السبت ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم السيد محمد عبد المطلب محمود

إذاعـة حمـل

وَقَفَتْ أُمُّها تراقب الموقف من بعيد، ووالدها لا يستطيع التفوه بكلمة، وشقيقها ينتظر مغادرة زوجة عمه المنزل حتى يخبرها بذلك الأمر.

نَظَرَتْ إليهم نظرات متسائلة، وبادرت أخيها بسؤالها عن قرار خطيبها الأخير، فأجابها أنه يود فسخ اتفاقه معها، ولم يعد ينوي الارتباط بها.

كرَّت عليها نمور الحزن تهاجم صدرها، وفرَّت من داخلها طواويس السعادة، ودارت بها الغبراء دورة كاملة أفقدتها اتزانها، وجعلتها تسقط مغشيا عليها.

حملها أخوها وأسرع بها إلى المستشفى لإنقاذها، يرافقه والداه اللذان يدعوان الله بقلوب خائفة، وزوجة عمه الشامتة في كل مصاب يترك فيهم آثاره.

قام طبيب الطوارئ بتوقيع الكشف الطبي عليها، وعمل على إفاقتها، حتى فتحت عينيها الدامعتين تنظر للمحيطين بها، وتهرب بوجهها من سهام نظرات زوجة عمها الشامتة، فلا تخشى من فسخ خطوبتها ضياع خاطبها، ولكنها لا تتحمل نظرات المتربصين بها.

سأل أخوها الطبيب عن تشخيصه لحالتها، فابتسم طبيب الطوارئ، ونظر إليها يحاول تهدئتها، وسألها عن شهر ميلادها، فأخبرته أنها وُلِدَتْ في أول شهر إبريل.

ضحك الطبيب الشاب، وقال مازحا هذا شهر الحمل، ولا بد أنها تعرضت لصدمة في شخص وضعت فيه ثقتها، وأنثى الحمل عفوية لا تتحمل الصدمات.

وقعت كلمات الطبيب على الآذان كصدى الانفجار، وشخصت بعدها الأبصار، وتوجهت صوب الفتاة الأنظار، فسألوه عن تفسير تشخيصه، فالمريضة لم تزل عذراء.

استأذن الطبيب منهم للرد على هاتفه خارج الغرفة، وسيعود إليهم بعد قليل، ليفسر لهم ما يريدون تفسيره.

فرائص الفتاة ترتعد خوفا، تنظر لأهلها نظرات تساؤل وحيرة، ووالداها وشقيقها يحملان لها اتهاما بالخيانة، وعينا زوجة عمها تبتسمان ابتسامة صفراء، تهز رأسها بصمت الساخرين، وكأنها عثرت على كنز للنميمة يجعلها تهمزهم وتلمزهم به مدى دهرها.

خرجت زوجة العم بيدها تنظر في هاتفها المحمول، تنقل لسيدات العائلة من خلاله خبر حمل ذات العفة، أخبرتهم أنها معهم بالمستشفى، وقد زف الطبيب إليهم خبر حملها.

تلقت سيدات العائلة البلاغ، وأكملت مسيرة التبليغ، وتكونت من هواتفهم وكالة للأنباء العاجلة، يضيف سامعها رأيه على ما يسمع، حتى انتشر الخبر في العائلة انتشار أشعة الشمس منتصف النهار.

تساءل البعض عن كيفية الحمل، وتبادل الآخرون طعن الفتاة في ظهرها، وأضحى نبأ حملها حقيقة يعرفها الجميع في أقل من خمس دقائق.

فرغ الطبيب من حواره عبر هاتفه المحمول، وعاد للغرفة يعتذر عن التأخير، ويستكمل التشخيص، وعادت زوجة العم لتغطية الحدث، وتسجيل ما بقي من أخبار، حتى لا يفوتها ما تتوق إليه نفسها، وعمدت بعينيها وأذنيها وكل جوارحها إلى الطبيب تراقبه قبل أن يشرع في الكلام.

قال الطبيب:_

أنا من هواة عالم الأبراج، وأعتمد عليها في تشخيص العديد من الحالات التي أراها سليمة من الناحية العضوية، ودائما ما أصيب، ورأيت أن ابنتكم لا تعاني من أي مرض، وهي من مواليد أول شهر إبريل، وذلك يوافق برج الحمل، ومن صفات بنات برج الحمل العفوية والتلقائية، وسرعة الثقة بالآخرين، وهذا ما يعرضهن لصدمة قد تسبب لهن ما حدث لابنتكم.

هنا فقط تنفس الجميع الصعداء، إلا زوجة العم تجرعت بين جنبيها كؤوسا من عواقب إذاعة حمل كاذب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى