الاثنين ٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧

البدايات الأولى للهجرة العربية إلى الأمريكيتين

عدنان نقول

اندفع في منتصف القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مئات الآلاف من الشباب العربي، وبشكل خاص من بلاد الشام (سورية - لبنان – فلسطين – الأردن)، يقتحمون ديار الغربة البعيدة ويبحثون عن العالم الجديد في القارة الأمريكية شمالها وجنوبها هربا من الحكم التركي حين ذاك وطلبا لسبل العيش الكريم، واجتناب حال الفقر والجهل والمرض، الذي كان يخيم على أرجاء الوطن العربي. ولقد انتشر هؤلاء المهاجرون في أصقاع القارة الامريكية شمالها وجنوبها وفي مختلف جزر الكاريبي والأنتيل، يبحثون عن الرزق الكريم حالمين بجني وفير يمكّنهم من العودة إلى أوطانهم. وقد ظفروا بما كانوا يحلمون به حيث نجح البعض وفشل البعض الاخر، وبدل أن يعودوا إلى وطنهم الأم تحوّلوا نحو الاستقرار، والإقامة الدائمة ومن ثمّ التوطين، فحملوا جنسية أوطانهم الجديدة، ونقلوا إليها خصائص أمّتهم، وثقافتها، وقيمها، وعاداتها وتقاليدها وتراثها المادي والروحي. ولقد أخلص هؤلاء المهاجرون لأوطانهم الجديدة فأسهموا في البناء الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، لنهضتها وبرز منهم رجال سياسة، وحكام، ورجال اقتصاد وأعمال، وعلم وأدب، وفن، فاستحقوا الترحيب والاحترام والمحبة من شعوب تلك البلدان، وجالياتها المختلفة. وقد عانى الجيل الأول للمهاجرين العرب شظف العيش ومرّه حيث عمل معظمهم في تجارة الكشة والأقمشة والخرداوات. والكشة هي حقيبة تحمل على الظهر أو على البغال ويتمّ التنقل فيها إلى المدن، والأرياف البعيدة، مشيا على الأقدام. ولقد تعرّض الكثير منهم للاعتداء والنهب والسرقة من قبل قطاع الطرق مما أدّى إلى وفاة بعضهم، وقتلهم في الحقول والبراري من قبل اللصوص والعصابات المنظمة، من دون أن يدري بهم أحد، وذلك للاستيلاء على حقيبة (التركو) التي كان يوجد فيها كل شيء من حاجات، وأغراض، وسلع منزلية، وذلك قبل الانتقال إلى تجارة الجملة والمفرق، والاستقرار، المادي، والمعنوي، والاجتماعي، في المدن الكبرى والمناطق، والأرياف، وبناء البيوت، والمحلات التجارية، التي كانت تبنى للسكن، والأعمال التجارية في آن معا. ولقد عُرف المهاجرون العرب حتى تاريخه بلقب (التركو) لأنهم سافروا بجوازات سفر تركية وكانت لا تزال البلاد العربية خاضعة للنفود التركي، وبلاد الشام قطعة جغرافية واحدة لا تعرف الحدود بين دمشق، وبيروت، والقدس، وعمّان، وهذا ما انعكس بشكل مباشر على وحدتهم وأماكن تجمّعهم حيث عُرفت الجالية العربية في أمريكا اللاتينية بالجالية السورية اللبنانية، ولا تزال هذه التسمية موجودة حتى تاريخه، ومعظم الجمعيات والنوادي حملت هذا الاسم، بينما عُرِف اليهود (بالروسو) لأن معظمهم هاجر من روسيا وبلدان أوروبا الشرقية، وبشكل خاص بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917. ومع كل المعاناة وشظف العيش التي عاناها المغتربون العرب الأوائل، فقد استطاع هؤلاء، المشاركة في بناء هذه الدول الجديدة التي لم يبلغ عمرها الحضاري أكثر من 500 عام عمرانيا، وتجاريا، وزراعيا، وثقافيا واجتماعيا. فقد ساهم المغترب العربي السوري أسعد (عبد الله حداد) مواليد مدينة حمص لعام 1870 في بناء وتخطيط مدينة سان باولو البرازيلية، والتي تعتبر اليوم من أكبر دول العالم الصناعي والتجاري، نظرا لخبراته العملية التي نقلها معه من مدينته الأصلية، كما ساهم المهاجرون العرب في بناء الكثير من مصانع الغزل والنسيج في العواصم الكبرى مثل سان باولو، وريو دي جانيرو، وسانتياغو في تشيلي، وبيونس أيريس الأرجنتينة، وعملوا في الزراعة، وإصلاح الاراضي، وبنوا المؤسسات، والجمعيات والنوادي، والمشافي الخيرية والمكتبات، التي ضمّت عيون الكتب، والأدب، والتاريخ العربي، وأسسوا الصحف والمجلات، الناطقة بالعربية والإسبانية، وكتب فيها خيرة الشعراء والأدباء مثل رشيد سليم الخوري الملقب (بالقروي) وإلياس فرحات، وزكي قنصل وجورج صيدح، وفوزي المعلوف، وجبران خليل جبران، ومخائيل نعيمة، في أمريكا الشمالية، وألفوا الجمعيات والنوادي الأدبية مثل (الرابطة القلمية) في نيويورك، (والرابطة الأدبية) في الأرجنتين، (ورواق أبي العلاء – والعصبة الأندلسية) في البرازيل، (والندوة الأدبية) في تشيلي. وأضيف بذلك نوع جديد من أنواع الأدب العربي، عُرف (بالأدب المهجري) الذي اتصف بالحنين، والشوق، إلى الوطن الأم، والأهل، والديار، وملاعب الصبا، والشباب. وعرف عن هذا الأدب تدفقه بالشعور الوطني والقومي، والانتماء للأمّة العربية، ومعالجة القضايا المصيرية، التي كانت تواجه الأمّة العربية، كظاهرة الاستعمار القديم، والاحتلال الصهيوني لفلسطين العربية، وتنبيههم الحكومات العربية إلى مخاطره الجسيمة على مستقبل الأمّة العربية بشكل مبكر.

ويذهب الكثير من المؤرخين وباحثي التاريخ إلى أن اكتشاف العالم الجديد لم يكن يتم على يد كريستوفر كولمبوس عام 1492، من دون مشاركة عرب قرطبة وإشبلبية الذين تميزوا بالخبرة والمعرفة بعلم البحار الذي ورثوه عن أجدادهم الفينيقيين، هؤلاء العرب الذين بقوا في إسبانيا بعد انتهاء وغروب شمس الدولة العربية الإسلامية عن الجزيرة الليبيرية التي تسمّى اليوم (إسبانيا)، وأنّ كولمبوس تعلّم علم البحار من الجغرافي العربي الأندلسي (البكري) وبشكل خاص من كتابيه (المسالك والممالك - ومعجم ما استعجم)، وأنه لم يكن صدفة أن مراكب كولومبوس خرجت من مدينة (لوكار) متوجهة إلى العالم الجديد. ويقع هذا الميناء على بعد أميال قليلة من مدينة (ولبة) مدينة (البكري)، وأنه اطلع على الخرائط البحرية وتقدّم صناعة السفن والمراكب، وآلية استخدام البوصلة، والأدوات الملاحية التي كانت جميعها صناعة عربية، واصطحب معه حرفيين من عرب الأندلس، والذين يطلق عليهم اسم (المورسكفيين) واليوم يطلق عليهم في أمريكا اللاتينية اسم (المورو)، وهم بقايا العرب الذين أرغمتهم محاكم التفتيش الإسبانية بعد سقوط الدولة العربية الإسلامية هناك للدخول بالكاثوليكية، وظلوا محتفظين بتراثهم العربي الأصيل، وكانوا ذوي خبرات وإمكانات حرفية عالية ونادرة. وفي هذا المجال نشرت صحف البرازيل عام 1952 تصربحا للدكتور (جفرز) أستاذ العلوم الأثربة والاجتماعية في جامعة (ويتووترستراند) بأفريقيا الجنوبية جاء فيه، أن كتب التاريخ تخطئ عندما تنسب اكتشاف إمريكا الى كولمبوس ذلك لأن العرب هم الذين اكتشفوها قبله بمئات السنين، ولقد توصل العالم (جفرز) إلى هذه النتيجة بعد أن عثر على هياكل بشرية في ولاية (ريو غراندي) البرازيلية، بعد أن تبين له على أنها هياكل بشرية للشعوب السوداء الحامية. ويقدر هذا العالم أن العرب وصلوا إلى أمريكا قبل كولمبوس ب 300 إلى 400 سنة يوم كان العرب أسياد البحر المتوسط، ومسيطرين على قسم كبير منه، كما أن الجماجم الذي عثر عليها في (مغاور الباهاماس) تؤيد هذه النظرية. ولقد عدّد الدكتور (جفرز) الشواهد التي تدعم رأيه فذكر منها أن كولمبوس وجد في (جزر الأنتيل) زراعة البطاطا التي هي من أصل افريقي، كما أن زراعة الذرة (المندبوكا) التي هي من أصل أمريكي كانت معروفة في العالم القديم، قبل ظهور كولمبوس بزمن طويل، ويرجح أن نقل هذه الحبوب الأفريقية، ومثلها الأمريكية، تمّ بواسطة العرب الأمر الذي يوضح لنا حقيقة تسمية (الذرة) في أوروبا بالحنطة التركية، واسم (توركاي) نوع من الطيور حمله العرب معهم إلى أمريكا. ويقدر المؤرخ الألماني (إميل لودفيغ) Emil Ludwig في كتابه Mediterráneo (البحر المتوسط) أن العرب دخلوا المحيط الأطلسي عام 800 ونزلوا البرازيل عام 1150 بعد الميلاد، وكانوا مرعبين في البحر المتوسط، ودخلوا مرسيليا ونيس، وأوستيا، وكانوا الوحيدين في أسفارهم يوم ذاك. ولقد استند المؤرخ الألماني في روايته هذه إلى المؤرخ الألماني (هاكها) بالحرف الواحدHas Wusten Volk der Araber hallte sehon in Aehten jh die atllanlil erreicht Und soll Bm 1150 in Brasilien gelandel sein وترجمتها (بلغ عرب الصحراء الأطلسي خلال ثماني سنوات، ويرجح أنهم نزلوا أرض البرازيل عام 1150)، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن اللغة العربية تركت آثارها في الكثير من الكلمات والمصطلحات البرتغالية واللاتينية بعد ثماني قرون من التواجد العربي الإسلامي في أسبانيا، وأن الأبجدية الأولى التي عثر عليها ب3500 قبل الميلاد بمدينة (أوغاريت) السورية القريبة من ساحل المتوسط في مدينة اللاذقية، هي التي اختزلت الأرقام المسمارية من 200 رقم إلى 30 رقم والتي عرفت فيما بعد بالأبجدية الأولى في التاريخ، وأخذ عنها اليونان والرومان لغتهم. واللاتينية أصلا مشتقة من العربية، ويوجد مئات الكلمات الإسبانية التي تعود في أصولها إلى العربية، مثل كلمات (سكر- azucar) (ساكو -saco ) (صباط -zapato) ( الزيت alceite) (الكحول - alcol) (القطنalgodón - ) كلها كلمات مأخوذة عن العربية، وتلفظ تقربيا مثل لفظها بالعربية. ويقر أعلام اللغة البرازيلية بأن 30% من الألفاظ البرتغالية هي من أصل عربي. واستشهد العالم البرازيلي (جون ريبيرو) الذي أثبت ان كلمة (بنانا) ومعناها الموز مشتقة من كلمة (البنان) العربية، وقال إنها استعملت بعد أن أدخل الأفريقيون فاكهة الموز إلى العالم الجديد، وأثبت أن العرب نسبوا الموز إلى البنان للتشابه وسهولة التعبير، وكلمة oe oxala البرتغالية وتعني (إن شاء الله) مصدرها عربي، ونفس الكلمة بالإسبانية ojala تأخذ نفس المعنى، وعلينا ألا ننسى الاسم (الكنعاني) كون (الكنعانيين) هم أول شعب تمشى على قاعدة محبة الوطن، والارتباط الاجتماعي، وفقا للوجدان القومي والشعور بوحدة الحياة والمصير، وجاء بعدهم (الفينيقيون) الذين يعودون بجذورهم إلى (الكنعانيين) حيث أنشؤوا (الدولة المدنية) فكانت طرازا جرى عليه الإغريق والرومان. ونستنتج مما سبق عرضه، مقدما أن الأمّة العربية أمّة عريقة، بتاريخها وحضارتها، وتراثها، وإمكاناتها البشرية، والاقتصادية، والثقافية، واللغوية، وساهمت في عصور غابرة، في رفد الحضارة الإنسانية، بالمقومات الأولى للعلم والتطور، والتقدم، والنمو، والارتقاء، وهذا الدور لم تستطع أية قوة في العالم القديم، أن تلغيه، أو تحد من حجم تأثيره الكوني. وبكل تاكيد لن تستطيع أية قوة في عالم اليوم مهما بلغت من جبروت القوة وغطرسة التسلط الحد من تأثيره، حاضرا، ومستقبلا، وسوف تبقى الجاليات العربية في بلدان أمريكا اللاتينية، محافظة على هويتها وانتمائها للأمّة العربية، ورصيدا بشريا لسورية، وقوة لها، له امتداداته الجيوساسية والثقافية، والاقتصادية، وله مجاله الحيوي، وتأثيره المباشر وغير المباشر على صانعي القرارات السياسية والاقتصادية في هذه الدول وداخل منظماتها القارية (كالميركوسور- تحالف دول البا- واونا سور ومنظمة اويا) وغيرها من منظمات المجتمع المدني، وحقوق الانسان. ولا بدّ لهذه الدول من التعاطي مع التواجد العربي في هذه الدول بواقعية ومراعاته وأخذه بعين الاعتبار، عند اتخاذ أية قرارات سياسية تتعلق بمشاكل الشرق الأوسط، وقضية فلسطين العادلة.

تاريخ الهجرة العربية إلى أمريكا اللاتينية

يقدر بعض المؤرخين أن تاريخ الهجرة العربية إلى أمريكا اللاتينية يعود للعام 1874، فقد وطأتها أقدام الأخوين (زخريا)، وهما من أسرة واحدة من (بيت لحم) الفلسطينية، وتبعهما المنسنيور (باسيل حجار) عام 1877. وتؤكد المصادر التاريخية التي عثرنا عليها في بعض الكتب التاريخية الموجودة لدينا، أن حكومة البرازيل وقّعت مع الدولة العثمانية عام 1892 معاهدة لتنظيم هجرة السوريين واللبنانيين إليها. وهذا يعني أن الهجرة إلى البرازيل كانت قد بدأت من قبل ذلك بوقت طويل، لأن البرازيليين تعرفوا على طبيعة عمل ونشاط وحيوية السوريين واللبنانيين كأناس مرغوب فيهم بالهجرة إلى البرازيل للمشاركة في تعميرها وبنائها. ويبلغ عدد المتحدرين من أصل عربي اليوم في البرازيل حسب بعض الإحصاءات الرسمية حوالي 15 مليون إنسان يعملون في جميع مناحي الحياة وقطاعاتها المختلفة.

ولقد بدأت هجرة السوريين إلى الأرجنتين عام 1876، وبلغ عددهم حسب إحصاءات الحكومة الرسمية عام 1914 ب139500، وهي الجالية العربية الثانية من حيث كبرها بعد البرازيل، واليوم يبلغ تعدادها حوالي 10% من مجموع السكان، أي حوالي 3 مليون ونصف إلى 4 مليون متحدر من أصل سوري ولبناني، ويتواجدون في جميع مناشط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أمّا في تشيلي، فإن عدد المهاجرين من سورية ولبنان أقل، كون الهجرة إلى هذا البلد بدأت بهجرة الفلسطينيين وبشكل خاص مهاجري بيت لحم. وتؤكد المصادر التاريخية التي عثرنا عليها أن أول مهاجر فلسطيني هاجر إلى أمريكا الشمالية حوالي عام 1851 وكان اسمه (حنا خليل مرقص) حيث شارك في معرض عالمي للتحف التذكارية في مدينة (شيكاغو)، وخلال المعرض التقى تاجراً من المكسيك أعجب بسلع بيت لحم التذكارية ذات الطابع المسيحي، واتفق معه لزيارة المكسيك وإقامة معرض تذكاري هناك، ورجع (حنا خليل مرقص) إلى فلسطين للتحضير للمعرض، وبعد عامين وصل المكسيك أي عام 1853 محملا بالبضاعة المطلوبة للمعرض، ويكون بذلك أول رجل عربي وطأت أقدامه أرض أمريكا اللاتينية. وبعد نجاح (حنا خليل مرقص) في تصريف منتجاته، بدأ صناع بيت لحم يتقاطرون زرافات ووحدانا، إلى البحث عن مسالك الهجرة إلى الأمريكيتين لتصريف منتجاتهم، وأول مهاجر فلسطيني وصل إلى تشيلي هو (إلياس جبرائيل دعيق) عام 1880 واستقر في مدينة (كنسبسيون) الساحلية، واصطحب معه اثنين هما (يوسف جريس - وصالح يوسف جاسر) وهؤلاء دخلوا تشيلي، وهم يرتدون ثيابهم الوطنية (الطربوش – والجاكيت – والقنباز)، وحالما عرفت نساء تشيلي بأنهم قادمون من الأراضي المقدسة أخذن يتبركن بهم. ولقد وصلت أعداد لا بأس بها فيما بعد إلى كل من المكسيك – الأروغواي – والبراغواي – بوليفيا – فنزويلا- الإكوادور- كولومبيا - كوبا - وجميع بلدان وسط أمريكا وجزر الكاربيي. هذا وتقدر بعض الاحصاءات الرسمية اللاتينية حجم التواجد العربي بأمريكا اللاتينية في الوقت الحاضر ب40 مليون متحدر من أصل عربي، وهذا العدد في المعايير السكانية والديمغرافية الدولية (كبير جدا) ويشكل ثروة بشرية كبيرة إذا ما أحسن استغلالها لخدمة أوطانهم الجديدة، وأوطانهم الأصلية. والدوائر الإمبريالية والصهيونية، تقدر، وتعرف حجم تاثير هذا العدد أكثر من الدول العربية مجتمعة، فلجأت منذ وقت مبكر، إلى أساليب العزف على وتر الطائفية، والإقليمية، والتفرقة، لتمزيق وحدة هذه الجاليات، لمنعهم من تشيكل لوبي عربي فاعل سياسيا، واقتصاديا، في ظل غياب سياسات عربية واضحة تجاه المغتربين العرب، تعتمد الخطط التنظيمية والبرامج (التكتيكية – والإستراتيجية) ذات الأهداف بعيدة المدى. فجميع القيادات السياسية والبرلمانية للمتحدرين من أصل عربي، وصلت إلى مواقع السلطة، دون أي دعم عربي يذكر..!؟ فقد وصل (كارلوس منعم) المتحدر من أصل سوري بلدة (يبرود) إلى رئاسة جمهورية الأرجنتين، و(مخائيل معوض) المتحدر من أصل لبناني إلى رئاسة جمهورية الإكوادور، ولكن اليوم ومع الأسف يوجد توجّه أمريكي إسرائيلي، لمنع وصول أي مغترب متحدر من أصل عربي إلى رئاسة جمهورية أي بلد لاتيني. وبالعكس تعمل الصهيونية للاستفادة من تجارب المتحدرين العرب للوصول إلى السلطة في هذه البلدان، وذلك عن طريق تشجيع اليهود للدخول في الأحزاب الكبيرة، وعقد صفقات، وتحالفات، مع قوى واتجاهات سياسية لها حضورها الفاعل، برلمانيا وسياسيا، واقتصاديا، وإعلاميا، واتباع أساليب الرشوة والدعم المالي لهذه القيادات في حملاتها الانتخابية لتسهيل وصول اليهود لمواقع السلطة واتخاذ القرار، وعدم تكرار تجربة منعم في الأرجنتين ومعوض في الإكوادور، على الساحة اللاتينية. وينشط اللوبي الصهيوني بكل قوة لمنع وصول المرشحين العرب إلى مجالس النواب، وتمارَس أساليب اللعب على تناقضاتهم لتمزيق وحدة صف هؤلاء، بنفس الأساليب، والسياسات الشيطانية التي تمارس، ضد الدول العربية، لمنع وحدتها وتضامنها وإثارة النزاعات، والخلافات، والنعرات الطائفية، والإقليمية فيما بينها. هذا ويلاحظ وجود اهتمام اسرائيلي بدعم المرشحين اليهود في الانتخابات للمجالس المحلية، والبلديات وحكام الولايات، والمقاطعات، والبرلمانات المحلية والوطنية، وتستغل الاتفاقات الأمنية بين جهاز الموساد الاسرائيلي، الذي يعمل بحرية ونشاط دون أي رادع أخلاقي وقانوني، مع الأجهزة الأمنية في هذه البلدان بدعوى محاربة الإرهاب لتقديم هذا الدعم السياسي واللوجستي للمرشحبن اليهود، على حساب المرشحين العرب الذين بدأ حجم تواجدهم البرلماني يقل عن السابق في السنوات الأخيرة، بسبب هذه السياسات حصرا، وطبعا باستثناء بعض البلدان التي فازت بها قوى اليسار مثل فنزويلا – وبوليفيا والإكوادور – ونيكاراغو – وكوبا - حيث بدأت هذه الدول إعادة حساباتها من جديد بخصوص العلاقة مع إسرائيل، وعملت على طرد الأجهزة الأمنية الأمريكية والإسرائيلية التي كانت تعمل على أراضيها وضد مصالحها الوطنية.

دور العبادة المسيحية والإسلامية (كنائس - جوامع )

في عام 1922 اتخذ المجمع الإنطاكي المقدس لطائفة الروم الأرثوذكس برئاسة البطريرك (غريغوريوس حداد) قراره في إنشاء مطرانيتين إحداهما في( سان باولو) البرازيلية، والأخرى، في العاصمة الارجنتينة (بيونس ايريس) وفيما بعد في (المكسيك- وتشيلي). وفي عام 1941 وضع حجر الأساس لأول جامع في أمريكا اللاتينية في مدينة ( سان باولو)، وفي عام 1949 وضع حجر الأساس لبناء أول جامع في (بيونس ايريس) بتوجيه وجهود (المفوضية المصرية) حيث لا تزال تشرف عليه وزارة الاوقاف المصرية، وشيء لا بد من تسجيله للتاريخ، أنه دشن بناء الجامع المفوض المصري (محمد سعيد) والمفوض السوري الدكتور (زكي الجابي) ومطران الطائفة الأرثوذكسية (سرجيوس سمنة) وستة من رجال الإكليروس المسيحي، وقد صادف تدشين حجر الأساس زيارة للمطران (نيفون سابا) مطران زحلة وتوابعها للروم الأرثوذكس، الذي تبرع وقتها بألف ريال، ووعد بإرسال مبلغ آخر فور عودته إلى لبنان، والشاعر (جورج صيدح) بألف ريال، وتبعه بعدها الكثير من أبناء الطائفة المسيحية في التبرع، وهذا دليل واضح على أن أبناء سورية في الخارج كانوا ولا زالوا موحدين، بغض النظر عن انتمائهم، الطائفي والمذهبي، وكانوا يدا واحدة في السرّاء والضرّاء تجمعهم رابطة واحدة هي رابطة العروبة وحب الوطن من الايمان. وأمر آخر لا بد من تسجيله أيضا هو الدور الهام الذي لعبته دور العبادة المسيحية- والإسلامية في الحفاظ على القيم الروحية والعادات والتقاليد الشرقية، وبصفة عامة فإن معظم المهاجرين السوريين يعودون في أصولهم الروحية إلى الطائفة المسيحية الشرقية الروم الأرثوذكس، والسريان الأرثوذكس وطائفة الملكيين والطائفة الكاثوليكية وقلة من الطائفة البروتستانية، إضافة إلى الطائفة المارونية وغالبيتها من أصل لبناني، وبشكل عام تشرف على هذه المطرانيات والكنائس العربية في بلدان الاغتراب (البطريراكيات الشرقية) الموجودة في دمشق، ويأتي في المقدمة منها بطريراكية (إنطاكية) وسائر المشرق للروم الأرثوذكس برئاسة رعوية لغبطة البطريرك (أغناطيوس الرابع هزيم) الذي عرف عنه وطنيته وغيرته على أبناء رعيته في بلدان الاغتراب، ويقود هذه الكنائس بكفاءة عالية، في أمريكا الشمالية- وأمريكا الجنوبية - وأستراليا- وكذلك البطريرك (ذكا عواظ) المشرف الأعلى للكنيسة الارثوذكسية السريانية. هذا وتبقى الكنيسة الأرثوذكسية، الأكثر ثقلا ونفوذا في بلدان الاغتراب من حيث عدد أتباعها، وحجم تاثيرها، على الشارع اللاتيني، والسلطات المحلية والوطنية. وكون هذه البلدان تعتنق المسيحية، فقد حافظت الكنيسة الشرقية، بمختلف اتجاهاتها وتنوع طوائفها على دور أساسي في لمّ شمل عرب المشرق العربي مسيحيين ومسلمين، فالكنيسة الأرثوذكسية موجودة وحاضرة، ولها وزنها وقيمتها الاعتبارية والروحية، أمام السلطات الوطنية، ولا يقتصر دورها الرعوي على أبنائها المشرقيين، بل يدخل تحت لوائها أعداد كبيرة جدا من المسيحيين الأجانب، كونها لا تزال تحافظ على الإيمان المسيحي الشرقي والإرث الرسولي للسيد المسيح المشرقي الهوية، والانتماء. والطائفة المسلمة أيضا بنت جوامعها في كل منطقة حلّت بها، وحافظت على خصوصيتها، إلا أنهم يعتبرون أقلية في مجتمع مسيحي احترموا عاداته وقيمه، واندمجوا فيه. والشيء الملاحظ أن أولاد الطوائف المسلمة يفهمون ويتقنون اللغة العربية أكثر من أتباع الطوائف المسيحية، وهذا الأمر عائد إلى طبيعة التربية وقراءة القرآن الكريم. وما من شك فيه أنه يقع على عاتق الحكومة السورية مهمة تقوية صلاتها برجال الدين المسيحي- والإسلامي في بلدان الاغتراب من مطارنة وقساوسة وشيوخ لأن دورهم مفتاحي وعنصر أساسي في الحفاظ على منظومة القيم الروحية الشرقية، وحشد الدعم لمواقف سورية العادلة. وأعتقد أنه لا يوجد مشكلة حول هذا الموضوع، كون سورية وسفارتها في الخارج احتفظت بعلاقات جيدة مع جميع الهئيات والقيادات الروحية المتحدرة من أصل عربي. هذا ويلاحظ وجود تنافس شديد بين المملكة العربية السعودية- وإيران حول استقطاب الطوائف المسلمة في بلدان الاغتراب، وبشكل خاص بعد بناء مركز الملك فهد الإسلامي في العاصمة الارجنتينة بيونس ايريس، حيث يعتبر هذا المركز إنجازا حضاريا كبيرا من حيث البناء والتجهيزات والخدمات المقدمة فيه.

عدنان نقول

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى