السبت ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم توفيق الشيخ حسين

قراءة في رواية «رحلة في عيون القرية»

قالت الآباء للأبناء في أرض الخصيب
هذه الأرض العريقة
عندنا كانت وديعة. من جدود قبلنا
عشقوا الأرض وكانوا لثراها أوفياء
أبدا ً لا تهجروا أرض الشجر
حتى أذا جف النهر
حتى وان شـح المطر. حتى وأن قل ّ زهر وثمر
بل تظلوا في قراها صامدين
وبحزم وثبات عاملين
وبصوت للبرايا قائلين
أرضنا هذي وأرض الأكرمين
وعليها سوف نحيا ونموت
لتظل الأرض تحكي بعدنا
كيف أهلوها عليها أمناء

"ياسين صالح العبود "

حب الأرض هو أروع ما وضعه الله في قلب الانسان.. مسيرة الحياة وما فيها من متاعب ومصاعب جمـّة قد تحصل لمن يسلك الطريق الصحيح والمفتوح لبناء دعائم الخير.

تمثل رواية «رحلة في عيون القرية» (أنفاس الأرض) / الجزء الأول للروائي "ناظم المناصير" الصادرة عن دار ضفاف / 2015 واحدة من الروايات التي تعتمد في بنائها على المكان، وللمكان في الرواية دورا ً مهما ً روائيا ً وفنيا ً وهو الفضاء الذي تجري به الأحداث التي يقوم عليها البناء السردي الى جانب العناصر الأساسية مثل الزمن والأحداث واللغة والشخصيات..
يتحدث الروائي "ناظم المناصير" عن قرية "باب سليمان" القرية الجنوبية من قرى قضاء أبي الخصيب، بستانا ً يستلقي على ضفاف شط العرب ويحتضن أجمل أنهاره، كبر بين تلالها وبساتينها وأبصر َ الدنيا في صباحاتها ونهاراتها وأحاسيسها ولياليها وسمع شدو طيورها وخرير مياهها وتنعم من نسيمها وأريجها.

رائحة النهر تشد ّ أي انسان عندما ينثر أنفاسه الطيبة، كما أن الأرض تنز ّ بالماء الذي يفيضه النهر اليها ليرتع الزرع والنخل والشجر، وتبدو الطبيعة ما بين الأرض والسماء منغمسة بلون مبهر وبمنظر خلا ّب وجميل..

أعتمد الروائي "ناظم المناصير" على سرد الأحداث للفترة ما بين 1948 ـ 1954، تتناول الرواية (37) محطة، لكل عائلة حكاية أو قصة بكل ما تحمله من أسرار التي لا تبوح بفحواها الا ّ من هو على أتصال وثيق باهلها.

في يوم من أيام خمسينيات القرن العشرين يبدو الجو صحوا ً والشمس في مدارها تبعد بمقدار ما تعطيه من دفء على الأرض.. كان الحاج حسين مكبا ً في العمل بالبستان مع حفيده محمد الذي لا يتجاوز عمره الست سنوات. الحاج حسين تستولي عليه حزمة من الذكريات الفريدة بنوعها فمنذ بداياتها الجميلة تأسر قلبه وتضعه أمام دفقات من الخيالات، كان يعمل في أسطول السفن الشراعية المصنوعة من الخشب (لنج) في البحر ما بين البصرة والكويت، وتروعه كثيرا ً الأمكنة الصامتة والظليلة الضيقة، تزوج "الحاج حسين "من" نعيمة "أبنة صاحب الأسطول" الحاج هلال" وعمل على شراء بعض بساتين النخيل وسجلها بأسم أبنته "نعيمة "لتكون عونا ً على صروف الدهر وما يضمره المستقبل.

الأحداث في الرواية تدور حول محاور عديدة تكمل بعضها البعض وتركز على شخصيات متعددة لكن الحدث واحد وذات مواضيع عدة. وتتوفر المصداقية في روايته لأنها تعتمد على الحقيقة والأنماط المحيطة به في البيئة لكي تبدو طبيعية، فالقارئ ينجذب الى كل ما هو واقعي أو أجتماعي يحدث من حوله.

المرأة تحتل مساحة كبيرة ومؤثرة في حركة النص الروائي فجاء حضورها متميزا ً ومشرّف في الحياة الأجتماعية والأقتصادية، هذا ما نلاحظه من دور "صفية" الأبنة الكبرى" للحاج حسين "والتي تمكنت من حل جميع مشاكل العائلة وكذلك كان لها حضور واضح في حل المنازعات والأشكاليات التي حدثت بين أفراد الأسرة أو مع الجيران.

الجيران في القرية هم السند القوي لبعضهم الآخر وتذوب كل المصالح الخاصة بينهم، الود والأحترام سلوك يطبع مآثره في حياتهم، وعلاقات طبيعية متماسكة في الأفراح والملمات وتتأقلم مع بعضها البعض في السرّاء والضرّاء، جميع من في القرية وكما عاش أهلها تتزاحم عليهم الأيام وببراءة تظهرها الوجوه، بحلوها ومرّها ولا جدال أبدا ً فيما يحملونه من حب ومودة لبعضهم البعض..

في القلوب أجمل لمسة لحب ّ تتدفق منه كلمات لحكايات دافئة ويبقى كل شيء له أصله، كما له أمتداد واسع يجري ما دامت رياح الحياة لم تتوقف وماؤها يجري في كل مكان من الأرض والحياة تجري بهمومها وشجونها

وتبقى الذكريات جميلة تبوح عن نفسها على مر ّ الزمن وانها جزء كبير من عطايا الله تخلد مآثر الانسان في جميع مسالك الحياة...!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى