الأربعاء ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨

النّورس

بطل رواية (النّورس) انطلق من الصفر، بدأ كنورسٍ صغير دون ريش، عمل بجدٍّ دون راحة أو خوف أو ضمير حتى نبتَ له بعض الريش، وعندما ارتفع قليلاً عن سطح الأرض، قرر التحليق عالياً كالنوارس، شعاره "الغاية تبرر الوسيلة"، و"اخطف لتعيش"، لأنه صاحب قناعة، أن خيرات الأرض كثيرة كمثل خيرات البحر، وما على الإنسان سوى التصميم والمخاطرة لخطفها كما تفعل النوارس!!

 من هنا يتم للقارئ استشعار بوادر صلة التشابه في القصدية الحكائية بين العنوان والشخصية الروائية والمضمون الحكائي، الحامل لقضايا إنسانية كبيرة. وبتوارد الاحداث الروائية على مسار الحكي يجري السرد للتعبير عن فكرة (المصلحة الفردية) على المستوى الخاص وإمكانية تحقيقها ضمن شبكة واسعة من الأشخاص الفاسدين على حساب (المصلحة العامة) الوطن. ومن خلال الشخصيات الروائية المتآلفة والمتناقضة في رؤيتها للحياة سوف يتلمس القارئ الموجهات القيمية والفكرية الفاعلة لدى الروائي غسان شبارو، والكامنة وراء إبداع هذا النص الروائي الذي تنهض الحكاية فيه على معنى جذري هو عدم الإحساس بالمسؤولية اتجاه الوطن لدى بعض الأفراد الطامحين للوصول بسرعة إلى القمة، والذين وجدوا في مستنقعات الفساد الوسيلة المُثلى لخرق القوانين والضمائر، متخذين من الأدوية المغشوشة سلعاً يتاجرون عبرها بصحة المواطنين.

 عبر هذا الخطاب نستطيع القول أن الكاتب جعل بنية النص الروائي تتصف بما يمكن تسميته بـ (بنية المجتمع) القائمة على تأسيس قاعدة عريضة (الأفراد) تصغر تدريجياً باتجاه القمة (السلطة) التي تقع أعلى الهرم، مع إفساح المجال لنقده وتحليله وتفكيكه وإعادة تركيبه عبر شخصيات روائية تصور التعقيد الذي بلغته الحياة المعاصرة، ولاسيما في بلدان العالم الثالث، وهو أمر له ما يبرره في الرواية الحديثة على اعتبار أنها جنساً مفتوحاً غير منته، وهذا التماسك يفضي بالتأكيد إلى تكامل يحقق لهذه الرواية أدبيتها ومشروعيتها. ولإنجاز مقاصد الاشتغال السردي واختيار التقنيات السردية الملائمة لما يُحكى كتب الروائي شبارو وفق طريقة خاصة، على نمط السيناريو السينمائي فعمد إلى تأسيس مشاهده واحداً تلو الآخر، ولجأ بعدها إلى عرض الوقائع التي تشكل بؤرة الحكاية (الصراع بين الخير والشر) و (القيم العليا والقيم الدنيا) معتمداً على إظهار ملامح الشخصيات، وإيقاع الأصوات - البحر والنوارس - وفي المتن السردي متكئاً على مبدأ التقاطب في تحديد ملتقطات الرؤية البصرية، كتلك التي يطيب للعاملين في مجال السينما أن يدعوها "زووم إن - زووم آوت"، لكي يحدد معالم الشخصيات وحركتها، وانفعالاتها، ومجال كل مشهد وزمنه ومكانه الذي تدور فيه أحد مكونات الحكاية.

 وبعد، "النورس" للكاتب غسان شبارو رواية تنتفض في وجه الفساد والظلم والقهر والخيانة، هي نموذج لما آلت إليه أوضاع شعب ووطن، كان في زمن مضى أنموذجاً لصنع الحضارة الإنسانية ورقيها وتقدمها، وقد حولته اليوم طغمة من الفاسدين إلى بازار للنهب والثراء غير المشروع.

تأليف: غسان شبارو

الفئة: رواية

المقاس: 14,5 × 21,5 سنتم

عدد الصفحات: 88

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون

ردمك: 978-614-01-2350-2

الكتاب متوفر في كبرى المكتبات

وعلى موقع NeelWaFurat.com


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى