الأحد ٩ حزيران (يونيو) ٢٠١٩

حوار مع عفاف الخليل

خالد ديريك

لم تبحث يومًا عن الشعر، بل كانت تصادفه في الأزقة والطرقات من خلال رحلات البحث عن الذات. عشقت القلم فأتاها نجوى من سحر الطبيعة كمناداة على هيئة تغاريد وأنغام الطيور ... التقطت الروح لحظات الحب والجمال... فردت أجنحة للفرح، فكتبت قصائد تعانق الإبداع من الذاكرة الممتدة في بانوراما الحياتية.

لا تحب القيود التي تحد من متعة الكلمة، ولا الأقفاص التي تهيض أجنحة الحرية، تريد الطيران إلى أبعد نقطة في فضاء الحرف وخفقان القلب، والارتواء من الينابيع العذبة التي تسيل منها الماء النقاء ويمنح الروح زخمًا للحياة والفكر المزيد من الإبداع. تمتلك أخيلة واسعة لترتب بها الحروف وتهندس الجمل والكلمات، فتنتح التفرد مهيبًا كأزهار تتفتح بعد شتاء ثقيل. إنها شاعرة تسير خارج قوالب وأُطُر مزاجية لقوانين النقد التي تحصر الإبداع، وذلك لتصل بالكلمة العفوية من روح الشاعر إلى مصاف أرحب وأكثر رونقًا واندهاشًا.

عفاف مزيج من تلك الطفلة التي لوَّنها الصباح بالشفق وتحسَّس الأهل تراتيل روحها فنصبوا لها أرجوحة ... وفي هذا السياق تقول: بينما كنت أعانق السماء وأنا أمتطي الأرجوحة تحسست قلبي ... كان ينبض ويعانق الفضاء ... وفجأة نبت لي جناحان سيؤلمانني إن لم أستخدمهما في الطيران ... ومن يومها وأنا أرتكب فضاء الشعر حتى أنجو به من سرب الرصاص الذي ينتظرني في الخارج وأطعن بالقصيدة ظلمة روحي التي سفحتها قسوة المدائن ...!

عفاف الخليل من محافظة حمص ـ سوريا، حاصلة على دكتوراه فخرية بالأدب من المجلس الأعلى للإعلام الفلسطيني، وإجازة باللغة الإنجليزية، دبلوم تأهيل تربوي، دبلوم علوم الطاقة الحيوية. لها ثلاث مجموعات شعرية: ـ نبضات عاشقة ـ أزمنة لصيف آخر ـ إليك أشيل ارتحالي. ـ كتاب أبحاث (أجمل ما قرأت) ـ مجموعة قصصية قيد النشر (مذكرات حرب) ـ مجموعة شعرية مخطوطة.

نص الحوار ....

لم تكن لدى الشاعرة الخليل أي خطة لمشروع الشاعرة، كل ما هنالك إن قلبها نبض للجمال والحب، وعلى يد والدها الشاعر تعلمت كيف تلملم الصحوة وترسم الينابيع:

إن الشعر لا يحتاج إلى أي ترتيبات مسبقة ... فقط قلب يستشعر الجمال، وورقة تتلقى القصيدة.

والدي يكتب الشعر وله أكثر من ثماني مجموعات شعرية، وبما أنّه مدرس لغة عربية فقد تعلمت على يديه كيف ألملم الصحوة وكيف أرسم الينابيع التي تسقي عطش العمر. ومن مكتبة منزلنا التي حملت بين رفوفها عوالمَ غريبة عشتها طفولةً وشباباً جعلت مني أنا أخرى، جعلت مني أكثر استشعاراً للحب والجمال ودعتني لأختصر صوتهما في قصيدة.

تضيف: لم أبحث يوماً عن الشعر، كان الشعر يأتي في الطريق وأنا أبحث عن ذاتي ... عن الجمال ...عن الطبيعة ... وعن الذاكرة الممتدة من واقع الفرح إلى ملاحم الغيم.

ترى الخليل بأن الشاعر هو حالة شعورية دائمة، وليس هناك طقس معين يستجلب للشاعر أخيلة أو إلهام شعري:

الشاعر هو حالة شعورية دائمة، هو أزيز صخب وصانع للجمال والحب وإبرة مغناطيسية في بوصلة القلب، تهتز مع أضعف الأحاسيس للجمال، في الخارج ...الشاعر هو قنبلة موقوتة إن شئت. عند أول إشارة جمال أو حب تنفجر لتولد القصيدة فالكتابة الشعرية لا طقوس لها سوى اندماج هذه الحالة باللحظة الجمالية الملتقطة من قبل الشاعر ... وكلّما كان الشّاعر أقرب للجمال وقادراً أن يتحسسه بروحه كلّما كان يتدفق من روحه على شكل قصيدة.

تتابع: في دمي هسيس ربيع ... وقفازات أنجو بها من رماح القبيلة، وفي الليل أتحسس وجهي في المرآة فأجد أن ملامحي تحمل قبضة شوق وصراخ، فأمسك بقلمي وأنحر القصيدة...!

القصائد التي تتغلغل في الذاكرة هي قصائد مخاتلة تطرب على المسامع، أما المنثورة موسيقاها معقدة لا ضير من عدم حفظها:

هناك قصائد تجوس في مخيلتك، وتتحرك في رأسك ... قصائد مخاتلة تترنم بها على مدى الوقت لأنها ترصد حالة شعورية جذابة وتنسكب بطريقة أخاذة تسرق مخيلتك ... قصائد أحفظها وألقيها بلا ورقة ولكن هناك قصائد أحتاج أن أتذكرها وخصوصاً القصائد في الشعر المنثور لا تتبع موسيقا لذلك ترصد حالة شعورية غاية في التعقيد؛ لذلك تكرس الصعوبة ولا ضير من قراءتها من ورقة أو كتاب.

تؤكد الخليل بأن الشاعر لا يحتاج إلى ورقة الإثبات من خلال طبع الدواوين الشعرية حتى يحصل على صفة الشاعر وبالتالي رخصة العبور إلى النادي الشعري:

قطعاً لا ... الشاعر هو حالة شعورية موجودة سواء أثبت ذلك أم لا، وهناك شعراء كانوا يرفضون أن تنشر لهم دواوين ولم تنشر حتى توفاهم الموت، ثم لاحقاً قام الأهل والأصدقاء بجمع ما خطّ خيالهم كالشاعر العراقي مظفر النواب والشاعر السوري محمد الماغوط ... ولكن برأيي لابد من جمع ما يكتب الشاعر ليس كترخيص للعبور والانضمام إلى النادي الشعري؛ لأنه برأيي لا يحتاج الشاعر الحقيقي إلى إثبات على الورق، فهناك كتب ومجموعات شعرية ... كثيرة وكثيرة جداً مصيرها رفوف المكتبات والغبار ... أنا أحب أن تجمع قصائد الشاعر للأرشفة وتوثيق الحالة الشعرية بزمن ، حتى يربطها الشاعر بالزمن واللحظة.

تختصر ماهية عناوين مؤلفاتها الشعرية بالشكل التالي:

ـ المجموعة الأولى "نبضات عاشقة"

هي مختصر لكل الكلمات التي أردت أن أقولها له ... هو من يسكن القلب والنبض معاً، ومن المجموعة أقتطف لأختصر سؤالك:

ما أروعَك ما أروعَك
صارتْ دروبي جَنّة وأنا مَعك
صارت دموعي أحرفاً كي أكتُبَك
فلتبنِ في مشْتى ضلوعي مطرَحك
هيا تعال لأنّني قد بعتُ عُمري كلّه
كي أتبعك ...!

ـ المجموعة الثانية "أزمنة لصيف آخر"
أيضًا تتحدث عن الآخر ... بعد فترة نضج المشاعر وتبلور الأحاسيس لأقول:

لم يزلْ فيكَ المكان
عارياً مِنْ كلّ جام
لمْ تزلْ تبكي الخزامى
من عيونٍ لا تنام
لم أزلْ ألمسُ كفاً
فيه بعضٌ مِنْ سَلام
لا تغبْ
لو غبتَ عنّي
فعلى الدنيا السّلام ...

ـ المجموعة الثالثة "إليك أشيل ارتحالي"
وهذه المجموعة تختصر عشقي للوطن حيث أقول:
قم يا وطن ...
ما زال في دمنا زمن
قم لمّ فينا الياسمين
وفطور جدتي المكثف
بالأماني والحنين
قم رتّب غرفَنا الضيّقة
وانشر وروداً عبرَ دربِ الصّامدين!

تحب القصة وتجدها أكثر صعوبة من الشعر:

القصة هي فضاء آخر ... القصة هي التقاط أحداث موجودة على أرض الواقع وإلباسها لغة سردية شيقة وجذابة مع منحها روحاً لتوصل الإحساس الحقيقي والصادق الذي تمّت أرشفته من قبل الكاتب.

أنا أحبّ القصة وأجدها أكثر صعوبة من الشعر لأن القاص مؤتمن على اللحظة الحقيقية التي تحمل رسالة كونية هادفة يريد إيصالها إلى المتلقي؛ لذلك يجب أن تحمل أسلوباً راقياً وحبكةً تجذب القراء ولغة متوثبة تشده وتريحه ليصل إلى الفكرة بكل جمال وإحساس.

أفصحت الشاعرة عفاف الخليل حين سُئلت عن رأيها بالنقد والنقاد، أنها ضد كل أشكال النقد وتدعو إلى إلغاءه:

إنه سؤال غاية في الدقة ... أشكرك عليه

.. أنا ضدّ أيّ شكل من أشكال النقد... الشاعر الحقيقي هو ناقد ذاته دائماً طالما أنه يقوم برمي قصائد قديمة ضحك عليها لأنها صدرت مرّة عنه... الشاعر هو ناقد نفسه لذلك أنا أدعو لإلغاء النقد ... لأن الناقد ينصّب نفسه حاكماً على كتابات الآخرين بمقاييسه وقوانينه الخاصة، والشعر أو الكتابة بالعموم عالم وفضاء واسع وأجمل ما فيه أنه لا ينتمي إلى قوانين، فالكتابة هي رصد حالة جمالية والجمال لا تقييد ولا قوانين له بالمطلق.

لذا فهي تنبذ سعي الكاتب والشاعر لإرضاء ناقد نصب نفسه كحاكم ووضع معايير بعيدة عن جوهر الشعر:

أمّا تدخل الآخرين بكتاباتي؛ سواء سلباً أم إيجاباً فهذا أمر راجع إليهم، ولكني لست مع سعي الكاتب أو المبدع عموماً لإرضاء الناقد ومحاولته رسم معالم صورة يراها الناقد هي الأجمل، لأن الأساس هو إحساس الشاعر ونظرته للجمال وتفاعله معه، سواء كان ما يكتبه مرضياً للنقاد أم غير مُرضٍ لهم، فالإبداع ملك صاحبه لأنه عبق روحه ولا أحد يستطيع تأطيره على مزاجه ووفق مقاييسه الخاصة، وما يدعوني لقول ذلك هو ما نلاحظه من وضع كثير من النقاد معايير ومقاييس بعيدة كل البعد عن جوهر الشعر والحالة الإبداعية كما يراها الشاعر والمبدع.

أمسيات شعرية

شاركت بأمسيات للشعر المترجم، لكنها لا تحبذ امتهان الترجمة الشعرية والكتابية، والسبب بين أسطر أدناه:

دراستي للأدب الإنكليزي والاطلاع على شعر الأدباء الغربيين من شكسبير وبايرون إلى ألفرد توماس ولورانس وجون داون .... وغيرهم كل ذلك عزز عندي الذائقة الشعرية والصور الغريبة والأفكار العميقة. لقد شاركت بأمسيات شعرية للشعر المترجم، كنا نقرأ الشعر الإنكليزي ونترجمه ونتمتع بصور وفضاءات رائعة أخرى، ولكن لا أحب أن أمتهن الترجمة لأنها عملية حساسة وتحتاج إلى دقة عالية فالمترجم مؤتمن بإيصال الفكرة الحقيقية والشعرية معاً، وهذا يحتاج إلى الكثير من الجهد والموهبة.

علم الطاقة والتنمية البشرية

الأستاذة عفاف الخليل الحاصلة على دبلوم الطاقة الحيوية ...تصف علم الطاقة بالقدر والحاجة لأن، علم الطاقة يعني علم النفس أو التنمية البشرية أو البرمجة اللغوية العصبية ... أو تطوير الذات... أو رفع الوعي.... وغيرها.

علم الطاقة بالمختصر هو معرفة كيفية تطوير وعي الإنسان... هو إتقان تماهيه مع الكون ومدى انسجامه في مداره الذي يدور فيه... هو إعمال للعقل ... والمقدرة على التحكم بالعاطفة بشكل منطقي. الطاقة سواء قنعت بعض الناس أو لم تقنع هي قدر نحن قادمون إليه لأنها حاجة ...

أنت بحاجة لتكون سعيداً ومستقراً من الناحية النفسية ... ولتكون كذلك يجب أن تعرف نفسك أولًا والكون الذي تعيش فيه ثانيًا ...

وتختصر الفكرة بمقولة محببة عندها وهي:

[انتبه لأفكارك لأنها ستصبح أقوالاً، وانتبه لأقوالك لأنها ستصبح أفعالاً، وانتبه لأفعالك لأنها ستصبح عادات، وانتبه لعاداتك لأنها ستصبح طباعاً، وانتبه إلى طباعك لأنها ستحدد مصيرك]
... نعم هذه هي الطاقة بالمختصر هي تعلمنا كيف نستطيع تحويل الأفكار إلى مصير، هي تعرفنا كيف نستطيع إعمال الفكر ... وزيادة الوعي والسعي لمعرفة ماهية الوجود والتطور لتغيير أفكارنا من كل شباكها وقيودها وتحررينا من أنفسنا.

معان وتجليات بعض المفردات في حياة وكتابات الشاعرة عفاف الخليل:

الحب: هو الحقيقة الوحيدة في الكون وما تبقى وهم.

الوطن: هو الانتماء ... التربة التي تؤمن لجذور شجرتك النسغ للحياة.

الغربة: هي ألا تكون قادراً على التنفس والانتماء وإعطاء الرأي والتمتع بأبسط حقوقك الإنسانية حتى لو كنت في وطنك ...

الحرب: ابتلاؤنا بغباء الآخرين

لو كان معي رصاصة سأطلقها على الحرب لتموت ...

أقول في إحدى القصائد:

أمي ما زالت الحرب هنا ...
والشهيد الذي ابتلعته الأرض
يصرخ في دمي
أمي هناك شيء ما...
صراخ ... لقد وجدت صراخاً
في الطريق...
آثار أقدام ...
كانت تذهب إلى الله
الحرب التي
ما زالت تنهشنا ....!
.... .... .... .
دم على الطريق
سأرسم به هاوية
وملابس يدخل
من شقوقها الرصاص.

الحبر: هو النسغ الذي يمدنا بالحياة

الأزهار: هي كلمات الله للطبيعة

الذكريات: ماضٍ أقرأُه على مسامع القلب فينبت الحنين

التجاعيد: هي مرور الزمن على وجهك ... ومرور الوجع على روحك ...

هناك ومضة لي بذلك أقول فيها:

وأنا أعِدُّ تجاعيدَ وجهي
تعثرتُ بابتسامةٍ
فأخفتهم جميعاً.
الشباب: هي كل لحظة أنت قادر أن تفعل فيها شيئاً للآخرين ... وهي أن تعرف كيف تبتسم لتخفي تجاعيد روحك.

تختم الشاعرة والكاتبة عفاف الخليل الحوار بمقطوعة من أشعارها:

اليوم رُزِقتُ بقصيدةٍ
كانت تتلعثمُ بحنانكَ...
أُريدُ أن ألوّنَ الوقتَ بكَ ...
أضيئُ الفراغَ بوجودكَ ...
لينْبُتَ عشبٌ على خوفي
وزقزقةٌ على كلماتي
فقط تلويحةٌ منكَ ...
تُزيحُ كلّ وساوسي
وأنجو بدمعةٍ
في نهاية القصيدة

خالد ديريك

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى