السبت ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم فتيحة زقاي

الثالثةَ صَباحاً

السَاعة الثالثَة إلَا رُبع فَجرًا بِتوقيِت ُلنْدن، جَوٌ داَفئ يُعَادِل دِفئَ وطنيِ صَيفاً، زَخاتُ مَطر عالِقة علىَ ناَفذِتي الحاَئرةَ، وبِضع نجومٍ فيِ سَمائيِ عاَلقةَ، مُتَربعَةٌ علىَ طاوِلة الأسَى أَرسمُ النجاةَ في وَرقِ السكينةَ. شعري الأسود مُهملْ وعيُوني تُعاني من الأَرق المُقفَر ْ. رتَبت أشْيائي، وأَخفيت أدواتي الثقيلة، وأَفرشت مَنزلِي بِأكمَلهْ بسَجادٍ خَشنْ، كَيْ لاَ يُعرقِلَنِي شَيءْ عَنِ الَسَيرِ أو الركضْ، كنت أطفئت موقدي وأشعلت إنارتي الخافتة، تحسبا لما سيحصل، كنت قد انهمكت في الترتيب والتجهيز لأسابيع طويلة. والأيام المُتبَقية أَرغمت نَفسيِ لرَاحة لكن التفكيِر أَفسد َخُطتِي، فيِ نفْسِ اليومْ من السنَة الثالثَة على التوَالي، تتَوقف الساعات ويطول ليل بطول السَماء السَرمديَة، ويَطردُنيٍ النوم كَعابِرٍ بلاَ مأوَى، يَشتاقَ لِغفوةَ.

والجرَس ُينبهنيِ على الثالثَة، كل دقيقةَ أموتُ بألفِ َطريقة، تيك تاك تيك تاك، أَصغُر ِبحجْمِ نملة َ، وأُصارعُ الحياَة لأبقىَ، وَساعةَ تَدقُ أعْلايّ كَجَرسِ النِهايةَ، كَبوقُ الموتْ مَا عليَّ سوَى أنْ أُجازِف ِفي معركةِ المَصير لأَحيَّ، لَحظاتٌ بطيئةَ، وَكَبرتْ حجْم الغرفةَ و أخذتُ أُشاهدُ السُقوط البطيِء لِنفسيِ لكنِي لم َأسقط تمامًا، كانت رِجلاَيَ وأضْلعيِ تتَقلصاَنِ فقطْ وتَصغُرانْ حتى بدَوتُ بِحَجْم مِلعقةَ قهوةَ، أَصْبحتُ فيِ بُؤرةِ التجرِبة لَلْمرَة الثَالثَة مُجددًا، جَفَت أحْلاميِ حِينهاَ وَبدَأ العَدَ العكسِي نَحوَ البقَاء، سِرتُ أتَجنبُ الأَشياءْ مُحتملَةُ السُقوطْ، و أَرجوُا في أعماقيِ أنْ يكونَ اختباري هذاَ أَخَفُ مِنَ المَراتِ السَابقةَ المُميتةَ، إذَا بنَملة تَأتيِ إليّْ وهيَّ تبتَسِم لاَ أُصَدقْ، هلْ النَمل يبْتسم؟ أم البشر لا يَروُنَ ابتسامتَهُ البَعيدةَ،

كيف حالك؟ هل أنت جديدة في المنطقة

ضحكت: "بل أنا مالكة المنطقة، حَيَتنيِ بِمودة كَأنها سَعِدتْ برُؤيتي و َنَادتْ لِصديقاتهاَ، تعالوُا الملكةَ هُنا فَجأة هَبَ من كل جدران نَملٌ عَظيم ْ، اسودت به الغرْفةَ، شاهدتُ تآكل الأثاثِ والأشياء كخبز محمصْ يَتخاطَفون علَيه ِلأكلهْ، تم بَدأوا بِالجدراَن والأَرضِ تحْتيِ وأتساءل متى يَحينُ دوريِ، أسرعت نحو الباب، لَم أَرغب أن أُفكر كثيراً، يَكادوُن يَصِلونَ إليّ وَصرختْ الَنملة الأُولى هناك ، إنها تَهربُ من هُناك كُنت بطيئة جِدًا، آه لوْ كُنتُ بَشر، كُنت دَهَستكُم برِجليِ بِلا رَحمة، ُنت أركض بكل ما أمْلك من جُهد..حتىَ َاِلتصقت بيِ إحْداهنَ وأَمسكتني، وَهفتُوا جميعًا أمسكنَا بها، أبعدتهَا عنِي و غَرزتُ يدِي فيِ عَينْيهَا َكبيرتيْنِ حتى تَركتنيِ، ثمَ ضَربتهَا علَى رأسِهاَ مرارًا حتىَ أُغمِيَّ عليهَا..فجأة اختفوُا جَميعًا، حتى هي تبَخرَت أيضًا. وعادتَ الغرفة كما كانت كأَن شيْئا لم يحصُل، احْتضنتُ طرفَ السِتار وبَكيتُ بِحرقةَ، فلا شيَء حَقيقيِ مِماَ يحدثْ، لمَا معَي أجدُه حَقيقة، لما أنا بالذات

بَكيْتُ وأنَا أَعُدُ لَحظاتَ موْتيِ التِي َنجوتُ منها بأُعجوبةَ، بكيتُ بعدد الدقائق التي تنتظرني، بِعدَد النبضاتْ التي أسمعُها داَخليِ، وهيَّ تُنبهنِي أن اختبارا جَديداً سَيبدأْ، بَكيتُ حتى امْتلئ المكان ماءاً وانفَجرَ من كُل الاتجاهَاتْ، كيف لي أنْ أَنجوُا والموتُ بِحَدِ ذاته ُيُرِيدني أَن أفشلْ.
تيك تاك تيك تاك

كنْت فيِ القاعِ فـَجأةَ لَم أشعر ِبشيء كَأنَ الثالِثة َصباحاً قَدْ مرَتْ، وأتَتْ شَمسُ الحيَاة لِغُرفتيِ ونجوتُ ِللْمرة الثالثَة، هَل أنَا َأتنفسْ؟ هـَل عدتُ لطبيعتيِ؟ يمُكنني الاحتفال أيضاً صحيح
أتجاوز باب غرفتي وأركضُ للْباب الرئيسي بِسرعة عَادت قُوتي البشريةَ َتَجَاوَزتُ الامتحانْ وأناَ أَصرخُ من أعماقي فُزت، حتىَ خابَ أمليِ فَجأة إذَا بالماَء يَخنقنيِ وصَعُبَ عَليّ التَنفس، لسْتُ مَاهرةَ فيِ سباحةَ، حتَى إِني لا أُحب البحرَ كثيرا، كنْت ذكِياً هذه المرة، جعلتَ الماء موتي منْ تكون يا قاتلي، لا أخافك، فَلتظهر ْ، لنتقاتل، واجهني أَنت تدرِي أنيِ لا أملك شيء لأخسرَه، خَسرْت الجميعْ.. نفسي.. اهلي..

هَا أنا أمامك مُجردةٌ كل شيء حتى هُويتي قد مُزِقت فَلتقتلْنيِ ها أَغرقنِي حتَى الموت كنت مستسلمة له روحًا وجسدًا. لم تَعُد الحياة تُغرينيِ كَفِي السابق الموتُ أرحم، تَركتُ نفسِي و َسقطت ُسقوطاً حراً وغَفوتُ بِلاَ هَم، ونِمتُ بِسلامَ كأولِ مرةَ، التيِ نِمْتُ فيهَا بِسريرِي الطفوليِ، أَخذتُ أتحسَسُ حِينها نعُومة مَلمسهِ الجديِد وأَكتشفُ الأشياَء بِحواسِي، وأتنشقُ رائحتي القديمة بزفير طويلِ لا ينتَهي، وَعُيُونِي فِي زُرقَة الغُرفةَ السعيدةَ ِبِمولدِيِ، أصبَحت الأشياء تسير منذ أول مُهلَة، جئتُ فِيها للحَياة، كأنها تَستَقبِلُني للمرة الثانية بلهفة اللقاء الأول، كل شيء سَعيدْ بٍقُدُومِي، رائحةَ الكعكِ المُحلى تَشهد بِذلك، احتضنتني أميِ، وَجعلتني طِفلةَ للأبد، بخفة أسمعتْنيِ تَهويداٍت سَاميَة لم َأستطع أن أسألها ماَ كَانتْ، حتى استيقظتُ مُجددًا فِي سريرِي المُعتاد، وأوراقِي مبَعثرة بٍقصصِ الثالثة َصباحا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى