السبت ٢٧ أيار (مايو) ٢٠١٧
الحنين إلى المستقبل لعادل سالم

إلى أي مستقبل يحن عادل سالم؟

نزهة الرملاوي

إلى أيّ مستقبل يحنّ الكاتب عادل سالم؟ هل يتوق إلى الحريّة والعيش الرغيد في قادم الأيام؟ وهل يتفاءل بهذا المستقبل؟ تساؤل يبدأ به القارئ رحلته في هذه الرواية عند مطالعة عنوانها وتفحّص صورة الغلاف. فكلمة حنين تشي بكآبة وحسرة في الحاضر، وتطلّع وشوق إلى المستقبل، أو ربما هو حنين إلى الماضي؛ فالغائب يحنّ إلى وطنه، والسجين يحنّ لبيته وحريّته، وقد يحنّ الشيخ إلى أيام شبابه وصباه. أما صورة الغلاف بأزهارها المتفتّحة وشمسها التي بدأت تعلو الأفق وتضيء المكان، فتجعل القارئ يظنّ أن الكاتب سيصف مستقبلا زاهرا ينبجس من واقع أليم، كالصبح يخرج من رحم الظلام.

بلغة سردية عفويّة سلسة، وحوار بلغة محكيّة بسيطة، يصطحبنا الكاتب إلى الحياة في السجون الأمريكيّة، لسجين عربيّ يعيش غربتين معا: غربة عن الوطن، وغربة السجن وعزلته، ويتقاذفه حنينان: حنين إلى حياة الحريّة في أحضان عائلته خارج السجن، وحنين للوطن البعيد الذي يرزح تحت احتلال يجعله أبعد! ويحنّ إلى شهور قضاها في سجن النقب في شبابه، رغم قسوة السجّان هناك، إلا أنّه سجن داخل الوطن. ورغم ليونة العيش في سجون الغربة، إلا أنّ الابتعاد عن الوطن يجعلها أقسى من سطوة السجان الصهيونيّ في سجن النقب الصحراوي.
يصف الكاتب حياة بعض المهاجرين العرب في أمريكا عن طريق حكايات السجناء الذين يصادفهم بطل الرواية، نعيم قطّينة، في سجنه، ويعطي صورة عن أناس انسلخوا عن وطنهم لكنّهم لم يستطيعوا التأقلم مع الحياة في الغربة، وما زالوا يتشبّثون ببعض الخيوط التي تربطهم بوطنهم، ويتمسّكون بثقافة وعادات الشرق حتّى وهم يسبرون حياة الغرب ويجرفهم تيارها. يبحث كثير منهم عن الغنى السريع، فيقوم بأعمال غير مشروعة، تُستغل هذه الأعمال لوصم العربيّ بالإرهاب وتلفيق تهمة التآمر له، ليُلقى في السجن متألّما متحسرا عندما يجد نفسه رهين الأسر/ وهو الذي جاء إلى أمريكا باحثا عن الحريّة المفقودة في وطنه.
وتكشف حياة الأسر عن أطياف المجتمع الأمريكيّ وتنوعه: فهذا الأوروبي الأبيض ما زال يحتفظ بعنصريته حتّى وهو خلف القضبان، والأسود لم يتخلّ عن حقده الدفين إرثَ قرون من العبوديّة، وما زال يبحث عن أصوله والتي كثيرا ما يجدها في الإسلام.
يختار الكاتب في معظم فصول روايته الراوي الثاني، مخاطبا الشخصيّة الرئيسيّة بضمائر المخاطب، مبتعدا عن الرواي العليم والراوي الذاتيّ، وهذا أسلوب يستخدم في الشعر ويندر استخدامه في الرواية. ربما لجأ الكاتب إلى هذا الأسلوب ليدلّ على نفسه من ناحية، ويجعل هناك مسافة بين الشخصية الرئيسية وبين ذاته من ناحية أخرى. فلو استخدم الراوي العليم لكانت الرواية مجرد حكاية سردية بعيدة عن العواطف الشخصية، ولو استخدم الراوي الذاتيّ، لكانت أقرب إلى سيرة ذاتيّة للكاتب؛ حيث أنها في معظمها، سرد زمني لفترة من حياة شخص ما، ومجموعة ذكريات لأحداث بعيدة. أما الحكايات الأخرى التي بدأ السجناء بقصّها فلم تكن مكتملة، وبقي القارئ يجهل ماذا حدث بها، حتّى الشخصيات نفسها انتهى ذكرها بمجرد انتقال نعيم قطينة من سجن إلى آخر، ولم يعلم بمصيرها.
لكن هذا الأسلوب باستخدام ضمير المخاطب، جعل من الصعب التعمّق في نفسية الشخصيات ووصف مشاعرها وأحاسيسها في المواقف المختلفة بشكل عميق، فبقيت الرواية أشبه بالحكاية الشعبية التي تسرد الأحداث بشكل سريع متسلسل.
يستخدم الكاتب اللغة المحكيّة أحيانا لإدارة الحوار، وهذا يجعل الحوار أقرب إلى الحقيقة، وأقرب إلى نفس القارئ وفهمه، لكنه لا يجيد هذا الفنّ أحيانا؛ فنراه يمزج العامية بالفصحى فيجعل أشرف القادم من مصر يتحدث بلهجة شاميّة عندما يقول: تيّست وتزوجت. فكلمة (تيّست لا وجود لها في لهجة مصر، وتزوجت هي فصحى!) وبالمقابل نجده أحيانا يستعمل بعض الكلمات العاميّة في السرد أيضا، فيقول في صفحة 65 (فتحتَ له علبة سجاير وأخذت سيجارة وقدمت له واحدة، وبعد أن ولّعتها قلت له: ). ويستخدم أيضا الكثير من الكلمات الإنجليزية، في الحوار دون أن يكون هناك داع لذلك. ويَصم روايته بالكثير من الكلمات البذيئة التي يستخدمها العامّة في أمريكا، لا أرى أنّ هذا الإقحام خدم الرواية أو أضاف إليها شيئا.
تصف الرواية الحياة في السجن بشكل دقيق، لكنّ الكاتب ركّز على عمل نعيم قطّينة في المطبخ وتهريبه الخضروات والطعام إلى باقي السجناء، وأتساءل: ما الرسالة التي أراد الكاتب أن يوصلها من خلال هذه الأحداث، التي كرّرها مرّة بعد مرّة، ألم يكن يكفي أن يشير إليها بشكل عابر، وينشغل بحنين نعيم إلى الحريّة وإلى المستقبل. ويقول الكاتب أن نعيم قطينة محكوم بالسجن لمدة عامين في صفحة 19 ليعود ويقول أنّه سيقضي في السجن أربع سنوات في صفحة 144 في تناقض واضح.
وفي النهاية، تبقى الحكاية مفتوحة ولا يعود نعيم إلى وطنه، بعد أن يمنعه الاحتلال من مغادرة المطار، وهذه نهاية واقعيّة مُعاشة في ظل ما يقاسيه الفلسطينيّ من ألم الغربة وظلم العدوّ. ويبقى القارئ ينتظر (الحنين إلى المستقبل) الذي بشّره به الكاتب في عنوان الرواية وغلافها، ويتساءل إن كان الكاتب متفائلا بمستقبل أفضل يحنّ إليه، أم أنه يرى أن القادم لن يكون أفضل من الحاضر. فالمستقبل لم يكن واضحا في الرواية التي ركّزت على حاضر سجين ربما قاده جشعه واستخفافه بقوانين البلاد التي اختار أن يعيش فيها إلى مصير المظلم.
عادل

نزهة الرملاوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى