الجمعة ٢١ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم رولا سرحان

خاطرتان سياسيتان راهنتان

السيد حسن

السيد حسن نصر الله، رجلٌ حصيفٌ متزنٌ هادئٌ، تهمه مصلحة لبنان "الكبير" بمقدار ما تهمه مصلحة حزب الله والجنوب اللبناني، ويرتبط بفلسطين والقدس عاطفياً وعقائدياً وعربياً.

السيد حسن نصر الله رجلٌ واقعيٌ وعمليٌ، رجل دولة من الطراز الأول، مسؤول عن أرض ومصير شعب، يُدرك أهمية توازن القوى والتحالفات الدولية وعناصر القوة اللازمة لاتخاذ قرار الحرب والسلم. وما يجري في لبنان في هذا الوقت من تدمير ممنهج وواسع على أيدي القوات الإسرائيلية يستوقف المراقب ليسأل...

هل أعطى السيد نصر الله الذريعة لتقدم إسرائيل على فعلتها المبيتة ضد لبنان ومواطني لبنان من المسيحيين والمسلمين؛ شيعة وسنة ودروز؟ هل كان يُدرك السيد نصر الله أن العملية الجريئة المبهرة، التي أسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين وقتل ستة آخرين وانسحاب القوة التابعة لحزب الله من أرض العملية بدون أية خسائر ستكون لها هذه التبعات والآثار؟ أم أن تقديره لرد الفعل الإسرائيلي سيكون في حدود مقبولة قد تقف عند حد قصف بعض مقار الحزب أو مواقع الحزب العسكرية، ثم تجري عملية تبادل أسرى يخرج بنتيجتها سمير القنطار، وأسرى لبنان وغيرهم من السجون الإسرائيلية، ويسجل حزب الله نصراً وارتفاعاً في شعبيته ويضرب مثلاً في الجهاد والجرأة والتخطيط؟

إن رد الفعل الإسرائيلي على العملية التي نفذها حزب الله، تذكر من عايش تلك الفترة برد الفعل الإسرائيلي الذي رافق اغتيال أرغوف في بريطانيا، والذي أعقبه اجتياح لبنان وتدمير البيوت وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982.

والذي عايش تلك الفترة، لا زال يتذكر حجم الدمار الهائل الذي ألحقته إسرائيل ببيروت وحجم القوة التي استخدمتها خلال ثمانية وثمانين يوماً، والعالم لم يتحرك، وانصرف حينها إلى متابعة مباريات كأس العالم على شاشات التلفاز، معتذراً للفلسطينيين واللبنانيين بأنه يُريد وقتاً ليروح عن نفسه وينصرف عن مشاهدة القصف والدمار الذي تُلحقه الطائرات والبوارج الحربية والمدفعية الإسرائيلية ببيروت المحاصرة وسكانها من لبنانيين وفلسطينيين.

فاجأ الصمت والعجز العربي حينها المقاتلين المدنيين المحاصرين في بيروت، لكنه لم يَفُتّ في عضدهم، وصمدوا متعاضدين متلاحمين، وحالوا دون اقتحام 120 ألف جندي إسرائيلي ومئات الطائرات تُساندهم في بيروت الصمود.

كان السيد حسن نصر الله وقتها شاهداً شاباً على العجز العربي إلى حد التواطؤ، وشاهداً على جبروت إسرائيل وعدم التزامها بمواثيق وأعراف دولية وقانون إنساني. لذلك، نجده في خطابه الذي ألقاه على شاشة تلفزيون المنار، بعد ثلاثة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي الهمجي، هادئاً مرهقاً، لا يُمني نفسه بعون عربي أو إسلامي، معتمداً فقط على ما لديه من عناصر قوة مادية ومعنوية، يعتقد أنها كافية لردع إسرائيل عن الاستمرار في عدوانها وتوسيع رقعته.

هل فُرض الرد الإسرائيلي بهذا الحجم على السيد نصر الله وحزب الله ؟ وهل شكل له مفاجأة؟ أم أنه خطط لذلك لصالح قوة إقليمية قد تكون إيران أو سوريا، أو كلتاهما معاً؟

لا أعتقد أن السيد نصر الله قد فوجئ بحجم الرد، وربما يكون قد فاجأه موقف قوى إقليمية توقع منها موقفاً عملياً أكثر مما سجل حتى الآن. وهنا يكمن خطأ السيد نصر الله الذي عايش حرب بيروت... وخطأ الشاطر بألف.

لكن حسن نصر الله سجل للتاريخ أنه قصف إسرائيل بنحو ألفين من الصواريخ، فاخر صدام حسين أنه قصفها بنحو أربعين عام 1991، كلفه المثول في قفص الاتهام، تحاكمه محكمة عراقية بالإنابة عن أمريكا التي تحتل العراق لمصلحة إسرائيل.

وكما يُسجل التاريخ ملاحم النصر والهزيمة، فإنه يُسجل للأبطال أنهم أبطال...

إن أصابوا لهم أجران... وإن أخطؤوا فلهم أجر...

قلوبنا مع فلسطين

" قلوبنا مع أهلنا في فلسطين " عبارة نسمعها تتردد على ألسنة المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، في الفضائيات وعبر الإذاعات.

تُذكرنا هذه العبارة، بالعبارة التاريخية للإمام علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه: " إني لا أريد دعاءكم وإنما أريد سيوفكم ". كانت السيوف حينها قد تجندت تحت راية معاوية بن أبي سفيان الذي أسس لملك عضوض، ولدولة أموية على أنقاض الخلافة الراشدة.

والقادة العرب اليوم والمسلمون يخذلون اللبنانيين والفلسطينيين، ليحافظ كلٌ قائد منهم على نفسه وحكمه، رغم القلوب التي تلتهج بالدعاء، والتحليلات التي تبدأ بـ " يجب " وتنتهي بـ " يجب "...

كلنا يعرف ما يجب وما لا يجب لنصرة لبنان وفلسطين...

 يجب أن تتحد المصالح العربية...لكن العرب مصالحهم مشتتة وأهواؤهم متفرقة.

 يجب أن تتفق الدول العربية على خطة عمل لمحاربة إسرائيل وتشكيل قوة ردع عربية، تُعيد لهم كرامتهم وعنفوانهم المسلوب... لكن العرب لا يتفقون ولا يتحدون.

 يجب أن تدرك الدول العربية، قبل إعلان الحرب على إسرائيل أنها قد تنتصر وقد لا تنتصر، لأنها تدرك قوة إسرائيل ورد فعلها، أو تتصور حجم قوتها ورد فعلها.

 يجب أن يُضحي الحكام بمصالحهم الذاتية لصالح المصالح الوطنية... لكن الحكام لن يُضحوا.

ولأن الدول العربية لن تُعلن الحرب، ولن يتخلَ الحكام عن مصالحهم، ولن يتحدوا أو يتفقوا، فلا حاجة لدعائهم ولا لقلوبهم، فسيوفهم هذه المرة ليست مع "علي" بل مع العدوان الإسرائيلي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى