الأربعاء ٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٨

قراءة في قصّة:"قضيّة في المدينة"

رفيقة عثمان

يعتبر الأدب البوليسي من فنون الأدب الهامة، ويعتمد على التحرّي والتشويق والإثارة للوصول للحقائق، وهذا النوع من الأدب من أكثر الأنواع قراءة، نظرا للغموض الذي يسلب القارئ، لمعرفة الحقيقة. أوّل من أسّس الرواية البوليسيّة الكاتب (أرغان ألان)، ومن بعده أمثال (أرثر كونان دويل) مبدع الشخصيّة الخياليّة (شرلوك هولمز) شخصيّة الشرطي المحقّق، (المرسال: أفضل الروايات العالميّة للأداب البوليسية، 2016) هذه هي نفس الشخصيّة التي ابتدعها (دويل) لسلسلة المغامرات البوليسيّة في قصصه، والتي تبنّاها الكاتب إسحاق الطويل، وعرّبها تحت شخصيّة البطل آدم.

كتب الكاتب إسحاق الطويل، قصّة"قضيّة في المدينة"، والتي احتوت على مئة وخمس وأربعين صفحة، من الحجم المتوسّط، وقسّم القصّة الى خمسة فصول. صمّم صورة الغلاف الفنّان رامي القُبّج، الصورة يسودها اللون الأسود، يغطّي صورة للمسجد الأقصى.

قضيّة في المدينة المقدّسة، قصّة بوليسيّة تدور أحداثها حول فك لغز الجريمة، وإلقاء القبض على الجُناة، أسوةً بالقصص والروايات البوليسيّة الأجنبيّة.

اختار الكاتب أربعة أبطال، لتحريكها في سرد الأحداث، أحد الأبطال هو الراوي نفسه، باسم بهاء، والبطل المحوري الثاني آدم، والشخصيّة الثالثة هو إبراهيم صديق بهاء.

يبدو أنّ الكاتب استلهم قصّته أثناء دراسته في مدينة كييف بأوكرانيا، واستخدم المكان مسرحا لسرد أحداث القصّة، والمكان الثاني هو مدينة القدس، لكون الكاتب (الراوي بهاء)، وصديقيه آدم وإبراهيم من مواليد هذه المدينة. لعب آدم دور البطولة، في التحقيق في جريمة قتل شخصين: رجل وامرأة داخل الجامعة التي كان يدرس فيها، نجح آدم بالكشف عن الجريمة بالتعاون مع محقّق الدولة، رافقه صديقه بهاء، ومن هنا روى عن بطولات آدم لصديقه إبراهيم، لدرجة بأن أصبح آدم يلقّب ب (هولمز القرن الواحد والعشرين)، ووصل إلى شهرة محليّة وعالمية في حل لغز الجريمة، وفي الفصل الأخير، نجح آدم في حل لغز وصيّة، لأب بروفيسور من المدينة المقدّسة، بعد توجّه ابنه إبراهيم، لصديقه بهاء، والذي بدوره ساهم في تشجيع آدم في حل اللغز. برأيي إنّ اختيار الكاتب لشخصيّة آدم للتحقيق، وإبراز تفوّقه على المُحقّق المختص، هذا أمر يّقلّل من مكانة المحقّقين، وانعدام الثقة بهم، والنقطة الثانية، هي عندما قام آدم بالتحقيق مع المحاضرين في نفس الجامعة التي يتعلّم بها كطالب، واتّهامه لهم بالقتل، والذين هم من نفس الجامعة، أنه أمر غير منطقي وغير أخلاقي.

زمن بداية السرد للقصّة، في أوّل أيلول من عام 2012 ; كما ذكر الكاتب في الفصل الأوّل كما ذكر الكاتب في الفصل الأوّل صفحة 13. اهتم الكاتب بعنصري الزمن والمكان (الزمنكية(.

لغة الكاتب سهلة وبسيطة، حواريّة وتقريريّة، تكاد تخلو من المحسّنات البديعيّة، والنص الأدبي السردي، ربّما هذا ما احتاجه الموقف لهذا النوع من النصوص، ألفت الانتباه لكثرة الأخطاء اللغوية، والنحوية. كان من الممكن التأني وتدقيق القصة قبل نشرها من قبل لجنة مختصة، ترعاها دار النشر، ويُلقى اللوم على دار النشر في الأخطاء الواردة بالقصة.

خصّص الكاتب قسطا كبيرا من النصوص والفصول حول حل لغز الجريمة في أوكرانيا، بينما الفصل الأخير، اهتم الكاتب في فك لغز الوصيّة في المدينة المقدسة، ومن هنا تناول الكاتب عنوان القصّة.

برأيي لو تناول الكاتب حل الألغاز داخل المدينة المقدّسة فقط، سيكون العنوان مناسبا وموفّقا أكثر.

لا شك بأنّ القصّة يسودها الخيال الخصب، الذي لا يعرف الحدود، والتمييز مع وقائع الواقع، الخيال فاق الواقع بل أكثر من ذلك، الخيال في القصّة شكّل عنصر التشويق فيها، وخاصّة نسج الحبكات المتتالية، كما يبدو بأنّ الكاتب متأثر بالروايات البوليسيّة، والمغامرات، والمطاردات حول البحث عن الجناة، هذا النوع من النصوص الأدبيّة تلائم جيل اليافعين، اللذين يتماهون مع الشخصيّات المغامرة، والعنف، ممّا يساهم في التفريغ العاطفي لديهم خاصّة في عمر المراهقة. هذا الجانب يُحسب للكاتب، في إبداعه بخلق ألغاز بحاجة إلى ذكاء خارق، لفكّها وحل رموزها الغامضة.

تطرّق الكاتب لحادثة"تشيرنوبل"عام.1986 حيث تعرض المفاعل النووي المدني للطاقة الكهربائي إلى تفجير كبير، وأصبحت المدينة منكوبة، أجد بأن عرض المعلومات التاريخية من خلال قصة، تُكسب الطلاب معرفة غير مباشرة بأحداث التاريخ، بعيدا عن التعليم المباشر غير المُحبب للطلاب.

يبدو أنّ الكاتب إسحاق الطويل، لديه الموهبة باختلاق الألغاز والمغامرات نحو حل الألغاز، فلا بدّ من تشجيعه بالاستمرار نحو هذا النهج في كتابة الأدب البوليسي، مع مراعاة مواطن الضعف التي وردت في قصّته الأولي، بحيث تصبح سلسلة من المغامرات في المدينة المقدّسة، وعرض أعماله على مختصّين قبل نشرها، لضمان الجودة. رغبة الكاتب بالاستمراريّة تظهر في نهاية القصّة، صفحة144."سأخبركم بحل (القضيّة الجديدة) يا أصدقائي في السلسلة الثانية من مغامراتي مع"هولمز القرن الحادي والعشرين".

برأيي قصة الكاتب إسحاق الطويل، تعتبر شيقة ومثيرة للأبناء اليافعين، ومن الممكن تعديلها ونشرها بين الطلاب في المدارس.

أجد ضرورة لتشجيع الجيل الصاعد والشبيبة على الكتابة والنشر، ولكن ليس بأي ثمن، هنا يطرح السؤال نفسه، من المسؤول وأيّة جهة تأخذ على عاتقها مسؤوليّة التوجيه والتدقيق، لإخراج القصص والروايات بأفضل صورة، فالمكتبات مليئة بالقصص والروايات التي لا قيمة لها، فهي إهدار، لوقت القارئ، وددليل على انخفاض المستوى الفكري والثقافي للأبناء.

رفيقة عثمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى