الخميس ١٤ آب (أغسطس) ٢٠٠٣
بقلم نضال نجار

كامو؛ فلسفةُ العبث و إنسانيةُ التمرد.

موضوع ترجمته نضال نجار

ارتبطَ اسم ( البير كامو ) بالعبث و التحدي و اللامباللاة، و قد أُسِّستْ الكثير من المدارسِ لتدريسِ هذا المذهبِ الأدبي الذي أول ما ظهر في منتصف القرنِ التاسع عشر بعد أحداث الحرب العالمية الثانية ومخلَّفاته في النفوسِ والأفكارِ و نظمِ الحياة...

وُلِدَ ( كامو ) في الجزائر ( 1913 ) ثم بعد عامٍ واحدٍ فقدَ والده في الحرب العالمية الأولى، فتولَّتْ ولدته الاسبانية الأصل تربيته في المنزل البسيط الكائن في حيًّ شعبيٍّ في الجزائر..
حصلَ على البكالوريا، و قامَ بأعمالٍ إداريةٍ و تجاريةٍ لمتابعةِ دراساته الفلسفية..

و في عام(1936) نالَ دبلوم الدراسات العليا حول العلاقات الاغريقية و المسيحية في أعمال بلوتين و سان أوغستان..لكن مرضَ السل منعه من اجتيازِ شهادة الأستاذية في الفلسفة..
كان لديه شغفٌ كبيرٌ بالمسرحِ و قد أسس فرقةً مسرحيةً ملحميةً مقتَبسة من ( زمن الاحتضار لمالرو ) و من ( الاخوة كارامازوف لدوستويفسكي ) ..

وفي وقتٍ لاحقٍ، ظهرتْ أفكارهُ الدراماتيكية و أصبحَ مقتبِساً ممتازاً لمسرحياتٍ قديمةٍ وغريبة...

ثم عملَ صحفياً في الجزائر و بعدها في باريس ، و حصلَ على مكانةٍ مهمةٍ في المقاومة في زمنِ الاحتلالِ الألماني.. و في ( 1944 ) أصبحَ رئيس تحرير صحيفة ( معركة ) و كانت المقالات التي ينشرها تحملُ اسم ( أحوال Actuelles ) ثم نشرَ عام( 1957) ملاحظاته حول حكم الاعدام..

من الانسان العبثي للثائر

و من كتابةِ المقال إلى الرواية نراهُ يكرِّسُ نفسه لهذه المهنة أي الكتابة وقد اتخذتْ أعماله اتجاهينِ هما العبث و التمرد ..

1 ــ أخلاقية العبث

يقول كامو( إن الاحساس يخدع) و حين نعي ذلك تماماً فذلك يقودنا لفكرة أن الانسان حرٌّ، و عليه أن يتمتَّعَ بالسعادةِ في الحياة و أن يحصدَ نتيجةِ أعماله..
لقد طرحِ كامو هذه الأفكار في أسطورةِ سيزيف (1942) و في رواية الغريب(1942) و في مسرحية كاليغولا(1944) و مسرحية سوء فهم(1944)...

2 ــ إنسانية التمرد

من خلال أعماله، بدا كامو وكأنَّه عالمَ نفسٍ و أخلاقٍ..( هل تُستَحقُّ الحياةُ أن تُعاش؟..)

كثيرٌ هم الذين يتساء لون هذا السؤال، و الأكثرمن يُجيبُ بالنفي.
بالنسبة للانسان ، يكونُ معنى الحياة أن نقومَ بأعمالٍ تفرضها العادات..ثم جاءَ الانتحار ليطرحَ سؤالاً جوهرياً عن معنى هذه الحياة..
( فالموتُ الاختياري يفترض أن يعرفَ و بالفطرةِ الشكلَ الساخرِ لتلك العادات، و أن غيابَ كل تفكيرٍ عميقٍ بما يخصُّ معنى الحياة هو الشكلُ الآخرُ لهذه التصرفات العادية، و ما جدوى المعاناة آنذاك؟.. بالطبع ما من جدوى...

شعور العبث

إن الحياة بدون هدف (كالروتين اليومي و الأعمال المتكرة و الأشياء ذاتها و المواعيد كذلك و أيام العطل و أيام العمل و الأعياد....إلخ ، كل شيءٍ يسيرُ وِفقَ ايقاعٍ واحدٍ..).

ذلك ولَّدَ شعوراً بالعداوةِ البدائيةِ للعالم الذي نشعرُ اتجاههُ بالغربةِ، و أن الزمنَ الذي يقودنا لمضاعفةِ جهودنا هو عدونا الأول، و أن حقيقة الموت تكشفُ لنا عبثية الحياة، و العقلُ بطريقته الخاصة يقولُ لنا أن هذا العالم عبثيٌّ...

تعريف العبث

العبث هو ذاك الصراع القائم بين مظهر العالم اللاعقلانيّ و تلك الرغبة المضطربة حول الصفاء و الوضوح... إذن فالعبث يكمنُ في وجود الانسان و العالم المشترك، و هو ينشأُ بتناقضِ الطرفين،و الرابطة الوحيدة بينهما هي اللامنطقي و الحنين الانساني و العبث ذاته..تلك هي شخصيات الدراما الثلاث التي يجب أن تنتهي بشكلٍ منطقيٍّ على حدِّ أقوال كامو ( بالعبث، توصَّلتُ لنتائجَ ثلاث ؛ تمرُّدي و حريتي و رغبتي ــ وعن طريق لعبة المعرفة استطعتُ أن أُغيِّرَ كل ما يدعو للموت في قواعدِ الحياة.. التي أرفضها على أنها الانتحار ذاته)..

التحدي (التمرد)

أن تعيشَ تجربةً أو قدراً يعني أن تقبله و لو كان مريراً..و أن تحيا يعني أن تعيشَ العبث، و أن تعيش يعني أن تُحافظَ على هذا القدر.. فالتحدي هو الصراعُ الحيُّ النابضُ بين الانسان و غموضه
الخاص.و هو الذي يضعُ العالم في حالة سؤالٍ مستمر و دائمٍ حيث لا طموحَ و لا أمل..و بذلك فهو ليس إلا تأكيد هذا القدر الساحِق.. و بموجبِ رأي كامو ( هذا التمرد يحقِّقُ للحياةِ قيمتها و عظمتها، لأنه يُحرِّضُ التفكيرَ و اعتزازَ الانسان بأمورٍ عدة لحقيقةٍ تتجاوزه ذاته)..

الرغبة

( إن شعور الانسان بحياته، بتمرده، بحريته، ذلك يعني الصفاء الداخلي و عدم جدوى سلَّم القيم)، فغاية الانسان العبثي أن يعيشَ حاضِرهُ بروحٍ يقظةٍ واعيةٍ طوال الوقت..

( كل شيءٍ مسموح) هذا النداء يحملُ من المعاناة و الألمِ أكثرَ ما يحملُ من الفرحِ و السعادةِ، لأنه لا توجدُ قيَماً مكرَّسَةً للسيطرةِ على اختيارنا.. و يقول كامو في هذا المجال( إن العبث لا يُخلِّصُ بل يربط أو يُقيِّدُ، و هو لا يضبطُ الأفعال بل يُحقِّقُ المساواة و التكافؤ لنتائجها)..

و يُضيف ( إن العبث لا يوصي بالجريمة لأنها عملٌ صبيانيٌّ تافهٌ و سخيفٌ، و الندم لا جدوى منه).. و بالاضافة لما سبق ( فإذا كانت كل الأعمال و التجارب متساوية و غير متميِّزة فتجربةُ الواجبِ لها نفس العايير)..

الانسان هو وحده الذي يرسمُ نهايته الخاصة به، لكن من بين أعماله هناك ما يخدمُ البشرية و ما يضرُّ بها،و من خلال هذه النزعة الانسانية تحرَّكَ فكر البير كامو و استطاعَ تغييرَ الرأي إلى الارتقاء و التطور...

موضوع ترجمته نضال نجار

المرجع ــ xx siecle
Les grands auteurs francais..


مشاركة منتدى

  • لانني سيزيف يا نضال...
    لان ما قراته في اسطر المقال...
    احتلني كلعنة السؤال..
    من انت من قبيلة الرجال..
    اجبت بارتجال..
    لتسالوا نضال...

    عرض مباشر : نص نضال

  • السيدة الموفرة نضال نجار

    أنا من المهتمين جدا بالكاتب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامي و أريد أن أعرف لماذا لم تتطرقي إلى موضوع التمرد بشكل أوسع فهناك الكثير للتحدث عنه مثال على ذلك أين تكمن الأخلاقية الانسانية الشاملة للفكر التمردي لدى ألبير كامي فهو يقول في رائعته الفكرية الأنسان المتمرد أن الرق الذي لايرضى بالظلم الذي يمارس عليه لا يرضى أيضا بالظلم الذي قد يمارس ضد السيد الذي كان يضطهده ألا تعتقدين أن هذا الموضوغ جدير بالنقاش أي شمولية وأخلاقية التمرد لدى ألبير كامي؟

    أشكرك ثانية على هذا المقال الذي طالما بحقت عن أمثاله

  • أضن ان الإنسان لو عرف ضعفه في اوج قوته وقوته في اوج ضعفه لكان هاذا أفضل

  • أختصرها في جملة "التمرد هو الحق في الحرية و الإنسانية "

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى