبل ألف الأثنين الملحقة بالفعل أيضا لا تحسب روياً، وإنما وصلاً. وذكرنا قول الراعي النميري (يا صاحبي دنا الأصيلُ فسيرا)، ألف الأثنين المرفق بالفعل (سِير) وصل والروي الراء. وقد تتصل الهاء الساكنة، أو الهاء المتحولة من تاء التأنيث الساكنة مثل قول المتنبي:

لا تحسبوا ربعكمْ ولا طللـّهْ
أولَ حيٍّ فراقكـــــــمْ قتلـَهْ
قد تلفتْ قبلهُ النفوس بكمْ
وأكثرتْ في هواكمُ العذلـهْ (31)

القافية المطلقة لامية حركتها الفتح، والهاء وصل ساكنة، وإليك مثال آخر لنذكر الوصل:

وتجتنب الأســــودُ ورودَ مــــاءٍ
إذا كُنَّ الكلابُ وَلَغْـــنَ فيْـهِ
ويرتجع الكريم خميصَ بطنٍ
ولا يرضى مساهمة السَّفِيْه (32)

الروي في البيتين الهاء، لأن حرف الياء قبلها ساكن، والوصل الياء المتولدة من إشباع حركة الكسر، فالقافية هائية مطلقة، وقد تكون القافية مطلقة ووصلها كاف المخاطب، ولكن يجب أن يلتزم الشاعر بالروي، مثل قول دعبل في هجاء أحمد بن أبي دواد:

إنْ كان قــــــــومٌ أراد الله خزيهمُ
فزوّجوك ارتغاباً منــك في ذهبـِكْ
ولو سكتَ ولم تخطب إلى عربٍ
لما نشيت الذي تطويه من سببـِكْ (33)

القافية مطلقة الباء المكسورة هي الروي والتزم الشاعر بها في كل القصيدة. و كاف المخاطبة الساكنة وصل.

2 - قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس، فالروي محرك بحركة المجرى، ولكن بعد الروي يأتي حرفان الوصل والخروج، وطبعاً هذان الحرفان لا يمكن أن يدخلا على القافية المقيدة، لأن حرف الروي فيها ساكن وينتهى الأمر، أمّا القافية المطلقة التي يلي حرف رويها حرفان الأول الوصل والثاني الخروج، وما بعد الخروج خروج! مثالها قول السيد حيدر الحلي:

محضُ النجار ِكريمُ الفرع ِطيّبُهُ
سامي العلى من نطافِ العزِّ مشربُهُ (34)

الروي الباء المضمومة، فالقافية مطلقة، والهاء وصل , وضمة الهاء تشبع إلى واو ساكنة وهي الخروج، وإليك مثال آخر من دعبل:

تخضبُ كفـّاً بُتِكتْ من زندِها
فتخضبُ الحنـّاءَ من مسوَدِّها (35)

أولاً القافية مطلقة، لأنّ حرف الدال الروي حركته الكسر، ثانياً لا تتوهم بأنّ القافية مردوفة بالواو، لأنّ الواو حرف علـّة فقط محرك بالفتح وليس بساكن، والدليل قبلها حرف السين ساكن،ويشترط بالردف أن يكون حرف العلة ساكناً، وجاء بعد الروي حرفان، وهما ضمير الغائبة المؤنثة المتصل(هـا)، فالهاء وصل والألف خروج، ومثل ذلك قول شوقي:

قمْ سابق الساعة واسبقْ وعدَها
الأرضُ ضاقتْ عنكَ فاصدعْ غمدَها (36)

ثالثاً - حروف المد واللين في الشعر العربي عند القصر والمد والإشباع والاختلاس كضرائر شعرية:

1 - القصر والمد لا يجريان إلا على حرف الألف،وهو حرف علّة ولين ومد:

أ - قصر الممدود:

جائز عند أقطاب المدرستين البصرية والكوفية بالإجماع، وشائع جدا في الشعر العربي منذ الجاهلية حتى يومنا، وقد قال ابن مالك عنه في (ألفيته):

وقصر ذي المدِّ اضطراراً مجمعُ
عليهِ، والعكسُ بخلفٍ يقعُ

وأعقب ابن عقيل - بعد أن ذكر البيت - في شرحه للألفية، قوله:

" لا خلاف بين البصريين والكوفيين في جواز قصر الممدود للضرورة
واختلف في جواز مد القصور فذهب البصريون إلى المنع وذهب الكوفيون إلى الجواز..." (37)

فكما تقرأ: القصر مجمع عليه لدى البصريين والكوفيين، وقصرتُ (البقاء) إلى (البقا) في شطر لأحد أبيات قصيدتي (يا لعبة الأقدار...!!): (مَنْ عاشَ عاشَ، ومِنْ يمتْ فلهُ البقا)، وسبق أن قال النمر بن تولب، وهو شاعر مخضرم بين الجاهلية والإسلام، وأسلم، وقصر الكلمة نفسها التي قصرتها (البقاء):

يَسُرّ الْفَتَى طُول السَّلَامَة وَالْبَقَا
فَكَيْف تَرَى طُول السَّلَامَة يَفْعَل(38)

فيجب على الشاعر المجيد أن يحسن توظيف الضرورة، وذلك يرجع لموهبته، ومدى سعة ذخيرته الأدبية!!

يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:

قلتُ: ابتسم، يكفي التجهم في السما

وإليك قول الشاعر الذي قصر (أساء) إلى (أسا):

ليت شعري أمحسن من أسا بي
وقليلٌ أجداءُ يا ليت شعري

والشريف الرضي يقصر (كربلاء)، و(بلاء) في شطر واحد: (كرْبَلا، لا زِلْتِ كَرْباً وَبَلا)، وعجز بيت المثل السائر (لابد من صنعا وإن طال السفر)، قد قصرت (صنعاء) إلى (صنعا).

ب - مد المقصور:

ولا أطيل عليك، والأمثلة تكفي، وستأتي!، الذي لم يجزه البصريون، ونحن اليوم نسير على نحوهم، مد المقصور، وكما مرّ عليك ابن مالك قد أجازه قائلاً: (العكس يقع)، ولكنه غير مجمع عليه، وأبو العباس المبرد شيخ البصريين في عصره، يعلل بـ (كامله)، سبب إجازة القصر، لا المد بقوله: " وذلك أن الممدود قبل آخره ألف زائدة، فإذا احتاج حذفها لأنها ألف زائدة، فإذا حذفها رد الشيء إلى أصله، ولو مد المقصور لكان زائداً في الشيء ما ليس منه " (39)

ولكن أبا تمام (ت 228 هـ)الذي سبق المبرد (ت 285 هـ) بجيل، قصر ومدّ في بيت واحد قائلاً:

ورث الندى وحوى النُّهى وبنى العلا
ورجا الدجى ورما الفضا بهداء

قصر (الفضاء)إلى (الفضا)، ومد (الهدى) إلى (هداء)، والجواهري في عصرنا، لم يلتفت إلى مذهب البصريين، وسار على مذهب قومه الكوفيين، فمدّ (ضحى) إلى (ضحاء) في وصف سامراء، ببيته التالي:

بلدٌ تساوى الحسن فيه فليله
كنهاره وضحاؤه كأصيله

ولكن في البيت الآتي اختلف البصريون والكوفيون حول كلمة (غناء):

سَيُغْنِينِي الَّذِي أَغْنَاكَ عَنِّي
فَلَا فَقْرٌ يَدُومُ وَلَا غِنَاءُ (40)

ابن منظور في (لسانه - مادة غنا) يعتبرها من (الغنى) ضد الفقر، أي بالألف المقصورة،، وهو محق، ويذكر قول ابْنُ سِيدَهْ: الْغِنَى، مَقْصُورٌ، ضِدُّ الْفَقْرِ، فَإِذَا فُتِحَ مُدَّ (41)
و أوقع هذا خلافاً بين الكوفيين والبصريين على مدّ المقصور، إذ يذهب البصريون أنّ (الغناء) مصدر لـ (غانيت)، لا لـ (غنيت)، وهذا تعسف منهم الكلام لي - ودليلي اورد الشاعر طباقها (فقر) بالعجز نفسه، إذاً مدّ الشاعر المقصور.

والكوفيون يصرّون على صحة رأيهم - وأنا معهم - ويستشهدون بقول الشاعر:

قد علمتْ أمّ أبي السّعلاءِ
وعلمت ذاك مع الجراءِ
أنْ نِعْم مأكولاً على الخواءِ
يا لك من تمرٍ ومنْ شيشاءِ
ينشب في المسعلِ واللهاءِ

والسعلاء والخواء واللهاء،،، كلّه مقصور في الأصل، ومدّه لضرورة الشعر، فدلّ على جوازه، هذه وجهة نظرنا، فنحن على مذهب الكوفيين كالمتنبي والجواهري في هذه المسألة (إذا أردت التوسع. (42)

2 - الإشباع والاختلاس يجريان على حروف الألف والياء والواو كحروف مد ولين عند الضرورة الشعرية:

أ - الإشباع:

يعني تبليغ وإشباع الحركة حتى يتولد منها حرف من جنسها , لكي يستقيم الوزن , فنشبع الضمة إلى الواو، والكسرة إلى الياء، والفتحة إلى الألف، وكما شرحنا من قبل - في علم العروض - أنّ الكم الصوتي لحرف اللين أكبر من الكم الصوتي للحركة المجانسة له، ولكن ليس بكثير، فيمكن في حالات خاصة لضرورة، إشباع الحركات لتولد حروف لينها، أو اختلاس الحروف لتصبح حركات جنسها، وقد يكون الإشباع واجباً، نظراً لأحكام الشعر، كالحركات الأخيرة لصدر البيت وعجزه، وإليك قول مجنون ليلى، وقد أشبع حركة الفتح في قافية الصدر والعجز إلى الألف:

ألا ليت شعري مالليلى وماليا
وماللصبا من بعد شيب علانيا

وكذلك كحركة ضمير الغائب المفرد، إذا سبقه حرف متحرك، مثل: (لَهُ) تصبح (لَهو)، و(بهِ) تغدو(بهي)،و(كلّهمُ) تمسي(كلَّهمو)،ولكن في (منْهُ)،و (عنْهُ)... للشاعر الخيار بالإشباع أو عدمه ومن ذلك قول الشاعرمسكين الدارمي ربيعة بن عامر بن أنيف وقد أشبع حركة الكاف مرتين، والخاء،والهاء في صدرالبيت الشهير التالي، وقصر الهيجاء إلى الهيجا في عجزه:

أخاكا أخاكا إن من لا أخا لهو
كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ

البيت من (الطويل)، يمكن عدم إشباع حركتي الفتح للكافين، فتقبض تفعيلتي (فعولن، مفاعيلن)، فتصبحان (فعولُ، مفاعلن)،وهما من جوازات الطويل، فيكتب البيت على الشكل الآتي:

أخاكَ أخاكَ إنْ من لا أخاً لهو
كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ

ولكن يجب إشباع حرف الخاء لاستقامة الوزن، ناهيك عن إشباع الهاء فهو لازم، وكذلك قول الفرزدق وقد أشبع حركة الفتحة في راء الورَق لتصبح وراق حتى يستقيم الوزن:

فظلا يخيطان الوراق عليهما
بأيديهما من أكل شرِّ طعامِ

وقول الشاعر، وقد أشبع فتحة الراء في كلمة (العقرب) لتصبح:

أعوذ بالله من العقراب
الشائلات عقد الأذناب

وجاء في (كتاب الجمل...) للفراهيدي: " أما ألف الإقحام فقولهم للعقرب عقراب ومثله قول الله جل وعز (وكذبوا بأياتنا كذابا) قال الشاعر:
أعوذ بالله من العقراب ****الشائلات عقد الأذناب (43)

ويذكر ابن رشيق في (عمدته)) قول قيس بن زهير، وقد أشبع حركة تاء الفعل المجزوم (يأتيك):

ألم يأتيك والأنباء تنمى
بما لاقت لبون بني زياد (44)

ب - الاختلاس:

يعني النطق بالحركة سريعًاً (خطفاً)، وهو ضد الإشباع، أي تقليل موجة الكم الصوتي لحروف اللين إلى مدى كمّ الحركات المجانسة لها، لكي يستقيم الوزن، وقد استخدم سيبويه المصطلح، بقوله: " وأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاسا "(45)
. وهو جائز على مستوى الحروف والحركات، ونعني حركات الضمائرالتي يمكن أن تُختلس، وتُمنع من الإشباع كـ (منْهُ)، (عنْهُ)، (إليْهِ)، (عليْهِ)،، فالحرف قبل الضمير ساكن، أمّا إذا كان إشباع الضمير واجباً، لأن الحرف الذي قبل الضمير محرّك، فلا يجوز اختلاسه كـ (لَهُ)، (بِهِ)،و (كلَّهُمُ). فمثلاً البحتري في البيت التالي (الكامل)، لم يشبع الهاء في كلمة (فيهِ):

أظْهرْتَ عزّ الدين فيهِ بجحفلٍ
لجب يحاط الدين فيه وينصرُ

وسنقطع صدر البيت، لنعرف علّة عدم الإشباع: أظْهرْتعزْ (متْفاعلن)، زدْدي نفي(متْفاعلن)،هبجحْ فلن (متفاعلن)، إذا أشبعت كسرة الهاء، يكسر البيت، فتصبح التفعيلة (ماتفاعلن).

ومن هذا الاختلاس الحركي أيضاً، قول السموأل:

وما قلّ منْ كانتْ بقاياه مثلنا
شباب ٌ تسامى للعلا وكهول(46)

لم يشبع الشاعر الهاء في كلمة (بقاياهُ)،ولو أشبعها لانكسر الوزن، تعال معي رجاءً، سأقطع لك صدره، الذي يتضمن (بقاياه)، البيت من الطويل، وللطويل عروضة واحدة مقبوضة، فتفعيلات الصدر (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن)، إذاً:

وماقلْ (فعولن)، لمن كانتْ (مفاعيلن)، بقايا (فعولن)، همثْ لنا (مفاعلن)، ولو شبعت الهاء يتولد لنا هومثْ لنا (مستفعلن)، وهذا التفعلية غريبة على الطويل، قينكسر البيت!!
أمّا الحروف فيجب اختلاس ألف (أنا) عند الوصل، وتثبيتها يُعدّ ضرورة، ولكن عند الوقف تثبت، كما في نهاية القافية،يقول الجواهري:

بأبي أنت لا أبي لكِ كفؤٌ ولا أنا

ومثال الاختلاس أيضاً قول المغيرة بن حبناء:

ولا أنزِلُ الدار المقيمَ بها الأذَى
ولا أرْأم الشيْ الذي أنا قادرهْ(47)

فالاختلاس في ألف (أنا) الذي تكتب ولا تنطق، كما أنّ ألف (أنا) قد تكتب وتنطق في حالة الإشباع كقول الشاعر للطرافة:

مرّ الجرادُ على زرعي فقلتُ لهُ
الْزْم طريقَك لا تولَعْ بإفْساد
فقال منهم خطيبٌ فوقَ سنبلةٍ
أنَا على سفَرٍ لا بــدَّ من زادِ

ويمكن اختلاس حروف العلّة، كما اختلس الشاعرالقديم الألف في كلمة (وصّني) بالشطر التالي:

وصّاني العجاج فيما وصَّني

فالألف حوّلت إلى فتحة ضرورة، والأصل:

(وصّاني العجاج فيما وصَّاني)

وقد حذفت الألف حين كتابة الشعر، كي يعلم القارئ الكريم أنَّ الاختلاس ضرورة، وإليك حين تريد قطع همزة وصل ضرورة، من المفروض أن تضع القطعة فوقها أو تحتها، كما في كلمة (الاثنين) حين قطعها في الشعر فقط ضرورة تكتبها هكذا (الإثنين)، وهذا لا يجوز في النثر مطلقاً.

وقد لا تكتب بعض الضرورات الشعرية في دواوين لشعراء مشهورين، أما السببه فقد يكون الإهمال، أو من باب الخطأ الشائع خير من الصحيح الضائع، فيترك أمر القراءة لنباهة القارئ اللبيب، أو لقلة معرفة المشرفين على الطبع، فمثلاً من أشرف على دواوين الجواهري الكبير، وقعوا في هذا الخطأ المطبعي، أو الجواهري نفسه تركه لذوق القارئ وثقافته، وهي نادرة جداً، ونحن نذكرها لغرض الدراسة والبحث، والأمانة العلمية، فمثلاً قد اختلس ياء (حمورابي) في البيت التالي (البسيط):

هنا حموراب سنَّ العدل معتمداً
به على حفظ أفرادٍ وعمرانِ

لم يكتب ياء حمورابي على أساس الاختلاس، وهذا هو الصحيح، فلو كتب الياء، التفعيلة الثانية تكون (فاعيلن)، وليس (فاعلن)، فينكسر البيت، وكاتب هذه السطور، أيضا لم يكتب ياء المخاطبة، وعوضها بالكسرة للضرورة نفسها، في الشطر (فدعِ العــراقَ بشعبهِ وترابهِ).

نرجع،وفي البيت الآتي يختلس الجواهري ألف (غاندي) لفظاً، وتكتب في الديوان خطأً، لأن بوجود الألف، لا يستقيم وزن (فاعلاتن) إلاّ بـ (صانغن دي) بالاختلاس، البيت من (الخفيف)، وكتبت التدوير صحيحاً، وليس كما ورد في الديوان، إذ كتبت الهند كلها في العجز:

صان غاندي دم الجموع وصانَ الـ
هندَ أن تستبيحها شعواء

ومن قصيدة (براها): من (مجزوء الكامل):

براها سلام كلما
خفق الصباح على جناحِ

لايستقيم الوزن إلا باختلاس ألف براها (برَهَا سلا متفاعلن)، وقد كتبت الألف، والأفضل عدم كتابتها.

لكي لا نطيل عليك، ونترك سعة للراحة والتأمل والإعادة والإفادة، ولك أنْ تحسب ما تشاء، (وما تشاءون إلا أن يشاء الله)، شكراً لصبركم الجميل.

(26) بعض المصادر تذكر تشبع الحركات إلى حروف مد، وهي ليس بخطأ إذا كانت حركات الروي أو الوصل من جنس الحركة المشبعة وهو الغالب الأعم، ولكن في (النغم الشعري عند العرب) للدكتورين المذكورين سابقاً ص253 يستخدمان حروف اللين بمكان المد، وأنا معهما لأن حروف اللين أعم، أي كل حرف لين بالضرورة هو حرف مد، والعكس غير صحيح -راجع الهامش في الحلقة الثانية.

(27) سحر بابل وسجع البلابل: السيد جعفر الحلي ص دار الأضواء - بيروت 1988م الطبعة الثانية.

(28) ديوان المتنبي: شرح العسلي ص م. س.

(29) سحر بابل...: ص م. س.

(30) ميزان الذهب: السيد أحمد الهاشمي ص م. س.

(31) ديوان المتنبي: ص م. س.

(32) نُسِب البيتان إلى الإمام الشافعي , ولكن على أغلب الظن مجهولة القائل.

(33) ديوا ن دعبل: ص - ت الدجيلي

(34) ديوان السيد حيدر الحلي: ج1 ص الطبعة الرابعة 1984م- مؤسسة الأعلمي بيروت.

(35) ديوان دعبل بن علي الخزاعي: ت. عبد الصاحب الدجيلي ص دار الكتب اللبنانية ط2سنة 1972 م بيروت.

(36) الشوقيات: ديوان أحمد شوقي م1 شرح علي العسيلي ص - مؤسسة النور 1998م بيروت.

(37) شرح إبن عقيل: بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي المصري الهمذاني (4 /)، دار الفكر - دمشق - الطبعة الثانية، 1985 - تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد

(38) راجع (القوافي): أبو يعلى التنوخي - الوراق - الموسوعة الشاملة.
وهكذا ورده أحمد السيد كردي - كنانة أونلاين، وغيره.

وفي (عيار الشعر) لابن طبا طبا العلوي يود الفتى طول السلامة جاهداً

و في (مجمع الحكم و الأمثال) لأحمد قبش: يحب الفتى طول السلامة والغنى

(39) الكامل: المبرد - - الوراق - الموسوعة الشاملة.

(40) لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور) - ج - ص - دار صادر - 2003 م -
(41) م. ن.

(42) راجع: نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية...: كريم مرزة الأسدي - ص - دار الحصاد ط 1 - 2003 م - دمشق.

(43) كتاب الجمل في البحث: الخليل بن أحمد الفراهيدي () الطبعة الخامسة، 1995م - تحقيق د.فخر الدين قباوة

(44) العمدة: ابن رشيق القيرواني () - الوراق - الموسوعة الشاملة.

(45) دراسات في اللغة: اتحاد الكتاب العرب:

(46) شرح ديوان الحماسة، اختاره أبو تمام الطائي.: شرح يحيى بن علي التبريزي - - دار القلم - بيروت.

(47) بهجة المجالس وأنس المجالس: ابن عبد البر () - موقع الوراق - الموسوعة الشاملة.
ابن عبد البر مصدر الكتاب: موقع الوراق


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى