الخميس ٣٠ أيار (مايو) ٢٠١٩
قراءة في قصة

«دمية السليكون» للكاتب سعيد رضواني

خديجة بوتني

تحكي القصة بضمير المتكلم علاقة جراح متخصص في التجميل بفتاة شابة ثرية.

يعلن السارد مند السطور الأولى أن الطبيب يعيش انحرافا مهنيا صارخا، أدى به إلى عزلة تامة عن ما يجري حوله، حياته منحصرة في التقاط "تشويهات "جسد صديقته و السعي وراء تقويمها بسلسلة من العمليات التجميلية.

أما الفتاة الموجودة في ثنايا القصة فهي تبارك ما يفعله الطبيب بجسدها من جهة، لكي تظهر جميلة ومن جهة أخرى كي تحافظ على علاقتها به في انتظار تحقيق أحلام بسيطة، سكن،زواج، ابناء.

تبدأ القصة في وصف حالة الطبيب داخل الزنزانة و عن طريق فلاش باك و بلغة سلسة تعتمد على الوصف الباطني و الإيحاءات و تكرار فقرات بكاملها بدون أن يحس المتلقي بالملل رصد السارد علاقته الشائكة و الفارغة من كل ما هو روحي مع صديقته.

الملاحظ هو أن هذا السارد لا يعرفنا بأسماء الشخصيات و يقدم الفتاة بضمير الغائب و بدون ملامح، وحيدة صحبة كلب.

ورغم أن القارئ يتوجس مصيرها البئيس منذ قراءته العنوان إلا انه يشتاق لمعرفة ما ستؤول إليه حياة هذه المرأة التي وقعت في مخالب مستلب فكري ذهب برضا صديقته إلى آخر مدى.
و تلتقي هذه الحالة بحالة السارد نفسه، فمنذ العملية الجراحية الأولى يتراءى للجراح طائر شؤم و مع ذلك يصر على تشكيل "دميته "مرات عديدة و عبر سنين في البحث على أيقونة مثالية.

في خضم هذه الورطة تدور عجلة الزمن الذي سيتكلف بتفكيك و تشبيك خيوط هذه العلاقة.

و يصاب الطبيب بالخيبة و بعبثية انجازاته عندما يكتشف ترهل جسد صديقته و تغضن و جهها و انطفاء بريق عينيها، فيجد نفسه مضطرا للزيادة في كميات المخدر و تنويع المشارط و الإبر و الآلات في سباق هستيري مع الزمن الذي يقال عنه "إن لم تقطعه قطعك "لأجل رؤية الجمال.

جمال الجسد الذي عشق و شفط خلال عشر سنوات، هذه الثنائية الفلسفية التي عاشها الطبيب بين الزمن
و المشرط ستنهك جسد صديقته و تفضي به إلى السجن.

تحيلنا هذه القصة إلى ظاهرة اجتماعية يعرفها الوسط المغربي في السنوات الأخيرة و هي تردد عدد كبير من النساء الميسورات و حتى ذوات الدخل المتوسط على مصحات التجميل الخاصة لشفط الدهون

و الزيادة في الأرداف أو النقص منها و تقويم الأنف و هذا يدل على مدى تمكن العولمة من التغلغل في حياتنا الخاصة و السعي إلى تنميط أجزاءنا الحميمة، و قد لعبت و سائل الإعلام دورا ملحوظا في هذا المجال استجابة لمنطق الصورة و خطابات الماركوتينغ لأجل الاستهلاك السريع.

و القاص سعيد رضواني استطاع و بحس فني و فلسفة عميقة التقاط هذه الظاهرة بدون إصدار أحكام قيمة على شخصياته، فجاءت كتابته جسدية راقية، بعيدة على البورنو، تتيح للقارئ و ضع تساؤلات عن مفهوم الجمال عن معنى الحب و تجعلنا نكتشف في قصة جميلة كم هي قصيرة المسافة بين الحياة و الموت.

خديجة بوتني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى