الخميس ١١ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
قصة كوردية مترجمة
بقلم مكرم رشيد الطالباني

صيد الدراج

كنا جمعاً من الناس مجتمعين في بيت العم كريم وكان العم أحمد قد نزل في إستضافتهم، ذهبنا لمعرفة احوال أقاربنا الذين يسكنون والعم احمد في المدينة نفسها، بعد الترحيب والتحية والسؤال، فتحت ابواب أحاديث كثيرة، وكانت لحوادث الماضي حصة الأسد، وكنا نحن متلهفين لسماع مثل تلك المواضيع، حيث نصغي لها بإحترام بالغ .
كان العم كريم ينفث في سيجارته ويتصاعد دخانها، ولم يكن يهدر فرصته في الحديث، فبدأ قائلاً :
ـ كان لصيد الدراج نشاط بارز في تلك القرية، لذا كان الآغا قد جمع اعوانه حوله، وكان لكل شخص بندقية صيد ومسدس وخنجر، على الكتف وتحت الحزام تباعاً، إضافة إلى السلوقي والمكوار .
وأستمر في الحديث: عندما كان يحين صيد الدراج، لم يكن الآغا ليمهل احداً، فيأخذ معه جميع أهل القرية للصيد، حيث كان يسلب جميع ما يصطادونه قسراً، ولم يكن ليستطيع احد أن يتفوه ولو بكلمة واحدة، يؤخذ الدراج إلى بيت الآغا ويقلى بالدهن، حيث يجلس الآغا وأعوانه وهم يتناولون لحم الدراج كالذئاب المفترسة، من جانب آخر كان الصيادون ينظرون في بيوتهم بقلق ويتنهد أطفالهم بحسرة .
وأستمر العم كريم قائلاً: في ذلك العام كنت أصبحت لتوي إماماً لجامع القرية، كنت وعائلتي نسكن في صريفة من القصب اهداها لي أحد أقاربي، حيث كانت النسائم العليلة تهب علينا، في أحد الأيام كان الجو مشمساً ومن جهة نهر سيروان كانت تهب رياح دافئة تهتز على إثرها أوراق الأشجار، أعلن عن موعد بدء صيد الدراج، فبدأ الآغا وأعوانه وأهالي القرية التوجه نحو الغابة، وكنت حديث العهد ولم أرَ الصيد في حياتي، فهذه أول مرة أجرب فيه حظي وذاتي، وكان رأسي يهتز بين رؤوس أهل القرية.
عند وصولنا الغابة، أطلقت كلاب الصيد فأستعدنا حيث حدث هرج ومرج، لم يمض وقت طويل إلا وسمعت منادياً ينادي: أمسكوا به.. فنظرت إلى ما فوق رؤوس القصب المنتشرة، وهناك رأيت دراجاً متجهاً نحوي، جاء ليحط بالقرب مني مختفياً بين الأدغال، هرعت دون أن أحدث جلبة أو أثير إنتباه أحد وأمسكت به بسهولة، ورميت به في جعبتي، أقترب مني أحدهم قائلاً: ألم تره، أنه حط هنا. قلت له لا أدري إلى أين ذهب. قال: إحتمال أنه أختفى بين الادغال .
فأبتعد عني الرجل، تنفست الصعداء وأطمئن قلبي. وهنا بدأ أحد الأطفال مجهشاً بالبكاء، توقف العم كريم عن الحديث فأنتهز الفرصة ليأخذ نفثاً من سيجارته، أنقطع الطفل عن البكاء بعد تهدئته وأستمر العم كريم قائلاً :
ـ أبتعدت عن موقعي قليلاً، كنت ابحث بين الأحراش والقصب فسمعت تارة أخرى: أمسكوا به . فنظرت حيث شاهدت دراجاً آخر متجهاً نحوي وفجأة أقترب مني وحط على الارض أمامي، فأستخدمت مكواري لكنني أخطأته لأسرع وجريت وراءه وتمكنت من الأمساك به بشق الأنفس، رميته في جعبتي أيضاً، وكاد احد الجذوع ان يبقر بطني.
كان الآغا وأعوانه على صهوات الخيول، وهم ينظرون بإتجاهي حيث شاهدوني وقتما أمسكت بالدراج فأجتمعوا حولي، قال احدهم: أين الدراج الذي امسكت به؟ إن لم تخرجه لنا فإننا سنلقنك درساً لن تنساه.
فأخرجتهما أمام انظارهم وقمت بذبحهما، ورميت بهما في جعبتي، حينما شاهد الآغا ما بدر مني، غضب وأمر بأخذهما مني قسراً، لكنني حلفت بالإيمان الغليظة بأنه لا يمكن لأحد أن يأخذهما مني، كوني لدي ولد مريض بحاجة إلى لحم، واللحم هو دواء مرضه، لذا ترونني فأني سآخذهما له، فغضبت بدوري وتركت المكان متجهاً نحو القرية، حيث تركوني وشأني، وعند وصولي البيت قامت زوجتي بتنظيفهما وبدأت بقليهما بالدهن .
كان الآغا وأعوانه قد وصلوا القرية أيضاً، وجمعوا كل ما اصطاده الرجال من الدراج، حتى أن العم فرج كان قد اخذ دراجاً وخوفاً من الآغا أدعى بأن السلوقي قد ألتهمه.
وأستمر العم كريم في روايته :
ـ كان الدراجان في المقلاة على النار، أرسل الآغا رجلاً من أعوانه في طلبي قائلاً لي:
ـ إن الآغا يأمرك بإرسال الدراجين له، ولم يحضر بنفسه لأن المقريء عباس هو الآن في إستضافته .
فقلت له :
ـ عد فإني سوف أجلبهما له بنفسي .
ذهب الرجل وكنت جذلاً لحضور المقريء مجلس الآغا، فقلت في نفسي هذه هي فرصتي يجب الآ ادعها تهدر .
وما أن انزلنا الدراجين المقليين من على النار حتى عاد رجل الآغا ثانية حيث قلت له : تفضل خذ هذا الفخذ من نصيبك .
غضب الرجل وقال : إنك تستهزء بنا . وقفل لوحده راجعاً .
بعدما تناولنا لحم الدراجين، تهيأت وذهبت إلى دار الآغا، ودخلت الديوان، كان هناك جمع غفير من الحاضرين، وكان الآغا جالساً واضعاً إحدى ساقيه على الأخرى وهو يهز إحداهما، أديت التحية والسلام، فلم يردوا التحية، وقفت ولم يجرؤ أحد منهم أن يقول لي: تفضل وأسترح. إلى ان قال المقريء عباس تفضل.. أسترح .
وما ان جلست، وعوضاً عن الترحيب بي بدأ الآغا موجهاً كلامه لي قائلاً :
ـ كريم، كيف يمكن لآغيين ان يعيشا في قرية واحدة ؟
ـ قلت له : أيها الآغا، إن قصدك واضح وضوح الشمس، لكنني لست بآغاً، وفيما يتعلق بالدراج، إني اقول إننا نحن الذين نقوم بإصطياد الدراج، لذا فإن لحمه محرم عليك كلحم الخنزير، والسبب واضح فلو بقر غصن او جذع شجرة بطني، فإن الدراج يكون ثمناً لدمي، أنني لست على إستعداد لمنح الدراج الذي أصطاده لك، في حين يتنهد عليه اطفالي حسرة .
فرد الآغا: حالك حال الآخرين، مثلك مثلهم. فقلت له: كنت في حياتي صادقاً، أمر بالقرب من الأسد ولن أهابه، إنك شره في تناول لحم الدراج فإذا اصطاد القوم دراجاً عليك أن تشتريه منهم.. لا ان تسلبه منهم قسراً وبالإكراه .. إن الله لا يقبل منك ذلك. إنني على يقين لو حدث مكروه لأحدهم فسوف تهمله ولن تسأل عنه ويذهب دمه سدى .
واستمر العم كريم قائلاً : وجهت كلامي للمقريء عباس وسألته السؤال التالي: هل أن في كلامي هذا خطأ ؟
فتحدث المقريء عباس مستشهداً بالأدلة موضحاً أن لحم تلكم الدراج حرام على الآغا كلحم الخنزير، ولا يجوز له أن يسلبهم إياه قسراً.
عندما سمع الآغا هذا الحديث سكن وهدأ، لكن بقي الغيض في قلبه تجاهي، وعندما حل الشتاء قال لي :
ـ لا يمكن لآغايين البقاء في قرية واحدة !!
فأدركت ما يعنيه بكلامه هذا ورحلت عن القرية إلى قرية أخرى وهناك تزوجت إمرأة اخرى .

قصة كوردية مترجمة

صيد الدراج

قصة وترجمة:
مكرم رشيد الطالباني

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى